الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

218-لماذا كان السحر كفرًا؟!


لماذا كان السحر كفرًا؟!
د/ منى زيتون

الأربعاء 20 نوفمبر 2019

منشور على المثقف، الخميس 21 نوفمبر 2019

https://www.almothaqaf.com/aqlam2019/941410


في المحاورة الشهيرة بين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمين الوحي جبريل عليه السلام عُلّمنا أن الإيمان أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن نؤمن بالقدر خيره وشره.
وفي آية السحر ومُلك سليمان في سورة البقرة قضى الله تعالى بالكفر على شياطين الإنس الذين يخالطون ويُسخِّرون شياطين الجن، ويتعاملون بالسحر وينسبونه زورًا إلى نبي الله سليمان. يقول تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ  وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة: 102]. وفي حديث السبع الموبقات المهلكات جاء السحر مباشرة بعد الشرك بالله، فكأنه لا عمل أبشع بعد جحد الخالق والإشراك به إلا السحر!
ولأنني لمست من خلال نقاشات كثيرة وقصص لمشكلات اجتماعية عُرضت علي تساهلًا كبيرًا وعدم إدراك حقيقي لخطورة السحر لدى طبقات مختلفة من المجتمع المصري والعربي بوجه عام، وبعضها لا يُفترض منطقيًا أن ينتشر فيه مثل هذا، وأن بعض الناس لا يرون فيه بأسًا إن تم لغرض يعتبرونه خيرًا بزعمهم، فالأمر بحاجة لتوضيح، فلماذا كان السحر كفرًا باتفاق علماء المسلمين؟ ولماذا ورد النص الصريح فيه؟
بدايةً يمكنني أن أُعرِّف السحر على أنه استعانة شياطين الإنس من السحرة بشياطين الجن لأجل إضرار الناس وإلحاق الأذى بهم، وليس أكثر من توهمات وتخييلات تؤثر في إدراك الإنسان فتجعله يرى الأمور على غير حقيقتها.
ورغم أن أشكال الطاقة السلبية التي تصدر عن السيئين من البشر وتؤثر سلبًا على غيرهم تتنوع إلا أن السحر يختص عن غيره بأن فيه سعيًا واضحًا مقصودًا نحو الأذى وليس مجرد لحظة ضعف إنساني كالحسد والعين ربما تمت دون وعي من الإنسان ضعيف الإيمان.
إن أغلب أنواع السحر التي نسمع عنها ويعاني منها البشر تكون بغرض إلحاق ضرر وأذى واضحين ووقف حال المسحور إما عن الزواج أو عن العمل أو لإفقاره أو لتشويه الجمال، وأبشع أنواعه هو سحر التفريق بين الزوجين، وهو لبشاعته كان النوع الذي أشار إليه تعالى في آية السحرة ومُلك سليمان، وكل ما سبق ذكره من أنواع لا يصدر إلا عن نفوس حاقدة حاسدة ضعف أثر الخير والإيمان فيها، وهي تسعى جاهدة وربما تجدد سعيها مرارًا لأجل إلحاق هذا الأذى بمن توجهت إليه نيتهم؛ لهذا كانت بشاعته وحرمته واضحة ولا حاجة إلى مزيد من لفت النظر إليه فلا يغفل عن سوئه عاقل.
ولكن يشيع بين بعض النساء عديمات العقول ما يُسمى بسحر المحبة أو سحر الجلب يطلبن من السحرة المشعوذين القيام به غير معتقدات في حرمته، لأن الغرض منه أن تحظى بمحبة فلان فيتزوجها، أو تضمن بقاء زوجها إلى جانبها ولها وحدها وعدم التفاته لغيرها، وبعضهن إن سمعت أو أحست من زوجها رغبة في الزواج عليها سارعت بالقيام بما يسمينه سحر التعطيل، لمنعه من الزواج من الأخرى، وربما سحرته سحرًا عامًا لضمان تعطيله مستقبلًا وعدم إتمام أي مشروع زواج آخر له، رغم علمها أن سحر التعطيل العام هذا يوقف أحوال