الجمعة، 22 يناير 2021

246- انتصار الديمقراطية

انتصار الديمقراطية

د/ منى زيتون

الجمعة 22 يناير2021

https://www.almothaqaf.com/a/opinions/952883

رأى كثير من الأصدقاء والمتابعين في اهتمامي بنتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية وتعويلي على فوز جوزيف بايدن إقرارًا بالهيمنة الأمريكية على دول العالم، وقبولًا بها، وأفرطوا في الحديث عن أن الأمريكان قد فعلوا بدولنا العربية كذا وكذا، حتى أنني لمست من بعضهم الفرحة التي لم يفلحوا في مداراتها عندما اقتحم الرعاع من أتباع ترامب مبنى الكابيتول؛ أن أراهم الله تعالى يومًا أسودًا في أمريكا!

وعن نفسي فأنا أرى أن الإقرار بأن رئيس أمريكا يلعب دورًا أساسيًا في قيادة العالم المعاصر هو إقرار بالواقع، وهو حال الأرض الذي لم يتغير عبر الأزمنة أن تكون هناك دول كبيرة محورية لمن يملكها سطوة على ما عدا دولته، ودول أصغر تتفاوت درجة قوتها وقوة تأثيرها في محيطها وفي العالم أجمع. والإقرار بقوة أمريكا وروسيا والصين وغيرها من الدول الكبرى ليس بالضرورة انبطاحًا ولا خيانة ولا تسليمًا دائمًا بكل ما يأمر به رؤساؤها، مع الأخذ في الاعتبار أن كل رئيس تكون له عهدة رئاسية ومسئول عن سياسة الدولة في فترة عهدته، ولا يُعقل أن تكره بايدن لأن جورج بوش الابن قد خرّب العراق أو لأن نظام أوباما قد دعم وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، علمًا بأنه لا أوباما ولا بايدن من ساهم في تزوير الانتخابات لصالح مرشحهم.

وعلى كثرة المساوئ السياسية التي كانت لبعض الأنظمة الأمريكية السابقة في حق العرب فلا يُقاس أي عهد منها بعهد دونالد ترامب؛ فترامب –وعلى عكس غيره من الرؤساء الأمريكيين- ديكتاتور بكل ما للكلمة من معنى؛ يريد أن يأمر فيُطاع، وهذا ما لم يستطعه مع حكام أوروبا أو الصين، فساءت علاقة بلاده بهذه الدول إلى أسوأ درجة في تاريخها، ولم يجد من يستطيع أن يمارس معه هيمنة المتسلطين إلا الخانعين الضعفاء من حكامنا، فأجبرهم على الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونهب ما شاء من أموال دولنا التي يديرونها كعزبهم الخاصة، وكان المقابل أن يغض الطرف عن مصائب هؤلاء الحكام، فكانت مقايضة لم نر لها مثيلًا من قبل، وبئست المقايضة!

وفي خلال حوالي سبعين سنة هي عمر دولة إسرائيل لم نر تسارعًا في وتيرة القرارات الأمريكية التي تصب في صالحها وكأنها طرقات فوق رءوسنا مثل ذلك التسارع في عهد دونالد ترامب، والقول بأن هذه عادة جميع رؤساء أمريكا وأنه لا يختلف عنهم هو ادعاء يدل على انعدام تمييز.

