السبت، 27 فبراير 2021

248-الدولة المصرية وإهدار مفهوم الملكية الخاصة للمواطنين

 

الدولة المصرية وإهدار مفهوم الملكية الخاصة للمواطنين

د/ منى زيتون

السبت 27 فبراير 2021

وعلى المثقف، الأحد 28 فبراير 2021

https://www.almothaqaf.com/a/qadaya/953736

في مقال سابق بعنوان "اضطراب الشخصية المتعدد كحل سياسي" تطرقت إلى قضية تقمص الرئيس السيسي لبعض الشخصيات التاريخية لتخرجه من ورطاته وعثراته المتلاحقة سياسيًا ‏واقتصاديًا!‏

شرحت في ذلك المقال مفهوم هذا الاضطراب وأسبابه، وذكرت فيه أن السيسي يتبادل تقمص شخصيتين رئيسيتين منذ عرفناه؛ هما شخصية الخديو إسماعيل، وشخصية الرئيس السادات. ثم ذكرت أنه عندما تلاحق الضغوط كلا الشخصيتين اللاتي يتم تبادل تقمصهما ولا يمكن لأيهما تخفيفها عن النفس فإن ذلك يدفع الفرد إلى الهروب إلى شخصية ثالثة وربما رابعة لتخفيف أو تجنب الضغط النفسي الذي تضعه فيه سلوكياته.

وكان ذلك المقال بمناسبة استقبال مصر وفد من القبائل الليبية والتي فُسرت بمحاولة التدخل العسكري المصري في ليبيا، وقلت إن التاريخ لا زال يذكر لعبد الناصر اجتماعه بوفد قبائل اليمن ليعطوه تفويضًا بالتدخل العسكري في اليمن. وكان المقال متزامنًا أيضًا مع قرارات السيسي المتفرقة بشأن مخالفات البناء ونزع الملكيات الخاصة، وقلت وقتها إنه أصبح معنا عمر المختار، وأيضًا جمال عبد الناصر!‏

وربما كان علينا أن نحمد الله تعالى لأنه لولا نكسة 1967 التي تُذيل تاريخ عبد الناصر لكانت شخصية جمال عبد الناصر هي الشخصية الرئيسية التي يتقمصها السيسي؛ فهو الضابط الثائر مثله، والذي تحالف مع الإخوان ثم غدر بهم مثله، والذي يرى في نفسه زعيمًا ذا كاريزما مثله! وإن كان أي مدقق سيرى البون الشاسع بين الشخصيتين، خاصة في مسألة الكاريزما، فكاريزما السيسي متوهمة لا وجود لها سوى في عقله.

لكن يمكنني الجزم بأن نكسة 1967 لم تلغِ حالة الإعجاب والتقمص لدى السيسي بشخصية عبد الناصر، ولكنها جعلته يكتفي بمحاكاته جزئيًا في بعض سياساته الداخلية مع تخوف وحذر من تقليده في سياساته الخارجية خشية أن تدور الأيام عليه، فتخوف السيسي من إرسال جنود مصريين إلى اليمن، وتخوف أيضًا من التدخل العسكري في ليبيا، وهذا من حسن الحظ. والقول ذاته صحيح بأن السيسي أيضًا يحذر من أن تسوقه السلوكيات التي يحاكيها لدى عبد الناصر في سياساته الداخلية إلى أن تنقلب الأوضاع داخليًا عليه، ولعل حالة عدم الاستقرار التي سادت الشارع المصري في الربع الثالث من سنة 2020 اعتراضًا على قراراته بهدم المباني غير المرخصة قد زادت تخوفه من أن يحذو حذو ناصر تمامًا.

وهنا يجدر بي أن أشير إلى أنه ليس كل بناء يُبنى دون ترخيص هو عدوان من المواطنين على الرقعة الزراعية أو تخطي لسيادة القانون، فكثير من الأراضي التي تعتبرها الدولة أراضٍ زراعية ليس لها مسقى لتُروى منه؛ لأن الترع والقنايات التي كانت توصل مياه الري إليها تم ردمها منذ عقود. وهناك حي في محافظة الشرقية بُني على أكتاف المواطنين وبأموالهم، وكانت تُعطى تراخيص البناء فيه للمواطنين في أواخر القرن العشرين، ثم أوقف الحي تراخيص البناء لاستغلال المواطنين بإجبارهم على تحمل تكاليف إدخال المرافق إلى مبانيهم، وهو ما حدث، ثم يأتي الحي ذاته اليوم يطالب المواطنين بدفع غرامات لترخيص مبانيهم التي بُنيت تحت سمع وبصر الحي! والأدهى والأمر أن طالب الحي أحد الحاصلين على ترخيص بالبناء منذ حوالي ربع قرن بسداد غرامة البناء دون ترخيص! وبرج بالكامل كان مرخصًا للبناء من أرضه لسمائه تم هدمه ضمن حملة الإزالة، ودون إنذار، فأصابت صاحبه جلطة ومات من فوره.

