الجمعة، 20 يوليو 2018

156-من أجمل أساطير الإغريق؛ أسطورة القوس


من أجمل أساطير الإغريق؛ أسطورة القوس
د/منى زيتون
السبت 21 يوليو 2018
الاثنين 10 ديسمبر 2018


كان كايرون ‏Chiron‏ ‏kīrən‏ ذا طبيعة خاصة، فلم تكن طبيعته بشرية، بل كان قُنطورًا ‏Centaur؛ ‏والقنطور هو كائن خرافي عند الإغريق نصفه العلوي بشري برأس وجذع إنسان، ونصفه السفلي جسم حصان.‏

عُرف عن القناطير في الميثولوجيا الإغريقية انغماسها في الشهوات، ومعاقرتها الخمور، وعدم عنايتها ‏بتلقي العلم والمعرفة، وأن نشأتها كانت من اتحاد إيكسيون ‏Ixion‏ ونيفيلي ‏Nephele‏.‏

لكن كايرون لم يكن كباقي القناطير؛ فلم يُجسد الطبيعة الجامحة في القناطير، وكانت صفاته الخُلقية ‏مختلفة تمامًا؛ كان متحضرًا، وديعًا، كريمًا، حكيمًا، ومتعلمًا، بل كان أكثر أهل زمانه علمًا، وكان طبيبًا ماهرًا. ‏كما أنه نصف إله؛ كونه ابن الإله كرونوس ‏Cronus‏ والحورية فيليرا ‏Philyra‏.‏

ووالده كرونوس هو أحد آلهة التيتان الذين -وفقًا لأساطير الإغريق- قد حكموا الأرض قبل آلهة الأولمب ‏الاثني عشر. وكرونوس لم يكن والد كايرون وحده، بل كان أيضًا والد زيوس ‏Zeus‏ كبير آلهة الأولمب.‏

وتقول الأسطورة إن كرونوس قد أحب فيليرا، وطاردها، فحولت نفسها إلى فرس لتهرب منه، فحول ‏نفسه هو الآخر إلى حصان، وأنجب منها القنطور الطيب كايرون، ولأن أمه لم تحب أباه ولم ترغب في إنجابه ‏فقد رفضت الاعتناء به، وأبوه كرونوس كان هو الآخر لا يحب أبناءه، ويقوم بابتلاعهم! ‏

كبر كايرون وعاش على جبل بيليون ‏Pelion‏ مع زوجته الحورية تشاريكلو ‏ Chariclo، وكان لديه ثلاث ‏بنات وابن واحد. ولم يترك شعوره بالرفض من أبويه، وإحساسه بالاختلاف عن بيئته يحولانه إلى كائن شرير، ‏بل قرر أن يكون إنسانًا طيبًا نافعًا مساعدًا لغيره، وكانت وسيلته إلى ذلك العلم.‏

ولأنه كان أعلم أهل زمانه كان معلمهم، وجميع آلهة وأبطال الأساطير الإغريقية كانوا تلاميذ كايرون، ‏مثل أخيلس ‏Achilles‏ بطل طروادة، الذي مات بالسهم المسموم في وتر قدمه الذي كان نقطة الضعف الوحيدة ‏في جسمه، وكذلك هرقل ‏Heracles‏ ابن كبير الآلهة زيوس كان تلميذه. وعلى يدي هرقل حدثت مأساة كايرون!‏

بدأت المأساة عندما كان هرقل في زيارة فولس ‏Pholus‏ في كهفه لإتمام بعض أعماله، وعندما كان فولس ‏يفتح زجاجة من الخمر ترحيبًا بهرقل، جذبت الرائحة مجموعة من القناطير الظلامية، التي هاجمتهما في محاولة ‏لانتزاع الخمر. استخدم هرقل سهامًا مسمومة وسددها نحوهم، وقتل العديد منهم، لكن أحد تلك السهام ‏المسمومة أصابت أستاذه كايرون عن طريق الخطأ.‏

ووفقًا للأسطورة؛ ولأن كايرون نصف إله فهو خالد، وليس من المفترض أن يموت، لكن من الممكن أن ‏يتألم، لذا فقد بقي حبيسًا في كهفه المظلم 900 عام يحتمل الألم، ثم قرر كايرون أن يتنازل عن الخلود في ‏مقابل الحرية، ولكنها ليست حريته هو بل حرية بروميثيوس ‏Prometheus‏. وأيضًا منح خلوده إلى ‏بروميثيوس؛ فكان نبيلًا إلى آخر لحظة من حياته.‏

وقرر كبير آلهة الإغريق زيوس تعويض كايرون، فقام بتحويله إلى مجموعة من النجوم التي تشكل ‏صورته، وتكون ما يُعرف ببرج أو كوكبة (القوس) أو (الرامي) أو (المحارب).‏

