الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

206-لغة الجسد ودورها في عملية التواصل


لغة الجسد ودورها في عملية التواصل
د/ منى زيتون
أحد مقالات كتابي "مهارات التواصل"
منشور الثلاثاء 20 أغسطس 2019
يُقصد بلغة الجسد Body Language الرسائل الاجتماعية غير اللفظية التي يرسلها ويستقبلها الأشخاص باستخدام حركات الجسد المختلفة.
تشمل لغة الجسد مجموعة متنوعة من السلوكيات غير اللفظية، وهي اللمس Touch، والتوجه الجسدي Body orientation، والجِلسة Posture، وإشارات الأيدي Hand gestures، وإيماءات الرأس Head nods.
وتعتبر هذه الحركات من أكثر السلوكيات غير اللفظية التي تتفاعل مع الكلمات لتوصيل الرسائل الاجتماعية، فقليلًا ما تُستخدم بشكل مستقل مثل رفع الكتفين مع تعبيرية وجه تشير إلى الاستهجان. وأحيانًا تكون هذه الحركات أقرب للعالمية، لكنها في الغالب تتأثر باختلاف الثقافات.

تصنيف الحركات الجسمية
يصنف ديسموند موريس (Desmond Morris,1977) الحركات التي يؤديها الشخص بجسمه بناءً على طريقة تعلمها واكتسابها إلى خمسة أنواع:
-الحركات الفطرية Inborn actions
وهي تلك الحركات التي يؤديها الفرد دون حاجة للتعلم، وبإمكاننا التعرف على هذه الأفعال بملاحظتها؛ حيث إنها تؤدى عبر الثقافات في العالم، ويؤديها أشخاص لم تتح لهم الفرصة ليتعلموها، والأمثلة الأشهر لمثل هذه الحركات الابتسام Smiling  والعبوس Frowning  والبكاء Crying.
وبالرغم من كون هذه الحركات فطرية إلا أنه ينبغي ألا نغفل تأثير العوامل الثقافية عليها، ففي بعض الثقافات يذرف الدمع في هدوء، بينما في ثقافات أخرى يحدث نشيج (بكاء وتنهد بأنفاس سريعة).
-الحركات المكتشفة Discovered actions
هي تلك الحركات التي تحدث بتكرار عظيم عبر ثقافات عديدة، لأنه من السهل اكتشافها بالنسبة للبشر، مثل تشابك (عقد) الأذرع بوضع معاكس، وكذلك وضع إحدى الأرجل على الأخرى أثناء الجلوس، ولسهولة هذه الحركات وشيوعها عبر الكثير من الثقافات فإنه يصعب أحيانًا التمييز بينها وبين الحركات الفطرية.
-الحركات المتعلمة بالمحاكاة (المُقلدة) Absorbed actions
هذه الحركات يتم تعلمها من الآخرين مبدئيًا من الآباء والمعلمين-، وهي متميزة ثقافيًا، ولكنها ليست بالضرورة إجبارية ثقافيًا، ومن أمثلتها الحركات الجسمية التي تعكس أنماط أدوار الذكورة أو الأنوثة، وإن كانت لا تعكس الأنماط التقليدية لتلك الأدوار، ولكنها تنتقل دائمًا من الأشخاص ذوي التأثير القوي إلى غيرهم ممن لا يمتلكون هذا التأثير.
-الحركات المكتسبة بالتدريب Trained actions
هي حركات يتم تعلمها والتدرب عليها بشكل متتابع، وهي تتضمن أغلب المهارات الحركية، ومن أمثلة هذه الحركات الوثب والانزلاق ورقص الباليه وتنظيف الأسنان بالفرشاة، ومثل هذه الحركات تأخذ وقتًا أطول للتعلم.
-الحركات الخليطة Mixed actions
هي حركات تنشأ من امتزاج النوعين السابقين، أي إنها حركات يتدرب الفرد على أدائها وفي الوقت ذاته يمتصها عن طريق المحاكاة، وتحدث عندما يكون الفرد عضوًا في جماعة خاصة، كحال الأطفال الذين يتربون في السيرك.

