الأحد، 14 أبريل 2019

178-المسئولية عن الخيانة ما بين الرجال والنساء!


المسئولية عن الخيانة ما بين الرجال والنساء!
د. منى زيتون
الاثنين 15 أبريل 2019

على غلاف العدد الأخير من صحيفة In Touch Weekly الأسبوعية، ظهرت صورة للأمير ويليام حفيد الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وصورة أخرى لزوجته الأميرة كيت، مع عنوان صادم عن أسوأ كوابيس الأميرة؛ بخيانة زوجها لها، التي اكتشفتها مؤخرًا، وفقًا لما أوردته الصحيفة.
نشرت الصحيفة القصة الكاملة لما زعمت أنه خيانة الأمير ويليام لزوجته كيت ميدلتون، مع إحدى صديقاتها، والتي بدأت عندما كانت كيت حاملًا في ابنها الأخير لويس. لكن يبدو أن الزوجة المخدوعة تأكدت من شكوكها فقط في الشهر الماضي.
وأشارت التقارير الصحفية أن ويليام لا يظهر عليه الشعور بالذنب، بل ولم يعترف! ونفى لكيت أنه خانها كما تعتقد. ولست محققة قانونية معنية بتحري صحة الواقعة، ولكن كان هذا الخبر لافتًا؛ فالأمر أعم من أنه ابن الأمير تشارلز الذي خان أمه الأميرة ديانا في شهر العسل، واستمر في خيانته لها طيلة سنين زواجهما؛ إذ أنه بالرغم من أن الرجال عبر العالم وعبر التاريخ لديهم استعداد طبيعي لزوغان العين، لكن الملاحظ أن التبجح المصاحب للخيانة قد زاد مرة أخرى في العصر الحديث، بعد أن كانت قد تقلصت نسبته منذ منتصف القرن العشرين، مواكبًا لدعاوى احترام المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق التي سادت في تلك الحقبة.
كثيرًا ما تغضب النساء مني، وتتهمنني بانحيازي للرجال في كثير من القضايا الاجتماعية التي أناقشها في مقالاتي. وحقيقةً فإنني ربما كنت أرى النساء أكثر احتمالية لاستخدام أساليب اللف والدوران والتوقيع والكيد وغيرها من خبائث الأساليب الاجتماعية، لكن فيما يخص الخيانة الزوجية، فإنني أرى النساء أكثر إخلاصًا، ولا وجه للمقارنة بينهن وبين الرجال، بل وليت الرجال يكونوا في معشار قدر إخلاصهن، وليس هذا تحيزًا مني للنساء. وصدق من قال: إن الرجل قلبه كحبة الرمانة تسع ألف من الأحبة، إنما المرأة عندما تحب رجلًا يستحيل أن تطرف عينها على رجل غيره، بل هي تعمى عن غيره حتى لو كان خائنًا متمرسًا في الخيانة! ومن وجهة نظري، فهذا من حكمة إباحة التعدد للرجال دون النساء؛ فالله خالقنا وهو أدرى بخلقه. وليس هذا الأخير موضوع نقاشنا هنا على أي حال.
وخلاصة رأيي أنني أرى الخيانة الزوجية أكثر شيوعًا في الرجال، فقد نجد نساءً خائنات لأزواجهن، وأغلبها خيانة غير جسدية –وهذا ليس تبريرًا مني لهن-، لكن كم النسبة؟ كما أنني أرى أن مسئولية الرجال عن الخيانة أكبر في أغلب الحالات من مسئولية النساء، وهذا ينطبق عبر العالم وباختلاف الثقافات.
أحد الأصدقاء المُصر على تعادل مسئولية الرجال والنساء في أمر الخيانة، احتج على كلامي قائلًا: دائما يُذكر الرجال عندما يأتي الحديث عن الخيانة؛ ولكن أين النساء من هذا المعترك؟! وهو هنا لا يقصد خيانة زوجة لزوجها، فهو يعترف أنها نادرة ولا تُقاس أعدادها بأعداد حالات خيانات الرجال المتزوجين لزوجاتهم، بل يقصد المرأة الطرف الثالث التي تمت معها الخيانة من رجل متزوج. من وجهة نظر الأخ العزيز فإن هناك إسهامًا متبادلًا وخفيًا بين النساء والرجال في سقطة الخيانة.
