الجمعة، 11 ديسمبر 2020

244-أنت.. اطرق بابي

 

أنت.. اطرق بابي

د/ منى زيتون

الجمعة 11 ديسمبر 2020

https://www.almothaqaf.com/a/araa2019/951878


لا زال العالم يعيش أصداء رفض دونالد ترامب الإقرار بخسارته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام جو بايدن، في سابقة تاريخية؛ فلعلها أول مرة في التاريخ يدِّعي فيها رئيس في السلطة حدوث تزوير في الانتخابات لصالح منافسه!

ولكن الأغرب كان تصريح مايك بومبيو وزير خارجية أمريكا بأنهم يعملون على نقل سلطة سلس لولاية ثانية لترامب، ثم قيام بومبيو برحلة عجيبة مُريبة إلى عدد من دول العالم وفقًا لطلبه، بدأت بفرنسا، وحطّت في إسرائيل وأماكن أخرى، ليقابل بعدها نيتنياهو ولي العهد السعودي، ويُغتال أحد أهم علماء الذرة الإيرانيين، وتشير أصابع الاتهام إلى إسرائيل مثلما أشارت لها في انفجارات طهران ومرفأ بيروت الصيف الماضي، ويزور السيسي فرنسا في محاولة لتبييض وجه ماكرون بعد أزمة إعادة نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول، ولا أدري لماذا يراودني شعور أن هذه الزيارة هي حلقة ضمن سلسلة الحلقات التي بدأت بزيارة بومبيو لفرنسا، وأن لها مآرب أخرى.

وأخبار عن تحقيقات فيدرالية في أمريكا مع نجل بايدن وكذا مع صهر ترامب حول مخالفات مالية وضريبية، وترقب للتصويت الرسمي بعد أيام على النتيجة النهائية للانتخابات الأمريكية مع تجديد ترامب للمحاولات القضائية التي تهدف لتبديل نتيجة الانتخابات لصالحه، واحتمال كبير لدفع أنصاره للتظاهر في العطلة الأسبوعية قُبيل إعلان النتيجة الاثنين المقبل، وربما حاولوا الاعتصام في ساحة "الحرية" قرب البيت الأبيض.

وتخبط كبير في تعامل السلطات المصرية مع ملف حقوق الإنسان وسجناء الرأي ما بين إفراج عن محتجزين طال احتجازهم تزامنًا مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات الأمريكية التي أشارت لفوز بايدن، ثم احتجاز آخرين مع إصرار ترامب على أنه الفائز، ثم الإفراج عن هؤلاء المحتجزين حديثًا بعد دفاع سكارليت جوهانسن عنهم، وإعادة محاكمة لرئيس وزراء مصر الأسبق والمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق في قضية تافهة لا وزن لها سبق وأن تمت تبرئته منها، وتصاعد حدة النقد والاتهامات الموجهة من الإعلام المصري ضد المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وبالأخص "منظمة العفو الدولية"، وفق منطق الأب الظالم الذي يضرب أطفاله ويرفض أن يمنعه أحد من عدوانه عليهم؛ يعني "عيالنا وبنربيهم، ما دخلكم؟!". وبعد أن بدا أمل أن السلطات السعودية سيلين جانبها مع النشطاء الحقوقيين فوجئ العالم بتوجيه اتهام بالضلوع في الإرهاب إلى لُجين الهذلول أشهر ناشطة حقوقية سعودية، وأخيرًا فقد بدأ إعطاء لقاح كورونا سيء السمعة للراغبين في بعض الدول. وهي حوادث متزاحمة تناسب كثيرًا ختام سنة كبيسة لن تُمحى من الذاكرة كـ 2020!

ووسط هذا الزخم من المساخر والمكائد التي نعيشها على كوكبنا البائس وفي عالمنا المجنون، حيث يبدو أن كثيرًا من المؤامرات تُحاك في الخفاء بحيث نشعر بوجودها ونرى بعض خيوطها ولا نفهم حقيقة كُنهها -وإن كنت أشعر أنها فاشلة على المدى القريب! وأن المتآمرين سيضطرون إلى وضع سيناريو بديل يتناسب مع التغير الذي حدث رغمًا عنهم وأخفقوا في منعه-، فقد قررت أن أريح رأسي من متابعة ما يجري في العالم الحقيقي وأتابع مسلسلًا تليفزيونيًا! فاخترت تحميل حلقات مسلسل تركي نال شهرة واسعة في الشهور الأخيرة واسمه "أنت.. اطرق بابي". وبعد أن شاهدت عددًا من حلقات المسلسل أشعر أنه كان خيارًا موفقًا لم أندم عليه. ولم أكتب اليوم قطعًا لأحكي قصة المسلسل، بل لأعلق من منظور علم النفس الاجتماعي على بعض مما لفتني فيه، والذي لا ينتبه له المشاهد غير المتخصص عادةً.

الشخصيات الرئيسية في المسلسل كثيرة ومتنوعة ومساحات أدوارها متقاربة، باستثناء البطل والبطلة الرئيسيين، لكن الآخرين يبقون مع ذلك أبطالًا وليسوا ممثلين ثانويين، وهذا التنوع في حد ذاته جميل، ورغم أن أغلب حوادث المسلسل تدور في بيئة عمل إلا أنه يركز على العلاقات الشخصية بين أبطاله، والحبكة النفسية الرئيسية للمسلسل تقوم على الضبط الانفعالي الزائد الذي يتم تربية أغلب الأطفال الذكور عليه في الشرق بحيث يعجزون بدرجة كبيرة عن التعبير عن مشاعرهم الإيجابية عندما يكبرون. كان هذا واضحًا في شخصية "ساركان" بطل العمل الرئيسي، وشخصية "إنجين"، مع الاختلاف الظاهري الكبير بينهما؛ فأحدهما يبدو كإنسان آلي لا يهتم سوى بالعمل، والآخر يعرف كيف يستمتع بحياته، ولكنه مع ذلك لا يختلف كثيرًا عن صديقه في كبت مشاعره وعدم قدرته على التصريح بها.

ومن أبرز المشاهد التي لفتتني ولم أر مثيلًا له في أي عمل درامي؛ مشهد إنجين وهو يصطحب حبيبته "بيريل" إلى صالة لعب البولينج -وذلك بعد أن ساعدت صديقته في التقريب بينه وبين "بيريل"، حتى أنها أخبرتها صراحة أنه يحبها- وعندما انزعجت "بيريل" من خياره لقضاء الوقت معها في صالة رياضية في أول مرة يخرجان فيها معًا، صارحها بأنه كان يتكلم منذ سنوات عن علاقته بها أمام أصدقائه الذين يشاركونه لعب البولينج، ويريدهم أن يروها معه ليتباهى بها أمامهم! علمًا بأن هذه العلاقة -وحتى قبل أيام- لم يكن لها وجود سوى في خياله! وقد سبق وأشرت في عدد من المقالات إلى مسألة اختلاق العلاقات الوهمية مع النساء وإيهام الأصدقاء بكونها حقيقية، والتي أصبحت وسيلة كثير من الشباب للشعور بالمرغوبية والقبول والتغطية على إخفاقهم في التعبير عن مشاعرهم وتكوين علاقات حقيقية ناضجة.

في المقابل كانت هناك شخصية "فريد" الذي يعبر عن مشاعره بيسر نحو من أحبها، ولكن لم يجد تقديرًا منها، حتى أجبرته كرامته على هجرانها. وكانت شخصيات الفتيات في المسلسل أيضًا متنوعة وتمثل حالات لمشكلات التواصل الاجتماعي في العلاقات الشخصية، ومن أهمها شخصية "سيلين" التي أحبت "ساركان" ولم تحب طريقة تعامله معها، فلجأت للأحلام وتمنت أن يعاملها بلطف ويعطيها الاهتمام الذي تريده منه، ولم تجبره على تغيير طريقة تعامله معها على أرض الواقع، ولما يأست –لأن سلبيتها لم تحدث فرقًا- قررت الانفصال عنه بإرادتها، وصُدمت بعد انفصالهما لمّا رأته يعامل فتاة أخرى "إيدا" بالطريقة التي طالما تمنتها منه، لأن الأخرى لم ترضخ لطريقته اللامبالية في التعامل معها والتي حاول فرضها عليها. والعجيب أن "سيلين" وجدت الاهتمام من شخص آخر "فريد" قدّرها وأحبها وطلب الزواج منها، ولكنها بقيت مصرة في أعماقها على أنها تريد الاهتمام من ساركان وليس من غيره، حتى خسرت خطيبها.

