الثلاثاء، 5 يوليو 2016

36-تصريف الزكاة وتوزيع الأجور

تصريف الزكاة وتوزيع الأجور!

د/منى زيتون

الأحد 21 فبراير ‏‏2016‏

http://www.arabpens.com/2016/02/blog-post_21.html

مزيد، السبت 30 أكتوبر 2021

وعلى المثقف، الأحد 31 أكتوبر 2021

https://www.almothaqaf.com/a/b6/959197

الزكاة -كما يعلم كل مسلم- هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد شرعها الله سبحانه وتعالى طُهرة للمال، وهي صدقة إلزامية محددة القيمة وفقًا لشروط الشريعة، ينبغي على المزكي إخراجها لتُصرف في مصارفها الشرعية. والزكاة لغةً هي البركة والزيادة، لأنه على عكس ما يبدو من أنها تنقص المال، إلا إنها في الحقيقة تزيده، وما نقص مال عبد من صدقة.

وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد من المسلمين يخرج زكاته من تلقاء نفسه، بل كان ينتظر العامل الذي يرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذها. وقد تطرقنا في مقال "سيكولوجية البطولة" إلى حادثة قتل مالك بن نويرة عامل الرسول على صدقات قومه بني يربوع من بني تميم بسبب صده قومه عن أداء الزكاة للخليفة الصديق، وقيل إنه فرّقها فيهم، وقيل أيضًا أنه أتلفها في هباته.

وللحقيقة فإنني أجد إغماضًا في بعض ما كتب المؤرخون حول بعض المرتدين ممن منعوا أداء الزكاة؛ وهل كانت الإشكالية لديهم في منع الزكاة تمامًا أم في عدم رغبتهم تسليمها إلى الخليفة! أي أن بعض القبائل إنفة من تسليم المال لخليفة رسول الله ربما أرادوا أن تفرق كل ‏قبيلة مال صدقات أغنيائهم في فقرائهم، ولا تؤدي منه شيئًا لبيت مال المسلمين. ولا يعنينا كثيرًا ماذا أرادت القبائل، بل يعنينا أن نفهم ماذا أراد الشرع وبم قضى.

وبالرجوع إلى كتاب الله سنجد الآية الكريمة ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]. والخطاب فيها للرسول صلى الله عليه وسلم من الحق سبحانه آمرًا وموكلًا إياه في قبض الصدقات ليتولى توزيعها على مصارفها الشرعية التي حددها الحق سبحانه وتعالى في آية أخرى. ورغم أن سبب النزول كان في بعض التائبين بعد غزوة تبوك، إلا أن الأمر عام، ولا دلالة للتخصيص في الآية. كما أن الخطاب للرسول باعتباره الحاكم، وتصدق في كل حاكم بعده.

وقد ثبت في سُنته وسيرته عليه الصلاة والسلام أنه بعث عمالًا لجمع الزكاة من القبائل، كما ولى بعض أكابر القبائل على جمع زكاة قومهم. وفي كتاب الزكاة بصحيح مسلم، باب "في تقديم الزكاة ومنعها" حديث (983) عن أبي هريرة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة.......".

وفي صحيح البخاري من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، قال رسول الله: "فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فتُرد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس".

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (ج4، ص266) "وخلى بين العلاء بن الحضرمي وبين الصدقة يجتبيها. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم للعلاء كتابًا فيه فرائض الصدقة في الإبل والبقر والغنم والقمار والأموال يُصدِّقهم على ذلك. وأمره أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم". وهنا تفويض واضح من الرسول للعلاء بتفريق المال فيهم وليس إرساله إليه في المدينة.

وما استخلصه من مجمل الآثار التي قرأتها أن الشرع قد وكّل الوالي بأخذ الزكاة، وهو بدوره يولي عمالًا لجمعها، فإن أمر عامله بتفريق ما يجمعه من زكاة القوم فيهم، أو جزء منها، جاز ذلك، وإن طلبها الوالي لزم أن تؤدى إليه.

ومن ثم فإن الخليفة الصديق لم يجانبه الصواب حين اتبع سُنة النبي صلى الله عليه وسلم وأمر عمال الزكاة بجمعها، وكان له الحق في طلب أدائها إليه في المدينة ليفرقها هو في مصارفها، وقوله: "والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه" دليل على أن الأموال التي كان يجمعها العمال من القبائل على عهد الرسول كانت تؤدى إلى المدينة، فتدخل بيت مال المسلمين، أو على الأرجح فإن جزءًا منها كان يفرق في فقراء كل قوم وجزءًا كان يؤدى إلى بيت المال.

وفي العصور المتقدمة في كثير من بلدان المسلمين، صار كل مسلم يخرج زكاة ماله بنفسه، حتى سمعنا عن فتاوى بعدم أفضلية تحريك مال الزكاة من البلد الذي ربا فيه أصل المال إلا لضرورة؛ لأن الأصل في إخراج الزكاة أن يكون من أغنيائهم لفقرائهم في المحل نفسه.