ويندرج تحت لغة الجسدBody Language  كل من الأنماط السلوكية غير اللفظية الآتية:
أ-اللمسTouch
أظهرت الدراسات العلمية أن التلامس بين شخصين يؤدي إلى إفراز الأوكسيتوسين Oxytocin (هرمون الحب والثقة)، والذي يُعتبر أحد العناصر الرئيسية في كيمياء الحب في أجسام الكائنات الحية، وهو ناقل عصبي هام للغاية في تكوين الذاكرة الاجتماعية، وتحسين تصور الفرد عن ذاته في المواقف الاجتماعية، ويؤدي إلى نجاح التواصل الاجتماعي للشخص.
زيادة إفراز هذا الهرمون تزيد من الاستقرار النفسي والاسترخاء وثقة الفرد في الآخرين، وتؤدي كذلك إلى التأثير على مشاعر الآخرين! وفي العلاقات الزوجية، تشير الدراسات إلى أن ارتفاع نسبته لدى الزوجين يزيد الترابط بينهما ويرفع قدرتهما على الحوار والتفاهم حتى في أعقد المواضيع التي يمكن أن تسبب الجدل بينهما. وهناك دراسات تبحث في تأثير نقص هذا الهرمون على حدوث اضطرابات نفسية ومشاكل اجتماعية وربما مرض الرُهاب الاجتماعي.
وتعتبر المصافحة باليد أكثر درجات التلامس الشائعة عالميًا، ويمكن من خلالها توصيل رسائل كثيرة. هناك من يلامس بالكاد يد من يصافحه، وهناك من يصافح ويسحب يده بسهولة، وهناك من يضغط بقوة، وهناك من يكاد يعتصر اليد، وهناك من يهزها بشدة، وكل من تلك الطرق يختلف في المعنى، ويتفاوت تقبله باختلاف الثقافات. وربما يضع شخص يده اليسرى أيضًا فوق يد من يصافحه فتبدو يد من يصافحه وكأنها معتقلة بين كلتا يديه! وتشتهر تلك المصافحة بين السياسيين، ولا تحبذ على الإطلاق. وهناك من يقوي المصافحة بوضع يده اليسرى بجوار مرفق يد الآخر التي يصافح بها، وهذا أفضل كثيرًا من اعتقال كف يد من تصافحه بين كلتا يديك.
في بعض الثقافات أيضًا ينتشر التقبيل كطريقة للتحية، ويعتبر العِناق أقوى درجات التلامس، ويحدث بين الأقارب والأصدقاء والأحباب؛ حيث يواجه كلا طرفي التواصل بعضهما، مع الميل للأمام، وفتح الأذرع، في تعبير عن أقصى درجات الارتياح والسعادة والثقة. وعلى العكس منه تمامًا تأتي الاستدارة بعيدًا عن الشخص الذي لا نشعر نحوه بالارتياح بأن نعطيه ظهرنا.
وترتبط درجة التلامس المقبولة وغير المقبولة بالمسافات الشخصية (الحيز الشخصي المقبول)، والذي سنُفصِّل فيه لاحقًا. هناك ثقافات تتسع فيها هذه المسافات، وثقافات يزيد التقارب وتقل المسافات التي يقف فيها الناس على مبعدة من بعضهم. علماء الانثروبولوجيا يميزون بين بعض الثقافات التي يُستخدم فيها التلامسContact cultures  مثل شمال أفريقيا، والثقافات التي لا يحدث فيها التلامس Non-contact cultures  مثل أوروبا والهند وشمال أمريكا. إضافة إلى ذلك فإن تتابع اللمس يبدو أنه يقع تحت تأثير الثقافة بوضوح، وقد يختلف وفقًا للثقافات المحلية الضيقة. في دراسة أجراها Jourad  عن عدد مرات اللمس التي يقوم بها فردين أثناء حديثهما في أحد المقاهي وجد اختلافًا شاسعًا من مدينة لأخرى حول العالم، فبينما وصل هذا المعدل للشريكين إلى 110 مرة في الساعة في باريس، لم يلمس أي من الشريكين الآخر على الإطلاق في لندن!
كما توجد فروق واسعة بين الأفراد وبين الجنسين في تقبل اللمس. وتعتمد الكيفية التي تتم بها ترجمة اللمس على السياق وطبيعة العلاقة بين المتفاعلين، على سبيل المثال فإنه في العلاقات غير الشخصية يتم تجنب اللمس من أجل تجنب التلميحات الجنسية.