ولكن الأنكى –من وجهة نظري لأنه فاتحة شر علينا لم نعهدها من قبل- هو أن حكامنا الخانعين لم يكن لهم رادع طوال فترة عهدته الرئاسية؛ ففعلوا بنا من الأفاعيل ما كان يُعد ضربًا من الخيال لو تنبأ به أحد قبل سنوات لاتهم بالخرق والخرف؛ ومن كان قد نسي فليتذكر كيف وصل الحال إلى التجرؤ على خطف الأمراء ورئيس وزراء لبنان في السعودية، ومرشحي الرئاسة في مصر وأحدهم رئيس وزراء سابق والآخر رئيس أركان الجيش السابق، وكيف تم سجن المعارضين والحقوقيين والعلماء واختلاق القضايا لهم حتى وصلت أعدادهم للآلاف، ثم التبجح أمام جماعات حقوق الإنسان في العالم بأنه ليس لدينا سجناء رأي! وبلغ السيل الزبى بتقطيع أوصال المعارضين البارزين كجمال خاشقجي، وتعذيب وقتل الباحثين الأجانب في مجال حقوق الإنسان كريجيني، وما تبع ذلك من التستر دون خجل على مرتكبي هذه الجرائم.

لذا أرى أن تعشمي في رئاسة بايدن له ما يبرره لأن هناك فارقًا كبيرًا بين أن يوجد بلطجي أبوه بلطجي مثله يشجعه ويؤازره وبين أن يكون للبلطجي أب محترم وقوي وبإمكانه أن يردعه ويرجعه عن حمقه وأفعاله الخرقاء البلهاء التي لا تليق بالعقلاء. والحوادث الأخيرة في أمريكا ذاتها تثبت أن المشكلة الرئيسية ليست في أن يحكم أخرق أحمق بل تكمن في أن يجد هذا الأحمق مساندة ودعمًا، فإن لم يجد من يسانده تم تحجيم حمقه وأمكن السيطرة عليه، وهو ما لم يجده حكامنا من ترامب ولا من جميع أشكال الحثالة البشرية التي تحيط بهم؛ وأعني فئة الطبالين والزامرين من السياسيين والإعلاميين في بلادنا، ولنتذكر ما جرى في انتخابات الرئاسة في مصر عام 2012 ثم في عام 2018 ونتحسر على حال بلادنا.

وعودة إلى يوم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن، وكنت في مقالي الأخير "بذرة الديكتاتورية التي لم تجد لها منبتًا" الذي كتبته بعد ساعات من اقتحام الرعاع أنصار ترامب مبنى الكابيتول قد تنبأت بأن ترامب سيحاول تجهيز مفاجأة جنونية قبل مغادرته البيت الأبيض، وكعادته لم يخيب ظني، فحاول رفع مقطع فيديو على موقع اليوتيوب يثير به أتباعه من جديد قبل يوم التنصيب وتم رفضه، وأوقف الموقع حسابه مؤقتًا لمدة أسبوع، ثم قرر اللعب بآخر ورقة في يده فتصرف كطفل يخبئ ما يعتبرها لعبته كي لا يُجبر على إعطائها لغيره! وقد شاهدت وشاهد معي العالم كيف سارع ترامب بترك البيت الأبيض قبل انتهاء فترة عهدته الرئاسية بساعات في طائرة رئاسية مصحوبًا بالحقيبة النووية التي يحق له الاحتفاظ بها كرئيس حتى الثانية عشرة من ظهر يوم تنصيب خلفه بتوقيت واشنطن، ولا يملك أحد مطالبته بها حتى ذلك الوقت، وكأنه أراد أن يهرب بها إلى بيته في فلوريدا، مانعًا من تسليمها إلى بايدن في حفل تنصيب الأخير! وإن كانت وكالات الأنباء قد ذكرت أن مسئولًا دفاعيًا قد رافقه لاستعادة الحقيبة منه على أن يتم إعطاء حقيبة بديلة لبايدن ضمن مراسم التنصيب، فإن هذا التصرف كافٍ وحده لتحديد مستوى النضج الانفعالي المتدني لهذا الطفل الكبير!