أعجبني أيضًا لدى صنّاع العمل أنه لا يوجد حرص على خلق شخصية الشرير، ما جعل القصة أكثر اقترابًا من الأرض على عكس قصص الصراع الحدي المعهودة بين الخير والشر. كان هناك شرير واحد في الحكاية "كاهان" أخرجوه سريعًا من بينهم، أما الباقون فهم بشر طبيعيون تتقاطع مصالحهم وتصدر عنهم سلوكيات قد تضر بالآخرين دون قصد، ولكل منهم وجهة نظره في الأسباب التي جعلته يسلك على هذا النحو، يجعلنا عرضها نرى كيف تبدو القصة من وجهة نظر الآخر وكيف يرى نفسه مصيبًا رغم ما جرّه من مشكلات على غيره.

لم أكمل مشاهدة حلقات المسلسل التي عُرضت بعد، كما لا زالت هناك حلقات أخرى يجري تصويرها وعرضها أسبوعيًا تباعًا، ولكن يبدو لي أن شخصية بطل العمل الرئيسي ستبقى كما هي، فالبطل "ساركان" يبدو ظاهريًا جاف المشاعر بينما هو شديد الرومانسية، وشديد الغيرة على حبيبته، وشديد الاهتمام بها وبكل من حوله، وشديد الحرص على ألا يشعرهم بذلك، وأن يبدو في نظرهم ذلك الإنسان الذي لا يهتم سوى بالعمل، وستستمر هذه الملامح في شخصيته سببًا رئيسيًا في صراع القط والفأر مع حبيبته، والذي تتولد منه حوادث المسلسل.

 

 

الأحد، 22 نوفمبر 2020

243-بايدن ومخاوف العرب

 

بايدن ومخاوف العرب

د/منى زيتون

الأحد 22 نوفمبر 2020

http://www.almothaqaf.com/a/araa2019/951377 

لم يُعبِّر رئيس أمريكي عن إعجابه بالطغاة بقدر ما فعل دونالد ترامب! حتى أنه يصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بديكتاتوره المفضل، وكان حريصًا على لقاء رئيس كوريا الشمالية وهو أحد أكبر الطغاة في العالم.

وإنه لمن الواضح بجلاء أن هذا الرجل المضطرب نفسيًا لم يترشح بالأساس لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلا لأجل مزيد من الشهرة والسطوة، وبعد أن نالهما لا يستطيع تقبل تركهما، خاصة وهو مجبر على ترك السلطة لخسارة ألمت به وليس لانتهاء ولايته الثانية وعدم قدرته على الترشح وفقًا لنص الدستور الأمريكي الحالي، والذي من المؤكد أنه كان ينوي العمل على تعديله إن فاز في هذه الانتخابات الأخيرة ليتمكن من الترشح لولايات رئاسية جديدة ثالثة وربما رابعة وحتى نهاية العمر، وهذا ليس تكهنًا مني بل سمعته منه بنفسي في أحد لقاءاته بمؤيديه قبل إجراء الانتخابات.

في هذا المقال أحببت أن أدون ملاحظاتي عن تفاعل العرب على وسائل التواصل الاجتماعي مع حدث هام بحجم الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 مع ما صاحبه من زخم رفض ترامب الإقرار بخسارته فيها حتى اللحظة.

وعن نفسي فقد أعجبني موقف ترامب بعدم الإغلاق الاقتصادي بسبب تفشي فيرس كورونا لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقال، كما أن مواقفه الرافضة للمثلية والإجهاض أقرب إلى نفس كل متدين من مواقف بايدن الليبرالية، ولكن هل قضى رفض ترامب للمثليين وعدم تقبله لهم على المثلية في أمريكا؟ كما أن مثل هذه الموضوعات يكون من المنطقي أن تدخل في حسابات الناخب الأمريكي عند اختياره رئيسه ولكن ما خصنا نحن العرب بها وهل من المفترض أن تكون لها الأولوية من بين معاييرنا للحكم على أفضلية رئيس أمريكي بالنسبة لنا؟ ثم هل الاعتراف بفوز فلان وخسارة علان في الانتخابات يتعلق بهذه الأفضلية أم بأعداد أصوات الناخبين؟!

إن المتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي سيجد أن نسبة كبيرة ممن يتخوفون من حكم بايدن من العرب هم من أنصار الديكتاتوريات العربية ومن يتخوفون من دعم نظامه للإخوان المسلمين والإسلام السياسي عامة، باعتبار نظامه امتدادًا لنظام أوباما –كما يصرون أن يرونه-، وساهم في هذا تهنئة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لبايدن بالفوز على ترامب، ولا حاجة بعاقل أن يقول إن في هذا التصور تهويل وخلط واضح بين بايدن وأوباما، رغم أن بايدن عبر تاريخه لم يكن مؤيدًا لأغلب التدخلات الأمريكية في العالم الإسلامي، إضافة إلى أن نائب الرئيس ليس إلا أحد أفراد نظام الرئيس، ولا ينبغي أن يُنسب إليه كل موقف للنظام، ومن ثم الافتراض أنه سينهج على النحو ذاته وستكون له المواقف ذاتها إن أصبح رئيسًا يومًا ما، وما وعد به بايدن العرب والمسلمين خارج أمريكا في حملته الانتخابية هو خطاب عام يتصل بدعم حرية الرأي للجميع ومعاقبة المدانين في الجرائم الكبرى، ولا أرى في هذا بأسًا، كما أنني لست مقتنعة أن نظام أوباما هو من أخرج لنا المسرحية الهزلية المعروفة باسم انتخابات الإعادة للرئاسة المصرية 2012، وساهم في تزوير الانتخابات لصالح مرشح الإخوان.

وبعض العرب المتخوفين من حكم بايدن لأمريكا أيضًا هم ممن تم اللعب عليهم بالحديث عن الماسونية التي تدعمه! واعتبار حكمه تمهيدًا لحكم الدجال وحكم امرأة الدجال! وامرأة الدجال هذه بحق هي ابتكار جديد يُحسب لمن اخترعها!

وبعض العرب الذين يتخوفون حكم بايدن يطعنون في فوزه عن استحقاق ويرددون مزاعم ترامب عن تزوير الانتخابات والتي أصبحت مثار سخرية نسبة كبيرة من الأمريكيين وبعضهم ممن ينتمون إلى الحزب الجمهوري! ومن أظرف ما قرأت تعليقًا لمصري –وأنا مصرية- يطعن في تأخير ختم بعض الأمريكيين بطاقات اقتراعهم إلى يوم الانتخابات الرسمي، قائلًا: لماذا انتظروا حتى آخر يوم؟! وكأنه لم يكفنا ما نحن فيه من غباء إداري فنطمع في تصديره لباقي الكوكب! فهذا الأخ الذي كتب مثل هذا التعليق يبدو أنه يتخيل نفسه في مصر، والموظف المسئول يغادر قبل انتهاء دوامه أو يتبجح على المواطن بأنه تأخر أو أن اليوم هو الخميس وهم يعتبرونه نصف يوم ولا يكادون يعملون فيه، ومدام عواطف القابع مكتبها في الدور الرابع من المبنى تحتفظ بالختم وهي غير موجودة!

وهناك عرب يصدقون أن ترامب هو الفائز وتم التزوير لصالح بايدن، وهم فرحين في ترامب، ويرون أن الأمريكيين قد رفضوا أن يحكمهم بلطجي لأربع سنوات إضافية فزوروا الانتخابات ضده! وهم يرددون هذه المزاعم رغم عدم وجود أية أدلة عليها، ورغم خسارة ترامب 25 قضية حتى الآن في محاولته لإثبات مزاعمه!

