الخميس، 28 فبراير 2019

173-وازن نفسك، وحطم طريقتك القديمة!


وازن نفسك، وحطم طريقتك القديمة!
الخميس 28 فبراير 2019

من أسوأ السلوكيات التي تؤدي إلى الفشل الاجتماعي، التهرب من أداء الأدوار الاجتماعية التي علينا أداؤها، وتبرير التقصير بأن المبادرة تتوجب على غيرنا! كما أن أحد المبادئ الأساسية للعلاقات الاجتماعية الناجحة المحترمة، هو مبدأ المعاملة بالمثل reciprocity principle.
قد يقول قائل بأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]. قال ابن كثير في تفسير الآية: "أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك".
من المؤكد أنه ليس أفضل من قول الله قيلا، لكن المواقف الاجتماعية في العلاقات الشخصية كثيرًا ما لا تكون في إطار الحسنة والسيئة الذي تتحدث عنه الآية. هناك مواقف نشعر فيها أن هناك من يرى لنفسه حقوقًا زائدة على حقوقنا، وأنه يسلك على هذا النحو! وهناك أناس مشكلتهم الأساسية في التوازن بين الأخذ والعطاء؛ لا يعطوا الآخر أي شيء وينتظرون منه –في المقابل- كل شيء! ولا إدراك ووعي كافٍ لديهم بهذه المشكلة في شخصياتهم.
والمعتاد عندما أحاول أن ألفت نظر أحدهم للمشكلة أثناء جلسات العلاج السلوكي، أن أجد التبريرات تنهال علي، بأن لو فعل الطرف الثاني كذا، فعندها سوف أفعل هذا الذي تنصحيني به! أي أنه يريد من الطرف الآخر أن يبادر بالخطوة التي من المفترض أن يبادر هو بها!
ولا أراه سلوكًا ولا مفهومًا تافهًا أن يتهرب شخص من أداء أدواره الاجتماعية ثم يبرر سلوكه الخاطئ لنفسه؛ لأنه -وكما يبدو لي- يتسبب في نسبة مرتفعة للغاية من المشاكل الاجتماعية، وهو موجود عند نسبة متزايدة من الرجال، ويتسبب في معاناة حقيقية لشريكات حياتهم. إحداهن قالتها لي بالإنجليزية: He doesn't give me enough to keep going!، وترجمتها: إنه لا يعطيني ما يكفي كي أواصل.
وعن نفسي لمّا قالت لي تلك المرأة إنها يستحيل أن تأخذ المبادرة نحوه، وهو والجدار سواء؛ بلا تفاعل، لم ألمها، ولم أنصحها بالعكس، لأن للمرأة كرامة، وهو –أي الزوج- بحاجة حقيقية لإصلاح مفاهيمه عن دوره الاجتماعي الذكري، ولو كنت مكانها كنت سأسلك مسلكها حتى لو خربت العلاقة نهائيًا مع من له هذا السلوك وهذه المفاهيم.
ونصائحي لأمثال هذا الرجل هي:
تعلم أن تعطي الآخر ما يحتاجه، تعلم أن تعيد نفس القدر الذي أخذت، وليس فقط أن تأخذ، وازن نفسك.
وتذكر أنه يستحيل أن تتقدم للأمام باستخدام نفس الطرق الفاشلة التي اتبعتها من قبل وأدت بك إلى علاقة مضرة بصحتك النفسية وصحة زوجتك. أنهِ الدائرة القديمة كي تتجنب إنهاء العلاقة برُمتها، لأنه من المستحيل أن تستمر على هذه الحالة. ببساطة، إما أن تنصلح العلاقة أو أن تنتهي! ونحن مخيّرون في حياتنا، ولسنا مسيّرون تتلاعب بنا الأقدار، كما يحلو للسلبيين أن يدّعوا حين يتباكون بعد الفشل، حين يلومون الجميع إلا أنفسهم!
ساعد نفسك لتزيد وعيك بأسباب مشاكلك وما يتوجب عليك فعله لحلها، ولا تترك اللا وعي يسيطر عليك، ويجعلك تتمسك بشكل مرضي بطرقك القديمة المعتادة في العلاقات الاجتماعية –ذلك يحدث لأسباب غالبًا ما تتعلق بالتنشئة الاجتماعية، كغياب أحد الوالدين شبه الدائم أو غياب محبته ورعايته-؛ لأن تمسكك باتباع نفس الأسلوب الذي ثبت فشله مرارًا سيجر عليك الفشل مرة أخرى. قد يبدو الطريق القديم الذي اعتدته هو الأسهل لك، لكنه في الحقيقة ليس كذلك لأنك لن تجني منه شيئًا، بينما الطريق الجديد الذي أنت بحاجة لاستكشافه والسير فيه بحذر يقوده الوعي هو الذي سيوصلك إلى الهدف. لا تقاوم، كف عن المقاومة؛ فالتغيير حتمي إن أردت النجاح.
تذكر أيضًا أن الحديث المتبادل من القلب إلى القلب Heart to Heart conversation هو الوسيلة التي ينبغي البحث عن سبيل لتنفيذها، لبلوغ هدفك بالنجاح في علاقتك الشخصية بزوجتك. ناقش وعبّر عن مشاعرك بأمانة وصدق ووضوح، وإن كان هناك ما يتوجب عليك الاعتذار عنه اعتذر بشجاعة، فقد خلق الله لك لسانًا ولم تُخلق أبكمًا، ولم يخلق الله داخلك المشاعر تجاه زوجتك لتكبتها داخلك، ولتستكشفها هي بحاستها السادسة. كما أن نسبة كبيرة من المشاكل الاجتماعية تحدث بسبب الوقيعة، والتي ما كانت لتنجح من الخبثاء إذا ما كان حبل الكلام والمصارحة موصولًا.
كثيرًا ما تنشأ المشاكل العائلية بسبب مبالغة أحد الطرفين في الاحتفاظ بالأسرار والخصوصية، فهو باختصار لا يفهم معنى وجود شريك حياة! أيًا كانت الأسباب التي تتسبب في المشكلة فينبغي أن تصارح بها شريكة حياتك، إلا إن كنت تعتبرها ديكورًا في العلاقة، وعندما تفرغ من إصلاح كافة الأمور المادية والاجتماعية ستخبرها في تقرير موجز بما حدث!
ولا تنس أن المبادرة تكون من الرجل؛ فالرجل رأس المرأة. وتمثيل دور الضحية المغلوب على أمره، الذي ينتظر مبادرة المرأة للإصلاح لن يجعلك رجلًا! لماذا يغيب عن كثير من الرجال أن المبادرة والشجاعة في العلاقات الشخصية لا تقل أهمية عنها في العلاقات المهنية؟! كما أن بعض الرجال يدفعهم الغرور إلى الثقة العمياء في عدم تحول مشاعر المرأة عنهم، فهم إما ينتظرون مبادرتها أو يؤخرون مبادرتهم ظنًا منهم أن بإمكانهم العودة ومحاولة إصلاح شق الخلاف في أي وقت. في بعض المواقف المتأزمة –خاصة عندما تشك المرأة في خيانة الرجل، مثلما هو الحادث في الحالة التي دفعتني لكتابة هذا المقال- فهذا الظن أقل ما يُوصف به أنه سخيف! تأخرك في الحديث معها يؤكد شكوكها.
أخيرًا، فقد كانت هذه محاولتي الأخيرة للنُصح، لأن من يرى دخانًا يفوح من فوهة بركان ولا يدرك أنه سينفجر حتمًا قريبًا، ويُمني نفسه بأن شيئًا ذا بال لن يحدث، يستحق أن يردمه رماده.