وقد عرّض بايدن بترامب في خطاب تنصيبه رئيسًا، وشبهه بهتلر –مع عدم التصريح بالمشبه به- عندما تحدث عن إثارة النعرات العرقية، وأنه كرئيس لكل الأمريكيين لن يسمح بتلك الدعوات العنصرية التي تتحدث عن سيادة العرق الأبيض في أمريكا، واستعان بقس أسود ليلقي كلمة في حفل التنصيب، وغنت كل من ليدي جاجا البيضاء وجنيفر لوبيز السمراء في الحفل، فالرجل لا يفوت فرصة دون التذكير بضرورة تقدير التنوع واحترام الآخر، وهو منفتح ثقافيًا مع درجة عالية من التدين، ومشكلتنا الوحيدة معه كعرب ستكون في أنه ككاثوليكي –ولا شك- مقتنع بأن الله قد كتب الأرض المقدسة لبني إسرائيل، وأن هذا الحكم الإلهي لم يُنسخ، ومع شديد الأسف أن لا يوجد سياسي أو مفكر عربي مقرب من الدوائر الأمريكية يحاول إفهام رؤساء أمريكا أن هذا الحكم قد نُسخ عندما خالف بنو إسرائيل أمره تعالى بدخول الأرض المقدسة ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: 22] ثم أكثروا الجدال حتى قالوا: ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]. ولكن مع ذلك –ومن خلال فهمي وتحليلي لشخصية الرجل- أثق أن بايدن سيحاول الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، وهو ما رأينا بوادره في تغيير مسمى منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل إلى سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وعودة المساعدات للأونروا.

في القرن العشرين لم يصل هتلر إلى منصبي المستشارية والرئاسة في ألمانيا على ظهر دبابة، وعانى العالم بأسره ويلات بسببه، وأمثال ترامب وهتلر يثبتون أن للديمقراطية مساوئها التي قد لا تقل عن مساوئ أعتى الديكتاتوريات، والخوف الآن أن يعود ترامب للتأثير على الرعاع من أنصاره وإثارتهم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ودفعهم إلى العودة لإحداث الشغب، والمفترض أن يتم حظر هذا الرجل تمامًا من استخدام جميع أشكال هذه الوسائط، لا أن يُسمح له بإعادة استخدامها بعد أسبوع من يوم التنصيب ليتسبب في زوبعة جديدة، وهو الذي خرج من البيت الأبيض مرددًا لمن وقفوا في وداعه أنه سيعود بطريقة أو بأخرى!

الخميس، 7 يناير 2021

245-بذرة الديكتاتورية التي لم تجد لها منبتًا

 

بذرة الديكتاتورية التي لم تجد لها منبتًا

د/ منى زيتون

الخميس 7 يناير 2021

وعلى المثقف، الجمعة 8 يناير 2021

https://www.almothaqaf.com/a/opinions/952570 

تذهلني الطريقة التي يتعامل بها الأحمق مع أفكاره على أنها حقائق، ثم لا يلبث أن يكرر ما يقول حتى يصدق نفسه، ودون أن يبذل أدنى جهد في تفسير أو إثبات ما يعتقد صحته! ثم يُسوِّق لكلامه، ويجد من يرددونه دون وعي، ليعود فيقول: الناس يقولون، ولست وحدي من أقول!

لكن، أن يصل هذا الأحمق إلى رئاسة دولة؛ ليست كجمهوريات الموز في العالم الثالث، بل أكبر دولة في العالم، فهذا أكثر من خطير!

ولعله لم يبق مهتم بالشأن السياسي على مستوى العالم من لم يبلغه رفض الرئيس الأمريكي الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي خسر نتيجتها أمام الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، وتكراره مزاعم لا دليل عليها عن تزوير الانتخابات لصالح منافسه، ومحاولاته التي لا تكل لتغيير وقلب نتيجتها لصالحه، رغم أن الن أفوز هذه المرة كان حاسمًا وواضحًا على العكس من الحال في انتخابات رئاسية أمريكية كثيرة كانت نتيجتها متقاربة بين المرشحين، ولم يستطع ترامب إثبات أي أصوات غير قانونية، وتوالى رفض القضاة لدعاواه القانونية في الولايات المختلفة والتي لا تستند إلى أي دليل، وولايات مثل جورجيا وأريزونا التي يدعي ترامب حدوث تزوير فيها لصالح منافسه الديمقراطي هي ولايات حكامها جمهوريون!

