السبت، 14 يوليو 2018

155-دلالات قبلات الروسيات للمراسلين المصريين!


دلالات قبلات الروسيات للمراسلين المصريين!
تحولات مفهوم الرجولة والدور الاجتماعي لدى الرجال
د/منى زيتون
السبت 14 يوليو 2018

نحن الآن على شفا الانتهاء من مباريات كأس العالم 2018، والتي أُقيمت في روسيا. وكباحثة في المجال النفسي والاجتماعي فمن المؤكد أن ما استوقفني لأكتب عنه في المونديال ليس مستوى الفرق أو نتائج المباريات، ولكن بعض الحوادث التي صاحبته والتي رأيت لها علاقة واضحة بظاهرة اجتماعية رصدتها منذ فترة في حالات كثيرة من الشباب المصري إلى الدرجة التي لا يصلح عدّها حالات فردية، بل هي ظاهرة اجتماعية مرضية، تدل على تشوه مفاهيمي حاد، ولا بد من وقفة مجتمعية معها.
حدث غير مرة، وأثناء البث المباشر الذي يقوم به أي من المراسلين المصريين أن قامت شابة روسية جميلة باقتحام موقع التصوير والقيام بتقبيل المراسل المصري الذي لا تُقاوم جاذبيته على الهواء مباشرة!
كانت هذه هي الصورة الظاهرة التي تم نقلها عبر الفضائيات، ليتكشف بعدها أن الفتيات تم استئجارهن ليقمن بهذا العمل، وإقناعهن أن هذا يزيد نسبة المشاهدة للقناة، بينما الحقيقة أن المراسل الشاب يريد أن يظهر أمام أصدقائه وأقاربه في مصر في صورة الدُون جوان مذيب قلوب الفاتنات.
لكن، هؤلاء المراسلين ليسوا حالات فريدة. إنهم فقط عينة من الشباب المصري الذي تشوه مفهوم الرجولة لدى كثيرين منهم، وتشوه معه فهمهم لمتطلبات الدور الاجتماعي الذكري، وهو ما نلمسه في عدد من الظواهر الاجتماعية؛ أهمها زيادة نسب التحرش الجنسي في مصر، وفي عدم الرغبة في المبادرة المحترمة نحو الأنثى، وفي إدعاء علاقات وهمية مع فتيات ربما لا تذكرن أسماءهم من الأساس!

الاتصال
الاتصال كما يعرفه قاموس علم الاجتماع هو انتقال المعلومات أو الأفكار أو الاتجاهات أو العواطف من شخص أو جماعة إلى شخص أو جماعة أخرى من خلال الرموز.
ولأن أي سلوك نفعله مع الآخرين يتضمن بالضرورة اتصالًا بهم فلعملية الاتصال أهميتها البالغة في حياة الأفراد، وكلما تفهم الفرد هذه العملية حقق اتصالًا فعالًا مع غيره من البشر، وكان أكثر نجاحًا في حياته.
ويختلف الاتصال بين الناس لأسباب عديدة أولها طبيعة المشاركين في عملية الاتصال، فقد يكون طرفا عملية الاتصال فردين، أيًا كانت طبيعة العلاقة بينهما، وهو الاتصال الشائع الذي يفهمه الناس، لكن قد يكون المُرسل فردًا والمُستقبل جمهورًا، كحال البائع أو المذيع التليفزيوني. وربما ما يجعل أغلب الناس لا تدرك كون هذه الحالة اتصالًا أن الجمهور ليس معروفًا للفرد، فهو لا يُخاطب كل منهم بشكل مستقل. وقد يكون المشاركون في الاتصال منظمتين أو دولتين تتواصلان لأجل تسوية قضية ما.
ويمكن القول أن الاتصال كعملية اجتماعية تحدث في مستويات أدناها اتصال الفرد بذاته، وهو أساس وعي الفرد بذاته، وقدرته على اتخاذ قرارات حكيمة تؤثر في حياته تأثيرات إيجابية، وأعلاها اتصال المؤسسات بالجماهير أو بغيرها من المؤسسات والجماعات، وبينهما يأتي أكثر مستويات الاتصال شيوعًا وهو مستوى اتصال أفراد المجتمع بعضهم ببعض.

