الثلاثاء، 5 يوليو 2016

2-من خواطري القرآنية عن أهل الكتاب وأسباب خلاصنا الأبدي

من خواطري القرآنية عن أهل الكتاب

وأسباب خلاصنا الأبدي

د. منى زيتون

الاثنين 6 أبريل 2015‏

http://www.arabpens.com/2015/04/blog-post_55.html

مزيد ومنقح ضمن مقالات كتابي "تأملات في كتاب الله"

 روى الإمام البخاري في صحيحه (3435) حدثنا صدقة بن الفضل: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، قال: حدثني عُمير بن هانئ قال: حدثني جُنادة بن أبي أمية، عن عُبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". قال الوليد: حدثني ابن جابر، عن عُمير، عن جُنادة، وزاد: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".

وقد علّق د.مصطفى البغا على الحديث في البخاري فقال: "(حق) أمر ثابت وحاصل. (على ما كان من العمل) أي يكون دخوله الجنة على حسب ما قدم من أعمال في الدنيا فإن لم تكن له ذنوب يعاقب عليها بالنار كان من السابقين، وإن كانت له ذنوب فأمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ثم كانت نهايته إلى الجنة"أهـ.

والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه (46/28) بالزيادة، برواية داود بن رُشيد عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن عُمير، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. وقال الإمام النووي في شرحه في "المنهاج" "(أدخله الله الجنة على ما كان من عمل) هذا محمول على إدخاله الجنة في الجملة، فإن كانت له معاصٍ من الكبائر فهو في المشيئة، فإن عُذب ختم له بالجنة"أهـ.

ورغم ورود الحديث في الصحيحين فقد بحثت عن اتفاق الحديث مع آيات القرآن حتى أصدقه تمام تصديق، وراجعت الآيات التي ذكر فيها حال أهل الكتاب، والحمد لله فقد جاءني الجواب من ربي.

تعلمنا منذ صغرنا أن سورة الكهف هي عصمة من الفتن، وسواء كنا نؤمن بقدوم ذلك الدجال الذي سيدّعي أنه السيد المسيح في آخر الزمان ليتبعه حمقى كل الأديان السماوية أو لا نؤمن بقدومه، فأغلب المسلمين يقرأون هذه السورة كل يوم جمعة.

وفي مطلع سورة الكهف يقول الله عز وجل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا* قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا* مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا* وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا‏﴾.

فالله سبحانه وتعالى في افتتاحية السورة -وبعد أن يلفتنا إلى الطريق القويم الممثل في كتاب الله الذي أنزله على رسولنا محمد- ينذر ويبشر، ينذر من؟ ويبشر من؟ ينذر من ادعى أن لله ولدًا، ويبشر من يتوفر فيهم شرطان: (الإيمان- العمل الصالح).

ويتبع سبحانه في آية أخرى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾، فالله سبحانه خلقنا على هذه الأرض ليختبرنا ويرى أينا أحسن عملًا.

والآية الختامية من السورة كأنها جواب لصدر السورة ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.

فالله يكررها لنا في ختام السورة، فيقول لعبده إن نجاتك في هذه الأمور:

1-لا تشرك وآمن بالله وحده، وفي هذا إقرار ضمني بأن المسيح عبد الله ورسوله.

2- اعمل صالحًا.

3- آمن بأن محمدًا بشر، وهو نبي يوحى إليه.

ورسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يقرر الشروط نفسها، فمن الواضح تمامًا أنه حديث صحيح، ليس لأن الإمام البخاري والإمام مسلم ذكراه في كتابيهما بل لاتفاقه التام مع ما في كتاب الله.

ونلمح في الآية القرآنية في ختام السورة إشارة إلى ضرورة الإيمان برسولنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام كأحد أسس النجاة، ولكن الإيمان به لا يبدو أنه في أهمية الإيمان الخالص بالله بعدم الشرك به، فالإشارة إلى الإيمان بنبينا في آخر السورة تماثل الإشارة إلى الكتاب القويم الذي جاء به في صدر السورة، والحديث الشريف هو الآخر ينص على ضرورة الإيمان بنبوة رسولنا الكريم.