الاثنين، 11 فبراير 2019

172-لماذا يقولون إن الحب أعمى؟.. مزايا وعيوب!


لماذا يقولون إن الحب أعمى؟
مزايا وعيوب!
د/منى زيتون
الأربعاء 20 فبراير 2019


تُنسب للإمام علي بن أبي طالب عبارة شهيرة، ربما توضح سبب العذاب العاطفي الذي يلاقيه كثير من بني آدم، يقول فيها: "زهدك في راغب فيك نقصان حظ، ورغبتك في زاهد فيك مذلة نفس". وهناك أشخاص رائعون نقابلهم في حياتنا، ليس من بينهم رجل يتلهى بمشاعر البنات، ولا بنت تتبذل من أجل أن تحظى بزوج، لكنهم مع ذلك يعانون لأجل الوصول إلى الشريك المثالي، وتكوين أسرة معه ترضيهم وتسعدهم. ولكن، كيف السبيل للحب الحقيقي؟
الحب الحقيقي يزيد الثقة بالنفس. يجعلك تحب ذاتك، ليس هو الذي يجعلك تستعظم عيوبك وتكره ذاتك؛ ربما كان أكثر من يفهم ذلك ويستشعره من تكون لغتهم للحب هي اللغة الأولى (كلمات التقدير والتشجيع)، ويستحيل أن تبقى علاقة ناجحة مع استمرار النقد من جانب أحد طرفي العلاقة، ومداومته على إثبات تقصير الطرف الآخر. في العلاقات الناجحة عندما يخطئ أي من طرفي العلاقة يعترف ويطلب الصفح طالما يريد للعلاقة أن تستمر؛ فالمحب الحقيقي لا يتوقف عند الأخطاء التي تبدر من شريكه في رحلة الحياة، ولا يراكمها ليعيد تذكيره بها، طالما اعتذر عنها.
لكن الأمر أكبر من ذلك. الحب الحقيقي ليس تغافلًا عن أخطاء الحبيب، بل هو نظرة إلى الحبيب تقترب من رؤيته كاملًا!

هل الحب أعمى أم بصير؟!
تقول إحدى أساطير الإغريق إن الآلهة قد تعاركت، وفقأ إله الجنون عيني إله الحب، فحكم زيوس كبير الآلهة على إله الجنون أن يقود إله الحب طوال عمره؛ ولأجل ذلك يقولون: الحب أعمى، ومن يُسيِّره مجنون!
لكن، هل الحب الحقيقي بالفعل أعمى؟
أنا أقول: بل الحب الناضج الحقيقي يتفهم العيوب. الحب الحقيقي هو حب يشترك فيه العقل والقلب والروح؛ لذا فإن الإدعاء أنك تحب شخصًا وأنت غير معجب بصفاته ادعاء كاذب، بل وعلى قدر درجة إعجابك بصفاته يكون حبك له. لكن أحيانًا لا يتفهم الإنسان نفسه، فيتصور أن هناك صفة تزعجه في إنسان وأنه يحبه بالرغم منها، والحقيقة إنه قد يكون يحبه لأجلها! أو على الأقل يحبه بمجمل صفاته كما هو، ومنها هذه الصفة.
قد تعرف شخصًا صراحته جارحة، وتتصور أنك تحبه بالرغم من هذه الصفة، والحقيقة أنك ترى ما وراء هذا العيب ميزة فيه هي صدقه العميق وعدم نفاقه، فأنت تحب هذه الصراحة التي قد تصل حد الوقاحة في نظر آخرين. أنت بالفعل تحبها، وربما لو لم تكن فيه هذه الصفة ما أحببته!
كمثال آخر: من يعتدّون بكرامتهم قد يبلغ بهم الأمر في كثير من المواقف مبلغ العناد، ومع ذلك لا يعدمون من يحبهم، وقد يكون عنادهم في مسائل الحق والكرامة ليس عيبًا في نظر من يحبونهم، بل هو من أشد ما يكبرونهم عليه!
لكن أغلب الناس تتصور أنها تتحمل عيوب أحبتها، وليس كل الناس لديها درجة من الوعي الكافي لتدرك أنهم قد يكونون يحبونهم كما هم، ولو لم يكونوا بهذه الصفات ما أحبوهم. ربما أيضًا أن المسألة ليست فقط مسألة وعي، بل إن الحب الحقيقي الذي يبلغ هذه الدرجة نادر وقليل.
الحب الحقيقي يعني أن ترى إنسانًا لا يضاهيه أحد ولا يماثله في نظرك أحد، لا تملك أن تفكر في غيره، ولا تشعر بغيره، ولا يؤثر فيك غيره. تحبه إجمالًا لا تجزئة. أما من يحب صفات ويكره أخرى فلم يبلغ مبلغ الحب الحقيقي، وهذا حال أغلب الناس؛ يحبون بعض المزايا وتعجبهم، ويتذمرون من صفات أخرى يرونها عيوبًا. والأدهى من ذلك عندما يكون ما يتذمرون منه هو صلب شخصية الشريك، فيشعرونه دومًا أنه معيب، ويبدأ الشعور بعدم التوافق.
الإشكالية إذًا ليست في الحب، لكن فيمن يدّعون الحب. كثيرًا ما تكون الصفات التي تتسبب في عدم التوافق واضحة تمامًا في فترة التعارف والخطبة، لكن كلا الطرفين قد يتغاضى عنها لأجل إتمام الزواج. وبعد الزواج، البنت تدعي المفاجأة بالصفات التي لا تعجبها في الرجل، وتبدأ الشكوى، والرجل يكون أكثر وضوحًا فيسعى لتغييرها في شريكته، وقد يعترف بأنه كان يرى العيوب قبل الزواج ولكنه كان واثقًا أن شريكته ستتغير من أجله! فهناك صنف متسلط وفاقد الثقة في نفسه في آن واحد، يريد أن يتزوج بشخصية ذات مزايا عديدة، ولا يرضيه أي عيوب يراها على قلتها، فيسعى أن يجري عليها بعض التعديلات ربما ساعده ذلك التسلط على تأكيد ذاته واكتساب مزيد من الثقة في نفسه، ويبدو أنه لا يفرق بين أن يتزوج إنسانًا/إنسانة ذا/ذات كيان واعتبار وبين أن يشتري سيارة بحاجة إلى تعديلات لتكون أفضل!
كما أن هناك صنف شاعري رومانسي للغاية لا يدرك معنى الحب الحقيقي وأهمية التوافق العقلي كجزء لا يُجتزأ منه، يسيء إلى نفسه بالانسياق وراء مشاعره تمامًا، ويمكن أن يضيع عمره سدى من أجل من لا يستحق. وقد يفكر في هذا الحب الحالم على أنه حب العمر الذي لا ولن يُنسى، ويصل حد التماهي معه والتلذذ بتعذيب النفس فيه، دون مبالاة بالكرامة أحيانًا.
شريك حياتك المثالي ينبغي أن يحبك كما تحبك أمك. يحبك بأخطائك وعيوبك قبل حسناتك ومزاياك. يقول نجيب محفوظ: "أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يحبنا فعلاً. يحبنا على ما نحن عليه، أو بمعنى أدق يحبنا برغم ما نحن عليه".
يذكرني هذا بقصيدة كتبها أخي المهندس فداء الجندي في زوجته ورفيقة حياته يقول فيها:
أحبك مثلما أنتِ *** أحبكِ كيفما كنتِ
ومهما كان، مهما صار *** أنتِ حبيبتي أنتِ
وأنا أقول عندما تجد شخصًا يدعي محبتك ورغبته فيك، ولا يكف عن محاولة تغييرك اعلم أنه شخص مستبد لا يحبك بل يرغب في امتلاكك. من يحبك لا يُغيِّرك شكلًا ولا موضوعًا. من يحبك يريدك كما أنت، ويتقبلك كما أنت.
لا تجعل رغبتك في التكيف لمسايرة المحيطين بك تغيرك جذريًا بحيث تشكل ضغطًا عليك. في النهاية لن تكون سعيدًا إلا عندما تكون نفسك، لا بد أن تعيش الحياة التي تريدها وأن تشعر أن من حولك يتقبلونك كما أنت دون محاولات لتعديلك.

