الجمعة، 13 مارس 2020

225-وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ

وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ...... نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

د. منى زيتون

مُستل من كتابي "تأملات في كتاب الله"

وعلى المثقف ضمن مقال مطول، الجمعة 17 سبتمبر 2021

https://www.almothaqaf.com/a/b6/958267

 

ولنا وقفة مع الملك النبي الذي شهد الله له شهادتين عظيمتين إحداهما لم يشهد مثلها لغيره، وأعطاه عطيتين عظيمتين إحداهما لم ولن يُعطَ مثلها غيره.

أعطاه مُلكًا لم ولن يُعطاه غيره، بعدما دعا دعوة راغب إلى ربه ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ ‏[ص: 35]. وهل حاز بشر مُلْكًا كالذي أعطي لسليمان بن داود!

وأعطاه من الحكمة ما شهد الله له بها أنه كان أفهم من أبيه. يقول تعالى: ‏﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ ‏[الأنبياء: 79].

وأما الشهادتان، فالشهادة الأولى له في قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102]. وما شهد الله سبحانه لبشر بالبراءة من الكفر غيره.

وفي الميثولوجيا القديمة يصورون سليمان بأنه ملك العُصي الذي يجلس على كرسي عرشه ممسكًا عصا، وفي يده خاتم فصه من عقيق اليمن، وإلى زمن قريب كان العقلاء يقولون: زينة الرجل عصا من خشب زيتون الشام وخاتم من عقيق اليمن. وعند المؤمنين فالعصا وفقًا للطبائع الأربعة ترمز إلى النار، وتمثل الروح في البدن، فهي رمز القوة الحقيقية، يمسكها الرجل حين يُسِن ليتوكأ عليها ويستقوي بها، ومن المأثور أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه عصا، فتوارثها الأنبياء بعده، وخاتم العقيق طاقة حكمة، والأنبياء يمسكون العُصي ويتختمون بالعقيق، ومنهم موسى عليه السلام ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن كان لديه صبي طائش ختّمه بالعقيق.

ولن أستفيض في شرح ما تقوَّله على سليمان بعض من الكهنة الفجرة من بني إسرائيل الذين نبذوا التوراة وراء ظهورهم –بل وما زالوا يتقولونه عليه إلى يومنا هذا- من أن ملكه كان سحرًا يختطه تحت كرسيه، وقالوا عن العصا إنها رمز السحر، ولا زال الساحر إلى يومنا هذا يمسك بالعصا ويشير بها ليوهم الرائي أنه قد صار ما يريد، وقالوا في الخاتم إن فيه ملكه يفرك فصه فتأتمر الجن بأمره، ولا زال بعض الجهلة يرددون هذا القول نقلًا عنهم فيقولون عمن أوتي من الله الكثير: كأنه أُعطي خاتم سليمان! وقد روى الإمام الطبري في تفسيره آية السحر في سورة البقرة "لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نُزِّل عليه من الله سليمان بن داود وعدَّه فيمن عدَّه من المرسلين، قال من كان بالمدينة من يهود: ألا تعجبون لمحمد صلى الله عليه وسلم يزعم أن سليمان بن داود كان نبيًا! والله ما كان إلا ساحرًا!".

وأما الشهادة الثانية لسليمان من الله، ففي قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 30]. فهذا النبي الملك الحكيم كان على عظم فضل الله عليه ‏﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾.

وقد شابه أباه، يقول تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا. ولا يفر إذا لاقى".

ولكن لم يشهد الله لعبد غير سليمان أنه نعم العبد سوى عبده الصابر أيوب؛ فكأن من استحقا وصف الله لهما بأنهما ‏﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ هما الشكور والصبور.

لم ينس سليمان فضل الله ونعمته عليه فشكر ولم يبطر، وغيره قد يغتر بمعشار معشار ما أُعطيه، بل كان من دعائه عليه السلام: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19]. ولأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]، وسليمان شكور ومبرأ من الكفر –الكفر بالله وكفر النعمة- فقد استحق أن أعطاه الله الملك العظيم الذي رغب فيه من ربه، كما استحق أيوب أن يزيده فوق شفائه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 43].