فلم تكن حملة نظام السيسي بشأن تراخيص البناء هي قراراته الأولى التي تظهر رغبته في التعدي على الملكيات الخاصة للمواطنين وكأن ليس لأحد أن يملك في مصر غيره أو بإذنه، وكأن كل ما في مصر ملك للدولة –والتي يراها مساوية لنفسه؛ فالدولة= السيسي- وله أن يتصرف فيه كما يشاء، محاكيًا ومقلدًا بذلك جمال عبد الناصر، وكان السيسي قد أصدر قبل سنوات قرارات خصت الاستيلاء على ملكيات ‏الإخوان تحديدًا فيما يشبه التأميم الناصري لأموال فئة الباشوات، وقرارات أخرى لنزع الملكية الخاصة عن سكان مناطق كثيرة بدعوى المنفعة العامة، وادعاء ملكية الدولة لمناطق أخرى كجزيرة الوراق وغيرها ومحاولة نزع ملكيتها من سكانها، وإلغاء تطبيق مبدأ "التقادم المكسب للملكية" على أرض الواقع، وعدم الاعتراف به.

ولن أتكلم كثيرًا عن تأميم عبد الناصر وما أحدثه من خلل وتغير في تركيبة المجتمع المصري، لأن السيسي لا يقلده بحذافيره، فعلى الأقل كان ناصر يبني صروحًا صناعية عملاقة مملوكة للدولة، ولكن السيسي لا يهدر فقط الملكية الخاصة للمواطنين، بل ولا يبقي ملكية عامة ذات قيمة وتدر دخلًا للدولة، فكل ما عدا القصور والطرق والكباري يعاديه ويفسده، فلم يسلم منه حتى الشجر، ورأينا مؤخرًا إفساده مصنع الحديد والصلب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وقانون الإيجار القديم الممتد رغمًا عن أنف المالك بأمر من الدولة هو مثال آخر على إهدار الدولة للملكية الخاصة للمواطنين؛ حيث قامت الدولة بتأبيد العقد، ثم بتوريثه لورثة المستأجر، وكأن الدولة قد حولت العقار من ملك للمالك إلى وقف خيري يجري على المستأجر وورثته من بعده، في سابقة لم يسمع بها العالمين من قبل عبد الناصر، ولا زالت المهزلة مستمرة ولا حياء لدى المسئولين ولا المستأجرين!

وبدءًا من مارس 2021 تسعى الدولة المصرية إلى إجبار المواطنين على تسجيل ملكية وحداتهم العقارية بالشهر العقاري عن طريق ربط إدخال ونقل المرافق للعقار بوجود عقد مسجل في الشهر العقاري يثبت الملكية. وهو إجراء يبدو ظاهريًا منطقيًا ومتعارفًا عليه في دول العالم كافة، كما كان عُرفًا سائدًا لدى المصريين حتى عهد عبد الناصر، ثم بدأ المصريون منذ الستينات من القرن العشرين يلجأون إلى عقود البيع الابتدائية وعقود الإيجار الصورية -لوحداتهم التي يملكونها- عوضًا عن التسجيل في الشهر العقاري، ولعل في هذا ما يدعو العاقلين للتساؤل عن أسبابه. فهل السبب كان التهرب من دفع رسوم تسجيل الوحدة أم أن هناك أسبابًا إضافية قل أن يتكلم عنها أحد؟

المتعارف عليه شرعًا وقانونًا أن العقد المدني هو شريعة المتعاقدين، وأن للعقد طرفين لا ثالث لهما هما من يحددان بنوده، وبالنسبة لعقد البيع فطرفاه هما البائع والمشتري، والمفترض قانونًا أن يقوما بالتوجه إلى مكتب الشهر العقاري التابع له العقار لتسجيل ما اتفقا عليه في عقد البيع والتوقيع عليه أمام موثق العقود، والذي تقتصر وظيفته على الإشهاد وأخذ التوقيعات ووضع الأختام الرسمية التي تؤكد صحة العقد، فموثق العقد ليس طرفًا من أطراف التعاقد، وهو أمر بدهي لم تكن هناك حاجة بي لذكره لولا الانقلاب المفاهيمي الذي حدث لدى موظفي الدولة منذ الستينات، والذي جعلهم يظنون أنفسهم شركاء للمواطن في ملكه!