مزايا وعيوب
بالرغم من أن الحب الحقيقي لا يستشعر العيوب ولا يكاد يركز عليها، فإن لكل منا بالفعل مزاياه وعيوبه، وتفهم طباع شريك الحياة ومحاولة التكيف معها أساس رئيسي من أسس السعادة. ضع في اعتبارك أنه لن يمكنك أن تجد إنسانًا تتفق معه بنسبة 100% وإن وجدته لن تكون سعيدًا، فمساحة الاختلاف هامة لتشعرك أن هناك حياة.
والمزايا والعيوب تعني أن لكل صفة ما يناقضها، كما أنه كثيرًا ما تترتب الصفات بعضها على بعض، أو لنقل إن العيوب ما هي إلا درجة متطرفة من إحدى الصفات، وكل صفة إيجابية في البشر قد تتحول إلى سلبية فيهم إن تم الإفراط فيها.
ويمكن القول أيضًا إن أغلب صفات البشر هي صفات متصلة على تدريج، وليست صفات منفصلة، وهناك حدان للصفة ونقيضها؛ فالخير والشر ليسا صفتين منفصلتين بل هما حدا تدريج، لا يصل أي بشر منا إليه، فلسنا خير مطلق ولا شر مطلق، ودرجة الخير في داخل كل منا تحدد مكاننا على التدريج المتصل.
وينبغي التنبه لذلك التطرف في الصفات المسمى بالعيوب، وعدم إنكاره، وإلا فسيستمر كل منا في اعتبار نفسه كاملًا، ويرى النقص في الآخر فقط. ينبغي أن نزيد وعينا بأنفسنا، وليس فقط أن نديم تركيزنا على الآخرين لنرى القشة في أعينهم، ونتعامى عن لوح خشب في أعيننا.
ولنتذكر أن نجاح أي علاقة في حرص كلا الطرفين على المحافظة عليها، وليس لأنهما مثاليان بالنسبة لبعضهما، والعقلاء لا يهدمون علاقاتهم إلا لأسباب قوية. يقول الشاعر:
تمسك إن ظفرتَ بودِ حرٍ *** فإن الحرَ في الدنيا قليلُ

