الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

295-نظرية القهوة باللبن في وراثة لون البشرة!

 

نظرية القهوة باللبن في وراثة لون البشرة!

د. منى زيتون

السبت 10 سبتمبر 2022

على المثقف، الخميس 15 سبتمبر 2022

https://www.almothaqaf.com/qadaya/965073

 

يُنسب للشيخ الرئيس ابن سينا مقولة "الفطانة البتراء أضر على صاحبها من الجهل"؛ ذلك أن الجاهل تمامًا ربما يصمت فيريح البلاد والعباد، لكن من يظن في نفسه العلم بشيء هو في حقيقة الأمر يجهله، أو ربما لديه فقط معلومات قشورية عنه، فإنه قد يتكلم فيسيء إلى نفسه وإلى الآخرين.

وما دفعني لكتابة هذا المقال أنه ترامى إلى سمعي كلام متهافت وصل حد الخوض في الأعراض والتشكيك في الأنساب، حدث من بعض المراهقين ممن تتوقف معلوماتهم عن علم الوراثة حد ما درسوه في كتاب "العلوم" بالصف الثالث الثانوي، وكان ضحيتهم أحد مشاهير المجتمع المصري من ذوي البشرة السمراء، والذي أنجب طفلًا أبيض البشرة من زوجته بيضاء البشرة، وهو ما لا يتفق ونظرية خلط القهوة باللبن في علم الوراثة التي يعتقد فيها هؤلاء المراهقين، شأنهم شأن أغلب العوام!

ما هو سبب تلون بشرة الجلد؟

مبدئيًا فإن تصبغ بشرة الجلد ينتج عن إفراز الخلايا الصباغية في البشرة صبغ الميلانين، ولأن الميلانين يختلف نوعاه (يوميلانين &  فيوميلانين)، وتختلف كميته المفرزة من فرد لآخر، ويختلف حجم وتوزيع الأجسام الصباغية، فإن درجة تصبغ لون الجلد تختلف بين البشر.

وتوجد علاقة واضحة بين أشعة الشمس وتصبغ البشرة. وعلى وجه الدقة فإن علاقة درجة تصبغ بشرة الجلد بأشعة الشمس هي علاقة تأثير وتأثر؛ فقدرة الأشعة فوق البنفسجية على اختراق خلايا بشرة الجلد تتأثر سلبًا بزيادة درجة تصبغ الجلد، كما يستشعر البشر أثر التعرض لأشعة الشمس الحارقة، فنراه في زيادة تلون البشرة.

وعمومًا فإنه كلما اقتربنا من خط الاستواء كانت كميات الأشعة فوق البنفسجية في الجو أكبر وزادت درجة تصبغ الجلد والتي تسهم في حماية الجلد من تلك الأشعة، بينما كلما اقتربنا من القطبين وقلت كميات وتأثيرات الأشعة فوق البنفسجية لا يحتاج الجلد لتكوين صبغ الميلانين، فيكون لون جلد سكان هذه المناطق فاتح بوجه عام.

وعليه فقدرة خلايا بشرة جلد الإنسان على إفراز صبغة الميلانين، وهو ما يسبب اسمرار البشرة، تمثل خط الحماية الأول للجلد من أثر أشعة الشمس ‏الضارة، كون الميلانين يمتص أشعة الشمس، بينما كلما قل إفراز صبغ الميلانين في خلايا البشرة سهلت اختراق أشعة الشمس للجلد، ومن ثم زاد تكون فيتامين د. ولأن النساء البالغات بحاجة إلى تكون فيتامين د للمساعدة على زيادة امتصاص الكالسيوم الذي ينتقل للأطفال من الأمهات أثناء الحمل فإن متوسط درجة تصبغ لون البشرة في النساء يكون أقل مقارنة بالرجال في التجمع السكاني ذاته.

ولدي صديقة بشرتها تكاد لا تكون الميلانين مهما تعرضت لأشعة الشمس الحارقة، فهي تحمر وتلتهب فقط. وهذا خطر للغاية، لأن البشرة الحساسة التي تفشل في إفراز صبغة الميلانين لحماية الجلد من أثر أشعة الشمس الضارة تكون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الجلد، بينما من المؤكد أن البشرة الفاتحة التي لا تفرز الميلانين أكثر قدرة على تكوين فيتامين د.