المُعطّل بوجه عام، فلا يكاد يتم له أمر في زواج أو في غيره، ويؤدي لتدهور الأحوال عامة، وربما وصل الخير بابه فانتكس عنه فجأة وبلا سبب! ولا يقتصر أمر سحر التعطيل للمنع من الزواج على الزوجات فبعض الأمهات والأخوات والقرابات من النساء يقمن به، وتقدم عليه السحّارة، مدعية اضطرارها إليه لأن فيه الخير والمصلحة! ولو دققنا لرأينا أن الخير والمصلحة المقصودين هما خير السحّارة ومصلحتها هي، ولا شأن لها بتضرر أي شخص عداها.
ولا يقل خبلًا عمن يأتي المشعوذين لعمل السحر من يأتيهم بقصد إبطال ما يتصور أنه قد عُقد ورُبط وعُطِّل له من أمره، فالنوع الأخير من الناس لا يكاد يختلف عن صاحبات سحر التعطيل أو الجلب شيئًا، فهو يأتي محرمًا ظنًا أن قصد الخير –كما يراه- رافعٌ للحُرمة! بينما سبيله الآمن والشرعي متاح إلى دفع الشر عن نفسه سواء الواقع بسبب أسحار البشر أو قدر إلهي، وكما قال ساداتنا العارفون إنه لا يدفع السوء أكثر من الدعاء وقراءة القرآن وإخراج الصدقة.
ولا يحتاج الإنسان إلى شيخ ليقرأ له القرآن ويدعو له بزوال كل ضر مسّه، فالآيات القرآنية التي تُقرأ لإبطال أي سحر يُشك في إصابة الإنسان به تكاد تكون معلومة للجميع، وكذلك آيات الرُقية الشرعية، وبإمكان كل إنسان قراءتها بنفسه لنفسه، إلا أن كثيرين يحبذون أن يقرأها لهم غيرهم، خاصة إن كان من الصالحين، وهم لا يرون في ذلك شركًا بل يتبركون بدعاء الآخرين لهم لما نُسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا أنه قال: "ادعوا الله بلسان لم تعصوا الله به". وفي رواية أبي داود "أَرْجَى الدُّعَاء دُعَاء الْأَخ للْأَخ بِظهْر الْغَيْب". فإن كان هذا الغرض، وهم يضمنون أن الأمر لا يعدو قراءة القرآن من بعض المشايخ، فرغم عدم وجود ضرورة له فإنه لا ضير فيه لأنه يختلف كليًا عن إتيان السحرة والمشعوذين.
والآن وصلنا إلى النقطة المحورية الأهم والتي أعتقد أن عدم إدراكها هو سبب شيوع إتيان السحرة في هذا الزمان. إن سبب حرمة السحر أنه وإن لم يكن كفرًا بالله ولا ملائكته ولا بأي من كتبه أو رسله أو باليوم الآخر فهو كفر بالقدر خيره وشره، هو محاولة تلاعب بأقدار الله تعالى وتغيير لها. ورغم كون هذا التغيير لن يتم في نهاية المطاف إلا بإذن الله تعالى ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فإذن الله به لا ينفي مسئولية من قام به ومن سعى إليه عنه؛ لأن الله تعالى خلقنا مخيرين وحسابنا عليه في نهاية الرحلة لننال بعده جزاءنا.
ومصدر خطورة السحر على إيمان المرء أنه تطاول صارخ وتخطٍ لحدود العبودية التي لا يجوز لأي منا تخطيها، إنه محاولة ممن يقومون بالسحر لتغيير خطة القدر الإلهية تطاولًا منهم على الله سبحانه ودون اللجوء والتضرع إليه.
لهذا كان الدعاء مخ الإيمان والسحر في المقابل رأس الكفر؛ لأن الدعاء تضرع وابتهال إلى القادر سبحانه وطلب منه أن يدفع البلاء ويجلب الخير، وليس فيه تخطٍ لمقام العبودية أمام الخالق، لكن السحر تخطٍ لمقامه تعالى؛ وكأن من يقوم به يتبجح على خالقه بأنني سأفعل في كونك ما شئت وفقًا لإرادتي أنا، وسأغير القدر ليكون ما أتمنى! لن أتذلل ولن أتضرع كأي عبد أمام سيده بل سأفعل ما أريد! وهل هناك فعل يوجب الهلاك على صاحبه أكثر من هذا؟!