والحقيقة أن حملة ترامب قد أسرفت على نفسها أي إسراف في كيل الإدعاءات لبايدن حتى أنني سمعت بأذني من يتهم بايدن بالعنصرية لأن نسبة كبيرة من الأمريكان السود قد صوتوا له في بعض المدن التي يشكلون فيها كثافة سكانية كفلادلفيا وأطلانطا وديترويت! وقد أمَّن بعض العرب على هذا الرأي المتهافت وكأن الأمريكان السود ليس لهم حق في التصويت، ومن حقهم أن يصوتوا لمن شاءوا!

ويتداول بعض العرب بينهم مقطعَ فيديو لجو بايدن به لقطات قديمة للغاية له في مناسبات مختلفة ويُعرِّف فيها نفسه بأنه صهيوني، ولأن العرب أمة أغلبها يُقيِّم البشر بالكلام وليس الأفعال، كما يُقيِّمون الناس كثيرًا اعتبارًا لما كان وليس اعتبارًا لما هو كائن، فقد صار بايدن الليبرالي صهيوني رغم أنه كأغلب الديمقراطيين من أنصار حل الدولتين، بينما أصبح ترامب العنصري الذي اعترف بالقدس والجولان لإسرائيل، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وقاد التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، ولا زال الصهاينة يستغلون نظامه لتحقيق مآربهم حتى اللحظة من خلال زيارة وزير خارجيته بومبيو لمستوطناتهم، صار ترامب حبيبهم! بينما واقع الحال أن بايدن لا يرى المسلمين عدوه الأول، ولا توجد لديه فوبيا منهم، وأعلن مرارًا أنه يرى روسيا الخطر الأكبر على أمريكا، وأنه داعم للانفتاح على الثقافة الإسلامية وتعلم مزيدًا من العقيدة الإسلامية في المدارس الأمريكية، وأنه يرى المسلمين الأمريكيين كجزء من شعبه ووعد بأنهم سيكونون جزءًا من نظامه.

ولكن لا زالت أبواق بعض الأنظمة العربية تدعم ترامب وتشكك في بايدن، حتى أننا قد سمعنا عن رشاوى ومدفوعات من أنظمة عربية للمساهمة في مصاريف رفع الدعاوى القانونية في محاولة بائسة يائسة للإبقاء على نظام ترامب! ولكن صار من الواضح تمامًا أن الحل القانوني قد سُكِّرت أبوابه في وجه ترامب.

فهل بعد أن رأينا مليونية ترامب بدعوى الشرعية يوم السبت 14 نوفمبر، يمكن أن نرى اعتصامًا ممولًا في واشنطن –ليكون اعتصام رابعة أمريكيًا- متزامنًا مع يوم 14 ديسمبر للضغط على المجمع الانتخابي لحثهم على التصويت لترامب وعدم الأخذ بأصوات الناخبين؟ أم ربما يتأخر ذلك الاعتصام ليوم نقل السلطة ظهيرة العشرين من يناير القادم؟ وهل يجهز لنا ترامب مفاجأة جنونية قبل مغادرته البيت الأبيض؟

إن ما يحدث الآن من استماتة على الفوز بأي طريقة كانت من المرشح الجمهوري ترامب وإطلاقه الإدعاءات غير المثبتة عن تزوير المرشح الديمقراطي بايدن للانتخابات أمامه، لم نر أو نسمع بمثلها منذ انتخابات 1960 التي فاز فيها الديمقراطي كينيدي على الجمهوري نيكسون، وظل نيكسون يتهافت ويدعي حدوث التزوير لصالح كينيدي ولم يقر بنتائج الانتخابات إلا متأخرًا. والمفارقة هنا أن كينيدي -الذي وصل أيضًا إلى الحكم رغم أنف اللوبي الصهيوني- هو الرئيس الأمريكي الكاثوليكي الوحيد، وهو من أصول أيرلندية، ومثله تمامًا جو بايدن، وهو أيضًا مرشح الحزب الديمقراطي، فهل ستكون نهايته الاغتيال على يد اللوبي الصهيوني كما كانت نهاية كينيدي؟!

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

242-مُخرِج واحد، ونهاية مختلفة!

 

مُخرِج واحد، ونهاية مختلفة!

د/ منى زيتون

الأربعاء 11 نوفمبر 2020

http://www.almothaqaf.com/a/araa2019/951072

منذ شهور وكوكبنا بأسره يتابع حوادث فيلم واقعي عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ربما تنبأنا ببعض ما جاء فيه، ولكن تبقى عظمة دونالد ترامب أنه من مجانين التاريخ الذين يستحيل توقع ما يمكن أن يقولوه أو يفعلوه على وجه الدقة.

حتى صباح الأربعاء الرابع من نوفمبر، وهو صبيحة اليوم التالي لليوم الرسمي للانتخابات كان كل ما يجري في تلك الانتخابات يعتبر محاكاة ونسخ لسيناريو انتخابات الإعادة للرئاسة المصرية 2012، وبدا أن ترامب قد حفظ الدور الذي قام به مرسي منذ أكثر من ثماني سنوات، ويقوم بالتسميع جيدًا! بدءًا من إصرار ترامب أنه ولا بد سيكون الفائز، والتشكيك في نزاهة الانتخابات –من قبل أن تبدأ- إن أتت نتائجها لصالح بايدن، ثم محاولات ترامب الرقيعة التلاعب المكشوف في هيئة البريد الأمريكية، وتشكيكه في التصويت البريدي من قبل موعد إجراء الانتخابات، وقد شرحنا أفاعيله تلك وما يبدو أنه ينتويه في مقال سابق مطول، وأخيرًا خرج علينا ترامب وسط أنصاره في الصباح الباكر يوم الأربعاء 4 نوفمبر، وبعد ساعات قليلة من إغلاق مراكز الاقتراع ليعلن أنه قد فاز في الانتخابات! وحتى تلك اللحظة لم يكن قد زاد أو نقص عن محاكاة الخطوط الرئيسية في الانتخابات المصرية شيئًا.

ثم تحول الوضع وتبدلت الحوادث، وشعرنا بالاختلاف، وأنها أمريكا زعيمة العالم الحر، وليس هناك من يعبدون شخصًا وينفذون أحلامه وأوهامه ويحولونها إلى واقع غبي لأن جنابه قد أراده على هذا النحو! فاستمر فرز الأصوات وإعلان النتائج من قبل الولايات غير عابئين بالتشغيب الذي كان يطلقه ترامب دون توقف في مؤتمراته وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ثم أُعلنت النتائج الأولية يوم السبت 7 نوفمبر ليتجاوز بايدن حد 270 صوتًا المطلوبين في المجمع الانتخابي للفوز بالرئاسة، ويتأكد أنه هو الفائز بالسباق الانتخابي.

وظننت عندها أن الجزء الثاني من فيلم "مرسي وشفيق" -والذي يصلح له عنوان "ترامب وبايدن"- قد انتهى عند مشهد إعلان ترامب فوز نفسه قبل اكتمال فرز ملايين الأصوات مثلما فعل مرسي قبل سنوات، ولكن ولأن المخرج واحد في كلا جزئي الفيلم فيبدو أنه يحاول جاهدًا إحداث مزيد من الاستنساخ من حوادث الفيلم المصري، أو هكذا يظن في نفسه القدرة.

ومرة أخرى، فلأن المخرج واحد، فهذا في نظري يبرئ إدارة أوباما -التي تنتمي للحزب الديمقراطي- تمامًا من الاتهام بأنها هي من خططت ودبَّرت لتزوير النتائج لصالح مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية 2012.

اليد النجسة ذاتها التي لعبت في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وحولتها وبدلتها بين ليلة وضحاها لصالح مرسي بعد أن ظهرت النتائج الأولية لصالح شفيق، حتى استقبل شفيق الحرس الرئاسي لتأمينه في بيته قبل إعلان النتيجة، هذه اليد تحاول اللعب مرة ثانية هذه المرة لصالح ترامب وضد بايدن، لكن أثق إن شاء الله أن نهاية الجزء الثاني من الفيلم ستكون مختلفة.