وقد توقعت من قبل يوم التصويت الرسمي في الثالث من نوفمبر الماضي أن دونالد ترامب لا يمكن أن يستسلم ويقر بالحقيقة في حال خسارته، وتنبأت بأنه سيسارع إلى إعلان فوزه بنفسه وقبل انتهاء فرز الأصوات، وقد كان! فالرجل مغرم بأكابر الديكتاتوريين حول العالم، ويُقال إنه ديكتاتور بالفطرة في إدارته لأعماله الخاصة، ويتصور أن بإمكانه قيادة دولة كأمريكا وتطويع مسئوليها بالطريقة ذاتها، وكأنها عزبته الخاصة. ومن ثم فلا يُستغرب منه أن يرفع شعار "إما القصر وإما القبر"، ويرفض خسارته في دورة الترشح الثانية هذه، بينما كان يأمل –كما أعلنها بين أنصاره قبل الانتخابات- أن يُسمح بتعديل الدستور ليترشح لأكثر من دورتين.

ولكن كان هناك متفائلون كثر –لم أكن منهم- تصوروا أنه بعد أن صوّت المجمع الانتخابي الأميريكي في الرابع عشر من ديسمبر 2020 على نتائج الولايات حاسمًا النتيجة بفارق كبير لصالح بايدن، فإن ترامب لم يعد أمامه سوى الاستسلام للخسارة، والتفرغ للتخطيط لإخراج نفسه من أي ورطات قانونية تنتظره بعد خروجه من سُدة الحكم. وأبى ترامب إلا أن يدمر أوهامهم، ويثبت لي أن تحليلي لشخصيته كان صائبًا.

ولعل أدق ما قرأت في وصف الحماقات المتتابعة التي يرتكبها ترامب: "This is proof that even when you think it can't get any worse, it does".  وترجمتها: "هذا يثبت أنه حتى عندما تعتقد أن الأمور لن تصبح أسوأ، فإنها تصبح".

ومنذ أيام، ومع مطلع العام الجديد 2021، سرَّبت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مكالمة هاتفية حديثة بين الرئيس دونالد ترامب وسكرتير ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، يطلب فيه ترامب من سكرتير الولاية إيجاد نحو 12 ألف صوت لقلب فارق الأصوات لصالحه مع بايدن، لكن سكرتير الولاية كان أمينًا ورفض طلب الرئيس رغم أنه ينتمي مثله إلى الحزب الجمهوري. وقد أظهرت تلك المكالمة أن ترامب لا زال مُصرًا على محاولة قلب نتائج الانتخابات عن طريق الغش، وأن الاستسلام والإقرار بالواقع بعيدين تمامًا عن فكره.

رابط أهم جزء في المكالمة

Audio Trump berates Ga. secretary of state, urges him to ‘find’ votes

https://www.youtube.com/watch?v=o3hrN0cP58Y

Full Phone Call: Trump Pressures Georgia Secretary of State to Recount Election Votes

https://www.youtube.com/watch?v=AW_Bdf_jGaA

 

مرة أخرى: البعرة تدل على البعير!

منذ بدء جولة الانتخابات الأمريكية الأخيرة بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن وأنا ألاحظ وأكرر تسجيل ملاحظاتي عن وجود تشابه عجيب بين كثير من الحوادث التي تجري في أمريكا الآن والتي جرت في مصر ما بعد ثورة يناير 2011.