دينامية الاتصال أساس نجاحه
الاتصال هو عملية دينامية متغيرة، تشكل الأساس لكل تفاعل اجتماعي بين الأفراد والجماعات، سواء تم قصديًا أو بشكل غير قصدي. لكننا نعتني بالاتصال المقصود وليس العرضي؛ بمعنى أن البشر عمومًا لا يعتنون بالمواقف التي لم يكن لتواصل الطرف الآخر معهم فيها غرض أو نية واضحة، وتمت عرضيًا. الاعتناء فقط يكون عند وجود رسالة حملتها عملية الاتصال بين المرسل والمستقبل؛ سواء كانت لفظية أو غير لفظية.
وهذا التفاعل الذي يحدث عن طريق الاتصال حتمي، فالاتصال عملية حتمية، ومهما بلغت رغبة الإنسان في الانعزال ورغبته في تجنب الاتصال مع غيره من الأفراد والجماعات يستحيل أن ينجح في ذلك كليًا.
ولأنه دائمًا هناك دورين رئيسيين في عملية الاتصال؛ المرسل والمستقبل، ويتم من خلال الاتصال تبادل الرسائل بينهما، من خلال محتواها الرمزي (اللفظي وغير اللفظي)، فمن المفترض غالبًا أن يتبادل المرسل والمستقبل دوريهما. ومن خلال تبادل الأدوار والرسائل تنشأ أرضيات مشتركة تؤسس العلاقات الاجتماعية.
فمما يميز الاتصال الفعال ديناميته وتفاعليته؛ فهو دومًا ثنائي الاتجاه، يحدث به تفاعل اجتماعي حقيقي بين المرسل والمستقبل؛ حيث يتلقى فيه المرسل تغذية مرتدة لمحتوى رسالته من المستقبل. بينما يوجد نوع آخر من الاتصال الأقل فاعلية يكون أحادي الاتجاه، يرسل فيه المرسل الرسالة للمستقبل، الذي يقتصر دوره على تلقيها دون مشاركة أو إبداء رأي. قد نرى هذا النوع من التواصل أحادي الاتجاه في الفصول الدراسية التقليدية أو في العلاقة بين وسائل الإعلام والجماهير، أو في العلاقة بين أنظمة الحكم الشمولية المستبدة والجماهير؛ حيث لا يعبأ الحاكم بمعرفة رأي الشعب.