أصبح من الواضح حدوث تأخير متعمد في إعلان النتائج الرسمية في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبعد أن كان ترامب يطالب بوقف عد الأصوات منذ صباح اليوم التالي لإغلاق مراكز الاقتراع، أصبح يدعي الآن أن هناك بطاقات لم تُحتسب بعد، وينشر منشورات يروج فيها إلى أن الأمور تسير على ما يرام وأنه في طريقه للفوز!

في البداية تصورنا أن غرض ترامب من هذه المنشورات هو استكبار منه على الاعتراف بالهزيمة، أو لإحداث انقسام في الشارع الأمريكي بما يشكل دعوى لأنصاره للتظاهر وربما التخريب، ولكن الخطاب تغير من "لقد فزنا" يوم 4 نوفمبر إلى "سوف نفوز" يوم 10 نوفمبر! مع إصراره على إيهام المطموس على بصيرتهم ممن يناصرونه ويصدقون أكاذيبه أن الفرز لا زال مستمرًا بما يمكن أن يؤدي إلى تبدل النتيجة النهائية المعلوم تقاربها بين المرشحين الاثنين سلفًا في أغلب الولايات.


وباختصار فإن ترامب وبعد أن ضغط على الولايات التي لم ينجح فيها بأنه سيلجأ للقضاء، قد اضطر كثيرًا من الولايات إلى إعادة فرز وعد الأصوات، كي لا تظهر نتائجهم خاطئة في حال لجوئه للقضاء ويتم اتهامهم بالتزوير، وهو ما يمكن أن يستفيد منه أيضًا في محاولة للتلاعب من جانبه في النتائج إن أمكنه ذلك في بعض تلك الولايات، بدعوى أن بعض البطاقات البريدية بعدما روجع الفرز لم تستوفِ الشروط اللازمة لاحتسابها، وأيضًا ليستخدم التأخير كحجة لمزيد من التشكيك في النتائج الرسمية النهائية إذا أُعلنت على خلاف هواه، وأعتقد أنها ستُعلن في الختام على خلاف هواه رغمًا عن أنفه!

إن المؤامرة التي يتحدث عنها ترامب، هو من أعد لها طوال شهور، وتخيل أنه سيجد من يساعده في تنفيذها ويمنع وصول بطاقات الاقتراع البريدية إلى مراكز الاقتراع قبل الإغلاق أو أن بإمكانه وقف العد وعدم احتساب تلك الأصوات وأغلبها للديمقراطيين كما نعلم.

وبالأمس أقال وزير الدفاع، وهناك تقارير تتحدث عن اعتزامه إقالة مديري الـFBI والـCIA! فإن كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرتك وقد أُفشلت، وإن كنت تحاول إعداد مؤامرة جديدة فستفشل أيضًا بإذن الله.

وحنانيك على نفسك يا ترامب كي لا تُصاب بأزمة قلبية، ربما تودي بحياتك، فصحتك لم تتعافى بعد من الإصابة بفيرس كورونا المستجد في أكتوبر الماضي. ونأمل ألا تموت قبل أن تُخرَج من البيت الأبيض كي لا يتم ترويج مزيد من القصص عن المؤامرات ضدك، وليس من متآمرٍ غيرك.

**************************

وزير خارجية أمريكا الجمهوري مايك بومبيو يرفض الاعتراف بفوز جو بايدن! ويعد بانتقال سلس لولاية ثانية لدونالد ترامب!

يقول للصحفيين: يجب أن نحسب كل صوت قانوني، ويجب أن نتأكد من عدم احتساب أي صوت غير قانوني.

وطبعًا هو يعتبر الصوت قانوني طالما لمرشحهم ترامب، وغير قانوني طالما لبايدن!



هذه هي بلطجة الجمهوريين في أزهى صورها، وتوهم القدرة على تكرار سيناريو انتخابات 2000. والمؤكد –وفقًا لما أعلنوه بأنفسهم- أنهم يحاولون التجهيز لمؤامرة ليس فقط لتعطيل نقل السلطة بل بالأدق لرفض نقلها للديمقراطيين.

في انتخابات الرئاسة لسنة 2000 -التي بلطج فيها الجمهوريون على آل جور وسرقوا منه نجاحه في الانتخابات- كانت تكفيهم ولاية واحدة (فلوريدا) لتحويل اتجاه الأصوات باستخدام آلات ثقب غير صالحة لإبطال أصوات إحدى المقاطعات، وكان حاكم الولاية جيب بوش شقيق مرشحهم عديم الكفاءة جورج بوش الابن يقوم بأقصى جهده لإنجاح شقيقه، واستطاعوا من خلال تهييج الجماهير ثم القضاة التابعين لهم وقف الفرز اليدوي بغرض إنجاح بوش.

هذه المرة هم بحاجة لأربع ولايات كبيرة على الأقل ليزوروا فيها من خلال إعادة الفرز ويقرروا ما يلزمهم احتسابه لحزبهم، وما يلزمهم حذفه من أصوات للديمقراطيين، كي يعكسوا النتيجة، لذا فالتزوير أصعب وقوانين الولايات لا تطاوعهم باستثناء جورجيا، وحاكمها برايان كيمب جمهوري ولكن ليس لديه الدافع ليجازف مجازفة جيب بوش، وأصواتها لا تكفيهم.

ليس أمام ترامب الآن سوى محاولة رفع دعاوى في بعض الولايات، ولا يمكن لبايدن أن يفوز رسميًا قبل حسم أي مسألة قانونية.

والخلاصة أن ترامب وإدارته يطمحون في الوصول بنتيجة الانتخابات إلى المحكمة العليا لنشهد تزويرًا كتزوير عام 2000، وربما يماطلون استهدافًا لإبقاء الانتخابات بلا حسم ولا نتيجة نهائية لأطول فترة، ويأملون أن يصلوا ليوم 14 ديسمبر دون حسم لتقرر المحكمة العليا الفائز من بين المرشحين.

إن الأمر يتعدى كونه عدم اعتراف الجمهوريين بفوز بايدن، بل لا زالوا لم يفقدوا الأمل في قدرتهم على تزوير الانتخابات وعكس نتيجتها لصالحهم.

وفي رأيي أنه لا يصح بقاء شخص مضطرب نفسيًا وعقليًا مثل ترامب في منصب رئاسة أكبر دولة في العالم، وحتى موعد تسليم السلطة في 20 يناير القادم. هذا المجنون أصبح يشكل خطرًا على العالم، ولا بد من الحجر عليه خلال تلك الفترة.

الأحد، 8 نوفمبر 2020

241-شكرًا كورونا.. شكرًا جورج فلويد

 

شكرًا كورونا.. شكرًا جورج فلويد

د/ منى زيتون

الأحد 8 نوفمبر 2020

وعلى المثقف، الاثنين 9 نوفمبر 2020

http://www.almothaqaf.com/a/araa2019/951016

كثيرون منا لا يميزون بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولا فرق لديهم بين كينيدي وكارتر وكلينتون وأوباما من جهة وبين نيكسون وريجان وبوش الأب وبوش الابن وترامب من جهة أخرى، ويقولون: لا فرق بين الحزبين!

بينما الحقيقة أن الرؤساء الجمهوريين ليسوا أكثر من عرائس ماريونيت في أيدي اللوبي الصهيوني، وغالبًا ما يكونون رؤساء عديمي الرؤية ولا يفقهون شيئًا في السياسة، ويكون انتقاؤهم عمدًا على هذه الصفات والشاكلة، وقد تحدثت عن ذلك في مقال قديم بعنوان "مطلوب حمار".

الرؤساء الديمقراطيون -وعلى النقيض من الجمهوريين- يكون لكل منهم تاريخ سياسي قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ولا يصلح مثل هذا أن يكون لعبة في يد اللوبي الصهيوني؛ لذا غالبًا ما تواجه الرئيس الديمقراطي مشاكل مع هذا اللوبي، فيحاولون التخلص منه بعد وصوله إلى الرئاسة طالما لم ينجحوا في إفشال مساعيه ومنع انتخابه.

