الثلاثاء، 10 يوليو 2018

154-حزب شفيق، ومكرم محمد أحمد!


حزب شفيق، ومكرم محمد أحمد!
د/منى زيتون
الثلاثاء 10 يوليو 2018

تحت عنوان "انقلاب السيسي على مكرم: العلاقة بشفيق والانتقاد السري" جاء تقرير جريدة العربي الجديد الصادر الثلاثاء 10 يوليو 2018.
https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/7/9/انقلاب-السيسي-على-مكرم-العلاقة-بشفيق-والانتقاد-السري

عزا التقرير تحويل مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى نيابة أمن الدولة العليا إلى أسباب خفية لا علاقة لها بالسبب المعلن؛ وهو تجاوز مكرم الإداري بحظر النشر في قضية مستشفى سرطان الأطفال 57357.
أول هذه الأسباب المدّعاة في تقرير العربي الجديد هي استصدار مكرم بحكم منصبه قرارات رأى واضع التقرير –وفقًا لمصادره- أنها تزيد إحراج النظام المصري مع الإعلام الغربي والدوائر الأجنبية، لأن خطابه متصاعد ضد الحريات، وخانق للهامش المتبقي من حرية الصحافة. وهذا سبب لا يقنع أي متابع للمشهد السياسي المصري؛ فالنظام المصري يتصرف بطريقة "قلع برقع الحياء" و "اخبطوا راسكم في الحيط" مع الصحفيين والمعارضة والخصوم السياسيين، ومكرم محمد أحمد ليس إلا رجل النظام، فإن كان قد غضب عليه النظام فمؤكد أن هذا لسبب آخر.
أما السبب الثاني الذي رغم أنه قد عنون التقرير فلا نجده إلا في فقرة وحيدة صغيرة في ذيله، خالية من أي تفاصيل؛ هو الإدعاء بأن هناك انتقادات قد وجهها مكرم لسياسات السيسي الاقتصادية! ثم –وهذا مربط الفرس- أن مكرم كان قد سعى إلى إعادة رئيس الوزراء المصري الأسبق الفريق أحمد شفيق إلى المشهد السياسي المصري بعد عودته من الإمارات أوائل ديسمبر الماضي، وتحقيق مكاسب لحزبه السياسي "الحركة الوطنية المصرية".
ولأن هذا الزعم الأخير الخاص بشفيق متقادم للدرجة التي لا يصلح وحده أن يكون سببًا للغضب على مكرم بعد مرور كل هذه الشهور، فقد تمت محاولة ربط تعسفية في تقرير العربي بينه وبين تلك الانتقادات التي قيل أنها صدرت من مكرم في حق السيسي!
أما أنا فأزعم أن لدي بعض التفاصيل التي قد يسهم ربطها مع السياق السابق في محاولة تجلية الأمور، وفهم علاقة حزب شفيق بالانقلاب على مكرم.
بداية، فالفريق شفيق، وكرجل دولة، كان يحافظ على علاقات ودية مع كافة قطاعات المجتمع المصري، ومنها القطاع الإعلامي، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يُقال أن مكرم محمد أحمد من المقربين منه، وإن كانت هذه الصورة هي التي سعى مكرم لترويجها طوال أزمة الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية في ديسمبر ويناير الماضيين، ولم تكن هذه المساعي الخبيثة في صالح شفيق وإنما لترويج ما يريده النظام؛ فمكرم هو أول من خرج على الإعلام بتصريح أن الفريق شفيق أخبره أنه لن يرشح نفسه في الانتخابات، بينما الرجل لم يكن قد حزم أمره بعد وفقًا للمقربين الحقيقيين، ثم بعد ذلك فوجئنا بتصريح "مصدر مقرب من شفيق" لديفيد هيرست رئيس تحرير الميدل إيست آي في التاسع من يناير الماضي بأن سبب انسحاب شفيق كان تهديدات بالاتهام بالفساد وغير ذلك من وضيع الكلام، وعلم الجميع بعد ذلك من كان ذلك المصدر الذي ادّعى أنه مقرب من شفيق لينقل هذه السفالات ويروجها في الإعلام الغربي، ليتناقلها بعدها السفلة من بني جلدتنا كما لو كانت حقائق!
وهذا الموقف في حد ذاته يلغي تمامًا احتمالية أن تبقى ذرة احترام لدى شفيق لهذا الرجل، فالفريق شفيق رجل عسكري حازم، تربى في بيئة علمته رقي الخلق قبل رقي التعامل، ويعلم جميع من يعرفونه عن قرب أنه لا يُقرب دنييء الخلق، خاصة بعد أن ينفضحوا أمامه، ويظهر عوارهم.
لكن، هل هناك مستجدات فيما يخص قيادة شفيق لحزب الحركة الوطنية المصرية ربما كان لها علاقة بالفعل بغضب النظام على مكرم؟