ومن أمثلة تطرف الصفة الإيجابية لتصير عيبًا:
-العاطفية والحنان والتفهم الزائد مزايا قد يتطرف الإنسان ليصل درجة أن يعيش في الخيال ويهرب من الواقع، وقد تصبح إرادته ضعيفة.
-التفاؤل أمر جيد لكنه أيضًا قد يصير معيقًا في كثير من الأوقات لإدراك الواقع.
-قوة الشخصية قد تؤدي إلى التصلب في الرأي، والصلابة قد تؤدي إلى العناد!
-القيادة المميزة قد تصل حد التسلط والإحساس بالعظمة.
-الإفراط في التنظيم والترتيب ومحبة الكمال ميزات، لكن كثيرًا ممن يملكونها لا يتقبلون النقد بتاتًا.
-الطموح وتحمل المسئولية والاجتهاد والمثابرة مزايا، لكن الإفراط فيهم يؤدي للبرود وقسوة القلب والتشاؤم والبحث عن المصلحة!
-الاستقلالية والاعتماد على الذات من الصفات العظيمة، لكن قد يعزلان الإنسان عن محيطه.
-الحماسة والجرأة والشجاعة في مواجهة المواقف قد يتطورون في الشخصية إلى سرعة انفعال وعنف ورغبة في الانتقام.
-الانتباه للتفاصيل والدقة أمر جيد، سواء في العمل أو الدراسة، وأحيانًا عند التعامل مع الناس، لكن قد يؤدي ذلك للقلق الشديد المعيق أو الشك في الآخرين أو الوسوسة.
-التفكير المتأني قد يتطرف ليصير ترددًا وعدم قدرة على الحسم، بينما سرعة الحسم قد تتطرف وتؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، فتصبح عجلة تجلب الندامة.
-حب العمل قد يصل حد الإرهاق وإهمال الحياة الشخصية.
-الحب أجمل ما في الوجود لكنه قد يتطرف ويصل حد الغيرة المفرطة وحب التملك.
-الإخلاص للجماعة التي ينتمي إليها الفرد أيًا كان نوعها قد يتطرف ويصل حد التعصب.
-الصراحة قد تصل إلى درجة الوقاحة.
-التمسك بالعادات والتقاليد الاجتماعية الحسنة شيء عظيم، لكن قد يتطرف بعض الناس لدرجة الرجعية والتمسك بتقاليد بالية، لا أصل لها في الدين، ولا قيمة حقيقية لها في المجتمع.
-حب الحياة قد يصل إلى الانهماك في الملذات، وربما حب الضوضاء، وربما أيضًا ضرر الصحة.
-ربما يكون حب الطبيعة المفرط سببًا في اعتزال الناس.
-الانفتاح على الآخرين وحب استكشاف العالم والمغامرة قد يصل حد المخاطرة.
-حب المنزل والعائلة الزائد قد يؤدي إلى فقدان فرص كثيرة في الحياة المهنية.
-الرضا يمكن أن يتطرف فيصير لا مبالاة!
-الكرم الزائد قد يصل حد الإسراف والتبذير.

شخصيتك تحدد نوعية الشخصية التي تكرهها
ينبغي التنبه أيضًا إلى الصفة السِمة؛ أي الصفة التي تغلف الشخصية، وتعتبر أظهر ما فيها؛ لأن ليست كل صفاتنا تكون بالدرجة المؤثرة نفسها في انطباع الآخرين عنا.
ويعتبر ارتباط شخصيتين ذاتا سِمتين ظاهرتين متعاكستين من أهم عوامل الفشل الذي يكون من الصعب تداركه أو تجاوزه وعدم الالتفات له، لذلك فإن تجنبه من البداية يجعلك لا تتكبد عناء تجربة ستكون على الأغلب فاشلة.
من أمثلة ذلك:
-الشخص الذي يكره القيود ومحاولة فرض السيطرة لا بد أن يبتعد عن الشخصيات التي تكثر الطلبات، لأنها شخصيات خانقة بالنسبة له.
-الشخص الذي يبحث عن الدعم وتنمية ثقته بنفسه وقدراته يكره الشخصيات كثيرة الانتقاد.
-الشخص العملي الطموح يكره الشخصيات المحبطة.
-الشخص المسالم الذي يحب الحياة الوادعة يكره الشخصية التي تعكر راحة باله وتخلق المشاكل حوله.
-الشخص العاطفي للغاية يكره الشخصيات الباردة.
-الشخص الواضح الصريح يكره الشخصيات الشكاكة التي تتمهل في تصديقه بلا سبب!
-الشخص الحساس يكره الشخصيات الوقحة.
-الشخص الذي يحب الخصوصية يكره الشخصيات المتطفلة.
-الشخص الرومانسي الحالم يكره الشخصيات الواقعية.
-الشخص المتحمس الذي يشتعل نشاطًا يكره الشخصيات البطيئة.
-الشخص المعتز برأيه يكره الشخصية المجادلة.
-الشخص الحيوي محب التغيير يكره الشخصية الروتينية الثابتة على المألوف في كل نواحي حياتها.
-الشخص المتزن لا يحب الشخصية الخفيفة التي تغير رأيها كل لحظة بلا سبب.

وأكرر أنه ينبغي إن أردنا إنجاح العلاقة أن نقر بالعيوب والأخطاء، ثم نحاول تلافيها، لا أن نصر عليها ونكررها، كما يُفضَّل من البداية الابتعاد عن أصحاب الشخصيات التي سِمتها الأساسية تناقض السِمة الرئيسية في شخصياتنا مهما كانت المزايا التي نراها فيهم.

الكِبر جذر كل الشرور
كثيرًا ما تنصلح العلاقة بين شخصين، ثم لا تلبث أن تسوء بعدها بفترة قصيرة. فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟
أحيانًا يرجع السبب إلى تمسك كل طرف من طرفي العلاقة أو أحدهما بالسمات الشخصية المعيبة لكل منهما، التي ينشأ ويتجدد عنها الخلاف.
في حالات أخرى، يقع الخطأ في المشكلة الأولى التي تنشب بين الطرفين على أحدهما دون الآخر، ويرجع سبب تجدد المشاكل إلى تألم الشخص المخطئ من رد فعل الطرف الآخر الذي لم يتقبل خطأه ولم يمرره دون حساب، وبمجرد أن ينصلح الحال نجد المخطئ يترصد أي تصرف للطرف الثاني ليلومه عليه باعتباره المخطئ هذه المرة! وتستمر حالة الترصد من كلا الطرفين لتنشأ سلسلة تكاد لا تنتهي من الخلافات، تتمرر بسببها العلاقة، ويتبعها بالضرورة قطع نهائي لها، أو الإبقاء عليها صوريًا إن كانت رابطة دم.
ولو دققنا سنجد أن جذر المشكلة يكمن في الحالة الأولى في رفض تغيير السمات المعيبة والسلوكيات الخاطئة سبب نشوء وتجدد المشاكل، وفي الحالة الثانية يكون جذرها هو رفض الإقرار بالخطأ من قِبل الطرف الأول، لمجرد انجراح صاحبه وتألمه من رد الفعل الذي قُوبل به، واعتباره رد فعل الطرف الثاني الذي سبب له الألم خطأ يستحق أن يبحث للطرف الثاني عن تلكيكة يرد بها عليه لينتقم ويرتاح باله!
وأتساءل، لماذا ننسى دائمًا أن الكِبر هو جذر كل الشرور، وأن الإقرار بالخطأ ومحاولة تهذيب النفس أهم سمات المؤمنين؟

السبت، 2 فبراير 2019

171-لماذا لا يفهم الرجال النساء؟!