وبذا تكون هناك طريقتان شرعيتان لإخراج الزكاة؛ الطريقة الأولى تقوم على مركزية الجمع في بيت المال والتوزيع منه، والطريقة الثانية تقوم على الجمع والتوزيع في كل منطقة بشكل مستقل عن باقي المناطق. إضافة إلى طريقة التوزيع الذاتي التي يتولى فيها كل فرد إخراج زكاة ماله بنفسه.

والحقيقة إنني أتذكر هذه المقابلة بين طريقتي إخراج الزكاة الشرعيتين، كلما تداعى النقاش حول توزيع الأجور في مصر وتفاوتها البالغ بين العاملين بوزارة وأخرى.

ففي مصر يحصل العاملون في مجالي التعليم والصحة على أقل الأجور في الدولة بزعم أن هاتين الوزارتين هما وزارتي خدمات، لا تسهمان في إنعاش الميزانية العامة للدولة، بينما في الوزارات والهيئات التي تحقق دخلًا كبيرًا يحصل أقل عامل خدمات فيها على دخل أعلى من دخل مدير مستشفى! والمثالان الأشهران هما وزارة الأوقاف وهيئة قناة السويس، فكأن من أوقف أراضٍ تحت إشراف وزارة الأوقاف لم يوقفها لخدمة طلاب العلم وعمارة المساجد، بل أوقفها ليحصل العاملون بالوزارة على مكافآت تحت كل البنود شهريًا، والوضع أبلغ في هيئة قناة السويس، التي يقبض فيها العاملون رواتبًا ضخمة تحت مسميات مختلفة عدة مرات كل شهر!

فهناك أمر آخر يتعلق بنظام الأجور بخلاف قيمة الأجر؛ وهو موعد تلقي الأجر، فيوجد نظام الرواتب اليومية والأسبوعية ونصف الشهرية والشهرية ونصف السنوية والسنوية.‏ ومنذ عقود يكاد لا يُعرف في البلدان العربية سوى النظام الشهري للموظفين في القطاعين العام والخاص، ونظام الأجر اليومي للعمال في الأعمال الحرفية. واختفى تمامًا النظام الأسبوعي علمًا بأنه النظام الأفضل في مساعدة ذوي الدخول المتوسطة على ضبط نفقاتهم، وبالنسبة للوزارات التي تصرف لموظفيها حوافزًا وبدلات مرتفعة في مواعيد من الشهر تختلف عن مواعيد صرف الراتب الأساسي فإن نظام صرف الرواتب فيها –والحال كذلك- يشبه النظام الأسبوعي أو النصف شهري، وهو ما يساعد العاملين بها على أن يحيوا حياة أفضل، وهو ما لا يُتاح مثله للعاملين في الوزارات الخدمية الذين لا يحصلون على حوافز وبدلات مرتفعة.

ولا يقتصر التمييز على الأجور، بل يتعداه إلى تعيين أبناء العاملين، فكل من يعمل بمصلحة يرى أن له الحق في تعيين ابنه حتى لو كان هناك من يفوقه علمًا وخبرة من المتقدمين لشغل الوظيفة. وباختصار فإن العاملين في وزارة ما يتعاملون معها على إنها عزبة من ممتلكاتهم، أو تكية يتنعمون بها وحدهم.

بينما في الدول المتقدمة، لا يمكن أن نجد وضعًا مماثلًا لما تجري عليه الأوضاع في بلدنا؛ فتوزيع الأجور لا شأن له مطلقًا بكونك تعمل في وزارة تدر دخلًا إلى ميزانية الدولة أو وزارة خدمات، وما تتلقاه من أجر يتم تقديره وفقًا لقيمة عملك وعلمك والأخطار المحتملة عند أدائك للعمل، وغيرها من الأمور الجوهرية، وقطعًا لا يمكن بتاتًا التفكير في مسألة أن يكون من حقك تعيين ابنك لمجرد كونك من العاملين في إحدى الجهات.

وهنا أعود إلى طريقتي تصريف الزكاة والعلاقة التي رأيتها بينهما وبين طريقتي توزيع الأجور في مصر والدول المتقدمة، لقد سن لنا الشارع الحكيم الطريقة الصحيحة لتوزيع الأموال بأن تُصب الأموال أولًا في خزانة الدولة، ثم توزع على المحتاجين في كل الجهات، بغض النظر أي الجهات أعطت أكثر، بينما أبى المتقدمون إلا أن يحصروا أموال كل جهة فيها، فيأخذوا المال من الجهة ليعطوا الجهة ذاتها حتى لو كان هناك من هو أشد احتياجًا في جهات أخرى، وهذه الطريقة في توزيع الزكاة هي ذاتها ما نتبعها في توزيع الأجور؛ بحيث يحصل الطبيب والمعلم على أجر أقل مما يحصل عليه عامل في هيئة قناة السويس أو وزارة الأوقاف أو وزارة الاتصالات أو مدينة الإنتاج الإعلامي!

إن الخطوة الأولى لإعادة هيكلة الأجور هي تغيير الأفكار الموروثة عن جهة العمل؛ على اعتبار إنها التكية أو البقرة التي تدر خيرًا للعاملين عليها. وكما أقول دومًا: غيروا أفكاركم تتغير تبعًا لها سلوكياتكم.