كان كايرون Chiron kīrən ذا طبيعة خاصة،
فلم تكن طبيعته بشرية، بل كان قُنطورًا Centaur؛ والقنطور هو كائن خرافي عند الإغريق نصفه العلوي بشري برأس وجذع
إنسان، ونصفه السفلي جسم حصان.
عُرف عن القناطير في الميثولوجيا الإغريقية انغماسها في الشهوات،
ومعاقرتها الخمور، وعدم عنايتها بتلقي العلم والمعرفة، وأن نشأتها كانت من اتحاد إيكسيون
Ixion ونيفيلي Nephele.
لكن كايرون لم يكن كباقي القناطير؛ فلم يُجسد الطبيعة الجامحة
في القناطير، وكانت صفاته الخُلقية مختلفة تمامًا؛ كان متحضرًا، وديعًا، كريمًا، حكيمًا،
ومتعلمًا، بل كان أكثر أهل زمانه علمًا، وكان طبيبًا ماهرًا. كما أنه نصف إله؛ كونه
ابن الإله كرونوس Cronus والحورية فيليرا Philyra.
ووالده كرونوس هو أحد آلهة التيتان الذين -وفقًا لأساطير
الإغريق- قد حكموا الأرض قبل آلهة الأولمب الاثني عشر. وكرونوس لم يكن والد كايرون
وحده، بل كان أيضًا والد زيوس Zeus كبير آلهة الأولمب.
وتقول الأسطورة إن كرونوس قد أحب فيليرا، وطاردها، فحولت
نفسها إلى فرس لتهرب منه، فحول نفسه هو الآخر إلى حصان، وأنجب منها القنطور الطيب
كايرون، ولأن أمه لم تحب أباه ولم ترغب في إنجابه فقد رفضت الاعتناء به، وأبوه كرونوس
كان هو الآخر لا يحب أبناءه، ويقوم بابتلاعهم!
كبر كايرون وعاش على جبل بيليون Pelion مع زوجته الحورية تشاريكلو
Chariclo، وكان لديه ثلاث بنات وابن واحد.
ولم يترك شعوره بالرفض من أبويه، وإحساسه بالاختلاف عن بيئته يحولانه إلى كائن شرير،
بل قرر أن يكون إنسانًا طيبًا نافعًا مساعدًا لغيره، وكانت وسيلته إلى ذلك العلم.
ولأنه كان أعلم أهل زمانه كان معلمهم، وجميع آلهة وأبطال
الأساطير الإغريقية كانوا تلاميذ كايرون، مثل أخيلس Achilles بطل طروادة،
الذي مات بالسهم المسموم في وتر قدمه الذي كان نقطة الضعف الوحيدة في جسمه، وكذلك
هرقل Heracles ابن كبير الآلهة
زيوس كان تلميذه. وعلى يدي هرقل حدثت مأساة كايرون!
بدأت المأساة عندما كان هرقل في زيارة فولس Pholus في كهفه لإتمام
بعض أعماله، وعندما كان فولس يفتح زجاجة من الخمر ترحيبًا بهرقل، جذبت الرائحة مجموعة
من القناطير الظلامية، التي هاجمتهما في محاولة لانتزاع الخمر. استخدم هرقل سهامًا
مسمومة وسددها نحوهم، وقتل العديد منهم، لكن أحد تلك السهام المسمومة أصابت أستاذه
كايرون عن طريق الخطأ.
ووفقًا للأسطورة؛ ولأن كايرون نصف إله فهو خالد، وليس من
المفترض أن يموت، لكن من الممكن أن يتألم، لذا فقد بقي حبيسًا في كهفه المظلم 900
عام يحتمل الألم، ثم قرر كايرون أن يتنازل عن الخلود في مقابل الحرية، ولكنها ليست
حريته هو بل حرية بروميثيوس Prometheus. وأيضًا منح خلوده إلى بروميثيوس؛ فكان نبيلًا إلى آخر لحظة من حياته.
وقرر كبير آلهة الإغريق زيوس تعويض كايرون، فقام بتحويله
إلى مجموعة من النجوم التي تشكل صورته، وتكون ما يُعرف ببرج أو كوكبة (القوس) أو
(الرامي) أو (المحارب).