لماذا لا يفهم الرجال النساء؟!
د/منى زيتون
السبت 2 فبراير 2019

 من أجمل ما قرأت عن الحب عبارة لسيمون دي بوفوار تقول فيها: "في الحب شيء من كل شيء؛ فيه شيء من القلب، وشيء من العقل، وشيء من الروح، وشيء من الجسد". فعندما يحدث التقارب القلبي والاقتناع العقلي والتآلف الروحي والانجذاب الجسدي معًا لن ترى عيناك سوى هذا الشخص. لكن، ما أصعب أن تجد هذا الحب، فإن وجدته ستكون أغبى إنسان على ظهر الأرض إن أضعته من يدك.
وبالرغم من حقيقة أن من أهم ما يميز الناجحين في حياتهم المهنية والشخصية القدرة على القيام بخطوة تقييمية في مراحل حاسمة؛ فإما الاستمرار وإما تغيير المسار، إلا أن ارتفاع أعداد حالات الطلاق في مصر صار مشكلة اجتماعية متفاقمة لا بد من محاولة فهم أسبابها وعلاجها.
صرنا نختار الحل الأسهل ونرحل ولا نعتني ببذل الجهد اللازم للحفاظ على علاقاتنا أو لإصلاح ما فسد بيننا، بينما العقلاء يرحلون فقط عندما يكون الرحيل مبررًا، عندما ييأسون من العلاقة، ويفتقدون السعادة، وتصبح العلاقة عبئًا نفسيًا عليهم؛ فلا ينبغي أن نصل في أي علاقة إلى حد أن نسأل أنفسنا إن كان استمرارها فيه إهانة لنا أم لا؟ وكما يقول مارك توين: لا غياب إلا غياب راحتك، ولا فقد إلا فقد ذاتك، وطبيعي أن نبحث عن الفهم والتقدير في علاقاتنا الاجتماعية، لكن بالرغم من ذلك كثيرًا ما نكون بحاجة للتجاوز والصفح للاحتفاظ بعلاقاتنا مع الأشخاص المهمين في حياتنا. هذه القدرة تؤسس لنجاحاتنا في الحياة.
ومما يساعد على تحقيق النجاح أن تكون أهدافنا في حياتنا الاجتماعية واضحة أمامنا، وأن نحرص ألا تتعارض سلوكياتنا معها. لا يمكن أن تجد عاقلًا يفسد علاقته بإنسان من خلال سلوكياته معه بينما هو يهدف إلى استمرار علاقته به! لكن أحيانًا يكون الإنسان نفسه هو السبب الرئيسي في إفساد علاقته بأكثر من يعنيه استمرار علاقته بهم، فيكون هو من يعطيهم المقص لقطع العلاقة وإنهائها. المشكلة أيضًا قد تكون في الطرف الآخر، عندما يصر على الخطأ متصورًا أن عطاء الآخرين وتسامحهم أبدي.
لقد أصبح ارتفاع أعداد حالات الطلاق سمة من سمات حياتنا المعاصرة، ربما أسهم في ذلك الاستسهال أن الطلاق لم يعد يُعتبر فشلًا بالنسبة لكثيرين! صار الزواج أشبه بتجربة تنتهي لتبدأ غيرها، وربما لا تبدأ! ولم يفلح ارتفاع تكاليف الزواج في جعل الزوجين يبذلان الجهد اللازم لإنجاحه، بينما كان الطلاق منذ عقود يُعتبر فشلًا ذريعًا، وكان الزوجان يحاربان ويجاهدان لأجل المحافظة على حياتهما الزوجية، ويرفضان الاستسلام للفشل فيها، وشيئًا فشيئًا ومع بذل مزيد من الجهد كان يتسنى لهما الوصول إلى قدر من الفهم للطرف الآخر وطبائعه واحتياجاته يمكنهما من الاستمرار.
ويمكن القول إن المرأة بطبيعتها –لو أرادت- أكثر قدرة على تحقيق الفهم للرجل، وهو ما لا يتسنى عكسه للرجال! وربما لأجل ذلك كثيرًا ما كان المجتمع يصب نظرته المنتقدة نحو المرأة المطلقة لأسباب تتعلق بسوء التفاهم بين الزوجين لأنها لم تقم بما كان يلزمها القيام به لأجل الحفاظ على زواجها.
أما الرجل فلا تتوفر له قدرات المرأة نفسها التي وهبها الله إياها التي تمكنه من فهمها، فلماذا لا يفهم الرجال النساء؟!

فروق بيولوجية!
بالرغم من أن تقسيم أجزاء المخ وتراكيبه تتماثل بين الرجال والنساء إلا أن هناك اختلافات في حجم وعدد الخلايا في كل جزء منه، مما يؤدي لاختلاف بين النوعين في تركيز المادة الرمادية Gray Matter في قشرة المخ، والتي تحتوي أنوية الخلايا العصبية، وكذلك تركيز المادة البيضاء White Matter التي تحتوي محاور الخلايا العصبية، والمسئولة عن التوصيل العصبي، والاختلاف أيضًا يوجد في أحجام التراكيب تحت قشرة المخ كالجهاز الحافي limbic System واللوزة والحصين، وتؤدي هذه الفروق التشريحية برُمتها إلى فروق كثيرة بين الجنسين في عمليات التواصل.
وبوجه عام فإن مخ المرأة يعالج المعلومات بشكل متعدد؛ حيث تتنقل بين أجزائه بسهولة كشبكة مترابطة، أو كما لو كان مخها منزلًا أبواب غرفه مفتحة على بعضها. يساعد على هذا أن الجسم الجاسئ المسئول عن ترابط النصفين المخيين الأيسر والأيمن ويسمح بتبادل الرسائل بينهما حجمه أكبر بدلالة لدى الإناث وفق أغلب الدراسات. بينما مخ الرجل يعالج المعلومات بشكل أحادي غير مترابط، فإذا ما كان بصدد معالجة معلومات متعلقة بقضية ما في العمل فهو يعالجها بشكل مستقل عن غيرها من المعلومات الخاصة بقضايا أخرى، وفي غرفة معينة مغلقة داخل مخه، ويكون مستغرقًا فيها حد الانعزال، ويصل انعزاله إلى درجة أنه يحتاج إلى تهيئة ووقت حتى يخرج من غرفته تلك، ليبدأ معالجة المعلومات الخاصة بقضية أخرى في غرفة أخرى من عقله!
إضافة إلى ذلك فمخ المرأة لا يتوقف نشاطه إطلاقًا، بينما يمكن للرجل أن يطفئ مصباح التفكير في مخه ولا تظهر أي إشارة كهربية على نشاط ولو محدود فيه، وهو ما أسماه بعض العلماء "غرفة اللا شيء"! وهذه الطريقة من أهم الطرق التي يستخدمها الرجل للتخلص من الضغوط. وقد تحدثنا بشكل أكثر تفصيلًا عن معالجة المعلومات عند ذكر مشاكل التواصل اللفظي بين الجنسين.
ولا شك أن للهرمونات أيضًا دورها الكبير وأثرها على السلوك والحالة المزاجية لكلا الجنسين، فالرجال تنتج أجسامهم أضعاف ما تنتجه أجسام النساء من التستوستيرون، يقدرها العلماء على الأقل بعشرة أضعاف مثيلاتها عند الإناث، وهذا يجعل أفعال الرجال أكثر مباشرة وأكثر عدوانية وأقل عاطفية، على العكس من النساء، كما أن أجسام الرجال تنتج نسبة أكبر من هرمون السعادة السيروتونين، وهذا يجعلهم أقل عرضة للاكتئاب وتبدل المزاج من النساء.