فالرئيس كينيدي تم اغتياله في حادثة شهيرة في فبراير 1963، وقاتله كان قد زار إسرائيل قبل حادثة الاغتيال، ووُجهت وقتها لإسرائيل أصابع الاتهام، وقيل إنها متورطة في قتل كينيدي بعد مراسلاته مع عبد الناصر التي كان يحاول فيها البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية لم يكن ليرضي إسرائيل، كما كان كينيدي رافضًا للمشروع النووي الإسرائيلي.

والرئيس كارتر أيضًا حاول أن يصل لحل لقضية العرب وإسرائيل، وأن يعطي العرب بعض الحقوق الضائعة من خلال التفاوض، فحدثت في عهده العديد من الأزمات أهمها أزمة رهائن إيران، والتي اقتحم فيها طلاب إسلاميون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا الأمريكيين فيها لمدة تزيد عن العام، وهو العام الذي شهد المنافسة الانتخابية بين كارتر وريجان، وكانت السبب الرئيسي في خسارة كارتر الانتخابات الرئاسية أمام ممثل مغمور، ولم يحصل على فترة رئاسة ثانية. ورغم أن القضية تبدو ظاهريًا خلافًا بين الخوميني وأنصاره وبين الولايات المتحدة بعد قبولها دخول الشاه بهلوي إلى أراضيها لتلقي العلاج، إلا أن المحللين السياسيين والأفلام الوثائقية التي تتناول الأزمة لا زالت تتحدث عن أيادي خفية تسببت في تأخير إطلاق سراح الأسرى، وإطالة أمد الأزمة إلى 444 يومًا، كي لا يتسبب نجاح إدارة كارتر في فك أسرهم في نجاحه في الانتخابات الرئاسية، ولم يُفرج عن الرهائن إلا يوم 20 يناير 1981، وبعد دقائق من أداء الرئيس الجمهوري الجديد رونالد ريجان اليمين!

 وأما الرئيس بيل كلينتون، والذي حاول هو الآخر التفاوض وإعطاء بعض حقوق للفلسطينيين، فقد دسوا له متدربة يهودية في البيت الأبيض لصنع فضيحة له تحول دون انتخابه مرة ثانية، ولكن نجاحه الاقتصادي كان سببًا رئيسيًا في إعادة انتخابه.

وآخر رئيس ديمقراطي عرفناه كان الرئيس أوباما، والذي حاولوا التقليل من شعبيته والضغط عليه كثيرًا كي لا يفرد عضلاته كباقي الرؤساء الديمقراطيين، وشككوا في أهليته للترشح مرة ثانية لأنه –كما زعموا- ليس من مواليد الولايات المتحدة!

وبالنسبة للرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن فهو يعمل بالسياسة من 48 عامًا، وعمل في إدارة كارتر، وكان نائبًا للرئيس أوباما، ووصفه أوباما بأنه أسد التاريخ الأمريكي، وأنه كان سبب نجاح إدارته، ورغم هذا التاريخ السياسي الناجح فقد فشل مرتين من قبل في الوصول إلى البيت الأبيض، ووصل متأخرًا للغاية إلى منصب الرئاسة، وهذه علامة على انعدام الود تمامًا بينه وبين اللوبي الصهيوني؛ فبايدن ليس مدعومًا من إسرائيل، ولم يحاول أن يتدنى بمبادئه ليستقطب ودهم مثلما فعلت هيلاري كلينتون من قبل.

إن إسرائيل عبر تاريخها لم تجد مساندة من رئيس أمريكي مثل تلك التي وجدتها من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وإدارته. وكنا قد اعتدنا أن تحقق إسرائيل مزيد تقدم علينا وتزيد عنجهيتها في عهود الجمهوريين ويقل الاستفزاز في عهود الديمقراطيين، ولكن ليس إلى الحد الذي بلغته في عهد ترامب، والذي حققت فيه قفزات وليس خطوات على حساب العرب.

اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، وأقر بشرعية الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية، ورفض أي دعوى لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية وعن الأونروا، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأعلن صفقة القرن التي سرقت مزيدًا من أراضي الضفة، وقاد مؤخرًا عملية تطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل.

وأعتقد أن علينا أن نشكر فيرس كورونا ونشكر الأمريكي الأسود جورج فلويد، فهما السببان الرئيسيان لنقمة ملايين الأمريكيين على المحتال ترامب وفقدانه لأصوات هؤلاء الملايين ممن كانت نكبتهم أكبر من مستوى قدرته على التحايل، فمن دون كورونا ودون المظاهرات لأجل قضية جورج فلويد كان يمكن بسهولة لهذا السيكوباتي أن يحتال على الكثيرين ويُعاد انتخابه. وإن كان بايدن قد تقدم عليه بنحو 4 ملايين صوت فقط مع كل كوارثه في داخل أمريكا وخارجها، فأعتقد أن بقاءه كان سيكون حتميًا لولا أزمة كورونا وحادثة مقتل جورج فلويد وتداعياتهما.

وقد استمعت إلى خطاب فوز بايدن المتوازن بالرئاسة الأمريكية، وكم يليق بمن هذا فكره أن يقود بلده ويقود العالم، ويحق لنا كشعوب شرق أوسطية أن نتطلع مع رئيس أمريكي شجاع مثله أن يدفع ملف حقوق الإنسان في بلداننا إلى الأمام، بعد أن بلغت البلطجة السياسية مبلغها في عهد ترامب الذي أعطى الإشارة الخضراء لكل ديكتاتور ليقتل ويطغى ويختطف معارضيه ويحبسهم طالما يدفع له الإتاوات.

ونتمنى أن تتاح فرصة للرجل كي يحقق برنامجه في الإصلاح الداخلي وإصلاح السياسة الأمريكية الخارجية، وألا تبدأ المؤامرات ضده مبكرًا، لتنعم الأخلاق والمبادئ وحقوق الإنسان على هذا الكوكب بقبلة الحياة بعد أن كادت تلقى حتفها على يد أخرق عديم المبادئ.

الجمعة، 6 نوفمبر 2020

240- إنها لعبتي!

 

إنها لُعبتي!

د/ منى زيتون

الجمعة 6 نوفمبر 2020

وعلى المثقف، السبت 7 نوفمبر 2020

http://www.almothaqaf.com/a/araa2019/950972

منذ حوالي عشرين عامًا، كنت في رحلة سياحية إلى مدينتي الأقصر وأسوان لمشاهدة معالمهما الأثرية، وتصادف أثناء تجوالي في أحد المعابد القديمة أن شاهدت مجموعة من السائحين الأجانب يبدو أنهم يتبعون فوجًا سياحيًا أجنبيًا واحدًا، وكان معهم طفلان صغيران دون سن المدرسة، وفي تقديري أن سنيهما كان ثلاث سنوات وخمس سنوات، وكان السبب الذي لفتني لهذه الجماعة تحديدًا أن أصغر الطفلين كان يتشبث بدُمية مع أخيه الأكبر ويحاول سحبها منه بالقوة ويصرخ فيه، وإذا بالأم تمنع الصغير من أخذها من الكبير، وتوضح له أنها دُمية أخيه وليس من حقه أن يأخذها منه، فأخذ الصغير يصرخ ويبكي، فما كان منها ومن باقي الفوج إلا أن تركوه يصرخ ويمرغ ملابسه في تراب المعبد كما يشاء، وتحركوا للأمام في بهو المعبد دون أن يلتفت منهم إليه أحد، فلما زاد ابتعادهم قام الصغير من الأرض جاريًا نحوهم لاحقًا بهم بعد أن تملكه الخوف أن يضيع!