اختار زيوس أن تكون المجموعة النجمية لكايرون التي على صورته هي التاسعة في دائرة البروج؛ لأن ‏الإنسان يُولد بعد تسعة أشهر، فذلك رمز لتكامل القوة الجسمية مع القوة العقلية والروحية التي نجح أن يمثلها ‏كايرون؛ بجسم الفرس مع نصف الإنسان العلوي برأسه ويديه، فكأن إنسانًا كان سيخرج من جسم الفرس لكنه ‏لم ينفصل عنه، وهو تعبير عن التحام الطبيعتين المادية والعقلية الروحية أقوى مما لو كان على صورة فارس ‏يركب على فرس. وتُمسك يد الإنسان بالنصف العلوي من القنطور قوسًا مُصوَّبًا يحمل سهمًا.‏

فالقوس هو أحد الأبراج الأربعة المتغيرة ‏mutable، وهي الأبراج (الكوكبات) التي يقع كل واحد منها ‏آخر كل فصل من فصول السنة الأربعة، وهي الجوزاء والعذراء والقوس والحوت؛ فكل منها تتركب مجموعته ‏النجمية من جزئين؛ فالجوزاء شخصان يقفان متجاورين في السماء، والحوت سمكتان، والعذراء فتاة تحمل ‏سنبلة، والقوس هو الفارس الفرس!‏

وقرر زيوس أن يكون مسئولًا بنفسه عن تلك المجموعة النجمية. وزيوس ‏Zeus‏ ‏Ζεύς‏ عند الإغريق ‏هو جوبيتر ‏Jupiter‏ عند الرومان، وهو مردوك عند أهل بابل، وهو ذاته المشتري عند العرب؛ فهو كبير الآلهة ‏الذي يقابله أكبر كواكب السماء وأجملها. أسماه العرب (التبر) أي الذهب السائل لشدة لمعانه، كما أسموه ‏‏(المشتري) لأنهم قالوا: كأنه اشترى الحُسن لنفسه!‏

صفات مواليد الكوكبة وعلاقتها بالأسطورة

بناءً على تفاصيل الأسطورة فمن يولد في تلك الفترة الزمنية التي تقابل البرج التاسع في دائرة البروج، ‏وتمتد في الفترة من 22 نوفمبر وحتى 21 ديسمبر له جسم متناسق قوي عضلي البنية، وعقل واعٍ حكيم ‏Sage، ‏ولديه مزيج فريد –وربما عجيب- من حب الحياة والانطلاق والسفر، وحب العلم والتثقف؛ ولنقل إنه أكثر ‏الحكماء تهورًا. هو مزيج من الحرية والمحافظة، وبقدر تلقائيته لا ينفك عن التفكير! مزيج من الذكاء وبراءة ‏الأطفال الساذجة؛ فذكاؤه لا علاقة له بالخبث، وهو مثل السهم ينطلق في خط مستقيم لا يعرف اللف ‏والدوران، وغالبًا صراحته جارحة. بقدر عفويته وصدقه هو غامض لا يفهمه إلا قلة، وبقدر خجله هو شجاع ‏وجريء فيما يستلزم الشجاعة، وبقدر طيبته يكون متمردًا وعنيدًا، وبقدر هدوئه يغضب كالسهم المنطلق. ‏ويرجع هذا لطبيعته المزدوجة المركبة المتغيرة.‏

والأبراج المزدوجة المتغيرة –الجوزاء والعذراء والقوس والحوت- على تنوع طباعها الأربعة، هي أقدر ‏الأبراج على تقبل التغيرات والتكيف معها، وهي الأقدر على صنع التغيير ونقله للآخرين، ولأنه البرج المتقلب ‏الناري –والنار أقوى الطباع الأربعة- فالقوس هو الأكثر تكيفًا، والأقدر على صنع تغييرات إيجابية حوله من بين ‏جميع أبراج دائرة البروج.‏