وتغير لون الجلد بتأثير البيئة لا يقتصر على الإنسان، فالحرباء على سبيل المثال قادرة على تغيير لون جلدها في ثوانٍ معدودات لتتوافق مع لون البيئة، وهناك تجارب أجريت على نوع من الأسماك يُعرف بسمك الغوبي له بقع على جلده تمت تربيته في أحواض تحتوي حصى بأحجام مختلفة، ووُجد أن أعداد ومساحات البقع على جلد السمك يتغير بتغير البيئة.

لكن صفة لون البشرة في الإنسان ليست صفة بيئية وحسب مثلما هو الحال في الحرباء، بل تلعب الوراثة الدور الأكبر فيها، وإن كان هذا الدور يبدو غامضًا في كثير من الحالات!

ووفقًا لعوامل الوراثة والبيئة مجتمعين، ينتج تباين واسع في لون الجلد بين البشر، إذ يمكن القول إن هناك ما يسمى بطيف لون الجلد.

التباين الواسع لأثر الوراثة في صفة لون البشرة

تنتقل الصفات الوراثية في الأنواع الحية من الأم والأب إلى أبنائهما عبر ما يُسمى بالجينات، حيث يحصل الإنسان على نصف جيناته التي تحمل معلوماته الوراثية من أمه، ويحصل على نصفها الآخر من أبيه. ولا يعني هذا أن الإنسان يرث الصفات الظاهرة على آبائه فقط، فقد يحمل الأبوان صفات على جيناتهما من الأجداد ولا تظهر عليهما كونها متنحية، ويمكن أن تنتقل منهما إلى الأحفاد وتظهر عليهم.

والتصور المنتشر عن وراثة لون الجلد في الإنسان أنها تحكمها جينات تراكمية (متعددة الجينات)، مسئولة عن إفراز صبغ الميلانين، في عملية تُعرف بتوليف الميلانين؛ فالجينات السائدة تفرز الميلانين بنسبة كبيرة، بينما الجينات المتنحية تفرزه بنسبة بسيطة، وعدد ما ورثه الإنسان منها يُفترض أن يحدد درجة لون بشرته، والأمر وفقًا لهذا التصور أشبه بمن يمسك كوبين أحدهما يحتوي مغلي القهوة والآخر يحتوي اللبن الحليب، وبمقدار النسبة التي توضع من كل منهما يتشكل لون المزيج. وهذا تصور شديد التبسيط.

إذ ينبغي التأكيد على عدة أمور؛ أولها أن الجينات العديدة التي تحكم وراثة لون بشرة الإنسان ذات سيادة (هيمنة) غير كاملة، وثانيها أن كل جين منها له أليلات كثيرة (أشكال بديلة من الجين)، علمًا بأن الجينوم الإنساني تتضمن شفرته أكثر من ثلاثة مليار رمز، أغلبها مناطق تنظيمية، ومن ثم فإنه توجد عوامل عديدة تحدد نوع وكمية وتوزيع الميلانين في البشرة، وكثير منها لم يُكتشف حتى اليوم، وإن لم يكن لدى العلماء شك في وجودها.

وكما أن تأثير البيئة الواحدة يتفاوت على بشرة فردين، فكذلك الحال بالنسبة لأثر الجينات التراكمية؛ أي أنه يمكن أن يكون التركيب الجيني للجينات المسئولة عن لون البشرة واحدًا لدى فردين، ولكن درجة لون بشرتيهما يختلف بدرجة كبيرة، فالفرق هنا يرجع إلى عوامل وراثية أخرى تتحكم في التعبير الجيني؛ أي تتحكم في نوع وكمية الصبغ الذي تفرزه الخلايا وتوزيعه، بغض النظر عن تركيب الجينات التراكمية، ونسبة الأليلات السائدة من بينها.

ومنذ منتصف القرن العشرين والعلماء يعكفون على دراسة العوامل المؤثرة في التثبيط والتنشيط الجيني، وهي العوامل التي تجعل جينًا يتوقف عن التعبير الجيني رغم أن تركيبه لا زال كما هو لم يتغير، والعكس عند تنشيط الجينات. وسبق أن شرحت بعض نتائج هذه الدراسات في سلسلة مقالات "علم فوق الوراثة".

اضطرابات تصبغ الجلد

ومما يزيد حيرة العلماء عن وراثة لون البشرة في الإنسان الحالات العديدة لاضطرابات تصبغ لون البشرة في الإنسان الواحد!