بدوري أرى أن النساء اللاتي تتم الخيانة معهن بعضهن من نوعية الباحثات عن منفعة من الرجل، وهن من يُطلق عليهن فئة "المصلحجية"، سواء كانت المصلحة هدايا أو خدمات تُقدم لهن، وبعضهن صائدات رجال ساعيات في خراب البيوت العامرة، وكلا هاتين الفئتين من النساء هن من تبدأن بالمبادرة ومحاولة لفت وجذب انتباه الرجل، الذي دائمًا ما يكون رجل ناجح وصاحب مركز اجتماعي ومادي مرموق.
 لكن النسبة الأكبر من النساء اللاتي ينخرطن في علاقات خيانة لسن أكثر من ساذجات، لم يكن يعلمن بالأساس أن الرجل متزوج أو خاطب أو مرتبط، وهذا رأيته في كثير من الحالات. وبعض الرجال الخونة أيضًا يوهم الساذجة بأنه في طريقه للانفصال، أو أنه يريد أن يتزوجها مع الإبقاء على زواجه البائس الذي لن ينهيه حرصًا على الأطفال أو حرصًا على رضا أمه التي لا تريده أن يطلق الأولى التي لا يحبها ولم ينجب منها بعد، أو أن ما يؤخر ارتباطه بها هو ضيق ذات اليد وأنه ينتظر فرصة ما لتحسين دخله أو للسفر إلى الخارج ليتزوجها ويأخذها معه. وفي كثير من البلاد العربية لا زال الزواج الثاني شائعًا ولا مشكلة فيه. ولو اجتهدت لحصر مختلف الحالات التي اطلعت عليها، والأسباب المتنوعة التي يطلقها الرجال الخونة لخلق علاقات خارج إطار الزواج، لأعياني الحصر، وكأن الواحد منهم لا يكتفي بأن تكون له ضحية واحدة وهي زوجته، فيخونها مع خائنة على شاكلته، بل يُصر على أن تكون له ضحيتان!
إذًا فالمسألة نسبية، ولكن مساهمة الرجال في القضية تكون بالنسبة الأكبر، بدليل أن الرجل الخائن تتكرر منه الخيانة مرارًا، وليس منطقيًا أن الله يجعل في طريقه دائمًا نساء متلاعبات! وقطعًا هذا ليس دفاعًا عن المتلاعبات.
إن المرأة يستحيل أن تخون رجلًا تحبه ولو خطب ودها ملك، فعندما تحبك امرأة لن ترى غيرك، وربما لهذا كانت الخيانة أصعب وقعًا على الرجل لأنها تعني له أنه لم يكن مخدوعًا فقط في عفة زوجته، بل ومخدوع في استشعاره حبها له، بينما المرأة تعرف أن عيون الرجال طوامح، والرجل أكثر استعدادًا للخيانة مع اختلاف درجاتها، ولا يمنعه حبه لزوجته عن خيانته إياها! ونزوات الرجل لا تنفي حبه، ففي قلبه متسع لأخريات! وربما لهذا تكون النساء أكثر استعدادًا للمسامحة والغفران بعد فترة من حدوث الخيانة، عندما يعود لها الرجل، وبراءة الأطفال في عينيه، لتبدأ معه الحوار رافضة عودته بـ "أيظن أني لعبةٌ بيديه؟" وفي النهاية تحن إليه وتقول: "ما أحلى الرجوع إليه!".
ومن الملاحظ لي أيضًا أن الزوجة ذات الشخصية القوية تميل لإلقاء الذنب على الرجل أكثر من المرأة التي شاركته الخيانة، بينما المرأة الضعيفة –وأكثرهن كذلك- تميل إلى تحميل المرأة التي شاركت زوجها خيانته لها الذنب، صابة جام غضبها عليها وحدها! حتى وإن كانت تعلم أن زوجها معتاد الخيانة، وليست هذه سقطته الأولى.
وربما كانت هذه السلوكيات من قِبل النساء آثار غير مباشرة تسهم في تكرار حالات خيانة الرجال.