إن المشكلة الكبرى التي تواجه المواطنين والمقاولين في مصر عند بيع وحدات عقارية في بناء كبير هي توزيع حصص الوحدات (الشُقق والمحلات) في أرض العقار، وذلك لأن مساحات الوحدات قد تختلف ومن ثم تختلف حصتها في الأرض، كما أن مساحة الأرض غالبًا ما يُترك جزء منها لا يتم البناء عليه، وكثيرًا ما يخصص المالك هذه الأرض التي لم يُبنَ عليها كحديقة خاصة له إن كان يسكن في العقار، ولا توزع مساحتها على باقي السكان، بل توزع عليهم فقط حصتهم في مساحة الأرض التي تم البناء عليها، وأحيانًا ما يضيف المالك تلك المساحة الإضافية إلى حصة وحدات الدور الأرضي ترغيبًا للمشترين في شرائها باعتبارها فللًا صغيرة ذات حديقة خاصة، وأحيانًا يضيف المالك مساحة إضافية في أرض العقار لبعض الوحدات التي لا تطل على واجهة أو تقع في الدور الأخير ترغيبًا للمشترين، وكل هذه الممارسات المشروعة للمالك -باعتبار أن من حكم في ماله ما ظلم- قد صارت في خبر كان منذ أصبح موثقو العقود يضعون أنوفهم في بنود العقد ويغيرونها!

ومن أقسى ما سمعت في هذا السياق أن مقاولًا حصل على ترخيص بناء لبرج من تسعة طوابق، وبنى أول ستة طوابق منه، وباعها وأعطى المشترين عقودًا ابتدائية، فسارعوا إلى تسجيلها، وكان بناء الطوابق الثلاثة الأخيرة لم يتم بعد، فقام موظفو الشهر العقاري بإعادة تحصيص وتقسيم أرض العقار على الشقق التي تم بناؤها فقط فزادوا في حصصها، ولم يراعوا حصص ما لم يتم بناؤه، ما أدى إلى أن شقق الأدوار الأخيرة لم يصبح لها نصيب في أرض العقار وفقًا لعقود الشهر العقاري، وكأن أصحابها يملكون الهواء فقط، فليس لهم نصيب في الأرض رغم أن حصصهم في الأرض مثبتة في العقود الابتدائية!

ولأجل قيام موظفي الشهر العقاري بذلك التلاعب وخيانة الأمانة دون أن يلتفت إليهم أحد فهم يطلبون من المواطنين تقديم "التماس" بقبول تسجيل حصص وحدات العقار في الأرض ويوقعونهم عليه! كما يسجل موثقو العقود في العقد المشهر مساحة حصة الوحدة في العقار بالأسهم وليس بالأمتار كي لا يلحظ أحد تلاعبهم.

إن هذه المشكلة بالإصرار على تعديل حصص وحدات العقارات في الأرض وفقًا لما يراه موظفو الشهر العقاري تتسبب في عزوف كثيرين عن تسجيل وحداتهم والاكتفاء بدعوى صحة التوقيع. والحل ببساطة ليس أن تربط الدولة إدخال المرافق إلى العقار بتسجيله في الشهر العقاري، بل الحل يكمن في أن يعرف موثقو العقود في مصلحة الشهر العقاري حدودهم ولا يتخطوها، ويتفهموا أنهم ليسوا أحد أطراف العقد فلا يعدلوا في حصص الوحدات من الأرض التي اتفق عليها طرفا العقد، والتي تحددت قيمة الوحدة العقارية على أساسها، ولا يعدلوا في أي بند آخر، بل يسجلوا بنود العقد كما اتفق عليها طرفا التعاقد.

وينبغي اعتبار أي تغيير من موثق العقود في بنود العقد الابتدائي بين المالك والمستأجر أو في بنود توكيل المالك للمستأجر بالبيع إخلال بالأمانة من موثق العقود يُعاقب ويُجازى عليه، ونظرًا لأن هناك الآلاف من عقود البيع التي أشهرت في مصر عبر أكثر من نصف قرن قام موثقو العقود بالتلاعب في حصص الوحدات في أرض العقار، فالحل الأمثل هو عدم إلغاء هذه العقود وتعديل القانون بحيث يمكن للمواطن –بائعًا كان أم مشتريًا- التقدم بطلب تصحيح لحصة الوحدات العقارية مصحوبًا بالعقد الابتدائي أو توكيل البيع الصادر من البائع للمشتري، وأن تُضاف "استمارة تصحيح" حمراء اللون وصورة من العقد الابتدائي أو توكيل البيع إلى العقد المُشهر ذي اللون الأخضر، ويتم إعلام جميع الأطراف بذلك التصحيح بواسطة خطابات مسجلة. ويمكن أيضًا إضافة استمارة إلى العقد المُشهر لكل وحدة عقارية تُسمى بـ "استمارة تقسيم أرض العقار على الوحدات"، يوقع عليها مالك العقار الأول، على أن تشمل حصص الوحدات المبنية والمعتزم بناؤها، مع ذكر اسم المشتري صاحب الوحدة التي يتم تسجيلها، ولا يلزم ذكر أسماء أصحاب الوحدات الأخرى، مع تحديد ملكية جزء الأرض التي لم يتم البناء عليها –إن وجدت- في تلك الاستمارة. والأهم أن تفهم الدولة أن هناك ما يُعرف بـ "الملكية الخاصة".