التنشئة الاجتماعية ودورها في تشكيل الفروق بين الذكور والإناث في مهارات التواصل
يولد الفرد صفحة بيضاء، ويتشرب قيم وعادات مجتمعه ويتعلم أدواره في المجتمع من خلال التنشئة الاجتماعية. ويُقصد بالتنشئة الاجتماعية تلك العملية التي تتم في كل مجتمع بهدف إكساب الأطفال والمراهقين المهارات والأدوار الاجتماعية التي تنقل السمات الثقافية للمجتمع، وإن كانت هناك نظرة أخرى ترى أن التنشئة الاجتماعية عملية أكثر استدامة يمر بها الفرد طوال حياته؛ فللراشدين نصيب منها كما للأطفال والمراهقين.
بالنسبة لمهارات التواصل؛ سجَّل بعض الباحثين ملاحظاتهم على أن التعبيرات الانفعالية للمواليد الذكور والإناث لا تختلف، بل ربما كان الذكور أكثر تعبيرًا عن الانفعالات منذ الميلاد وخلال الشهور الأولى من حياتهم، بينما لا يكون هذا صحيحًا عند وصف الذكور البالغين. وبما أن الأمر كذلك فإن نقص التعبير الانفعالي لدى البالغين من الرجال لا يمكن عزوه لأثر الجينات، وبالرغم من ظهور دلائل من أبحاث المخ تشير إلى اختلافات تؤثر في زيادة تعبيرية الإناث وزيادة الضبط الانفعالي لدى الذكور فإن الأمر لا يخلو من أثر التنشئة الاجتماعية، والتي تعمل على تحويل الطفل الذكر المعبر انفعاليًا إلى رجل غير قادر على التعبير عن انفعالاته ومشاعره على الأقل مقارنة بالنساء، وإن كان كثير من الرجال لا يشعرون بأن هناك مشكلة لديهم على الإطلاق أو لنقل لا يعترفون بوجود مشكلة.
فلأن هناك تمييزًا جنسيًا واضحًا في الانفعالات وكيفية التعبير عنها وضبطها؛ يبقى للتنشئة الاجتماعية دورها الذي لا يخفى في تشكيل الفروق الواضحة بين الرجال والنساء البالغين في مهارات التواصل الاجتماعي؛ فالطفل الذكر يُربى على ضرورة إظهار الخشونة وعدم التأثر أو التعاطف، فتقل مهارة الحساسية الانفعالية لديه، كما أنه غير مسموح له بالبكاء وإظهار الحزن أو الخوف، وينبغي أن يبدو جادًا ويقلل الابتسام، فلا يبتسم كثيرًا وإلا سيبدو كالفتيات، وهو ما ينعكس في ضعف مهارة التعبير الانفعالي لديه، وزيادة الضبط الانفعالي في المقابل. وعلى العكس يُسمح للفتيات بالتعبير عن مخاوفهن بالبكاء وربما الصراخ، كما تُربى الفتيات على ضرورة الابتسام وإظهار المرح والتفاؤل، لكن مع لفت نظرهن –في المجتمعات الشرقية- إلى تقليل تلك التعبيرية عند التعامل مع الرجال الغرباء.
وربما كان الانفعال الوحيد الذي ينعكس الوضع فيه بإمكانية التعبير عنه أو المطالبة بضبطه هو انفعال الغضب؛ فبينما لا يُسمح للنساء مطلقًا بالتعبير عنه بأكثر من الكلمات الهادئة، ويتعلمن ضبطه منذ الصغر، يستخدم الرجال كلمات قاسية ونبرة صوت أعلى وتعبيرات وجه أقوى للتعبير عن الغضب. وبينما يكون إظهار الغضب والتعبير عنه بقوة قولًا وفعلًا محاولة للسيطرة ومظهرًا من مظاهر الرجولة في الكثير من الثقافات، فعلى العكس يُعتبر تعبير المرأة المفرط عن الغضب فقدانًا للسيطرة ليس فقط على نفسها بل وعلى الموقف! أيًا كانت طبيعة الموقف.
إحدى الدراسات المسحية لايمي دور وآخرين (Aimee Dorr et al., 1995)  التي درست التعبير والضبط الانفعاليين لدى عدد كبير من الأطفال الأمريكيين الأوربيين (الأمريكيين البيض)، لاحظت أن هناك تغيرات عمرية بسيطة في التعبير والضبط للفتيات وفي الضبط للبنين، وأن البنين هبطوا مع السن في التعبير بشكل يمكن افتراضه والتسليم به، لأن عناصر التعبير تتضمن انفعالات مثل الخوف والحزن والابتهاج، مما يتوقع أن يكبتها الذكور عندما ينضجوا.
نتائج الدراسات المتواترة تشير أيضًا إلى أن الإناث بشكل خاص أكثر تفاعلًا عن طريق الوجه من الذكور، مثل دراسة مونيكا ثانبرج ويلف ديمبرج  (Monika Thunberg & Ulf Dimberg, 2000)  عن الفروق الجنسية في ردود الأفعال نحو المثيرات المتعلقة بالخوف وغير المتعلقة به. أظهرت النتائج -والتي تم قياسها باستجابة تجعد المنطقة العضلية الواقعة فوق العين- أن الإناث أكثر تفاعلًا وجهيًا من الذكور، بينما لم تكن هناك فروق بين الذكور والإناث عند قياس استجابات الجلد وتقديرات المفحوصين أنفسهم لدرجة شعورهم بعدم السرور. وهذه النتيجة الأخيرة تشير إلى أن الذكور وإن كانت وجوههم أقل تعبيرًا، إلا أنهم يشعرون بالخبرات الانفعالية رغم أنها لا تظهر على وجوههم، ويمكن التأكد من ردة فعلهم تجاهها بطرق أخرى.
أما التعبير عن الحب فالفروق لا يمكن قصرها على الفروق بين الجنسين؛ فهناك تفاوت ثقافي كبير بين الثقافات المختلفة بين ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به قولًا وفعلًا.
إضافة إلى ما سبق تتم تنشئة الفتيات على ضرورة الترحيب بالضيوف والحديث إليهم، مع توخي الحذر عند النقاشات والمجادلات كي لا تفقدن حب الآخرين خاصة ذوي المكانة، فتنمو مهارات التواصل اللفظية الثلاث (التعبير والحساسية والضبط) اللفظيين إلى المستوى الذي يتحقق عنده المهارة؛ فلا إفراط ولا تفريط.