الاثنين، 1 أبريل 2019

177-علاقات مُعلَّقة


علاقات مُعلَّقة
د/ منى زيتون
الاثنين أول أبريل 2019
الثلاثاء 2 أبريل 2019
http://www.almothaqaf.com/a/qadaya2019/935833

ذكرنا أن الكفاءة الاجتماعية لا تشمل مهارتي التعبير اللفظي والانفعالي فقط، فهناك مهارات الضبط اللفظي والانفعالي، والحساسية اللفظية والانفعالية، ونحن بحاجة لجميع مهارات التواصل لنتمكن من رؤية المواقف بيننا وبين الطرف الآخر من منظور الآخر، لندرك كيف يراها، ونفهم لماذا تأتي أفعاله وردود أفعاله على النحو الذي هي عليه، ومن ثم لننجح في تفاعلنا الاجتماعي معه.
بوجه عام، فإن التأخر في حسم العلاقات قبل الزواج تحديدًا، يعد من أشد السلوكيات قسوة؛ لأنه يُشعر الطرف الآخر أن لديك خيارات أخرى، وأنك تقارنه بغيره، مما يعني أنك غير مقتنع به تمامًا، وهذا يتنافى مع معنى الحب الحقيقي. وهذه السمة –تأخر الحسم- تتعدى فترة ما قبل الزواج لتظهر أيضًا في العلاقات بعد الزواج.
قد يكون عدم الحسم سمة في الشخص لأنه من مفرطي التفكير؛ فيحتاج وقتًا طويلًا ليُقرر، وقد يكون عارضًا لأنه تواجهه صعوبات مالية أو عائلية أو أيًا كان نوعها، وقد يتمثل تأخر الحسم في وجود مماطلة في تنفيذ القرار رغم اتخاذه؛ لافتقاد هذا الشخص الجرأة الكافية بسبب وجود صعوبات تعيقه من أي نوع. لكن في بعض الأحيان قد يكون عدم حسم أحد الطرفين مرآة وانعكاسًا لسلوك الطرف الآخر!
في كثير من الحالات تأتيني الشكاية من أحد طرفي العلاقات الزوجية أو العاطفية بأن الطرف الثاني يتعامل معه وفقًا لنمط مزدوج الوجهين كالحركة الموجية، قمة يليها قاع يليها قمة جديدة، وهكذا! أو ما يُعرف بنمط السخونة/البرودة Hot/Cold. وهناك فهم خاطئ منتشر حول من هذا نمطهم بأنهم بالضرورة متلاعبون. من خلال خبرتي رأيت بينهم متلاعبين بالفعل، لكن هناك نسبة ليست بالقليلة من بينهم يكون سلوكها الظاهري على هذا النحو رغم كونهم غير متلاعبين، ومنهم من اشتكت لي من خطيبها، وقالتها بالإنجليزية: I don’t want a person who is emotionally unavailable، وترجمتها "لا أريد شخصًا مشاعره غير متاحة!". إذًا فهي تراه شخصًا لا يفتح لها قلبه، وهذا ما يجعلها تتراجع في إظهار مشاعرها لتبدو باردة!
فكثير ممن يأخدون نمط السخونة/البرودة؛ ويُتهمون بالدخول ثم الخروج من حياة شركاء حياتهم بشكل مستمر، ما يدفعهم لهذا السلوك حقيقة هو درجة كبريائهم المرتفعة التي تجعل خطواتهم نحو الشريك محسوبة، فهم يقتربون من الشريك خطوة واحدة في انتظار أن يبادلهم التحرك ويخطو نحوهم، ولكنه إن كان عنيدًا أو ربما يفتقد الوعي الكافي برد الفعل المناسب أو لا يعطي الانتباه الكافي للعلاقات الاجتماعية، يبقى هذا الشريك ملتصقًا مكانه، منتظرًا لمزيد من الخطوات منهم، والتي لن يسمح كبرياؤهم بها، فيقررون التراجع. والكبرياء هنا للحق أراها كبرياء صحية وليست مرضية.
أما عن الطرف الآخر العنيد، فهناك حقيقةً أشخاص يجيدون فقد الفرص التي تُتاح لهم، ولا يعي الواحد منهم قيمة ما بين يديه حتى يضيع منه، وربما لو عاد إليه لكرر السلوك عينه وفقده مرة أخرى! وأغلب هؤلاء يخطئ الواحد منهم بالتركيز على نجاحه المهني فقط، أو على علاقاته مع أهله أو أصدقائه، ولا يعطي الانتباه الكافي لشريك حياته، وهذا ما يجعل الشريك يظن أن قلبه مغلقًا نحوه. وقد يكون لدى هؤلاء مشكلة أيضًا في التوازن العاطفي؛ فالأخذ والعطاء لديهم ليس متكافئًا، كما أن بعض الناس يعطون كثيرًا، ولكن ليس بالطريقة الصحيحة التي يتمناها الشريك، وسبق أن تكلمنا عن هذا الأمر في مقال "لغات الحب".