ومن المنظور التربوي فإن التعزيز المتفاوت على السلوك الإيجابي أفضل وأضمن لاستمرار هذا السلوك من التعزيز الدائم، فتكون الحكمة من ابتلاء الله لعباده أن النعمة الدائمة قد تولد البطر، ولذا كان الشكر والصبر من جهة العباد مؤذنين بالمعافاة من البلاء ودوام وزيادة النعمة.

والشكر هو بداية التعرف على الله، فالعرفان هو العرفان بالجميل وهو العرفان بالله. ويبدأ العرفان بالله بحمده وشكره على كل حال، وبعدم إلف النعمة حتى لا يعود العبد يستشعر أنها نعمة، ‏ووقتها يشعر العبد أن الله حاضر معه. ‏يراه في كل نعمة أنعم بها عليه.‏ وقد جاء في تفسير ابن كثير عن قوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ فقال داود: يا رب، كيف أشكرك، والشكر نعمة منك؟ قال: "الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني".

وهنا نُذِّكر بأن كفر النعمة ونقص أداء حق الشكر عليها هو عيب الأغنياء، ولكن الكفر الحقيقي قرين الفقر، وما استعاذ رسول الله من الكفر إلا وقرنه بالاستعاذة من الفقر.

وأخيرًا فإن هذا الذي كان نعم العبد مع ربه هو ذاته مُذِل شياطين الجن، ومؤدب من يستحق الأدب من البشر،‏ ﴿‏فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: 14]. والذي تقولوا عليه بعد موته كثيرًا من شدة وطأة ما نالهم منه. ولعلها من الأعاجيب أن هذا الحكيم يجد من ينتقص من عقله، وفوق ذلك يكفره! ولكنه حسد الخلق، وكل ذي نعمة محسود، وتعدد النعم يثير الحقد والحسد ربما أكثر من قدر وافر من نعمة واحدة، فما بالنا وسليمان عليه السلام أكثر بشر اجتمع له تعدد النعم مع وفرتها.

الجمعة، 6 مارس 2020

224- اتفاقيات المخذولين! (عن نظام السيسي واتفاق سد النهضة)


اتفاقيات المخذولين!
(عن نظام السيسي واتفاق سد النهضة)
د/ منى زيتون
الخميس 5 مارس 2020
منشور الجمعة 6 مارس 2020

مسافرٌ زاده الخيال *** والسحر والعطر والظلالُ
ظمآن والكأس فى يديه *** والحب والفن والجمالُ
شابت على أرضه الليالي *** وضيّعت عمرها الجبالُ
ولم يزل ينشدُ الديارَ *** ويسأل الليل والنهارَ
من منا لم يسمع قصيدة محمود حسن إسماعيل العصماء "النهر الخالد" على أنغام وبصوت عبد الوهاب؟
هذا النهر الخالد اسمه ببساطة "نهر النيل"، والذي ارتبط بأرض مصر منذ فجر التاريخ، عندما قال هيرودوت قولته الخالدة: مصر هبة النيل، وزادت قدسيته منذ الفتح الإسلامي لعد الرسول له كنهر من أنهار الجنة. وكان العرب يسمونه "نيل أهل مصر"، بل إن الأجزاء منه الموجودة في السودان وإثيوبيا لم تُعرف باسم النيل في العصور القديمة، ولم يُعرف أنها منه إلا بعد رحلات استكشاف منبعه في القرون الأخيرة.
والمسافر الذي طالما كان زاده الخيال، وطالما امتدت رحلته وطالت ناشدًا ديار مصر، يبدو أن هناك من يريدون تقصير الرحلة ومنعه من العبور إلى الأرض التي أراد الله أن تكون مستقره، لتُقام أول حضارة عامرة عرفها الإنسان على ضفافه.
ورغم أن قضية إنشاء سد الألفية الكبير أو ما يُعرف بسد النهضة قضية قديمة نسبيًا؛ بدأت منذ سنوات، فإنني لم أكتب عنها إلا لمامًا، حتى بعد أن استبدلت اتفاقية تقسيم مياه النيل لعام 2015 باتفاقية 1902، ولم أناقش ما يحدث من منظور سياسي أو أمني أو اقتصادي لعدم خبرتي الكافية، واكتفيت بإظهار القلق والقرف مما يحدث لنا من مهانة متكررة وانتهاك لحقوقنا في الملفات كافة التي تفاوض عليها نظام السيسي، ولكني اليوم أجد أن لدي شيئًا أقوله يعد إضافة للمشهد؛ ذلك أن طرحي في هذا المقال ليس سياسيًا بل هو بالأساس من منظور نفسي.
وبدايةً، فالمنطق الذي طرحه النظام الإثيوبي قائم على أن إثيوبيا هي دولة المنبع، والتي تسقط عليها الأمطار الموسمية التي تغذي النهر، ومن ثم فالماء لها ومن حقها احتجاز ما يلزمها منه، والأمر أشبه بمن يسكن في الطابق الأول من بناية ويظن أن من حقه قطع إمدادات الكهرباء أو وصلة الغاز أو ما شابه عن باقي السكان في الطوابق التي تليه! وهو منطق غبي، والأغبى منه السكوت عليه! فالنهر –أي نهر- ليس منبعًا فقط، وطالما له مجرى ومصب طبيعي لم يتدخل في تحويل الماء إليهما بشر، فإن للدول التي يمر بها النهر الحق فيه، وهي لا تتسول الماء من دولة المنبع، وقطع المسار الطبيعي للنهر هو اعتداء عليها وليس حق لدولة المنبع كما أراد الإثيوبيون أن يصوروا الأمر، ولكن المشكلة الحقيقية كانت في المفاوض المصري.