منذ عودة الفريق شفيق من الإمارات أوائل ديسمبر الماضي، لعب قادة حزب شفيق دورًا كبيرًا في تخذيل همته عن الترشح للانتخابات الرئاسية، بإقناعه أن شعبية السيسي أصبحت كاسحة، وليست كما يتصور، وأن أنصاره صاروا أنصار السيسي، وكان كبار أعضاء الأمانة العامة للحزب هم تقريبًا من يزورونه باستمرار في الفندق الذي أقام فيه طوال شهر ديسمبر.
وكانت هناك في المقابل محاولة من بعض الشباب الذين شاركوا في حملته الانتخابية 2012 لإيصال صوتهم لشفيق، وإعلامه أنهم وراؤه إن قرر الترشح، بتعليق بعض بوسترات لترشحه للرئاسة، وتم القبض عليهم منتصف ديسمبر 2017 بهذه التهمة! وانفردت وكالة رويترز بنشر خبر القبض عليهم، فما كان من قادة الحزب إلا أن أصدروا بيانًا هشًا يتبرأون فيه من معرفتهم بهؤلاء الشباب! فإذا بالفريق شفيق ينشر اعتذارًا لهؤلاء الشباب الذين أُوذوا بسببه على صفحته الرسمية، ويطلب من محامي الحزب أن يحضر التحقيقات معهم في إشارة واضحة أنهم أعضاء في الحزب، وليس كما روّج أعضاء أمانة حزبه.
وحين دشن أنصاره حملة لجمع التوكيلات له –بمنأى عن الحزب- لحثه على تغيير رأيه والترشح للرئاسة، كاد الأمر ينجح، لولا أن تم استخدام الشباب كوسيلة للضغط عليه، وللمرة الثانية تكرر أمر اعتقال بعض من هؤلاء الشباب لأسباب مختلفة.
وفي السادس عشر من يناير الماضي أصدر الفريق شفيق قرارًا بتفويض نائب رئيس الحزب بإدارة الحزب، وكان هذا موقفًا ذكيًا منه لأنه كان من الواضح للأعمى ما سيصدر عن هؤلاء من مواقف طوال فترة الانتخابات كانت ستُحسب على الرجل؛ كونهم قادة حزبه.
والحقيقة أنهم لم يقصروا أبدًا فيما كان مأمولًا منهم من قِبل النظام، بل ربما فاقوا التوقعات، ولم يرق أي حزب سياسي إلى المستوى الذي وصلوا إليه إلا حزب موسى مصطفى موسى! حتى بلغ الأمر إصدارهم تهنئة للسيسي على الفوز بالانتخابات ونشرها على الصفحة الرسمية للحزب، مذّيلة باسم الفريق شفيق –دون توقيعه-، نقلتها عنهم اليوم السابع في شكل تصريح بأن الفريق شفيق يهنيء السيسي! بينما الشيء الوحيد الذي فعله شفيق أنه أدلى بصوته في الانتخابات، فلا أعلن تأييده لأحد، ولا تهنئته لأحد.
وبعد طول صمت على ما فعلوه، ظهر خبر عاجل على الصفحة الرسمية للحزب، في السادس من يونيو الماضي، أصدره المتحدث الإعلامي باسم الحزب، يقرر أن الفريق شفيق لم يشارك في أي قرار أو اجتماع للحزب منذ صدور قراره بتفويض نائب الحزب للقيام بأعمال ومهام رئيس الحزب، وأن الحزب يؤدي مهمته السياسية في إطار مؤسسي، ومن خلال هيئته العليا وأمانته العامة.
وكان هذا النفي الرسمي من الحزب مما أثلج قلوب أنصار شفيق الحقيقيين الذين انفصلوا عن الحزب بسبب مواقفه السياسية في الانتخابات، خاصة وأن من ظل ولاؤهم للحزب كانوا يدّعون لهم –مكايدةً- أن كل قرارات الحزب التي دعمت السيسي في الانتخابات كانت بعلم ومباركة الفريق شفيق! باختصار، كان هذا النفي قطعًا للشك باليقين، بل وقطعًا من جانب شفيق لكل ما يمكن أن يُدّعى من علاقة لا زالت قائمة بينه وبين والحزب.
لكن، وبعد هذا الحسم من جانب الفريق شفيق، ارتأى بعض من بقي ولاؤهم له أن الحل الأمثل ليس أن يترك الحزب، بل أن يغير كل تلك القيادات التي أثبتت عدم ولائها له، ويبقى هو على رأس الحزب، وأعلم يقينًا أن هؤلاء الأنصار قد نجحوا في نقل رؤيتهم له منذ أسبوعين، لكن، لم يصدر عن الفريق شفيق أي إشارة حتى الآن توحي بالقبول أو الرفض للفكرة.
 فهل وصلت هذه الأنباء إلى النظام وأعوانه؟ وهل أبدى مكرم محمد أحمد رأيًا أزعج النظام، وتسبب في انقلابه عليه؟! يبدو لي هذا التفسير أكثر قبولًا من القول بأن مكرم كان مع ممارسة شفيق لدوره السياسي منذ سبعة أشهر!
ولا زال أمامنا الكثير لنكتشفه، والأيام حُبلى، ومشهدنا السياسي حافل لا يخلو من المفاجآت.