ولأن ترامب داوم على إثارة الجماهير المؤيدة له من خلال منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان يدعوهم للتظاهر لأجل الضغط مثلما كان من ركبوا على ثورة يناير يفعلون، ومثلما كان مرسي يخطب في أنصاره ويذكرهم بالشرعية، فقد خرجت عدة مظاهرات تأييد لترامب في العاصمة واشنطن في أوقات حاسمة في نوفمبر وديسمبر الماضيين، أهمها مظاهرة السبت 12 ديسمبر 2020 والتي سبقت جلسة تصديق المجمع الانتخابي على نتائج انتخابات الولايات وتحديد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح من المرشحين الرئاسيين، والتي انعقدت في الرابع عشر من ديسمبر 2020، وقد حاولوا تسمية المظاهرة بالمليونية، وتصويرها من أعلى للإيهام بكثرة أعداد المتظاهرين، بينما لم يكونوا يتعدون بضعة آلاف ينحشرون في شارع بنسلفانيا وما حوله. وكل من زار واشنطون العاصمة يعرف أن المباني الرسمية الرئيسية توجد متجاورة في شارع طويل طرفه على نهر بوتوماك حيث يوجد النصب التذكاري لإبراهام لينكولن، والنصب التذكاري لحرب فيتنام، ونصب واشنطن، وفي الطرف الآخر من الشارع الطويل يوجد مبنى الكابيتول ومكتبة الكونجرس، وبعدهما المحكمة العليا، وعلى الجانبين تقع متاحف هامة كمتحف الطيران والفضاء والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، كما يوجد البيت الأبيض، والجزر الوسطى في الشارع كلها مساحات خضراء مفتوحة يمكن استغلالها للتظاهر والاعتصام.

وبالرغم من أن المظاهرة التي سبقت تصديق المجمع الانتخابي على الانتخابات الرئاسية لم تفلح في منعه، كما فشلوا في الإيهام بكثرة أعداد المتظاهرين، فقد أعيدت الكرة مرة أخرى تزامنًا مع موعد مصادقة الكونجرس الأمريكي بغرفتيه على نتائج المجمع الانتخابي، والذي كان مقررًا له يوم الأربعاء 6 يناير 2021، وهو إجراء روتيني للتصديق على النتائج المعروفة سلفًا.

عاد الرئيس ترامب -وهو المرشح الخاسر في هذه الانتخابات- وعبأ أنصاره مرة جديدة عبر تويتر والفضائيات التي نقلت كلمته، لأجل التظاهر في واشنطن العاصمة تزامنًا مع موعد جلسة تصديق الكونجرس، ولكن لم يحضر أنصاره إلى واشنطن العاصمة للتظاهر هذه المرة بل حاصروا مبنى الكابيتول أثناء انعقاد الجلسة، وحدث إطلاق قنابل، ثم نجحوا في اقتحام المبنى، ما أدى لتعليق جلسة الكونجرس، وفرض حظر التجول في واشنطن العاصمة، وإعلان حالة الطوارئ القصوى.

والمتظاهرون من أنصار ترامب هذه المرة غوغاء بكل معنى الكلمة مظهرًا وسلوكًا –ويذكروني بمن اندسوا وسط المتظاهرين في الفعاليات التي تلت ثورة يناير 2011-، ولا يُستبعد أن يكون لأغلبهم سجلات سوابق إجرامية، ولا تُعرف بعد الطريقة التي تمت تعبئتهم وجمعهم بها، وقد خالف كثيرون منهم القانون الذي يمنع حمل السلاح في واشنطن العاصمة، ويختلفون كليًا عن متظاهري مظاهرات الياقات البيضاء التي نظمها الجمهوريون في عام 2000 لمنع استكمال إعادة فرز الأصوات في فلوريدا بغرض حسم النتيجة للمرشح الجمهوري جورج بوش الابن على حساب المرشح الديمقراطي آل جور.