اختار زيوس أن تكون المجموعة النجمية لكايرون التي على صورته
هي التاسعة في دائرة البروج؛ لأن الإنسان يُولد بعد تسعة أشهر، فذلك رمز لتكامل القوة
الجسمية مع القوة العقلية والروحية التي نجح أن يمثلها كايرون؛ بجسم الفرس مع نصف
الإنسان العلوي برأسه ويديه، فكأن إنسانًا كان سيخرج من جسم الفرس لكنه لم ينفصل عنه،
وهو تعبير عن التحام الطبيعتين المادية والعقلية الروحية أقوى مما لو كان على صورة
فارس يركب على فرس. وتُمسك يد الإنسان بالنصف العلوي من القنطور قوسًا مُصوَّبًا يحمل
سهمًا.
فالقوس هو أحد الأبراج الأربعة المتغيرة mutable، وهي الأبراج
(الكوكبات) التي يقع كل واحد منها آخر كل فصل من فصول السنة الأربعة، وهي الجوزاء
والعذراء والقوس والحوت؛ فكل منها تتركب مجموعته النجمية من جزئين؛ فالجوزاء شخصان
يقفان متجاورين في السماء، والحوت سمكتان، والعذراء فتاة تحمل سنبلة، والقوس هو الفارس
الفرس!
وقرر زيوس أن يكون مسئولًا بنفسه عن تلك المجموعة النجمية.
وزيوس Zeus Ζεύς عند الإغريق
هو جوبيتر Jupiter عند الرومان،
وهو مردوك عند أهل بابل، وهو ذاته المشتري عند العرب؛ فهو كبير الآلهة الذي يقابله
أكبر كواكب السماء وأجملها. أسماه العرب (التبر) أي الذهب السائل لشدة لمعانه، كما
أسموه (المشتري) لأنهم قالوا: كأنه اشترى الحُسن لنفسه!
صفات مواليد الكوكبة وعلاقتها بالأسطورة
بناءً على تفاصيل الأسطورة فمن يولد في تلك الفترة الزمنية
التي تقابل البرج التاسع في دائرة البروج، وتمتد في الفترة من 22 نوفمبر وحتى 21 ديسمبر
له جسم متناسق قوي عضلي البنية، وعقل واعٍ حكيم Sage، ولديه مزيج فريد –وربما عجيب-
من حب الحياة والانطلاق والسفر، وحب العلم والتثقف؛ ولنقل إنه أكثر الحكماء تهورًا.
هو مزيج من الحرية والمحافظة، وبقدر تلقائيته لا ينفك عن التفكير! مزيج من الذكاء وبراءة
الأطفال الساذجة؛ فذكاؤه لا علاقة له بالخبث، وهو مثل السهم ينطلق في خط مستقيم لا
يعرف اللف والدوران، وغالبًا صراحته جارحة. بقدر عفويته وصدقه هو غامض لا يفهمه إلا
قلة، وبقدر خجله هو شجاع وجريء فيما يستلزم الشجاعة، وبقدر طيبته يكون متمردًا وعنيدًا،
وبقدر هدوئه يغضب كالسهم المنطلق. ويرجع هذا لطبيعته المزدوجة المركبة المتغيرة.
والأبراج المزدوجة المتغيرة –الجوزاء والعذراء والقوس والحوت-
على تنوع طباعها الأربعة، هي أقدر الأبراج على تقبل التغيرات والتكيف معها، وهي الأقدر
على صنع التغيير ونقله للآخرين، ولأنه البرج المتقلب الناري –والنار أقوى الطباع الأربعة-
فالقوس هو الأكثر تكيفًا، والأقدر على صنع تغييرات إيجابية حوله من بين جميع أبراج
دائرة البروج.
وهذه الأبراج المزدوجة ترتبط أيضًا بما يعرف في الميثولوجيا
برفيق الروح soul mate، وتوأم الشعلة
twin flame، فإن كان طالعك
أو برجك الشمسي جوزاء أو حوت تقول الأساطير إن هناك شخصًا ما يعتبر رفيق روحك الذي
يشبهك تمامًا، وقد يكون أباك أو أمك أو أخاك أو صديقك أو أي شخص؛ ذلك أن برج الجوزاء
هما توأمان في السماء، وبرج الحوت يتكون من سمكتين. أما إن كان طالعك أو برجك الشمسي
قوسًا أو عذراء فهناك حبيب يختلف عنك كثيرًا في مكان ما من الكون، ورغم الاختلاف فأنت
لا تكتمل بدونه، وروحاكما كأنها روح واحدة وانقسمت، وقد تحيا عمرك ولا تراه، وإن كنت
ستشعر بوجوده، وإن رأيته فغالبًا سينشب بينكما خلاف وكر وفر، وربما تجتمعان ثانية
وتتزوجان وربما لا يكون. وأصل مصطلح توأم الشعلة في الأسطورة أن الأرواح خُلقت أولًا
قبل أن تُخلق الأجسام، ولما نزلت الأرواح إلى عالم الأرض المادي لتتجسد انقسمت قلة
من هذه الأرواح، كل واحد منها إلى روحين، فكأنهما شعلتا لهب، وحلت كل منهما في جسم
مختلف.