الأربعاء، 17 فبراير 2021

247- المادة والطاقة

 المادة والطاقة

د/ منى زيتون

الأربعاء 17 فبراير 2021

وعلى المثقف، الخميس 18 فبراير 2021

https://www.almothaqaf.com/a/qadaya/953501

مزيد ومنقح ضمن مقالات كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر" و "تأملات في كتاب الله"

 

مما لاحظته من خلال تدبري في أحوال الناس أن جماعات من الناس كالعلماء والفلاسفة والمتصوفة يظنون أنهم يتناقضون تمامًا في فهمهم ونظرتهم عن الكون، بينما الحقيقة أنهم جميعًا –وإن كان البادي اختلافهم- قد يقولون الكلام عينه ويرون الرأي ذاته بطريقة أو بأخرى. فإن كان بعضهم يدعي أنه يتحدث بالمنطق وبعضهم يرى بالحدس، فعن نفسي أرى أنه ليس مستحيلًا أن تكون شديد المنطقية وشديد الحدس في الآن ذاته، وهذا ما أفعله لأكتشف بناءً عليه الرابط بين أفكار قد يبدو ظاهريًا ألا رابط بينها!

تحولات المادة والطاقة

لطالما شغلني التدبر في خلق الكون والكائنات، وكنت قد كتبت مقالًا سابقًا بعنوان "الله الخلاق" أدون فيه أفكاري بشأن خلق الأنواع الحية، ولكن هناك قضية أخرى أراها ذات أهمية في توصيف عملية الخلق، وهي قضية "تكافؤ المادة والطاقة" من المنظور العلمي، مع ما ترتبط به من مفاهيم ومعتقدات لدى القدماء.

علمونا ونحن صغار أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، ولكنها تتحول من صورة إلى صورة أخرى، فبعد أن آكل ثمرة فاكهة تتحول الطاقة الكيميائية المختزنة في تلك الثمرة إلى طاقة حركية عندما أحرك أطرافي وينبض قلبي وتتحرك أمعائي ونحوه، وإلى طاقة حرارية تبقي الحرارة ثابتة في جسدي.

ونعرف أيضًا أن المادة لا تفنى ولا تُستحدث، وأن شخصًا يموت فلا تفنى مادة جسده ولا تفنى عناصره –وإن فني هو كإنسان-، بل تتحلل مادة جسده إلى عناصر تعود إلى التربة لتدور دورة جديدة في الطبيعة، ولتدخل تلك العناصر في تركيب مواد أخرى. ونعلم أن للعناصر دوراتها المختلفة في الطبيعة، والله سبحانه وتعالى أوجد منذ اللحظة الأولى لخلق الأرض ما يكفي من الموارد فيها؛ فلا شيء يزيد ولا شيء ينقص ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: 10].

إذًا فكل ما يحدث في الكون منذ لحظة الخلق الأولى وانتهاءً بختام الحياة وحلول القيامة هو تحولات في المادة وتحولات في الطاقة.

ولكن الأهم أن هناك تحولات ما بينهما؛ فمادة تتحول إلى طاقة وطاقة تتحول إلى مادة، وأن هناك تكافؤًا بين المادة والطاقة، وفقًا للمعادلة الشهيرة التي نتجت عن نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين [ط = ك.س² (بالإنجليزية: E=mc²)‏] أي أن طاقة المادة تساوي حاصل ضرب كتلة المادة في مربع سرعة الضوء. وكانت هذه المعادلة سببًا في اكتشاف الطاقة النووية (طاقة الانشطار النووي). وببساطة يمكن القول إنه من الثابت علميًا أن كتلة المادة –أي مادة- قابلة لإطلاق وتحرير طاقة منها. كما أن بمقدورنا أن نصف الشمس بأنها أكبر مفاعل اندماج نووي تصدر الطاقة الضوئية والحرارية عن طريق تحول المادة.

وهذا من منظور العلم، أما من المنظور الميثولوجي وحكايا القدماء فطالما اعتقد القدماء أن الحسد والحقد –كطاقة سلبية- لا يؤثران وحسب على طاقة ومادة جسد من توجهت إليه تلك الطاقة السلبية، بل هما يأكلان –مادة- جسد صاحبهما فيصيبه بعض سمه، وكان العرب يضعون النحافة الشديدة على رأس العيوب في المرأة "شرهن النحيفة الجسم القليلة اللحم"، ويحذرون لأجل ذلك من تزوج المرأة شديدة النحافة تخوفًا من أن نحافتها الزائدة دالة على سوء طبعها وكاشفة لنواياها الشريرة تجاه الآخرين، وربما أيضًا كاشفة لعدم رضاها وشدة تبطرها وكثرة شكايتها مما يلزم ومما لا يلزم، ولم يعرفوا أنه في نهاية الزمان ستصير هذه النحافة الشديدة شديدة المرغوبية لدى كثير من النساء! لكن تلك النظرة البدائية –على بساطتها- كانت ثاقبة في استكشاف العلاقة بين طاقة الجسم ومادته، وأن تحرر الطاقة من المادة ينقص كتلتها! وإن كان حديثهم عن هذا النقص اختص بالطاقة السلبية لدى النساء لأن النساء في البيئة البدوية لم يكن يعملن خارج المنزل أعمالًا تستهلك الطاقة.