كذلك نجد الحديث الشريف يضع شرطًا بصحة الاعتقاد في المسيح عيسى عليه السلام، فهو ليس دعيًا كما تتقول وتسيء إليه اليهود، كما أنه ليس ولد الله كما يؤمن بعض المسيحيين –النصارى وفقًا للمسمى القرآني-، والإيمان بأنه ليس ولد الله هو شرط مصاحب لشرط الإيمان الخالص في الآية، لذا أنذر الله من يقول بهذا في صدر السورة.

وبالرغم من هذا نجد من يكفرون أهل الكتاب ويدخلون في نواياهم واعتقادهم ويحكمون عليهم بالشرك رغم أن لا أحد يعلم حقيقة اعتقاد أي بشر سوى الله سبحانه وتعالى، وكم بيننا من منافقين يتسترون بالإسلام ولا نعلمهم.

وهذا التحليل قد يرضي ذوي النزعة الإنسانية من جهة، ولكنه لن يعجبهم من جهة أخرى، ولست مهتمة بإرضاء أحدًا غير الله على كل حال.

وعن نفسي فأنا أعتقد وأوقن بأن كل من كفر أو أشرك بالله سيضيع عمله الصالح هباءً ولن يُقبل منه، فالله سبحانه من يقرر هذا في أكثر من موضع في كتابه:

﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏‏‏‏﴾ [الزمر: 65].

﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏‏‏‏﴾ [النساء: 48].

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا‏‏‏‏﴾ [النساء: 116].

وسأكون أكثر صراحة لأقول إنني لست مقتنعة بذلك فقط إيمانًا وتصديقًا بالنصوص القرآنية المعصومة والمحفوظة من أي تدليس، بل لأنني لا أرى أن هذا ظلم لا يُتصور أن يفعله الله في حقهم كما يتصور الإنسانيون، بل هو عين الحق، ومن يكابر في ذلك يستخدم منطقًا مغلوطًا، ويأتي بأمثلة لأشخاص ليسوا مشركين بالله وعملهم طالح وعاثوا في الأرض فسادًا، ويغالط بأن أمثال هؤلاء الفاسدين سيدخلون الجنة وفقًا لفهمي للقرآن، وهي مغالطة وقحة، فلم يذكر القرآن ولا أحاديث سيد المرسلين أن من ساء عمله سيدخل الجنة! وكُل ما ذُكر في هذا الشأن أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، ربما لبقية خير فيه يعلمه الله ويخفى علينا.

وربما كان هذا الإنساني منتفخًا بعض الشيء، فهو يرى أن من يظلم الله فينكر ألوهيته يجب أن يدخله الله الجنة لأنه كان إنسانًا طيبًا معه هو! فهل يظن هذا نفسه أكثر أهمية من الله عز وجل؟! هو لم يظلمك ولكنه ظلم نفسه بالشرك بالله ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: 57]، هو لم يؤمن بالله، ولا بالجنة التي تريده أن يدخلها!

ونختم فنقول إن الله وحده هو المطلع على القلوب ليعلم حقيقة الإيمان به وبأنبيائه، وهو كذلك المطلع والعالم بكل صغيرة وكبيرة يعملها الواحد منا وتخفى على العالمين، ويعلم بظروف كل منا ويزن عمله الصالح والطالح في ضوئها، وما ذكرته ليس أكثر من مبادئ عامة نستخلصها من كتاب الله وسُنة رسوله، ولكن ليس علينا أن نشغل بالنا بتطبيقها على أحد، ولا أن تؤثر في تعاملنا مع أحد، فكل منا حر فيما يعتقد، وحسابنا جميعًا على الله.