ولأن هذا البرج ناري الطبع، ويقع في فصل الخريف، والخريف
فصل الهواء، فهو مزيج من طبعين، طبع رئيسي وهو النار التي ترمز للروح، وطبع ثانوي
وهو الهواء، وهو رمز العقل، وهذا يجعله أعلى الأبراج حدسًا، والفراسة من الفرس!
ولأن كايرون يرتبط بكوكبة القوس وقد تميز بسرعة تعلمه وقدرته
على أن يتعلم أشياء كثيرة ويتميز ويبرع فيها، ثم يعلمها لغيره، فالقوس هو البرج المختص
بالتوسع المعرفي والفلسفة والاكتشاف. وهو دائم البحث عن هويته والاستكشاف لذاته قبل
أن يستكشف العالم، فهو باحث دائم عن المعرفة مهما تلقى من طعنات ومهما أصابته الجروح.
كان كايرون طبيبًا وحكيمًا ومعلمًا ومرشدًا ومساعدًا لغيره،
وساعد غيره حتى اللحظة الأخيرة في حياته، ولأنه تعرض لجروح نفسية ورفض أن يستسلم أمامها،
فهو يمثل طاقة الطبيب الشافي جسديًا ونفسيًا، وطاقة المعالج الجريح wounded healer التي تمد بقوة
لتحمل الألم الجسمي والعاطفي، وتساعد على فهمه، وتمنح القدرة عل تغيير العادات السلبية
والأفكار الخاطئة، والتخلي عن الأشخاص السلبيين في حياتنا.
ولفظ ساجيتريس Sagittarius -التي تشير إلى برج القوس- مركبة من شقين sage وتعني الحكيم، و tarius وتعني المصرفي
أو صاحب المال، فهو الحكيم مفرق المال، لأن لكوكبه المشتري وجهين؛ الحكمة والثروة
wisdom & wealth. وقد أسماه
بطليموس المانح الأعظم، كما أسماه السعد الأكبر.
ويحمل هذا المولود صفات الخيل، والخيل هي خلاصة كل جميل في
الخُلق؛ فالخيل معقود بنواصيها الخير، والفرس هو الحصان (الحصن الذي تلوذ به)، وهو
الجواد (من الجود والكرم). تقول العرب: عندما يشعر أن صاحبه بحاجة إليه أن يسرع به
سيبذل أقصى قوته في الإسراع بالجري دون وخز جانبه. ومولود القوس لا يتخلى أبدًا عمن
يكون بحاجة إليه.
والخيل هي أحنّ المخلوقات؛ ففي حديث الرحمة في صحيح البخاري
خُصّت الفرس بالذكر حين ترفع حافرها عن ولدها. والخيل هي رمز الشجاعة، وهي أيضًا رمز
الكرامة وعزة النفس والإباء. وأرقى الحزن هو حزن الخيل؛ تنزوي ولا يصدر عنها صوت.
كما أن (فرس) إذا قُلبت حروفها صارت (سفر)، وهذا المولود
يعشق السفر ويشعر أن العالم كله بيته، وهو الأكثر انفتاحًا على الثقافات المختلفة.
ولا ننسَ أن كايرون تنازل عن الخلود في مقابل الحرية؛ فالحرية عند هؤلاء المواليد
أغلى من الحياة.
ويمكن أن تُقلب (فرس) أيضًا لتكون (رفس). لكن الخيل تبتعد
عمن يحاول أن يؤذيها في البداية، ولا تؤذيه إلا إذا لاحقها. وهذا ما يفعله مولود القوس.
لا يسعى في إيذاء أحد، لكنه يعرف كيف ينتصر وينتقم ممن أذاه.