طاقة الحروف والكلمات

قديمًا تحدث العرب عن أن للحروف طاقات، وقسموا حروف العربية الثمانية والعشرين إلى أربع طاقات أساسية؛ نارية وترابية وهوائية ومائية، وكل مجموعة تضم سبعة حروف، فالنارية (أ، هـ، ط، م، ف، ش، ذ) والترابية (ب، و، ي، ن، ص، ت، ض) والهوائية (ج، ز، ك، س، ق، ث، ظ) والمائية (د، ح، ل، ع، ر، خ، غ).

ولكل حرف منها وزن للطاقة يؤثر في طاقة الكلمة التي يدخل فيها. فأول حرف ناري (الألف) يكون ميزانه الأعلى (7)، والحرف الناري الذي يليه (الهاء) يكون ميزانه أقل درجة (6)، وهكذا في كل مجموعة حروف. وعليه فلوزن أي كلمة، نراجع طاقة ووزن الحروف المكونة لها، وترتيبها فيها.

والكلام إجمالًا يحمل طاقة يصعب توصيف نوعها بلغة العلم، فهل يمكن أن نصفها بأنها موجات ميكانيكية لأنها أصوات؟ وهل طاقة الكلام هي ما يحدثه الصوت الصادر من تضاغطات وتخلخلات في الوسط المحيط به بغض النظر عن المحتوى؟! وماذا عن الكلام المكتوب الذي نقرأه وإلا فلماذا نقرأ القرآن، ولماذا يقرأ أصحاب الديانات الأخرى كتبهم؟! وماذا عن الدعاء؟ ولماذا نحفظ صيغًا معينة كالاستغفار والتسبيح للتعبد بها؟

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن علينا أن نقول الخير أو أن نصمت، وأن نتفاءل ونستبشر بالخير، وكان يعمد إلى تغيير الأسماء غير الحسنة، وعلم النفس يؤكد على النصائح ذاتها بأن نكون إيجابيين قدر ما يمكننا وأن نحدث أنفسنا بأننا قادرون على فعل ما نتمنى أثناء سعينا إليه، وأن نوجه الكلمات الإيجابية إلى أبنائنا ونتوقف عن نعتهم بالفاشلين المقصرين.

وتوجد تجارب أُجريت على الماء وعلى النباتات يقوم تصميمها التجريبي على توجيه كلمات إيجابية أو سلبية لقطرات الماء أو للنبات، ودراسة التغيرات الحادثة فيها بعد إرسال هاتين النوعيتين المتعاكستين من الكلمات إليها.

وأظهرت نتائجها أن ترتيب جزئيات الماء –كما ظهر تحت المجهر- تغير وصارت بلوراته مختلفة بحسب الطاقة التي أرسلت إليه، فالكلمات الإيجابية كـ (حب، سلام) أدت لتشكل بلورات ماء رائعة الجمال، والكلمات السلبية كـ "حرب" أدت إلى تشكل بلورات غاية في القبح. والنبات الذي أُطلقت في حقه كلمات المديح من نوعية "أنت نبات جميل" نما ورعرع، بينما النبات الذي وجهت إليه سهام النقد وعدم التقبل، فقيل له إنه نبات قبيح ذبل!

وكنت أتمنى أن يشمل التصميم التجريبي قراءة نصوص دينية كآيات من القرآن الكريم على الماء لنرى تأثير القرآن على شكل بلوراته.

وهذه التجارب تثبت أن للكلمات وللحروف طاقة، كما تثبت أيضًا أن التغير لا يقتصر على تحولات المادة والطاقة والتحولات ما بينهما، فالطاقة –إيجابية كانت أو سلبية- تؤثر في تشكيل المادة، حتى مع ثباتها كمادة وعدم تحولها إلى طاقة، أو إلى مادة أخرى، أو حتى تبدل حالتها؛ فالماء السائل الذي أُجريت عليه التجارب بقي ماءً سائلًا فلا هو صار لبنًا ولا هو تبخر أو تجمد.