وهذه الأبراج المزدوجة ترتبط أيضًا بما يعرف في الميثولوجيا برفيق الروح ‏soul mate، وتوأم الشعلة ‏twin flame، فإن كان طالعك أو برجك الشمسي جوزاء أو حوت تقول الأساطير إن هناك شخصًا ما يعتبر رفيق ‏روحك الذي يشبهك تمامًا، وقد يكون أباك أو أمك أو أخاك أو صديقك أو أي شخص؛ ذلك أن برج الجوزاء ‏هما توأمان في السماء، وبرج الحوت يتكون من سمكتين. أما إن كان طالعك أو برجك الشمسي قوسًا أو عذراء ‏فهناك حبيب يختلف عنك كثيرًا في مكان ما من الكون، ورغم الاختلاف فأنت لا تكتمل بدونه، وروحاكما ‏كأنها روح واحدة وانقسمت، وقد تحيا عمرك ولا تراه، وإن كنت ستشعر بوجوده، وإن رأيته فغالبًا سينشب ‏بينكما خلاف وكر وفر، وربما تجتمعان ثانية وتتزوجان وربما لا يكون. وأصل مصطلح توأم الشعلة في ‏الأسطورة أن الأرواح خُلقت أولًا قبل أن تُخلق الأجسام، ‏ولما نزلت الأرواح إلى عالم الأرض المادي لتتجسد ‏انقسمت قلة من هذه الأرواح، كل واحد ‏منها إلى روحين، فكأنهما شعلتا لهب، وحلت كل منهما في جسم ‏مختلف.‏

ولأن هذا البرج ناري الطبع، ويقع في فصل الخريف، والخريف فصل الهواء، فهو مزيج من طبعين، ‏طبع رئيسي وهو النار التي ترمز للروح، وطبع ثانوي وهو الهواء، وهو رمز العقل، وهذا يجعله أعلى الأبراج ‏حدسًا، والفراسة من الفرس!‏

ولأن كايرون يرتبط بكوكبة القوس وقد تميز بسرعة تعلمه وقدرته على أن يتعلم أشياء كثيرة ويتميز ‏ويبرع فيها، ثم يعلمها لغيره، فالقوس هو البرج المختص بالتوسع المعرفي والفلسفة والاكتشاف. وهو دائم ‏البحث عن هويته والاستكشاف لذاته قبل أن يستكشف العالم، فهو باحث دائم عن المعرفة مهما تلقى من ‏طعنات ومهما أصابته الجروح.‏

‏ كان كايرون طبيبًا وحكيمًا ومعلمًا ومرشدًا ومساعدًا لغيره، وساعد غيره حتى اللحظة الأخيرة في ‏حياته، ولأنه تعرض لجروح نفسية ورفض أن يستسلم أمامها، فهو يمثل طاقة الطبيب الشافي جسديًا ونفسيًا، ‏وطاقة المعالج الجريح ‏wounded healer‏ التي تمد بقوة لتحمل الألم الجسمي والعاطفي، وتساعد على فهمه، ‏وتمنح القدرة عل تغيير العادات السلبية والأفكار الخاطئة، والتخلي عن الأشخاص السلبيين في حياتنا.‏

ولفظ ساجيتريس ‏Sagittarius‏ -التي تشير إلى برج القوس- مركبة من شقين ‏sage‏ وتعني الحكيم، و ‏tarius‏ وتعني المصرفي أو صاحب المال، فهو الحكيم مفرق المال، لأن لكوكبه المشتري وجهين؛ الحكمة ‏والثروة ‏wisdom & wealth‏. وقد أسماه بطليموس المانح الأعظم، كما أسماه السعد الأكبر.‏

ويحمل هذا المولود صفات الخيل، والخيل هي خلاصة كل جميل في الخُلق؛ فالخيل معقود ‏بنواصيها الخير، والفرس هو الحصان (الحصن الذي تلوذ به)، وهو الجواد (من الجود والكرم). تقول العرب: ‏عندما يشعر أن صاحبه بحاجة إليه أن يسرع به سيبذل أقصى قوته في الإسراع بالجري دون وخز جانبه. ومولود ‏القوس لا يتخلى أبدًا عمن يكون بحاجة إليه.‏

والخيل هي أحنّ المخلوقات؛ ففي حديث الرحمة في صحيح البخاري خُصّت الفرس بالذكر حين ترفع ‏حافرها عن ولدها. والخيل هي رمز الشجاعة، وهي أيضًا رمز الكرامة وعزة النفس والإباء. وأرقى الحزن هو حزن ‏الخيل؛ تنزوي ولا يصدر عنها صوت.‏

كما أن (فرس) إذا قُلبت حروفها صارت (سفر)، وهذا المولود يعشق السفر ويشعر أن العالم كله بيته، ‏وهو الأكثر انفتاحًا على الثقافات المختلفة. ولا ننسَ أن كايرون تنازل عن الخلود في مقابل الحرية؛ فالحرية عند ‏هؤلاء المواليد أغلى من الحياة.‏

ويمكن أن تُقلب (فرس) أيضًا لتكون (رفس). لكن الخيل تبتعد عمن يحاول أن يؤذيها في البداية، ولا ‏تؤذيه إلا إذا لاحقها. وهذا ما يفعله مولود القوس. لا يسعى في إيذاء أحد، لكنه يعرف كيف ينتصر وينتقم ممن ‏أذاه.‏