بعض الناس يولدون ببشرة غير موحدة اللون، فهناك مناطق من أجسامهم تفرز خلاياها صبغ الميلانين بدرجة أكثر من باقي الجسم، وليس لهذا علاقة بالتعرض لأشعة الشمس، بل توجد هذه المناطق –التي تُعرف غالبًا بالوحمات- في أجسامهم منذ الميلاد.

وأغلبنا يعرف مرض البهاق أو البهق، وهو مرض غير معدٍ يصيب بعض البشر، يؤثر على جمال البشرة، لأن لونها لا يكون موحدًا، بسبب أن بعض مناطق منها تفقد خلاياها القدرة على تكوين صبغ الميلانين، فتكون بيضاء، بينما باقي البشرة ملونة، ولا يُعلم على وجه الدقة السبب في ذلك.

وهذا الاضطراب في تصبغ الجلد وإن كان غير شائع في البشر إلا أنه شائع في أنواع حية أخرى، فكثيرًا ما نرى خيولًا ممتزجة اللون، وقد توجد مناطق بيضاء في بشرتها ومناطق أخرى ملونة بلون وربما لونين! وفي النمور والحُمر الوحشية توجد مناطق فاتحة وأخرى غامقة من الجلد متجاورة تشكل المناطق الغامقة منها الخطوط المميزة على الجلد.

وبعض الناس تتكتل لديهم الخلايا الصباغية التي تنتج الميلانين، ولا تتوزع بشكل متساوٍ في الجلد، فيؤدي ذلك لتكون النمش، بينما تكون البشرة فاتحة اللون.

استحالة التنبؤ بلون البشرة في الأزواج المختلطة

وبعد هذه المقدمة الطويلة أختم بكلمة آمل أن تصحح المفاهيم المغلوطة لدى بعض الناس عن وراثة لون البشرة في الإنسان، وهي أنه أمر ملحوظ للعلماء منذ سنوات بعيدة أن ناتج تزاوج فردين متباينين في صفة لون بشرة الجلد لا يتماشى بشكل مثالي مع نسب خلط الجينات التراكمية السائدة والمتنحية المفترضة، بل وكثيرًا ما يرث الطفل لون أحد أبويه دون الآخر، وكأن الجينات السائدة التي يُفترض أن تُفرز الميلانين -التي ورثها من أحد الوالدين- مُعطَّلة، فيُولد ببشرة بيضاء تمامًا! أو كأن الجينات المتنحية التي يفترض أنه ورثها من أحد الأبوين هي التي عُطلت، ولا أثر لها في تفتيح بشرته نوعًا!

ولعل هذا ملحوظًا لكثير منا من خلال ملاحظة ألوان بشرة معارفنا. عائلة أعرفها تزوجت الجدة بيضاء البشرة -ومن أبوين من ذوي البشرة البيضاء- من شخص ذي بشرة داكنة، وأنجبت منه ابنة، ورثت الابنة جمال أمها ودرجة بشرة أبيها، ثم تزوجت هذه الابنة ذات لون البشرة الداكن من رجل أبيض أشقر الشعر وعينه ذات لون بني فاتح، فأنجبا ولدًا وبنتًا نسخة من أبيهما في لون البشرة والشعر والعين، ثم أنجبا ولدًا يشبه أمه تمامًا وله درجة بشرتها. فسبحان الخالق المصور.

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

294-الذكورة والأنوثة البيولوجية والنفسية

 

الذكورة والأنوثة البيولوجية والنفسية

د. منى زيتون

الجمعة 2 سبتمبر 2022

وعلى المثقف، السبت 3 سبتمبر 2022

https://www.almothaqaf.com/qadaya/964834

 

لأننا في عصر يشيع فيه استخدام مصطلحات الذكورة والأنوثة النفسية، كما صار يشيع الحديث عما يُسمى بالنوع الثالث! ثم إنني لاحظت أن أغلب الناس لا يفهمون المقصود بهذه المصطلحات، ويكثرون الخلط بينها، رأيت أنه يلزم الإيضاح.

الذكورة والأنوثة البيولوجية

مبدئيًا ووفقًا للمبادئ الأولية في علم الأحياء، فنوع gender الإنسان يتحدد عن طريق كروموسوماته الجنسية منذ لحظة الإخصاب، إلى ذكر أو أنثى.