طاقة الأرقام

ما لا يكاد يعرفه أغلب العرب المعاصرين أيضًا أن النظام الرقمي وعلم الجبر هما ‏هديتا العرب إلى العالم؛ فالعرب هم الأمة الوحيدة التي اعتبرت الأرقام الأولية تسعة (1، 2، ‏‏3، 4، 5، 6، 7، 8، 9)، وقالوا إن الأرقام تدور في تسعات وتنتظم في عشرات؛ فبعد ‏التسعة أرقام الأولى تدور تسعة ثانية ثم ثالثة إلى ما لا نهاية (10=1، 11= 2، 12=3، ‏‏.......). أما ما عداهم من الأمم فكانوا يستخدمون الترقيم الروماني، والذي توجد فيه ثلاثة ‏أرقام أولية فقط (1، 5، 10) ولكنه تميز بأنه كان نظامًا رمزيًا، ورموزه ‏(I, V, X)‏ وتتشكل ‏منها كل الأرقام، والنظام الروماني الرقمي كانت تنتظم أرقامه فيما يشبه الحزم، ولا يمكن ‏تطويعه لإجراء أي عمليات حسابية منه.‏

وكانت عبقرية الخوارزمي العالم المسلم الذي اتصل بالعرب بسبب دينه أنه وضع ‏رموزًا لتلك الأرقام الأولية العربية التي كانوا يعبرون عنها بالكتابة فقط، فكانت رموزه ‏(1, 2, ‎‎3, 4, 5, 6, 7, 8, 9)، واخترع اللا شيء وأسماه الصفر ووضع له رمزًا هو الآخر ‏(0)، ثم وضع ‏نظام خانات الآحاد والعشرات والآلاف ليعبر عن الأرقام الأكبر من الأرقام التسعة الأولية، ‏وكان هذا النظام الرقمي العربي السبيل لتطوير العمليات الحسابية؛ فأمكن من خلاله إجراء ‏عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، كما أمكن التعامل مع الكسور والأرقام العشرية، ‏حتى تمكن البشر في عصرنا من حساب الثوابت الكونية على دقتها.‏

وكما أن لكل حرف طاقة، فلكل رقم من الأرقام التسعة الأولية طاقة، فالرقم (1) ‏رقم الاستقلالية والقيادة ويعبر عن البدايات، والرقم (2) رقم التوازن والانسجام في العلاقات ‏‏والشراكات، والرقم (3) رقم العمل الجماعي والتواصل الاجتماعي الناجح وتأخر الاستقرار، ‏والرقم (4) رقم ‏الاستقرار والإدارة والبناء والتنفيذ، والرقم (5) رقم السفر والتعلم والانفتاح ‏والتكيف، والرقم (6) رقم الجمال والإخلاص والدفء والطيبة والبحث عن العلاقات ‏الناجحة، ولكن مع فشل في وضع ‏حدود صحية في هذه العلاقات. وهو رقم التناقض لأنه ‏مثلثان أحدهما ينظر لأعلى والثاني ينظر لأسفل!‏ والرقم (7) رقم الحدس والفلسفة والروحانية ‏والتأمل العميق، والرقم (8) رقم المال والوفرة والتجارة والاقتصاد، والرقم (9) رقم ‏الإنسانية ‏والحقوقية والمساواة والوصول للهدف؛ فهو رمز الاكتمال لبدء دورة جديدة بعده، وهو رقم ‏الاستمرارية ‏فكل ما يأخذ الرقم (9) في حياتنا يبقى ويستمر طويلًا كونه رقم الاكتمال.‏

ولكل رقم أكبر من الأرقام الأولية طاقة تُشتق من طاقات الأرقام الأولية المكونة له، ‏ومن طاقة الرقم الأولي الذي يتبعه، فرقم (91) على سبيل المثال طاقته تشتق من طاقة ‏الرقمين (1، 9) وطاقته الأولية (1) لأنه بداية دورة رقمية تسعية جديدة، بعد أن اكتملت ‏الدورة التسعية السابقة عليه برقم (90). ورقم (53) طاقته تُشتق من طاقة الرقمين (3، 5) ‏وطاقته الأولية (8).‏

والأرقام الأولية التسعة تتفاعل مع طاقات الطباع الأربعة لتعطي معانٍ ودلالات ‏أعمق، وربما كان لنا حديث عنها في مقال آخر.‏

ضبط طاقة المادة

عُرف عن الصينيين القدماء نظرتهم إلى المرض على أنه تغير في مسارات طاقة الجسم، وكانوا يلجأون لعلاجات مثل استخدام نوع من الأحجار الكريمة والوخز بالإبر في مواضع خاصة بالجسم، لإصلاح طاقة العضو العليل. كما اشتهر عن المصريين القدماء استخدامهم لما يُعرف بـ "ثالوث الأحجار المقدسة" لصد الطاقات السلبية والشريرة من سحر وحقد وحسد وغيرها عن جسم من يرتديها، وهذا الثالوث يتكون من حجر العقيق الأحمر، وحجر الفيروز السيناوي وحبذا لو كانت فيه عروق من نحاس، وحجر اللازورد الأزرق الغامق وكانوا يسمونه حجر إيزيس أو حجر العفة. ونجد هذا الثالوث مطعمًا لأغلب المجوهرات الأثرية التي عُثر عليها، كمقتنيات الفرعون توت عنخ آمون.

وكان ولا زال المتدينون -على اختلاف دياناتهم- يعتقدون أن لتأدية العبادات تأثيرها الإيجابي على طاقة مادة أجسامنا، وهناك تجارب أُجريت على بعض الرهبان من ديانات غير إبراهيمية قاست طاقات أجسامهم قبل وبعد الصلاة، وكان التغير في مستويات الطاقة في أجسامهم واضحًا.