وبالنسبة لرمزية القوس التي يحملها كايرون في يده، وتشكل جزءًا من كوكبته النجمية، فهو يرمز لأمور ‏عديدة؛ فالقوس هو قوس كيوبيد إله الحب، وبالرغم من أنه مما اشتُهر به زيوس (المشتري) الذي يُصاحبهم ‏حبه للنساء –وهو ما يُعرف عن رجال هذا البرج-، فإن السهام تنطلق منهم لا إليهم، يخافون الحب وليس من ‏السهل أن يصيب سهم قلوبهم؛ وغالبًا يتأخرون في الزواج، والقوس أيضًا هو قيثارة الغناء، كما أن الحصان ‏يطرب للموسيقى، فتجد هؤلاء المواليد يعشقون الموسيقى، والقوس هو قوس الفارس المحارب، ولطالما اقترنت ‏الفروسية بالرماية خاصة عند العرب، والقوس هو قوس الصبر أيضًا؛ فالسهم لا ينطلق إلا بعد أن يُشد القوس ‏إلى آخر مداه، وعندها لا يمكن إيقافه؛ لذا تقول العرب: لم يعد في قوس الصبر منزع. والرمي بالقوس في العربية ‏كناية عن إنفاذ الكتب والرسائل، ومن ثم فهم غالبًا معلمون أو قادة في أعمالهم مثلما كان كايرون.‏

والرمي بالقوس عمومًا هو تعبير عن إصابة الهدف أيًا كان، فهؤلاء المواليد يعرفون طريقهم صوب ‏‏النجاح، رغم كل الصعاب التي يواجهونها عادة، ولا بد للقوس أن يتراجع للخلف قبل أن ينطلق السهم ‏للأمام. ‏‏ولأن هذا المولود يركز على إصابة أهدافه في الحياة فهو يتطلع دومًا إلى الأمام ناظرًا نحو المستقبل، ولا ينظر ‏نحو الخلف ليغرق في أحزان الماضي، فهو أكثر المواليد تفاؤلًا. وهو أيضًا لشدة تركيزه في التصويب على الهدف ‏أمامه لا يكاد ينتبه إلى ما يدور حوله من أشياء غير متعلقة بالهدف؛ ولأجل ذلك فمولود القوس أكثر مولود لا ‏يسلم من ألسنة الناس، خاصة وأن البرج الذي يقابله ويعاكسه في السماء هو البرج الثالث؛ برج التواصل؛ ‏الجوزاء، ويرمز لشخصين متجاورين في السماء، وقديمًا كانت تقول العرب: إذا دخل القمر الجوزاء كثر الكلام ‏وكثرت الشائعات!‏

ولأن كايرون تعرض إلى سهم مسموم فإن هذا المولود يُخشى عليه من السُم أو من طعام يأكله تكون ‏فيه هلكته، وخاصة أن موضعه في دائرة البروج بجانب العقرب؛ البرج الذي يسبقه وهو بيت الأعداء بالنسبة ‏له، وشولة العقرب المرتفعة المحملة بالسم بجانبه مصوبة إليه؛ ذلك أن الأسطورة تقول إن آلهة الإغريق أرادوا ‏أن يأمنوا قتال العقرب مع الجبار أوريون فوضعوهما في مقابل بعضهما البعض في السماء، والنتيجة أن كايرون ‏القوس هو من أصبح مصوبًا تجاهه سم العقرب! ويُقال إن الإمام الحسن بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طالعه ‏القوس، وقد مات مسمومًا.‏

فهذا المولود على كثرة ما أُعطي من مزايا يعاني في حياته كثيرًا؛ ودائمًا ما تصيبه سهام مسمومة مثلما ‏حدث لكايرون في الأسطورة، لكنه أقوى من أن تؤثر فيه؛ فهي لا تقتله، لكنه يبقى يتألم. وإن كانت مشاكله ‏تُحل دائمًا بعد عناء؛ لأنه وفقًا للأسطورة أيضًا فإن زيوس (المشتري) يصاحبه بنفسه. ومعروف أن المشتري -‏لأنه أكبر الكواكب كتلة وأعلاها جاذبية- يتعرض لقذف كوني متواصل من الأجسام والحجارة السماوية الصغيرة، ‏لكنها لا تؤثر فيه!‏

ورمزية الخلود في الأسطورة تنعكس في أن هؤلاء المواليد ينساهم الزمن بالتعبير العامي؛ فهم دائمًا ‏يبدون أصغر من أعمارهم الحقيقية.‏

ولأن هذه الكوكبة لا تضم نجومًا كثيرة؛ فمواليدها قليلون للغاية، وهم الأندر إحصائيًا بين كل الأبراج، ‏وذلك على مستوى العالم.‏