فإن كانت المادة الوراثية التي يحملها الإنسان في خلاياه تحتوي كروموسومين جنسيين متماثلين XX فالنوع البيولوجي أنثى.

وإن كانت المادة الوراثية التي يحملها الإنسان في خلاياه تحتوي كروموسومين جنسيين ‏مختلفين XY فالنوع البيولوجي ذكر.

ولا يوجد إنسان على ظهر الأرض تحتوي بعض خلاياه كروموسومين جنسيين متماثلين XX وبعضها كروموسومين متباينين XY ، وعليه فلا يوجد علميًا ما يُسمى بالنوع الثالث.

وحتى من يولدون بكروموسوم جنسي وحيد X، وهي الحالة الطبية المعروفة بمتلازمة تيرنر Turner syndrome، فإنهم ينمون بحيث يصبحن إناثًا، رغم عدم نمو جهاز تناسلي أنثوي مكتمل لهن.

لكن لا بد أن نعي أن جسم الإنسان الطبيعي (ذكرًا كان أم أنثى) يفرز كلا النوعين من الهرمونات (الذكرية والأنثوية).

والمفترض أن يتفق إفراز الغدد في الجسم ومحدده البيولوجي الكروموسومي ليكون نمو الجسم ومظهره سويًا؛ بمعنى أن تكون الهيمنة للهرمونات الذكرية في جسم الذكر الذي تحمل خلاياه كروموسومات جنسية XY، وأن تكون الهيمنة للهرمونات الأنثوية في جسم الأنثى الذي تحمل خلاياه كروموسومات XX.

وأي خلل في التناسب السليم بين الهرمونات وفقًا للمحدد الكروموسومي للنوع ينشأ عنه خلل في الجسم وظهور مظاهر جنسية ثانوية للنوع الآخر؛ كحدوث التثدي لدى بعض الرجال، أو زيادة سماكة شعر الجسم لدى بعض النساء.

وبعض حالات الخلل الهرموني يحدث بسبب تلقي أدوية أثناء الحمل.

والخلل الهرموني بوجه عام يمكن علاجه، ولا يعني بأي حال من الأحوال أن هناك ما يمكن أن يُسمى بالنوع الثالث!

ولكن إن كان الخلل الهرموني وأي عيب جسماني نتيجة له يمكن إصلاحه، فما يتعذر إصلاحه هو إحساس الفرد بهوية جنسية خاطئة، والتي يبدأ تشكلها عن طريق التربية في الأسرة منذ الصغر.

الذكورة والأنوثة النفسية

نأتي لـ مصطلح الذكورة والأنوثة النفسية؛ فهناك صفات نفسية تكون أكثر شيوعًا لدى الرجال، وصفات نفسية مقابلة تكون أكثر شيوعًا في النساء، أو فلنقل أنه هكذا يُفترض أن يكون الحال.

فالاهتمام بالنفس يقابله الاهتمام بالآخرين، والمنافسة تقابل التعاون، والشدة تقابل الرحمة، والحزم والثبات يقابل المرونة، والشجاعة والإقدام تقابل الخجل، واستخدام المنطق والتحليل يقابل الحدس.

وعلماء النفس يعدون الاستقلالية المادية والمعنوية صفة ذكورية، بينما يعتبرون الاعتمادية صفة أنثوية، ولكن هذا لا يعني أن كل الرجال استقلاليون وأن جميع النساء اعتماديات!

وفي عصرنا زادت أعداد النساء المستقلات؛ ربما كرد فعل طبيعي لتزايد أعداد الرجال الاعتماديين! وهذا ملحوظ وظاهر للعيان، فمن المنطقي أن تضطلع المرأة بمسئولية نفسها تمامًا عندما لا تجد رجلًا يُعتمد عليه، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك.

وكما أن جسم الإنسان الطبيعي يفرز كلا مجموعتي الهرمونات الجنسية، ولكن الفرق في التناسب بينهما، فلا يوجد إنسان على ظهر الأرض يتصف بصفات ذكورية فقط أو صفات أنثوية فقط، أيًا كان نوعه البيولوجي؛ فالذكر الطبيعي تتصف شخصيته بمزيج من الصفات الذكورية والصفات الأنثوية، وكذلك الأنثى الطبيعية.

ولكن –وعلى العكس من الهرمونات- فوجود هيمنة شديدة متطرفة للصفات الذكورية أو الأنثوية في الشخصية ليس علامة على الشخصية السوية!