وكما هو ملحوظ أن العبادات ترتبط بمواقيت زمانية وأخرى مكانية، والمواقيت المكانية عند المسلمين ترتبط بالكعبة المشرفة في مكة المكرمة والتي نتوجه لها عند صلاتنا، وبالكعبة وجبلي الصفا والمروة ومنى وعرفات والمزدلفة والمواقيت المكانية المنصوص عليها للإحرام للحج والعمرة. والدراسات عن الكعبة وموقعها بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض ومجالها الطاقي ونسبتها الذهبية والطواف حولها في اتجاه عكس عقارب الساعة بشكل مماثل لحركة الالكترونات حول النواة، وغيرها دراسات كثيرة، وإن كانت بحاجة للمزيد والمزيد من البحث.

ومن المواقيت الزمانية لأداء العبادات ما يرتبط بدورة الأرض حول الشمس فيتكرر الحدث مرة كل عام كقدوم شهر رمضان وموسم الحج وموعد إخراج الزكاة لكل مسلم، وهي أيضًا ترتبط بدورة القمر حول الأرض لتحديد الأهلة، ومنها ما يرتبط بدورة الأرض حول نفسها وتعاقب الليل والنهار كالصلوات الخمس، وموعد الإمساك والإفطار في يوم الصوم.

وارتباط العبادات اليومية عند المسلمين بتعاقب الليل والنهار وتحديدًا بموضع الشمس في دائرة الأفق بالنسبة للأرض والاختلاف في مستويات الطاقة الكونية الذي يحدث خلال اليوم والليلة دال على أن الصلاة في المواقيت الخمسة لها دورها في ضبط طاقة الجسم وتناسقها مع طاقة الكون، خاصة طاقة الشمس والقمر؛ فالصلاة تحمل أجسامنا بطاقة إيجابية، كما أنها أيضًا تخلص أجسامنا من الشحنات السالبة (الالكترونات) المتراكمة على أجسامنا، خاصة وأن صلاتنا كمسلمين تلزمنا بأن نسجد على سبعة أعضاء على الأرض، لتأخذ منا الأرض تلك الالكترونات السالبة، والتي تُعرف بالكهربية الساكنة. وعلى هذا فالصلاة تغير طاقة مادة الجسم تغيرًا للأفضل، مثلها في ذلك مثل الوضوء وقراءة القرآن والدعاء، وهناك علماء بصدد دراسة أثر التدليك بالماء عند مواضع الوضوء من الجسم على إصلاح مسارات طاقة الجسم، والنتائج مبشرة.

وأما بالنسبة للصيام فهو يسهم في تحرير الطاقة من مادة الجسم لإنقاص كتلته، ولعله لم يبق أحد لم يسمع بصيحة الصيام المتقطع يومين أسبوعيًا، لست عشرة ساعة متواصلة في كل يوم، والذي يعتبر محاكاة لنظام الصيام التطوعي الأسبوعي لدى المسلمين، وبعض الناس يداومون عليه يوميًا كحال المسلمين في صيام شهر رمضان متواصلًا.

ودون قطع للسياق فقد كنت كلما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُور" أتساءل: ما الذي يمكن أن يجعل أحدًا يؤخر إفطاره أو يعجل سحوره فيطيل مدة صيامه عامدًا؟! ولكن بعد ظهور صيحة الصيام المتقطع لست عشرة ساعة والتي يداوم عليها بعض الشباب والشابات طوال العام وحتى في رمضان، فقد فهمت أننا الآن قد زال عنا الخير.

وعودة إلى موضوعنا، فأقول إنه قد ثبت للعلماء أن هناك مصدرين يمكن للجسم أن يحصل على الطاقة من أيهما، وهما الجلوكوز الناتج عن هضم الطعام المأكول المهضوم توًا، والطاقة الناتجة من خلال حرق جليكوجين الكبد والدهون المخزنة في الجسم التي زادت عن حاجته في وقت سابق، والحالة الفسيولوجية المثالية أن يمكن للجسم التبديل بين مصدري الطاقة، فيتعاقبان تعاقب النهار والليل بكل أريحية، فحين يأكل الإنسان يهضم الجسم ما أكله ويستخدمه كطاقة، وحين ينتهي هذا الوقود يبدأ الجسم مباشرة في حرق الدهون المختزنة، وهذا التعاقب يُبقي طاقة الجسم ثابتة فلا صداع يحدث ولا خمول، كما أن تحرير الطاقة من الدهون ينقص كتلة مادة الجسم الزائدة أولًا بأول، ويحافظ على وزن مثالي.