والسبب في تكرار دورات السخونة/البرودة، أنه وبعد فترة يأتي من الشريك الثاني العنيد رد فعل متأخر متجاوب مع الطرف الأول، وتأخر ردود الأفعال سمة تقترن دومًا بالعناد كما هو معلوم، فيأمل الطرف الأول ذو الكبرياء المتهم بالتلاعب في انفراج الأحوال، ويرد على خطوة الشريك العنيد بخطوة إلى الأمام من جانبه، ليُفاجأ بأن الآخر قد عاد للالتصاق مكانه ثانية، فيضيع الفرصة من بين يديه لمرة جديدة، ليتراجع الأول مرة أخرى!
وتستمر هذه الدورات إلى أن يقرر الطرف عالي الكبرياء الخروج نهائيًا من هذه العلاقة، فغالبًا يكون هو من يأخذ القرار وليس العنيد البطئ في اتخاذ قراراته؛ فمهما كانت درجة الحب فإن سوء المعاملة ستجعل الطرف الذي تُساء معاملته يصل في لحظة ما إلى الاكتفاء من كل هذا العبث الذي يسمح به في حياته، ويبتعد نهائيًا. وسوء المعاملة تجاه الآخر لا يلزم أن يكون عنفًا بل يأخذ أشكالًا عديدة، منها عدم الرغبة في ترقية النضج الانفعالي، والإصرار على سلوكيات غير ناضجة!
لذلك أقول إن وجود طرف لديه كبرياء مرتفعة، وطرف آخر شديد العناد والالتصاق في مكانه، في علاقة معًا، هو الجحيم بعينه لكليهما، وربما تنجح العلاقة فقط في حال تدخل وسيط خير بينهما، لتتحرك تلك العلاقة للأمام. وهذا احتمال ضعيف لأن ذا الكبرياء يرى أنه يفعل ما عليه، ومن ثم لن يُقدم على أن يوسط أحدًا لأنه ينتظر الخطوة من الطرف الآخر، فإن لم يكن الطرف الآخر قادرًا على أن يخطو بنفسه، فعليه هو أن يطلب المساعدة والتوسط!
إن التصاق شخص في علاقة فاشلة معلقة لا فائدة مرجوة منها يفسد حياته ويهدر عمره، سواء كان التصاقه بسبب أنه الطرف المسئول عن المبادرة، ولكنه لا يبادر! أو لأن عليه أن ينزع نفسه من تلك العلاقة ولا يفعل! أو لأن الطرف الآخر تركه بينما هو لا زال يأمل وينتظر!
كما أنه أحيانًا قد ينفصل طرفا العلاقة لأسباب قد يصلح معها الالتئام، ويبقى أحدهما أو كلاهما يتمنى اتصال ما انقطع، ولكن على أساس أن يقوم الطرف الآخر بالمبادرة، فإن كان الطرف الذي عليه المبادرة عاجزًا عن اتخاذ تلك الخطوة، فالوضع أيضًا معلق!
والتعلق في حقيقته هو رفض للحاضر وثبات في الماضي، وكثير منا يعيش بخياله في الماضي أو المستقبل، ويعجز عن التعامل مع الواقع، بينما دراسة الماضي وتفحص حوادثه ورؤيته بشكل صحيح وتجنب خداع النفس حوله ضرورة لنفكر في أخطائنا، وهو طريقنا للتعلم. نحتاج الماضي للتعلم والمستقبل للتخطيط، وليس لخلق عالمًا من الأوهام.
وهذا التعلق هو أسوأ فعل، لأنه في حقيقته "لا فعل"! وأخذ أي قرار يتعلق بالتقدم إلى الأمام، مهما كان وتنفيذه أفضل من التعلق؛ فإما أن يحرر الإنسان نفسه من قيد العلاقة الفاشلة، ويعود للانخراط في المجتمع، أو يبادر إن لم تكن العلاقة فاشلة، وكان هو الطرف الذي تلزمه المبادرة. Take action.
ولنتذكر أننا بحاجة للثقة لأجل نجاح علاقاتنا الاجتماعية، لأن مجرد شك أحد الطرفين في وجود خداع من الطرف الآخر يدمر العلاقة؛ وعدم التواصل أو التواصل بطرق مُلغزة غير واضحة يُضعضع الثقة. تواصل بوضوح. Communicate clearly.
وحل أي مشكلة يبدأ بالتخطيط الجيد لأجل تجاوزها، ثم التنفيذ بدقة وحسم وسرعة. كما أن علينا أن نبدأ بإصلاح دواخلنا، فمن المؤكد لأننا نملكها أن إصلاحها علينا هيّن، لكن الظروف الخارجية على العكس منها لا يمكننا التحكم فيها تمامًا.
والعقلاء يتناقشون لأجل تحديد أسباب خلافاتهم، لحلها من جذورها، وليس للجدال العقيم والتنازع والبحث عن الطرف المخطئ. كما أن الإنسان العاقل يكون لديه تواصل جيد بين الوعي واللاوعي؛ فهو يعي حقيقة مشاعره وليس فقط ظاهرها. يعرف ماذا يريد تحديدًا، ويفهم متى يكون عليه أن ينخلع من العلاقات الاجتماعية الفاشلة، ويعرف كيف ينتصر لنفسه بشكل إيجابي، بتوظيف طاقته في ارتقاء ذاته وحياته العملية، وليس في توجيهها نحو الغضب والإحباط.