الإنسان السوي نفسيًا لا بد أن يوازن بين الصفات النفسية الذكورية والأنثوية في شخصيته. وهذا التوازن لا علاقة له بما يُشاع عن خشونة المرأة وتخليها عن أنوثتها ولا عن ضعف بعض الرجال في عصرنا.

فكونك ذكرًا لا يعني ألا تعرف التعاطف والحنان وإظهار الود تجاه من تحب، وكونك امرأة لا يعني أن تتعاطفي حتى مع مجرم يتم القصاص منه! أو أن تكوني حنونة لدرجة إفساد أبنائك!

ولعل أقرب حكمة عربية يمكن أن تُقال في هذا الصدد لكل إنسان: "لا تكن قاسيًا فتُكسر، ولا لينًا فتُعصر".

والملاحظ أن الرجل غير المتوازن نفسيًا، والذي تكون صفات شخصيته ذكورية شديدة التطرف يكون لئيمًا في التعامل مع المرأة، ولا يحترم الأنثى ولا الصفات الأنثوية مطلقًا.

تباين صفات الشخصية وفقًا للعوامل الاجتماعية

من خلال خبراتي الميدانية رصدت حالات كثيرة لأشخاص تكاد تختلف صفات شخصيتهم التي تسمهم في حياتهم المهنية اختلافًا كليًا عن الصفات التي يظهرونها كسمات في حياتهم الشخصية.

فيمكن أن نجد رجلًا شديد الصرامة وربما القسوة في حياته المهنية، وهو على النقيض من ذلك زوج وأب حنون، وقد يدلل أبناءه دلالًا مفسدًا. ويظهر هذا التباين أيضًا لدى النساء الناجحات مهنيًا.

ويمكن القول إن هذا التباين في تفعيل الصفات النفسية بحسب مواقف التفاعل الاجتماعي يظهر لدى نسبة كبيرة من البشر، ولكن درجته هي التي تختلف، فأغلب البشر يعتقدون أن تفعيل الصفات النفسية الذكورية يؤدي إلى النجاح المهني، بينما يكون تفعيل الصفات النفسية الأنثوية سببًا رئيسيًا للنجاح في الحياة الشخصية؛ فالرجل أيضًا بحاجة إلى تفعيل الصفات النفسية الأنثوية في علاقاته الشخصية بدرجة ما.

والمرأة التي تُفعِّل الصفات النفسية الذكورية بقوة في علاقتها الشخصية، تدفع الرجل دون وعي منه بأن يُفعِّل صفاته النفسية الأنثوية ربما إلى درجة الهيمنة، فيتعامل معها كطفل مع أمه –خاصة إن كان قد تربى على الاعتمادية-، فيلقي على زوجته جميع أعباء ومهام الأسرة، وعندها تشعر المرأة بعدم التوازن النفسي، وتبدأ في الشكوى والتذمر، وقد يصل الأمر إلى الطلاق. والحل أن تلزميه بلطف أن يكون رجلًا، وألا تسمحي بحدوث تبادل تام في الأدوار الاجتماعية.

وبوجه عام فإن من لا يستطيع خلق التوازن النفسي بين صفات الذكورة والأنوثة، ومعرفة متى تظهر كل صفة، وتجنب الهيمنة الدائمة لإحدى المجموعتين من الصفات، لا ينجحون في الحياة، وتكون لديهم دومًا مشاكل في التواصل الاجتماعي، وصعوبة في تحقيق أهدافهم المهنية أو الشخصية، وأحيانًا كليهما!

لكن الأكثر تعقيدًا أن بعض الصفات النفسية الذكورية قد تعاكس السلوك وفقًا للدور الاجتماعي الذكري! من ذلك أن ارتفاع الإحساس بالأنا (الايجو EGO) هو صفة ذكورية، وغالبًا ما تتسبب في ضعف سلوك المبادرة نحو الأنثى، وهو سلوك ذكري!

وقد رأيت حالات واضحة لذكور، بقدر النجاح الذي يحرزونه في تمثل الدور الذكري في الحياة المهنية، يكون لديهم فشل واضح في القيام بمتطلبات الدور الذكري في الحياة الشخصية، فيفشلون فيها لافتقادهم القدرة على المبادرة بسبب ارتفاع الايجو EGO، فيمكن أن تعجبه فتاة ويخشى التقدم لها حتى تتزوج بآخر!