لكن بالرغم من أن الدراسات حول العالم تشير إلى أن النساء أعلى في التعبير اللفظي من الرجال إلا أن ذلك لا يمنع أن الإناث كثيرًا ما تتم تنشئتهن ليقللن الكلام عن الحد الذي يمكن أن تصله طلاقتهن اللفظية العالية، وذلك في المجموعات المختلطة من الجنسين، ومع ذلك فهن يتحدثن غالبًا أكثر من الرجال في الجماعات المختلطة، ويحافظن أكثر منهم على استمرار الحديث، ويمتاز كلامهن أنه أكثر اكتمالًا وأكثر تهذيبًا، كما أنهن أكثر إصغاءً لحديث الآخر.
وكلما تقدم الأطفال في العمر زاد الضغط عليهم لأجل التوافق مع متطلبات الدور الجنسي الذكري أو الأنثوي؛ وذلك بأن يتم تعزيز السلوك المتوافق مع ما يتقبله المجتمع من جنس الطفل، وما لا يتقبله.
وتلعب جماعات الأقران دورًا كبيرًا أيضًا في التنميط الاجتماعي؛ فبدءًا من مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة يميل الصغار إلى تكوين جماعات منفصلة الجنس، يمارسون من خلالها أنشطة تعزز هويتهم الجنسية، وتؤثر في تكوينهم الانفعالي بشكل خاص، وتواصلهم بوجه عام.
ألعاب الذكور منذ الصغر، تتم عادة في جماعات كبيرة، وتكون منظمة ولها قواعد تحكمها، يتعلمون منها الاستقلالية والمنافسة وعدم المساواة، وأن هناك مراتب يتفاوت على أساسها البشر، ويتعلمون مع ذلك وبسببه أن يتحرروا من الانفعالات. بينما الإناث غالبًا لا يُسمح لهن بأن ينتمين إلى جماعات كبيرة، بل تكون لكل واحدة منهن صديقة أو اثنتين تلعب معهن، ويحرصن على الحفاظ على العلاقات بين بعضهن أكثر من حرصهن على الانتصار، فهن يلعبن للتسلية وليس للفوز؛ فيتعلمن المشاركة والمساواة من ألعابهن، كما يتعلمن التعبير الانفعالي والتعاطف. ربما هذا يفسر كراهية الإناث أن تكون مديرتهن امرأة؛ كونهن لم يعتدن على وجود فروق في المكانة بين أقرانهن الإناث لغياب التنافسية.
ومن أشهر الاختلافات بين الجنسين في التعبير والحساسية الانفعاليين أن المرأة بوجه عام تفضل الاتصال البصري أثناء الحوار، وتُلاحَظ درجات عالية من الاتصال البصري في حوارات النساء، بينما عندما يكون طرفا الحوار رجلين لا توجد مثل هذه الدرجة العالية من الاتصال البصري، والاتصال البصري المستديم بين رجلين لا يُرى كعلامة على الاهتمام وإنما لإظهار السيطرة. ويظهر أثر التنميط جليًا في الأزواج المختلطة حيث يُرى الرجل يتجنب استدامة النظر إلى المرأة، ومن جهة أخرى فحساسيته تجاه تواصلها البصري المرتفع تجعله يسيئ تفسيره ويحسبه اهتمامًا! وأعتقد أن المحافظة على الدرجة المقبولة للاتصال البصري في الأزواج المختلطة هو من أصعب المهارات الفرعية المتطلبة من النساء في الضبط الانفعالي.
وكما توجد فروق ثقافية في المسافات الشخصية، توجد أيضًا فروق بين الجنسين؛ فالنساء أكثر تطلبًا وحرصًا على مسافاتهن الشخصية من الرجال في التفاعل الاجتماعي المختلط، ولا شك أن للتنشئة الاجتماعية دورها الكبير في ذلك، ولكن للبيولوجيا دورها أيضًا. كما أن وضع الاقتراب المناسب يختلف بين الرجال والنساء. من غير اللائق أن تقترب من امرأة من الجانب فذلك يشعرها بالانتهاك. إن أردت الاقتراب من امرأة لتحادثها في أي أمر عليك الاقتراب من الأمام بحيث تواجهها، مع الاحتفاظ بمسافة مناسبة. عادة لا تقبل النساء الوقوف بزاوية مع من تحادثه/تحادثها إلا في حال الشعور بالود الشديد، أما الرجال فيقفون في هذا الوضع بشكل دائم مع المقربين وغير المقربين، وعلى الرجال بوجه عام أن يكونوا أكثر حرصًا وتنبهًا وأقل عفوية عند الاقتراب من النساء.
والأمثلة أكثر من أن تُحصى على الفروق بين الجنسين والتي تكون غالبًا لصالح النساء. إحدى الدراسات أشارت في نتائجها إلى أن الرجال البالغين عامة أقل دقة مقارنة بالإناث في التعبير والحساسية اللفظيين، العجيب مع ذلك أنها أشارت أيضًا إلى أنهم أكثر ثقة في مهاراتهم تلك من الإناث! فهم يتصورون أنهم ماهرون في تواصلهم اللفظي بأعلى مما هم عليه في الحقيقة.
ومما أشارت إليه نتائج بعض الدراسات في المجال أن تلقي محاضرات لتحسين مهارات التواصل لا يكون مؤثرًا ما لم يتلق الأفراد تدريبًا عمليًا بغرض تحسينها.
إن اكتساب أي مهارة هو نتيجة لتفاعل عاملي الجنس والثقافة، فإذا كان للعوامل البيولوجية تأثيرها الذي لا يُنكر في إيجاد فروق بين الذكور والإناث، إلا أن جانبًا كبيرًا من تلك الفروق بين الجنسين ترجع إلى الاختلافات في التنشئة الاجتماعية بين الذكور والإناث، وما يتوقعه كل مجتمع من أفراده وفقًا لنوعهم؛ أي إن اختلاف الدور الجنسي للذكور والإناث يؤدي إلى تباينهم في مهارات التواصل الاجتماعي، كذلك يؤدي اختلاف التراث الحضاري والثقافي للمجتمعات –الذي فصَّلنا فيه في موضع آخر- إلى اختلاف الأدوار الجنسية للذكور والإناث فيها، ما ينعكس في بعض الفروق التي توجد بين أفراد الجنس الواحد عبر المجتمعات المختلفة، لكن ربما شملت الاختلافات أفراد المجتمع ككل مقارنة بالمجتمع الآخر عندما يكون عامل الثقافة هو الأقوى تأثيرًا.