لا زلت أذكر هذا الموقف جيدًا ويستوقفني للمقارنة بينه وبين أحوالنا في تربية أطفالنا، عندما أشاهد أمًا مصرية تظلم الطفل الأكبر وتأخذ ما يمتلكه إرضاءً لأخيه الصغير، لينشأ الكبير متقمصًا دور الضحية، ويصير الصغير مدللًا تافهًا لا يصبر على شيء، وربما تحول إلى إنسان فاسد عندما يكبر.

لكن، هذا المشهد الذي رأيته في المعبد منذ سنوات صار يعاودني كثيرًا في اليومين الأخيرين، تزامنًا مع إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، والتي وفقًا للمثل المصري قد "قلّبت علي المواجع"؛ وكما كتبت في مقالي الأخير عنها –قبل أسبوع من إجرائها- أن ما جرى قبلها يكاد يكون تكرارًا لما سبق جولة انتخابات الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 بين الفريق دكتور أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، بدءًا من رفض مرسي التام لتقبل أي احتمالية لخسارته الانتخابات رغم تقاربه مع شفيق في نتائج استطلاعات الرأي، ثم قيامه هو وجماعته بالترويج لفكرة أن خسارتهم تعني بلا شك حدوث تزوير لصالح شفيق.

ولأن أصوات من يحضرون شخصيًا إلى مراكز الاقتراع يتم فرزها وعدّها أولًا –وأغلبها يكون للجمهوريين- ثم يتم فرز وعدّ أصوات المصوتين غيابيًا –والشريحة الأعلى فيها للديمقراطيين-، فقد تنبأت في مقالي الأخير بأن ترامب سيفعل ما فعله مرسي 2012، وسيبادر إلى إعلان فوزه قبل اكتمال عملية فرز الأصوات، لأجل إحداث مزيد من البلبلة والضغط لوقف عملية عد الأصوات البريدية التي يعلم يقينًا أن أغلبها لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن.

والحقيقة أن ترامب لم يكذب حدسي، فحاول استكمال محاكاة المشهد المصري، فخرج علينا في وقت مبكر من صباح اليوم التالي للانتخابات، الأربعاء 4 نوفمبر، وأعلن فوزه في الانتخابات رغم أن ملايين الأصوات كانت لم تُفرز بعد! وأهم ما جاء في كلمته تلك: "فزنا بولايات لم تكن متوقعة- نستعد للفوز في الانتخابات، وبصراحة فزنا في هذه الانتخابات"! ثم لم يفته التلويح بأن أي تغيير في هذه النتيجة –التي هي لصالحه كما يُشيع- سيكون ابتعادًا عن النزاهة، مهددًا بأنه سيلجأ إلى المحكمة العليا، وأنه يريد للتصويت أن يتوقف! موحيًا لأنصاره أن الديمقراطيين يضيفون أصواتًا لا يحق لهم إضافتها لانتهاء موعد التصويت، متجاهلًا وصول البطاقات إلى مراكز الاقتراع قبل موعد الغلق! وختم ترامب كلمته بأنه لن يصمت أمام محاولة البعض اختطاف الانتخابات!



وحاول ترامب الترويج لأكذوبته من خلال فيديو بثه على مواقع التواصل الاجتماعي يتم فيه حرق أوراق قليلة شبيهة بأوراق التصويت البريدي موهمًا أتباعه أن الأوراق التي صوتت له يتم حرقها وعدم احتسابها في مراكز الاقتراع!

والحقيقة أن ترامب في خطابه ومنشوراته وتغريداته هو من كان يحاول اختطاف الانتخابات واختطاف الديمقراطية في أمريكا مثلما فعل مرسي وجماعته في مصر من ثماني سنوات، ووأد أولى تجاربنا الديمقراطية في العصر الحديث لأنه مجرد تافه لا يتحمل المنافسة بشرف وتقبل احتمالية الهزيمة. ولكنها أمريكا وليست مصر، وليس لشخص غير ناضج انفعاليًا أن يتشبث بكرسي الحكم –ولا حتى بما هو دونه- ويجد مختلًا كطنطاوي يطاوعه تخوفًا من أن يتمرغ في التراب كالأطفال! على أن يتم أخذ اللعبة منه عندما يهدأ منعًا لأي فوضى!

إن الدرس الأكبر من الانتخابات الأمريكية هو عدم المبالاة بمن يحاول فرض واقع مزور على الآخرين، ويهدد كالأطفال لحمل الناس على الاستجابة لرغباته. وكما كانت وقفة رجال السياسة ضد الرئيس ترامب قوية، فتواصل فرز وعدّ الأصوات وإعلان النتائج وفقًا لما يسفر عنه الفرز، غير عابئين بمطالباته المستمرة بوقف الفرز، ولا باتهاماته غير المبررة لهم بعدم النزاهة، فقد كانت وقفة الإعلاميين ضد همجيته تستحق الإشادة، فوجدنا موقع تويتر يضع تحذيرات على تغريداته الملئية بالاتهامات والتهديدات، ثم قطعت عدة شبكات تليفزيونية أمريكية -"أم أس أن بي أس" و "أن بي سي نيوز" و"إيه بي سي نيوز"- النقل المباشر لكلمته الثانية منذ الانتخابات التي بثها مساء الخميس الخامس من نوفمبر من البيت الأبيض للترويج لأكذوبة عدم نزاهة الانتخابات وسرقة الديمقراطيين الانتخابات منه! بينما استكملت شبكة "سي أن أن" نقل كلمة ترامب، وعلقت عليها بأنها "حفلة أكاذيب".

إن تحول نتيجة الانتخابات من مراكز فرز الأصوات إلى المحاكم بات في حكم المؤكد، وكان متكهنًا به من قبل أن تبدأ، ولكن نظرًا لعدم وجود أدلة حقيقية في يد ترامب، فلا نعرف إن كانت المحاكم ستقبل النظر في دعاواه أم لا، ثم هل يوجد ما يمكن أن يتم الاستناد إليه لتغيير النتيجة التي تبدو حتى اللحظة تميل إلى جانب بايدن؟

والسؤال الأهم: كيف سيتم إخراج هذا الطفل الكبير بسلام من البيت الأبيض؟ وهل يمكن أن يتسبب في تناحر وانقسام بين الأمريكيين مثلما يفعل كل من لهم تركيبة شخصيته فيهدمون المعبد على رءوس الجميع؟

 

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

239-التصويت البريدي.. هل سيكون مفتاح فوز ترامب أم خسارته؟

 

التصويت البريدي.. هل سيكون مفتاح فوز ترامب أم خسارته؟

د/ منى زيتون

الثلاثاء 27 أكتوبر 2020

وعلى المثقف الأربعاء 28 أكتوبر 2020

http://www.almothaqaf.com/a/araa2019/950711


في 13 أغسطس الماضي صرَّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين بأنه رفض التوقيع على تمويل طارئ لخدمة البريد الأمريكية قيمته 25 مليار دولار، بحجة ارتفاع الأسعار!

جاء هذا الرفض متزامنًا مع استمرار انتشار فيرس كورونا المستجد، والذي على إثره يُتوقع أن ترتفع أعداد الناخبين الأمريكيين الذين سيرغبون اختيار التصويت عبر البريد في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى كالعادة في الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر، والذي سيوافق هذا العام الثالث من نوفمبر!

وكان ترامب منذ أشهر قد عيّن واحدًا من أقرب المقربين له ومن كبار المتبرعين لحملته الانتخابية -ويُدعى لويس ديجوي- مديرًا جديدًا لخدمة البريد في الولايات المتحدة. ومن فوره بدأ ديجوي ما يدعي أنه إصلاحات تهدف إلى تحقيق خدمة البريد أرباحًا، وقد شملت هذه الإصلاحات إزالة صناديق البريد من عدد كبير من الشوارع في عدد كبير من الولايات، منها نيويورك وأوريجون ومونتانا وإنديانا! وتقليل عدد ساعات عمل عمال البريد في 3 ولايات على الأقل، وِست فرجينيا وفلوريدا وميسوري. وكثرت شكاوى المواطنين الأمريكيين من تأخر وصول بريدهم الخاص، كما سحبت هيئة خدمة البريد من مراكز فرز الأصوات أجهزة فرز بادعاء أنها قديمة!

