الاثنين، 27 أغسطس 2018

157-مزقوق بالفعل، لكنه وطني!


مزقوق بالفعل، لكنه وطني!
د/منى زيتون
الثلاثاء 7 أغسطس 2018

يكاد يكون حديث الساعة الآن في مصر إبداء الرأي في مبادرة السفير معصوم مرزوق للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الراهن الذي أوجده نظام السيسي الفاشل.
في حدود الآراء التي اطلعت عليها فقد انقسمت ما بين رأيين:
الرأي الأول، مُشكِّك في السفير معصوم مرزوق حتى أسموه معصوم مزقوق؛ لأن السيسي -وبعد أن سجّل هاشتاج #ارحل_يا_سيسي تريند عالمي- أصبح في حالة حرج دولي، والاستفتاء على بقائه -إن تم، والذي لا يشك عاقل أنه سيتم تزويره حتمًا لصالحه- سيكون بمثابة رفع الحرج عنه، ومحاولة إظهار شعبية زائفة له لم تفلح الانتخابات الأخيرة في توصيلها للعالم. ولا ننسى أنه هو من رمى فكرة تقدم السياسيين بحلول سياسية في مؤتمره الأخير السابق على المبادرة.
الرأي الثاني، يُحسن الظن تمامًا في سيادة السفير، ويرى في وطنيته ما يكفي للثقة فيه، وأنه يُعرِّض نفسه في شيخوخته لما نعرف من نظام السيسي، وبالتالي فهؤلاء يوافقون على مبادرته، ويرونها في صالح مصر لا السيسي، ولا يقبلون التشكيك في الرجل.
عن نفسي، فلي رأي يختلف تمامًا عن كلا الرأيين؛ فأنا أتفق مع أصحاب الرأي الأول في أن السفير معصوم مزقوق بالفعل، كما أوافق أصحاب الرأي الثاني في إيمانهم بوطنيته رغم اختلافي معه تمامًا في توجهاته الناصرية!
بالعودة إلى بنود المبادرة التي طرحها معصوم مرزوق نجدها تضمن للسيسي عزل جميع المنافسين المحتملين له من المشاركة السياسية لمدة عشرة أعوام تالية، ولن يعدم السيسي القدرة على التلاعب والتعديل بحيث يُخرج نفسه من طائلة ذلك البند، هذا في حال رأى ورجال نظامه أن الأصلح له تفعيل المبادرة. كما يتيح له أحد بنود المبادرة العفو الشامل عنه وعن غيره ممن ارتكبوا مجازر في السنين الأخيرة؛ وهو ما يوافق القانون الذي كان قد أصدره يوليو الماضي، ولكنه يبقى بلا فاعلية ما لم يُستفتَ الشعب عليه، وإدخال هذا البند كي يتم التصويت عليه ضمن مبادرة مرزوق يدخل القانون حيز التفعيل، ويُكسب كل من ارتكب جُرمًا حصانة من محاكمته.
كما أن أحد البنود يقضي بالمصالحة وإطلاق سراح الإخوان، ومنذ ديسمبر 2017 الماضي قرأنا تقارير دولية عديدة تؤكد أن نظام السيسي يسعى للتصالح مع الإخوان، كما توجد جهود دولية لأردوغان تصب في الاتجاه نفسه! والسيسي يلاعبهم؛ فتارة يرفع أسماءهم من قائمة الإرهاب، ليعود بعدها بأيام ليحكم عليهم بالإعدام!
إذن، فجميع بنود المبادرة توافق هوى السيسي، ولكن تم رمي ورقة الاستفتاء في البند الأول لإلهاء المصريين –الذين ثبت مرارًا وتكرارًا أنهم شعب يسهل إلهاؤه-، ثم أنه لا خوف حقيقي من قِبل النظام من الاستفتاء، وهل سيكون أصعب من الانتخابات الرئاسية التي أجاد طبخها وإخراجها للعالم بمنتهى التبجح وأعلى درجات السفالة السياسية؟!
وبخصوص البنود الخاصة بالمجلس الانتقالي ومراجعة اتفاقية تيران وصنافير فلا قيمة لها إذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء –كما يخطط لها النظام- بنعم للسيسي.
لكن السفير مرزوق بالفعل رجل وطني، حارب دفاعًا عن أرض الوطن، وأبدى شجاعة في حرب أكتوبر 1973 جعلته ممن نال وسام الشجاعة العسكري من الطبقة الأولى!
وفك اللغز يكمن في تحليل شخصية الرجل، وهو تحليلي لها، السابق على مبادرته، عبر سنوات من المواقف التي قرأت أو سمعت له فيها. السفير معصوم مرزوق رجل وطني شجاع، لكنه شخصية تحب الإطراء بصورة مرضية، ومن له هذه الشخصية يمكن أن يصبح شخص مقربًا منه لا عن طول عِشرة وشدة ثقة بل لأنه بالعامية ينفخ فيه، كما أنه شخص يتأثر بالإيحاء. يسهل تمامًا أن توحي إليه بفكرة وتتركه يقتنع أنه صاحبها، بل ويقاتل من أجلها!
وبالمناسبة فشخص بهذه الصفات يكون عادة من أسوأ القادة إذا ما مكَّنته الأقدار من الوصول إلى كرسي الحكم لأنه يُقرِّب الناس بناءً على مقدار تزلفهم له. على كلٍ، لا أعتقد أن الفرصة مهيأة له من الأساس، وإن كان يطمح لها.
وبخصوص المبادرة؛ أتصور بالفعل أن هناك مدسوسًا عليه من قِبل النظام هو من أوحى إليه بفكرة المبادرة استجابة لنداء الرئيس، والتي لا مستفيد منها سوى النظام نفسه، ولكن الرجل ذاته لا يعلم أنها ليست فكرته! وحتى لو خرجت بعض تفاصيل المبادرة عن توجهات النظام فلا زالت المبادرة قابلة للتعديل، ولن يُستفتى عليها إلا إن كانت تُناسب النظام تمامًا. لكن، هل سيحدث هذا بالفعل؟ أم أنه ليس السيسي وحده من يخطط؟!
الحقيقة أنني اجتهدت مرارًا كي أفهم مغزى هذه الحركة من النظام ولم أجد ردًا مقنعًا؛ ما الذي يجعل السيسي يطلب تقديم حلول سياسية؟! هل هو محتاج تلكيكة للقبض على أحد؟!! أم أنه يريد أن يعرف ما في أدمغة السياسيين؟!! أم أن الهدف أكبر من هذا ويريد إيصال رسالة أنه لا أمل لديكم في التغيير بأي طريقة كانت! انسوا.
المؤكد أن هذا النظام لن يُزاح لا بثورة ولا بانتخابات ولا بمبادرات سياسية. كل هذه الأطروحات ثبت فشلها تمامًا كما رأينا بأعيننا؛ بدءًا بمظاهرات تيران وصنافير، ثم مهزلة انتخابات الرئاسة، ثم مبادرة السفير معصوم.