وعملية حرق الدهون تزيد مع ارتفاع مستوى هرمون الليبتين في الدم، وتصل لأعلى مستوياتها الطبيعية في الليل، خاصة أواخر الليل ووقت السحر، ولكن نظام الحياة الحديثة يسمح بالكثير من السهر ما يسبب الجوع والأكل ليلًا، فكأنه لم يعد ﴿اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ: 10]، ومن ثم يرتفع مستوى هرمون الإنسولين وينخفض مستوى هرمون الليبتين في الدم وتقل قدرة الجسم على حرق الدهون المختزنة، ومع استمرار الأكل ليلًا وكذا الإكثار من تناول الكربوهيدرات (النشويات والسكريات) يختل نظام تبادل مصدري الطاقة الطبيعي، ويصبح هناك مصدر وحيد يعتاد الجسم استخدامه للحصول على الطاقة، وهو الجلوكوز الناتج من الطعام المهضوم، ما يبقي الإنسان في حالة جوع دائمة كلما نفذ هذا الجلوكوز رغم وجود دهون مختزنة يمكنه تحرير الطاقة منها. إلا أن الحال لا يكون كذلك عندما ينام الإنسان ثم يقوم الليل بالصلاة، فلا يأكل بل يتعبد، فإن هذا ليس من شأنه إفساد نظام تبادل مصدري الطاقة في الجسم.

وضبط طاقة مادة أجسامنا كما يتأثر بالصلاة والصوم ومواعيد تناول الطعام، فهو يتأثر بذكر الله اليومي الذي ينبغي أن يداوم عليه كل مسلم ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا[الإنسان: 25-26].

وهناك أوقات يلفتنا ربنا إلى الذكر فيها، وبعضها يفضل فيها الذكر بصيغ محددة؛ يقول تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم: 17-18]. ومن مأثور الدعاء قولنا: "سبحان الله بكرةً وأصيلًا"؛ والأصيل هو آخر ساعة قبل غروب الشمس﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ والبكرة هي آخر الوقت قبل شروق الشمس﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ فيُسن فيهما الذكر بالتسبيح.

وبالنسبة للطعام، فلأن موعد الوجبتين الرئيسيتين هو وقت العشاء ووقت الظهيرة فالذكر بالحمد مسنون في هذين الوقتين﴿وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ، ومما اعتاد الناس عليه من قديم أن يحمدوا الله بعد أن يفرغوا من طعامهم.

ومن المأثور أيضًا أن الجسم السليم يطلب الراحة ليلًا فينام، والأرق ليلًا علامة على اعتلال الجسم وخلل طاقته، كما أن هناك ثلاثة أوقات من النهار لها علاقة بالنوم؛ ويُسمى النوم فيها بالحيلولة والقيلولة والعيلولة، فنوم الحيلولة هي أن ينام الإنسان بكرةً وبعد شروق الشمس، والنوم في هذا الوقت يحول بين العبد ورزقه، والسعي في الأرض منذ بُكرة الصباح صحة للبدن، أما نوم القيلولة لساعة بين الظهر والعصر فهو من السُنة فيرتاح الإنسان من العمل وقت الظهيرة وقد يغفي غفوة بسيطة ويأكل وجبة خفيفة، وهو مفيد لصحة الجسم، والدراسات العلمية الحديثة أثبتت ذلك، وهو ما دفع كبريات الشركات حول العالم أن تخصص ساعة راحة للعاملين فيها وقت الظهيرة، وخصصت بعضها حجرات للقيلولة بها أرائك مريحة تساعد على راحة الجسم بدلًا من الأثاث المكتبي، وأخيرًا فإن النوم بين العصر والمغرب يسبب اعتلال البدن ومرضه، ولذا يُسمى نوم العيلولة.

مُلحة للختام

وأختم بمُلحة عن ملح الطعام، واسمه العلمي هو كلوريد الصوديوم، وربما كان أكثر المركبات شيوعًا على كوكبنا، فملايير الجزئيات منه تتواجد في مياه البحار والمحيطات، وبالنسبة للقدماء كانت له قيمة أكبر من استخدامه في تطييب الطعام، فكانوا يعتقدون في قدرته على سحب الطاقات السلبية من المادة، سواء كانت جسمًا أو مكانًا.


وكان القدماء يعتقدون أن ظهور كوكب المشتري في السماء ليلًا فأل حسن وسعد وطاقة إيجابية تبث في الكون، ويحبون أن يتعرضوا لها، ولم يكونوا قد رصدوا أقماره بعد، والتي اكتشف جاليليو أكبر أربعة أقمار منها، وتُعرف لذلك بالأقمار الجليلة نسبة إليه، وفي يونيو 2019 اكتشف تلسكوب هابل الفضائي وجود كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم على السطح الجليدي لأحد أكبر أقمار المشتري "القمر أوروبا"، والذي يعتقد العلماء أيضًا في وجود محيطات مالحة شاسعة تحت سطحه تحتوى على كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم. ومع مزيد من التحليل الطيفي لهذا القمر أصبح العلماء يعتقدون أن "أوروبا" عبارة عن كرة كبيرة أغلبها من ملح الطعام تدور حول المشتري!