وكان الحرس الوطني الأمريكي قد بدأ الانتشار في العاصمة واشنطن، قبل يومين من تنظيم المظاهرة المؤيدة لترامب، ومع ذلك لم تنجح قواته في تحصين المبنى ومنع اقتحامه! ونجحت قوات الأمن بعد اقتحام المتظاهرين في السيطرة على مبنى الكابيتول وإخلائه، واستخدموا الماء والغاز في تفريق المتظاهرين، وقامت باعتقال العشرات منهم، وقُتل أربعة من الغوغاء أنصار ترامب، ووضع الأمن متاريس بجوار مبنى الكابيتول، ثم استكملت جلسة التصديق التي انتهت فجر الخميس السابع من يناير بإعلان فوز بايدن.

ولأن ما تفعله يخبرنا من أنت، والفيلم يكاد يتكرر بحذافيره، فلا يمكن أن أنسى أنه ضمن الحوادث التي تلت ثورة يناير 2011 في مصر حدثت محاولات حمقاء لاقتحام مباني لها أعلى درجة من الأمنية والخصوصية، ويمثل اقتحامها مساسًا مباشرًا وتحطيمًا لهيبة أي دولة، مثل مبنى أمن الدولة أعقاب الثورة مباشرة -والذي كان المبنى الوحيد الذي نجحوا في اقتحامه في ظل غيبة مريبة تامة للشرطة المصرية- ومبني مجلس البرلمان المصري، ومبني وزارة الداخلية، ومبنى وزارة الدفاع! وكنت وقتها أتساءل عمن يُزين لهؤلاء الحمقى أن يقتربوا مجرد اقتراب من أمثال هذه المباني الحساسة، لأني موقنة أن الغوغاء والحمقى موجودون في كل مكان وزمان، والتساؤل الرئيسي ينبغي أن يكون عمن يحركهم.

 

ولا زال في الجراب حيل أخرى

وعودة إلى ترامب، والذي لم يكتف بالدعوة إلى التظاهر وتحريض المتظاهرين، بل حاول الإيعاز لنائب الرئيس مايك بنس بعدم المصادقة على نتائج الانتخابات باعتباره رئيسًا لمجلس الشيوخ، وهدد النواب الجمهوريين الذين لا يصطفون معه، وقال في إحدى تغريداته إنه سيتخلص منهم، ووصفهم بالضعفاء، ما دفع بعضهم لتسجيل الاعتراض على نتائج بعض الولايات الجمهورية التي صوتت للمرشح الديمقراطي بايدن على غير العادة، وقوبل اعتراضهم بالرفض وأقر الكونجرس فوز جو بايدن رغم اعتراضهم.

ومن يظن أن ترامب قد استسلم الآن فهو واهم، والجولة الجديدة من الحماقات قريبة مع موعد تسليم الرئاسة ظهيرة يوم 20 يناير المقبل، وربما في الأيام التي ستسبقها أو تتلوها! فهل يجهز لنا ترامب مفاجأة جنونية قبل مغادرته البيت الأبيض؟ وهل ستكون داخلية أم خارجية؟ أعتقد أنه لو استطاع لفعل.

كما ولن ينتهي الأمر بتسلم بايدن الرئاسة، وستكون شهوره الأولى فيها مرهقة؛ لأن من يخططون من وراء ترامب ستزعجهم -ولا شك- قرارات بايدن المستقلة، ويبدو أنهم لا يُقدرون خطورة ورعونة ما ينفذون من سيناريوهات لم تكن لتصلح إلا في دول العالم الثالث، وأنهم بهذا يدقون مسامير قد تؤدي إلى أن تنهار أمريكا وينهاروا معها!

***************

**إضافة يوم (30 يناير 2021)

المظاهرة التي سبقت اقتحام مبنى الكابيتول يوم 6 يناير 2021 مظاهرة ممولة من قبل بعض كبار ممولي وجامعي التبرعات لحملة ترامب 2020

https://www.wsj.com/articles/jan-6-rally-funded-by-top-trump-donor-helped-by-alex-jones-organizers-say-11612012063