وبالنسبة لرمزية القوس التي يحملها كايرون في يده، وتشكل
جزءًا من كوكبته النجمية، فهو يرمز لأمور عديدة؛ فالقوس هو قوس كيوبيد إله الحب، وبالرغم
من أنه مما اشتُهر به زيوس (المشتري) الذي يُصاحبهم حبه للنساء –وهو ما يُعرف عن رجال
هذا البرج-، فإن السهام تنطلق منهم لا إليهم، يخافون الحب وليس من السهل أن يصيب سهم
قلوبهم؛ وغالبًا يتأخرون في الزواج، والقوس أيضًا هو قيثارة الغناء، كما أن الحصان
يطرب للموسيقى، فتجد هؤلاء المواليد يعشقون الموسيقى، والقوس هو قوس الفارس المحارب،
ولطالما اقترنت الفروسية بالرماية خاصة عند العرب، والقوس هو قوس الصبر أيضًا؛ فالسهم
لا ينطلق إلا بعد أن يُشد القوس إلى آخر مداه، وعندها لا يمكن إيقافه؛ لذا تقول العرب:
لم يعد في قوس الصبر منزع. والرمي بالقوس في العربية كناية عن إنفاذ الكتب والرسائل،
ومن ثم فهم غالبًا معلمون أو قادة في أعمالهم مثلما كان كايرون.
والرمي بالقوس عمومًا هو تعبير عن إصابة الهدف أيًا كان،
فهؤلاء المواليد يعرفون طريقهم صوب النجاح، رغم كل الصعاب التي يواجهونها عادة، ولا
بد للقوس أن يتراجع للخلف قبل أن ينطلق السهم للأمام. ولأن هذا المولود يركز على
إصابة أهدافه في الحياة فهو يتطلع دومًا إلى الأمام ناظرًا نحو المستقبل، ولا ينظر
نحو الخلف ليغرق في أحزان الماضي، فهو أكثر المواليد تفاؤلًا. وهو أيضًا لشدة تركيزه
في التصويب على الهدف أمامه لا يكاد ينتبه إلى ما يدور حوله من أشياء غير متعلقة بالهدف؛
ولأجل ذلك فمولود القوس أكثر مولود لا يسلم من ألسنة الناس، خاصة وأن البرج الذي يقابله
ويعاكسه في السماء هو البرج الثالث؛ برج التواصل؛ الجوزاء، ويرمز لشخصين متجاورين
في السماء، وقديمًا كانت تقول العرب: إذا دخل القمر الجوزاء كثر الكلام وكثرت الشائعات!
ولأن كايرون تعرض إلى سهم مسموم فإن هذا المولود يُخشى عليه
من السُم أو من طعام يأكله تكون فيه هلكته، وخاصة أن موضعه في دائرة البروج بجانب
العقرب؛ البرج الذي يسبقه وهو بيت الأعداء بالنسبة له، وشولة العقرب المرتفعة المحملة
بالسم بجانبه مصوبة إليه؛ ذلك أن الأسطورة تقول إن آلهة الإغريق أرادوا أن يأمنوا
قتال العقرب مع الجبار أوريون فوضعوهما في مقابل بعضهما البعض في السماء، والنتيجة
أن كايرون القوس هو من أصبح مصوبًا تجاهه سم العقرب! ويُقال إن الإمام الحسن بن علي
سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طالعه القوس، وقد مات مسمومًا.
فهذا المولود على كثرة ما أُعطي من مزايا يعاني في حياته
كثيرًا؛ ودائمًا ما تصيبه سهام مسمومة مثلما حدث لكايرون في الأسطورة، لكنه أقوى من
أن تؤثر فيه؛ فهي لا تقتله، لكنه يبقى يتألم. وإن كانت مشاكله تُحل دائمًا بعد عناء؛
لأنه وفقًا للأسطورة أيضًا فإن زيوس (المشتري) يصاحبه بنفسه. ومعروف أن المشتري -لأنه
أكبر الكواكب كتلة وأعلاها جاذبية- يتعرض لقذف كوني متواصل من الأجسام والحجارة السماوية
الصغيرة، لكنها لا تؤثر فيه!
ورمزية الخلود في الأسطورة تنعكس في أن هؤلاء المواليد ينساهم
الزمن بالتعبير العامي؛ فهم دائمًا يبدون أصغر من أعمارهم الحقيقية.
ولأن هذه الكوكبة لا تضم نجومًا كثيرة؛ فمواليدها قليلون
للغاية، وهم الأندر إحصائيًا بين كل الأبراج، وذلك على مستوى العالم.