 

لماذا يُشنِّع ترامب على التصويت البريدي في الانتخابات الرئاسية؟

في تصريحات سابقة عديدة، أقر ترامب بأنه يعلم أن التصويت البريدي سيكون لصالح منافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ ويتفق هذا الرأي مع نتائج استطلاع رأي أجرته صحيفة USA Today الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة، وجامعة سوفولكSuffolk University بأن 56% من الناخبين الجمهوريين ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم سيتوجهون بأنفسهم إلى مراكز الاقتراع، مقابل 26% من الناخبين الديمقراطيين الذين ينوون الاقتراع بشخوصهم.

والسبب في تفاوت نسبة الراغبين في التصويت عن طريق البريد بين أنصار الحزبين يرجع إلى أن أغلب الديمقراطيين يخشون التصويت بالحضور إلى مراكز الاقتراع خوفًا من عدوى فيرس كورونا المستجد، وذلك على العكس من الجمهوريين الذين يحرص ترامب منذ بداية انتشار الفيرس على تخفيض درجة شعورهم بالخطر من الإصابة بالفيرس، ودعاهم في مؤتمراته الانتخابية مرارًا إلى التوجه للتصويت له بأنفسهم في اللجان الانتخابية.

وقد ردد ترامب عدة مرات في مؤتمراته الانتخابية مع الجمهوريين مزاعمًا تتعلق برفضه للتصويت البريدي لأنه عرضة للغش والتزوير! والعجيب أن ترامب نفسه –ورغم مزاعمه تلك- يستخدم التصويت عن طريق البريد للإدلاء بصوته في ولاية فلوريدا المقيد اسمه فيها! وفي أحد المؤتمرات اقترح ترامب على أنصاره الجمهوريين أن يحاولوا اختبار إمكانية الاقتراع مرتين! وأثار هذا التصريح ردود فعل غاضبة، لأنه دعوى صريحة إلى التزوير والغش الذي يدعيهما على خصومه، ومحاولة منه هو للتلاعب بالنتيجة ستعرض من يطيعه ويجرب وينكشف أمره للمساءلة القانونية.

إضافة لذلك فمع بدء تقدم الناخبين بطلبات التصويت البريدي في الثالث من سبتمبر الماضي، حذرت وزارة العدل التابعة لإدارة ترامب الناخبين الأمريكيين من التصويت البريدي في الانتخابات الرئاسية، زاعمة أن دولًا وأطرافًا خارجية يمكنها التلاعب في نتيجة الانتخابات عن طريقه!

وتخوف ترامب وإدارته من التصويت البريدي يتعدى الديمقراطيين، فالتصويت عن طريق البريد غالبًا سيشجع الأمريكيين المهمشين من أصل أفريقي ولاتيني للتصويت، وهذه الفئات من الناخبين غالبًا تمتنع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية، ولكنهم هذه المرة سيكونون أكثر حرصًا على المشاركة والتصويت ضد ترامب لرفضهم موقف وتعامل إدارة ترامب مع أزمة مقتل جورج فلويد الأمريكي الأفريقي على يد الشرطة الصيف الماضي، ولنقمة الأمريكان اللاتينيين على ترامب بعد أزمة بناء السور على طول الحدود بين أمريكا والمكسيك.

 

إصلاح أم إفساد لخدمة البريد!

لم يمر رفض ترامب التمويل الإضافي لخدمة البريد مرور الكرام، وانتقده الديمقراطيون متهمين إياه بمحاولة منع الديمقراطيين من التصويت لمنافسه الديمقراطي جو بايدن، كما أبدوا تخوفهم من الإجراءات الجديدة التي استهدفت خدمة البريد الأمريكية.

وفي أغسطس الماضي، أقر مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون مشروع قانون لدعم خدمة البريد، بسبب تخوفهم من الإصلاحات –التي تضمنت خفض النفقات- التي بدأها رئيس هيئة البريد الأمريكي الجديد الجمهوري لويس ديجوي.

التخوف الرئيسي المطروح الآن هو أن احتمالية تأخر تسليم بطاقات اقتراع الناخبين عبر البريد تتزايد، مما سيجعل ملايين البطاقات لا تدخل في الفرز، ولا تدخل في عداد الأصوات الصحيحة المشاركة في الانتخابات؛ أي وكأنها لم تكن! ويبدو الأمر وكأن الألعوبان يريد أن يحول ذلك التصويت من سبب رئيسي في خسارته إلى أداة لفوزه!

 

التصويت المبكر بالحضور شخصيًا إلى مراكز الاقتراع

إن واقع الحال يقول إن نسبة كبيرة من الأمريكيين قد حسموا أمرهم بالتصويت ضد ترامب، وأغلبهم من الديمقراطيين والأمريكيين الملونين واللاتينيين. وبعض من هؤلاء قد قرروا اختيار بديل آمن من الإدلاء بأصواتهم في زحام موعد الانتخابات الرسمي في الثالث من نوفمبر القادم، فبدأوا بالإدلاء بأصواتهم في التصويت المبكر الذي بدأ في 13 أكتوبر الحالي، وقبل ثلاثة أسابيع من الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية، وذلك بالاقتراع شخصيًا في مراكز الاقتراع غير المزدحمة نسبيًا مقارنة بالمتوقع في يوم الانتخاب الرسمي. وقد بلغ تعدادهم في الأسبوع الأول من التصويت المبكر نحو 28 مليون مواطن، وهو ما ظهر من الطوابير الطويلة أمام اللجان، والتي ليس لها مثيل في أي تصويت مبكر في انتخابات رئاسية سابقة.

ويبدو أن هذه الأعداد الكبيرة من الأمريكيين الذين اختاروا التصويت المبكر في لجان الاقتراع رغم زحامها نسبيًا، تعكس تشكك هؤلاء المواطنين في وصول بطاقات اقتراعهم عبر البريد في وقت مناسب، ومع ذلك فقد تواصل طلب الناخبين الأمريكيين على بطاقات التصويت البريدي، والذي بدأ منذ الثالث من سبتمبر، وبلغت أعداد تلك الطلبات ملايين حتى اللحظة، حتى أن بعض الخبراء يعتقدون أن نصف الناخبين سيدلون بأصواتهم عبر البريد.

ويعترف الجمهوريون بأن نتيجة التصويت المبكر ستكون لصالح المرشح الديمقراطي، ولكنهم يعتزمون التوجه بأنفسهم إلى مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات الرسمي لتغيير النتيجة لصالح ترامب.

 

عقبات أخرى أمام التصويت البريدي

ومع وضوح اختيار ملايين من الناخبين الأمريكيين للتصويت البريدي رغم التخوفات من عدم وصول بطاقاتهم لعتبة الفرز، وعدم احتساب الأصوات، فهناك معوقات أخرى تقف أمام التصويت البريدي، تتمثل في آليات التصويت في الولايات المختلفة.

أغلب الولايات تشترط أن يطلب المواطن بطاقة الاقتراع الغيابي الخاصة به ولا تشترط السبب، ولكن بعضها تشترط عذرًا، فقوانين ولاية تكساس –على سبيل المثال- لا تسمح بالتصويت البريدي إلا في حال وجود عذر طبي، فإن لم يوجد فليس أمام الناخبين إلا الذهاب إلى مراكز الاقتراع. ويجب على الناخبين أن يطلبوا بطاقات اقتراعهم قبل 60 يومًا من موعد الانتخابات الرسمي. بالرغم من ذلك فهناك 10 ولايات أرسلت بطاقات الاقتراع الغيابي لجميع الناخبين، وقد فشل ترامب في منعها من ذلك.

وتدور منذ فترة معارك قضائية بين الجمهوريين وبعض الولايات في محاولة لتحديد الإطار الزمني القانوني لفرز البطاقات بعد إعادة الناخبين إرسالها إلى مراكز فرز الأصوات. ويمكن القول إن الجمهوريين قد نجحوا بالفعل في استصدار أحكام قضائية لتقييد التصويت عبر البريد، ومنع احتساب أصوات البطاقات التي تصل متأخرة، ووفقًا لمجلة Politico فقد تم تعطيل خطة لفرز الأصوات التي تصل متأخرة في ولايات ويسكونسن ونيوهامبشير وجورجيا.