لماذا تتذمر النساء كثيرًا من أفعال الرجال؟ ولماذا لا يفهم الرجال النساء؟
وهل لهذا علاقة بدرجة مهارات التواصل الاجتماعي لدى الجنسين؟
يهتم علماء النفس الاجتماعي بالعوامل التي تؤدي إلى اتخاذ أحكام دقيقة أو غير دقيقة على الحوادث الاجتماعية، كما أنهم يهتمون بالحالات الانفعالية لدى الأفراد، وبمقاصد وإدراكات الأفراد في الجماعات التي ينتمون إليها، وعندما نتحدث عن التواصل الاجتماعي تحديدًا فهناك قاعدة شهيرة تقول: "الرسالة كما تُرسل ليست بالضرورة هي الرسالة كما تُستقبل"!
ليس بالضرورة أن رسالتك اللفظية أو غير اللفظية التي أرسلتها لشخص ما تكون قد وصلت إليه كما أردتها، فمهارة التعبير شيء ومهارة الحساسية شيء آخر، وهذا غالبًا ما يحدث عند التفاعل بين الرجال والنساء.
فبناءً على الاختلافات البيولوجية في المخ وإفراز الهرمونات، وكذلك الاختلافات في التنشئة الاجتماعية توجد فروق عديدة بين الجنسين في مهاراتهم التواصلية حتى بين أبناء الثقافة الواحدة، وذلك في التعبير الانفعالي وإدراك المشاعر بأنواعها، ومنها نفهم لماذا تبدي النساء مشاعرًا بصورة أكثر بكثير من الرجال، ولماذا يكن أكثر حساسية بدلالة من الرجال تجاه مشاعر الآخرين. وتكاد تشير جميع الدراسات على مستوى العالم، وعلى اختلاف الثقافات، أن النساء أفضل بشكل دال في تفسير التلميحات غير اللفظية (الانفعالية) أثناء السلوك الاجتماعي، وكذلك في حساسيتهن اللفظية لمحتوى الحديث.
بالنسبة للتعبير اللفظي تحديدًا، تشير بعض دراسات المخ إلى أن مراكز اللغة والسمع لدى الإناث أكبر حجمًا مما هي عند الذكور. كما تكاد تجمع جميع الدراسات حول العالم على تفوق الإناث في النمو اللغوي عن الذكور منذ بداية اكتساب القدرة على الكلام.
كما أن الضبط الانفعالي يكون أعلى عند الذكور مع نقص في التعبير الانفعالي لأسباب بيولوجية وجيهة؛ وهناك دراسات تشير إلى أن تحكم الرجال في الانفعالات يتم داخل اللوزة، وهي جزء لا يرتبط مباشرة بالقشرة المخية، خاصة الفص الجبهي حيث مركز بروكا المسئول عن اللغة والتفكير، بينما النساء يعبرن لفظيًا وانفعاليًا أكثر، ويضبطن انفعالاتهن بدرجة أقل لأن ضبط الانفعالات لديهن يتم في منطقة بروكا في القشرة الجبهية، حيث تتم العمليات اللغوية والتفكير.
والخلاصة أن هناك مشكلة عالمية لدى الرجال في مختلف الثقافات تتمثل في نقص قدرتهم على التعبير بشكليه اللفظي وغير اللفظي، وهو ما يضايق النساء تمامًا، ويتسبب في سلوكيات نفور منهن لا يستطيع الرجال تفسيرها وفهمها؛ ذلك أن لدى الرجال أيضًا وفي مختلف الثقافات نقصًا في الحساسية اللفظية وغير اللفظية يؤدي إلى عدم فهمهم لما يصدر عن المرأة من إشارات لفظية وتلميحات غير لفظية.
على العكس من ذلك تفهم النساء الرجال، ويدركن الأسباب التي تجعلهم يتصرفون معهن على النحو الذي لم يعجبهن، وعلى الرغم من أن النساء يدركن هذا النقص والعيب الاجتماعي لدى الرجال ويفهمنه إلا أنهن لا يتقبلنه مطلقًا خاصة في السنوات الأولى من العلاقة حيث تكون توقعات المرأة العاطفية في أقصى درجاتها. أي إن المرأة قد تفهم لماذا يسلك الرجل على نحو ما عكس ما ترغب، تفهم أن الأمر لا يعدو كونه نقصانًا طبيعيًا في درجة الكفاءة الاجتماعية للرجل وأنه ليس إهمالًا لها، ولكن ليست كل النساء قادرات على تجاوز تلك التصرفات خاصة في المجتمعات التي أعطت مكانة للمرأة، فصارت لا تتقبل أي سلوك ينم ظاهريًا عن عدم احترام لها حتى مع إدراكها أنه ليس كذلك في واقع الأمر، وإذا استطاعت المرأة تجاوز تلك التصرفات ظاهريًا فإنها تبقى غير سعيدة، ولا تكون قادرة على أن تسعد الرجل، وسيتشكى دائمًا من قلة رحمتها له وقسوتها عليه ونفورها منه. بينما حتى وقت قريب لم تكن أمهاتنا وجداتنا يسلكن على النحو نفسه كرد فعل لتصرفات الرجال. لقد كُن أكثر تفهمًا وأكثر احتواءً وأكثر تقبلًا للفروق الطبيعية بين الجنسين، ربما لأن أجيال الآباء والأجداد أيضًا كانوا أكثر اعتناءً واهتمامًا بأسرهم.
فهل ظلمت الحضارة والمدنية الحديثة المرأة عندما جعلتها ترفع درجة توقعاتها من الرجل؟!
وهل جعلت الحضارة والمدنية الحديثة الأسرة آخر ما يفكر فيه الرجل؟!