الثلاثاء، 5 يوليو 2016

31-تعصب مذهبي أم تبعية سياسية؟!

31-تعصب مذهبي أم تبعية سياسية؟!
د/منى زيتون
الأحد 17 يناير2016


من الملاحظ لأي متابع لمقاطع الفيديو التي يقوم فيها المنتمون لتنظيم داعش بذبح كل من أوقعه حظه العثر بين أيديهم أن تعليقات أغلب المسلمين السُنة تندد بأفعال التنظيم، وترى فيها تشويهًا للإسلام واستحلالًا للدماء المعصومة بغير حق، على عكس كل من تابع تعليقات المسلمين من السُنة على حادثة ذبح السلطات السعودية لسبعة وأربعين معارضًا شيعيًا، ممن أسمتهم زورًا بالإرهابيين لتبرير فعلتها، فجاءت أكثر التعليقات شامتة، وكأن هناك حربًا قائمة بين السنة والشيعة! أو كأن الحرمين الشريفين هناك ما يتهددهما حقًا من قِبل الشيعة! وسارع الحمقى –وما أكثرهم في زماننا- إلى إعلان تأييدهم للسعودية في جريمتها، بل وصل الأمر لدى البعض إلى إعلان استحلالهم لدم من قُتلوا؛ كونهم شيعة؛ والشيعة غير مسلمين على حد زعمهم، في مغالطة واضحة منهم، وكأن الكافر –إن تأكد لنا كفره- مستحل الدم!
فكيف لم يدرك هؤلاء أن السعودية وداعش وجهان لعملة واحدة؟ وما هو تراه ذلك الفرق الجوهري بينهما الذي جعل الرأي العام السُني ينفر من تصرفات داعش في حين يتقبل جريمة آل سعود واستحلالهم دماء معارضيهم السياسيين ووصمهم بالإ‏رهاب لتبرير قتلهم؟ وأعجب ما في الأمر أن تساوى فيه الليبراليون مع السلفيين!
المشكلة تكمن فيما يمكن أن أسميه الفصام الانفعالي لدى الجماهير، بما يعني أنهم يساقون عاطفيًا إلى الرفض أو القبول للمواقف ونقيضها، ولا يتخذون مواقفهم على أسس منطقية، ولا يخفى على لبيب دور الشحن الإعلامي للجماهير في هذا التوجيه.
ليست هذه هي المرة الوحيدة التي تتخذ فيها الجماهير العربية موقفين متضادين تجاه متشابهين! سبق أن سقت مثالًا في مقالي "القضاء على الفساد أم تشييد المشروعات؟!" بأنه لعل مما يلفت النظر أنه بالمقارنة بين أسلوب أردوغان وأسلوب السيسي في الحكم نجد أن ‏كلا الرجلين لهما نفس الرؤية بأن إصلاح البلاد يكون بتشييد المشروعات والتنمية. هذا طبعًا ‏مع مراعاة الفروق بينهما في محاولة تنفيذ هذه الغاية ومستوى النجاح الذي يحققانه، وليس هدف أيهما هو محاربة الفساد محاربة فعلية، فكلاهما يلوك أمر محاربة الفساد في فمه، مبقيًا على الفاسدين في مواقع السلطة، وكأن الأموات هم من بيدهم تغييرهم! بالرغم من ذلك فإن محبي الأول هم ‏مبغضو الثاني والعكس، وهذا يدلل على أن جماهيرنا عاطفية تتحرك بلا وعي؛ لأنها لو وعت ‏إما كانت مع كلا الرجلين أو ضدهما، وليس اتخاذ موقف التضاد بين متشابهين.‏
مثال آخر على موقف تضاد واضح بين متشابهين؛ فالقسم من المصريين ممن يتحسسون أيما تحسس من قطر وتركيا، ويصفون تصرفات الدولتين بأنها محاولات لفرض الهيمنة على سياسة مصر الخارجية، هم أنفسهم من يقبلون بتبعية مصر للسعودية كونها تعبيرًا عن تآزر الشعبين وحماية الحرمين!! اللذين لا توجد خطورة عليهما إلا في أوهام من يصدق هذه الخزعبلات، مثلما سبق وصدقوا خزعبلات إغلاق مضيق باب المندب الذي سبق وحاولت القوى الاستعمارية استخدامه لإشعال فتيل الحرب السنية الشيعية التي يستهدفونها ويستخدمون السعودية كأداة لتحقيقها.
وقد كان من المفترض أن تحول قلة أعداد الشيعة في مصر والسماح بانتشار التعصب ضدهم، ولكن ما حدث أنها أسهمت في أن أخذ المصريون أفكارهم وتصوراتهم عن الشيعة مما يلوكه الوهابية أعدى أعدائهم، والتي صدّرت ذلك العداء للمصريين، الذين كان يقال عنهم حتى عهد قريب أنهم شعب ذكي بالفطرة، قبل أن تتحول نسبة كبيرة منه بفعل وسائل الإعلام والتواصل وتدهور مستوى التعليم –مع الأسف- إلى سُذج.
نحن لا نجني فقط ثمرة الإعلام الفاشل المسيس، بل نجني أيضًا ثمرة تدني مستوى التعليم والثقافة الدينية خاصة في مصر، فواقع الحال أن كل من ذهب إلى السعودية للعمل فيها وعقله فارغ من أي ثقافة دينية انتهى به الأمر أن أصبح وهابيًا متشددًا حتى وإن هاجم مذهبهم ورفض أن يوصف بانتمائه إليه، وإن لم يكتسب أغلب المصريين العاملين بالسعودية من معاشرتهم للسعوديين سوى التشدد وكراهية المخالف واستحلال دمه فقد اكتسبوا جوهر مذهبهم، وهذا يكفيهم ويكفينا.
كي يكون واضحًا فإن ما تفعله السعودية -التي يعتبرها بعض الجهلاء حامية حمى الإسلام- أنها تنفذ خطط الغرب باستثارة إيران، ومحاولة تحويل وجهة المواجهات العسكرية في المنطقة لتخفيف الضغط على الدواعش، وأملًا في استقطاب مزيد من الشباب المتحمس ليكونوا من مقاتلي داعش بعد أن أظهرت بعض التقارير أن أعداد المنضمين إليهم قد تناقصت، ولكن إعلان حرب مع الشيعة سيكون بمثابة الرافد الجديد المتوقع للتنظيم الذي تدعمه السعودية. والحقيقة أن إيران قد أظهرت الكثير والكثير من ضبط النفس والوعي الذي يستحق أن نعترف لها به ونحييها عليه، رغم اختلافنا معها مذهبيًا.
وسؤالي ليس للسلفيين فموقفهم مفهوم وتشددهم ضد الشيعة معروف، ولكن سؤالي للثائرين على أوهام عودة الخلافة والراضين بالتبعية للسعودية في آن واحد! ما هو الفرق الجوهري بين سلمان وأردوغان؟!! أليس كليهما يتعامل مع باقي الدول الإسلامية على أنه زعيم وقائد المسلمين؟!
إن أسوأ ما في الأمر أن يتم التحرش بإيران لمساعدة الغرب في القضاء على قوتها ولدعم داعش، ثم إيهام الأغبياء أن ذلك يتم خدمة للإسلام! وأن يعلن قادة العرب تبعيتهم للسعودية ومعاداة دولة إسلامية باسم نصرة الدين. ولكن البهائم أفهم من بعض البشر.