المفاوض الذكي والمفاوض الغبي!
عندما يختصم طرفان، ويكون الحق في جانب أحدهما تمامًا وعلى الآخر، فالصورة النمطية المتعارف عليها عندما يجلس هذان الطرفان في مجلس يُعقد بغرض محاولة الإصلاح والتوفيق بينهما أن يدخل صاحب الحق نافخًا أوداجه رافعًا أنفه في إشارة إلى أنه جاء ليسمع ما سيُقال ليقرر بعدها إن كان سيقبل بالصلح ويتمم الاتفاق أو لا.
ثم إنه بعد أن يسمع ما طُرح يبدأ في التفاوض ويحرص على الاشتراط لنفسه ليضمن حقوقه.
والذكي من يفعل هذا حتى وإن كانت موازين القوى ليست في صالحه، مستغلًا أن الحق معه، وللحق هيبة فطرها الله في نفوس البشر.
أما الغبي الضعيف فنراه –وإن كان صاحب الحق- يجلس في مجلس الصلح مبتسمًا ابتسامة بلهاء منذ اللحظة الأولى، كاشفًا عن نيته في الصلح على لا شيء! فلا شروط يضعها لضمان عدم الجور عليه، وربما بدأ هو بالحديث طلبًا للصلح والاتفاق! وهذا المشهد وحده كفيل بأن يظن العقلاء ممن لا يعرفون تفاصيل المشكلة أن الحق عليه وليس معه، أو أنه أضعف من أن يتحمل مسئولية المطالبة بحقه.
وإذا حاول أحد الناصحين تنبيهه إلى أن الاتفاق غير المشروط على هذا النحو يعني حتمًا أنه لم ينل ولو جزءًا صغيرًا من حقه، وأن الظلم في حقه سيبقى ويتجدد، فقد يتفلسف محاولًا إظهار جانب من ذكائه النادر بطلب تعهد عام ممن ظلمه بعدم تجدد المشاكل! وربما طلب منه أن يُقسم على ألا يتسبب له في أذى! وكيف للأذى ألا يطالك، وللمشاكل ألا تجد رافدًا لها، وأنت لم تتفق على الشروط التي تقف حائلًا أمام تجددها؟!
هذه النوعية الأخيرة من البشر تؤثر السلام النفسي للدرجة التي تغري الأعداء وتضيع الحقوق؛ حقوقهم وحقوق كل المسئولين منهم؛ فإن جلس أحدهم في مجلس تفاوض أو صلح نيابة عن طرف –شخصًا أو هيئة أو دولة- فالمُحقَق والمؤكد أن حقوق هذا الطرف قد ضاعت، وأي عاقل يشهد ما يحدث ربما يظن هذا المخبول خائنًا لمن أمّنه على مصالحه.
وقد ابتلانا الله بنظام ساذج ينتمي رجاله إلى هذه النوعية؛ فلا يهتمون سوى براحة البال وتحقيق المصالح العاجلة مضحين بالآجلة، ومستهينين بكل التبعات التي يمكن أن تنشأ وتترتب على ما يوقعونه من اتفاقيات.
إنهم فئة ضعيفة مخذولة من البشر لا تميز أن الإنسان يمكن أن يكون مسالمًا وقويًا، وأن السلام المتحقق عن طريق القوة هو الأبقى والأكثر إراحة للنفس.
ودائمًا وأبدًا أجد سمة مشتركة في كل من يفتقدون مهارة التفاوض؛ ألا وهي أن تقديرهم لمن لديهم درجة مرتفعة منها يكون منخفضًا، بينما يكون تقديرهم لأنفسهم فيها شديد الارتفاع!