In Wisconsin, federal judges halted a plan to count ballots received up to six days after Election Day. In New Hampshire, a lawsuit calling on the state to tally ballots arriving up to five days late was rejected. And in Georgia, an appeals court dropped a three-day deadline extension for ballots.

https://www.politico.com/news/2020/10/15/trump-restricting-mail-in-ballots-429545

فليس التخوف فقط من تأخر وصول البريد الحامل لأصوات أعداد مهولة من الناخبين إلى ما بعد انتهاء فرز الأصوات اليدوية، وانتهاء الإطار الزمني لاستقبال البطاقات، فإضافة إلى ذلك فإن اكتمال فرز جميع أصوات الناخبين المصوتين عبر البريد قد يستغرق أيامًا، وهو ما قد يؤدي للتأخر في إعلان النتائج في عدد من الولايات.

بل إنه بات في حكم المؤكد أن يضغط الديمقراطيون بعد يوم الانتخاب الرسمي لانتظار البطاقات المتأخرة في مكاتب البريد، بينما سيضغط ترامب وحزبه لاستبعاد تلك البطاقات المتأخرة، خاصة مع عدم وضع هيئة خدمة البريد الأمريكي لأختام بريدية يتبين منها موعد إرسال البطاقة ليتأكد أنه تم قبل يوم الانتخابات الرسمي، مما يمكن أن يشكل أساسًا للطعن في النتيجة المعلنة. علمًا بأن تقارب النتائج بين المرشحَين في العديد من الولايات سيجعل أهمية كبرى لهذه البطاقات المتأخرة في تحديد الفائز بينهما.

ويُخشى أن يستغل ترامب هذا اللغط لإعلان فوزه بناءً على نتائج الاقتراع الشخصي، وهي اللعبة التي يمكن أن تغير كثيرًا في هذا السباق الذي يصعب التكهن بنتائجه مع هذا الرئيس السيكوباتي المحتال.

 

خاتمة

هناك اتفاق بين استطلاعات الرأي على تفوق بايدن، وتُنبئ جميعها بخسارة ترامب، والسبب الرئيسي لنقمة الناخبين الأمريكيين عليه هو ملف جائحة كورونا، رغم أن كثيرين لا زالوا يثقون في قدرته على إدارة ملف الاقتصاد الأمريكي، وهو أكثر ما يعني الأمريكيين، وأما ملفات السياسة الخارجية وحقوق الإنسان، ومعاركه الفاشلة مع الصين وانسحابه من الاتفاقيات والمنظمات الدولية كاتفاقية باريس بشأن المناخ والاتفاق النووي الإيراني ومنظمة الصحة العالمية فكالعادة لا تشكل مثل هذه الملفات أهمية لأغلب الناخبين الأمريكيين.

مع ذلك، ومع تردي شعبية ترامب بسبب الوضع الداخلي، فقد جاءت محاولة أخيرة منه الجمعة 23 أكتوبر، لرفع أسهمه لدى الناخبين الأمريكيين، في محادثة عبر الهاتف بينه وبين رئيسي الوزراء السوداني والإسرائيلي وأمام عدسات الصحفيين بشأن سد النهضة الإثيوبي، محاولًا تصوير نفسه كقائد للعالم على الرغم من فشل جهود الوساطة الأمريكية بين مصر والسودان وإثيوبيا. وكأنه لم ينس لإثيوبيا تسببها في إخفاق الاتفاق الذي كان يعول على نجاحه، فبدا كأنه يحرض مصر على تحركات عسكرية نحوها، وبرر ذلك في حديثه بأن مصر لن تستطيع أن تعيش وفق هذه الظروف التي خلقتها إثيوبيا، وقد ينتهي الأمر بتفجيرها السد، ولا أحد يمكن أن يلوم مصر وقتها. وكان ترامب قد أعلن تعليق جزء من المساعدات المالية الأمريكية لإثيوبيا سبتمبر الماضي بعد التعنت الإثيوبي في المفاوضات.

هناك أيضًا تساؤلات مشروعة يتم طرحها منذ أُعلنت إصابة ترامب المفاجئة بفيرس كورونا المستجد ثم تعافيه المفاجئ بعد ثلاثة أيام منها، فكيف لرجل في هذا العمر مصاب بالبدانة أن يتعافى تمامًا بهذه السرعة! ويبدو الأمر لي أن الديمقراطيين يتشككون ويفتشون في هذا الأمر وفي أمور أخرى تتعلق بالرئيس، وهناك تلميحات بأن هناك شيئًا ما، وإن صدق الظن فربما ينتظرون تفجير قنبلة في الأيام القليلة الأخيرة قبل اليوم الرسمي للانتخابات لحسم النتيجة لصالح مرشحهم، فلا تبق لترامب فرصة للتلاعب بعقول الناخبين مرة أخرى.

إن الجو العام المحيط بانتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 أشبه ما يكون بجولة انتخابات الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 بين الفريق دكتور أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، حيث كان الرفض التام من د.مرسي لتقبل احتمالية خسارته للانتخابات رغم نتائج استطلاعات الرأي التي أشارت للتقارب بينه وبين د.شفيق، والإيحاء الدائم منه بأن هذه الخسارة إن حدثت ستكون عن تزوير لصالح شفيق، ثم شاهدناه وجماعته يسارعون بإعلان فوزه بليل قبل انتهاء عملية فرز الأصوات! وهذا المشهد الأخير لإعلان ترامب فوزه على بايدن قبل انتهاء فرز أصوات الناخبين –خاصة المصوتين عبر البريد- هو ما ينقص لمحاكاة المشهد المصري.

ولأن أمريكا ليست مصر، ولأنه من المنتظر أن تلعب نتائج التصويت عبر البريد دورًا أساسيًا في نتيجة السباق الانتخابي، وأن تشكل أيضًا سببًا رئيسيًا للطعن عليها، فمن المنتظر أيضًا أن يتم حسم النتيجة النهائية لهذه الانتخابات في محكمة العدل العليا الأمريكية، في مشهد يشبه ما حدث في انتخابات عام 2000 بين آل جور الديمقراطي وجورج بوش الابن الجمهوري. لكن، وكما احتاط ترامب للتصويت البريدي بتعيين رئيس جديد من أقرب أنصاره لخدمة البريد الأمريكية، فقد صادق مجلس الشيوخ الأمريكي –الذي يسيطر عليه الجمهوريون- وقبل أسبوع واحد من يوم الانتخابات الرسمي، على تعيين القاضية إيمي كوني باريت في المحكمة العليا، وجاءت المصادقة في المجلس بنتيجة 52: 48، بأصوات 52 عضوًا جمهوريًا، ومعارضة صوت جمهوري واحد وهي سوزان كولينز، ومعها 47 عضو ديمقراطي. والقاضية باريت هي مرشحة ترامب، والذي عبر عن سعادته بتعيينها، حتى أنه اعتبره يومًا تاريخيًا للولايات المتحدة –على حد وصفه-، بينما اعتبر بايدن تعيينها إساءة استخدام للسلطة.

فهل سينجح دونالد ترامب بعد كل هذه الألاعيب المكشوفة في الفوز بفترة رئاسة ثانية مثلما فعلها قبله جورج بوش الابن من عشرين سنة، أم أن الوضع الآن أعقد، والرفض له وصل إلى الجمهوريين، الذين قامت جماعة منهم مؤخرًا تُعرف بـ "مشروع لينكولن" بوضع دعايات مناهضة لترامب في الوول ستريت! وإن نجح أو أعلن بنفسه نجاحه قبل اكتمال الفرز مثلما فعلها مرسي منذ ثمان سنوات، فهل سيطعن بايدن وهل ستنتصر المحكمة العليا لقيم الديمقراطية أم ستتحول الانتخابات الأمريكية لانتخابات صورية كالتي تُجري في دول العالم الثالث؟