اتصال أحادي الاتجاه في العلاقات الشخصية!
الأغرب أن نجد هذا النوع من الاتصال أحادي الاتجاه في العلاقات الشخصية لأفراد المجتمع، ويحدث عندما يرفض أحد الطرفين التجاوب إطلاقًا مع الطرف الآخر للعلاقة، ويُعجب بدور المستقبل فيتقمصه، ولا يعبأ بحتمية تبادل الأدوار وضرورة المبادرة في إرسال رسائل من جانبه للطرف الآخر، فما بالنا أن دوره الاجتماعي يُحتم عليه أن يكون هو الطرف المرسل!
وهنا نكون قد وصلنا إلى مربط الفرس، فهذا تحديدًا هو التحول المفاهيمي الذي حدث لعينة أزعم انها ليست بالقليلة من الشباب المصري. هؤلاء الشباب ليست بُغيتهم كما كانت بُغية جيل آبائهم وأجدادهم تكوين علاقة ثنائية الاتجاه تقوم على تبادل المشاعر مع المرأة، ويبدأون هم بالمبادرة فيها، وإنما صار مُبتغى أحدهم أن يشعر بالاهتمام من جانب المرأة وأن ينتظر مبادرتها هي نحوه! وهؤلاء الصنف العاجز اجتماعيًا، ويقابل هؤلاء صنف آخر يريد أن يباهي بتعدد علاقاته، ولأن غالبيتهم العظمى يفتقدون الجاذبية التي قد تشد النساء إليهم، فلا مانع من الكذب والتحايل، وإدعاء علاقات وهمية لا أساس لها، وما مراسلي المونديال منا ببعيد.
بالنسبة للصنف الأول؛ منذ فترة وأنا ألاحظ أن نسبة كبيرة جدًا من الرجال حاليًا يتحرجون تمامًا من فكرة المبادرة نحو الأنثى، رغم أن هذا جزءًا مهمًا جدًا من الدور الاجتماعي الذكري في الحياة! بل إن كثيرًا من الحالات التي درستها باستطاعة الواحد منهم أن يعبر عن مشاعره نحو الفتاة التي يحبها أمام بعض خاصة أصدقائه، ولكنه يبقى أمامها لا يعبر، وينتظره منها! وهذا دور سلبي تمامًا من جانبهم في العلاقات، فكأنهم يريدون من المرأة أن تبادلهم الدور الاجتماعي وتتولى المبادرة!
أحدهم كتب مرة على صفحته –حيث هي لا ترى ما يكتب- (اشتقنا لهم ولم يأتوا)؟!!! هل الشوق تمثل في سلوك واضح بالنسبة للأنثى أم شعور داخل الرجل لم تجد هي له أثرًا؟! ثم يرى أنه كان يلزمها بعده أن تأتي إليه!! ثم يقرر أن يتركها لأنها لم تأتِ!! وبدلًا من هذا اللف والدوران الذي لن يثمر شيئًا، أليس أفضل له أن يعترف أنه عاجز عن التعبير عن مشاعره، وأن يتخلص من هذا العجز ويقرر القيام بمتطلبات الدور الاجتماعي الذكري في الحياة.
بحثت كثيرًا عن سبب الإشكالية. تكاد تُجمع الدراسات العلمية على أن الرجال مقارنة بالنساء أضعف في الحساسية الانفعالية في مختلف الأعمار، ربما كان هذا يُسهم في تشكك الرجل في مشاعر المرأة ويخوفه من المبادرة، لكن العامل الأهم يكمن فيما يخص الحساسية اللفظية؛ حيث يكون كلا الجنسين حساسين لفظيًا حتى فترة المراهقة، ثم تقل حساسية أغلب الذكور. فلو اعتبرنا أن نسبة من أولئك الفاشلين في المبادرة من الذكور في المجتمع المصري في مرحلة النضج لا زالت الحساسية اللفظية عندهم مرتفعة، لدرجة خشية المبادرة في العلاقات الشخصية حتى مع تأكدهم من مشاعر الأنثى! فماذا عن أولئك المباهين بعلاقات قد تكون كثير منها وهمية؟! وهؤلاء هم الصنف الثاني.
الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها أنه كما أن ارتفاع الحساسية اللفظية قد يكون عاملًا مؤثرًا في عدم القدرة على المبادرة، خاصة مع ضعف المستوى الاجتماعي والاقتصادي لمعظم الشباب في المجتمع، والذي يؤثر سلبًا على الثقة بالنفس، فإن هناك عاملًا آخر لا يقل أهمية، وهو أن نسبة لا بأس بها من الشباب المصري صار يرى الرجولة في (العنتلة) ورغبة النساء فيه! وهذا تشوه لمفهوم الرجولة، وشكل من أشكال الشذوذ النفسي لأن من يفعل هذا يلعب الدور الاجتماعي الأنثوي في العلاقات الشخصية. ينتظر مبادرتها، ولا ينقصه إلا أن ينتظر خطبتها له!
عزيزي الشاب، سواء أعجبك الوصف أم لا فهذه هي الحقيقة، فللدور الاجتماعي الذكري متطلباته، وللرجولة كمفهوم أوصاف ليس منها ما ينطبق على ذلك السلوك الاجتماعي الغريب الذي يصدر عنك!

أهمية الاتصال
تشكل العلاقة بين طرفي عملية الاتصال وأدوارهما الاجتماعية بالنسبة لبعضهما البعض عاملًا هامًا في تحديد طبيعتها، ونتيجتها؛ فالعلاقات السيئة القائمة بين المرسل والمستقبل تنتهي إلى اتصال خاطئ أو تحدث فشلًا في إجراء الاتصال، بينما العلاقات الإيجابية بينهما قادرة على تعديل عملية الاتصال بحيث يكون ناجحًا.
ويمكن القول أنه كي يصل الإنسان إلى النجاح في الحياة لا بد أن يسعى إلى فهم الآخرين، وإلى أن يصبح مفهومًا بالنسبة لهم. وبقدر وضوح معنى الرسالة الذي قصده الطرف المرسل في ذهن الطرف المستقبل يكون الاتصال فعالًا، لكن للأسف فإن الرسالة كما تُرسل ليست بالضرورة هي الرسالة كما تُستقبل، وهذه القاعدة على بساطتها تُفسر سبب تعقد عملية التواصل بين البشر. وأغلب الأشخاص غير الناجحين في علاقاتهم –خاصة الشخصية- يغفلون تمامًا عن فهم الآثار السلبية لسلوكياتهم على تفاعلهم الاجتماعي، ويعيشون حالة إنكار وإلقاء لوم على الطرف الآخر بشكل دائم.