الحلول الممكنة
ولأن السكين التي يمكن أن يتم ذبحنا بها في أي لحظة قد أُعطيت لأعدائنا، فأملنا كمصريين معقود على رب العالمين؛ خاصة والإثيوبيون والسودانيون يصرون على أن يتحدثوا عن النيل كما لو كانوا هم من يسمحون له بأن يجري إلى مصر! وهو أمر عظيم موجب لاستحقاق العقاب الإلهي ونجاة أرضنا الطيبة مما يريده لها المتألهون الذين يتناسون أن رب النيل هو من أجراه دومًا وسيظل يجريه.
وعلميًا فإن الزلازل يمكن أن تحدث بسبب السدود، لأن جسم السد مع سعته من المياه يشكلان ثقلًا على طبقات الأرض، وهذا كفيل بأن يحرك الألواح التكتونية في قشرة الأرض، ويحدث الزلازل، وقد يؤدي هذا بدوره إلى انهيار السد وحدوث فيضان مدمر، وهو ما لا نتمناه لأحد رغم أنه –إن حدث- سيكون حلًا جذريًا للمشكلة.
وكي لا نبقى متواكلين، فعلينا أن نقوم بما يلزمنا لتحجيم الأزمة، ولعل ألف باء علم النفس السياسي في هذه الحالات هو ضرورة خلق تجمع ضاغط، بالبحث في الأسباب التي قد تقنع غيرك من الدول أنها هي الأخرى ستتضرر؛ فإن بحثنا في تأثيرات انخفاض حصتنا من مياه النيل لوجدنا أن دول حوض البحر المتوسط هي أول من يلزمنا اللجوء إليها للمساعدة والضغط، قبل العرب وقبل الدول الإفريقية.
ولا يخفى على كثيرين منا أن البحر المتوسط يعتبر أكبر بحيرة شبه مغلقة على مستوى العالم، وبالرغم من ذلك فنسبة ملوحته أقل من بحار وبحيرات كثيرة، والسبب الرئيسي هو مليارات الأمتار المكعبة اللي تأتيه سنويًا مع فيضان النيل، وحجز إثيوبيا المياه خلف سد النهضة لملء البحيرة الصناعية خلفه في ثلاث سنوات، ثم الإصرار على تقليل حصة مصر السنوية من المياه بعد ذلك، لن يقلل منسوب ماء النيل ويضر ويصحر الأراضي الزراعية في مصر فقط، بل سيقلل كميات المياه العذبة التي تصب في البحر المتوسط إلى أدنى مستوى لها، مع كون هذا التغيير دائم، فالأمر ليس سنوات عجاف وستمر ليعود الحال إلى سابقه، وتغيير بيئي بهذا الحجم ستكون له تأثيرات كبيرة، أوضحها أنه ولا شك سيرفع درجة ملوحة البحر المتوسط، خاصة مع زيادة التبخر الموجود في الجزء الشرقي منه، ما سيؤدي غالبًا لتغير الفونة الحيوانية فيه.
وأرى أحد التوجهات الدبلوماسية الممكنة الآن بتحويل الوجهة إلى دول البحر المتوسط ولفتهم إلى وجود أخطار بيئية عليهم من السد، وخلق تجمع ضاغط منهم على إثيوبيا لزيادة عدد سنوات ملء السد لتقليل الأضرار الناتجة على بيئة البحر المتوسط، ويمكن كذلك الاستعانة بالهيئات العالمية المهتمة بقضايا البيئة مثل أفاز وغيرها لعمل عريضة وتوقيع الملايين عليها حول العالم، للضغط على الحكومة الإثيوبية.
ويوجد لدينا متخصصون أكفاء، ويمكن أن يمدوا الدبلوماسية المصرية بمعلومات وبيانات في شتى مجالات وفروع المعرفة لتستخدمها في ملف سد النهضة، ولكنه نظام لا يعي ولا يقدر قيمة العلم.