ب- التوجه الجسدي Body orientation 
يعتبر توجه جسم الشخص ووضعه وشكل وقفته أثناء الحوار عاملًا هامًا في قراءة الرسائل الاجتماعية الصادرة عنه؛ ولا تقتصر الرسائل التي يبعث بها توجه الجسد على تفاعل الشخص مع غيره من الناس، بل يرسل به الشخص رسائل عن نفسه؛ فالشخص الذي يمشي مرفوع القامة يعطي علامة على ثقته بنفسه، على عكس من يمشي موجهًا نظره إلى الأرض. كذلك تؤثر سرعة الخطو على إرسال رسالة بالثقة والحزم، وعكسها بطء الخطوات. وإن كانت الفروق بين الأفراد لا تقتصر على التعبير الانفعالي، بل تتعداها إلى الحساسية والتفسير، فهناك من يرى في التوسط في مستوى رفع الرأس وفي سرعة الخطوات تواضعًا، ويأخذون عنه انطباعًا إيجابيًا.
نحن نعبر دائمًا عن الرضا والانبساط برفع أجزاء من جسمنا لأعلى، والعكس صحيح. رفع إصبع إبهامك لأعلى يعني موافقتك، ورفع رأسك هو دليل على الارتياح والثقة، وكذلك إن راقبت أصابع قدميك ستجد أنها ترتفع تلقائيًا عندما تكون راضيًا عن شيء تفعله أو في مزاج معتدل.
مظهر الكتفين تحديدًا يعطي انطباعًا قويًا عن الإنسان؛ الكتفان المفرودتان علامة على الثقة والسيطرة، بينما الكتفان المرفوعتان لأعلى يشيران إلى الشك والاضطراب، وأحيانًا يكون إحناء الكتفين مع التوجه للأمام رغبة في إظهار القوة وإخافة الطرف الآخر في الحوار.
وهز الكتفين معًا إشارة تكاد تكون عالمية للامبالاة، ولنفي المعرفة بالأمر الذي يتم السؤال عنه، وتصاحبها كثيرًا حركة راحتي الكفين المنفتحتين للأمام. ويكون الشخص صادقًا في إدعاء عدم معرفته بما يُسأل عنه، لكن هز كتف واحدة للنفي قد يعني أن الشخص خبيث ويعرف حقيقة الأمر الذي يُنكر معرفته به.
أما إلقاء الذراعين لأسفل مع تدلي الكتفين فعلامة سخط واضحة، يمكن تقويتها بإمالة الرأس إلى الخلف ودوران العين وعدم استقرارهما، ويمكن أن تصاحب بأصوات تنهد.
وضم الذراعين متعاكسين إلى الصدر أو إشارة الاحتضان تعبر عن حب وتقدير الشخص أو الأشخاص الذين تُصدر ذلك التعبير لهم. وهو تعبير ينتشر بشكل واسع في الثقافات الآسيوية، وانتقل منها إلى غيرها.
وتشبيك اليدين خلف الظهر بحيث لا يمكن السلام بهما، هو تعبير عن الانعزال عن الآخرين بفوقية. كانت هذه وقفة الملوك في أوروبا في عصور ماضية أثناء مرور العامة، ولا زال يستخدمها رؤساء العمل عند مرورهم بين مكاتب واستراحات موظفيهم لمراقبة الأوضاع، وكذلك يستخدمها أساتذة الجامعة عند السير في قاعات الامتحانات. هذه الوضعية المنسحبة لليدين تفهم الأقل مرتبة أنه لا سبيل للتودد مطلقًا. وأحيانًا يكون هذا التشبيك تعبيرًا عن الرغبة في الانعزال، لانشغال الفكر بأمر ما.
أما وضع الذراعين أو أحدهما على الخصر بقوة أثناء الوقوف، بحيث يكون الإبهام إلى الخلف، فهو إشارة إلى القوة والسيطرة، وربما عبّر أيضًا عن الغضب والتحدي، والنساء من المستويات الدُنيا في الثقافة المصرية يستخدمن هذا التعبير غالبًا باستخدام ذراع واحدة عند إظهار التحدي للرجال أو لغيرهن من النساء، وغالبًا يكون مصحوبًا بالتحديق وهز الرأس والجذع مع إمالتهما جهة الذراع المستخدم. أما الرجال ففي حال استخدام ذلك التعبير يتم وضع كلا الذراعين على الخصر، وبدون هز الرأس والجذع، لكن مع تعبيرات وجه صارمة.
كذلك فإن الوقوف أمام منضدة أو مكتب مع وضع أطراف أصابع الكفين بقوة عليه، مباعدًا بينهما، هي حركة لا يقوم بها إلا رئيس العمل، أو الأب في المنزل، أو شخص يريد بسط نفوذه، ولديه ثقة تامة فيما سيقوله من كلمات وتعليمات وهو على هذا الوضع. وإذا صاحب ذلك ميل الجذع إلى الأمام فهي وإضافة إلى الثقة والسيطرة تحمل إشارة تهديد لمن يتلقى التعليمات في حال خالفها.
ورفع الذراعين لأعلى مع قبض الكفين هي علامة شهيرة على الانتصار، وهي أقوي من رسم حرف V بالإصبعين السبابة والوسطى. نراها كثيرًا بين السياسيين الكبار أوقات الانتخابات. لكن عندما نرفع الذراعين لأعلى ونحركهما مع تبادل قبض وبسط راحتي الكفين فنحن ننشط أنفسنا ونستجلب المزيد من الطاقة، وهي حركة نقوم بها كثيرًا في الصباح أو عند ممارسة الرياضة.
وضعية الأقدام أيضًا هامة للغاية في فضح الانفعال، ربما لأن الناس لم يتدربوا بالقدر الكافي على التحكم فيها. ومن ثم، فهي أصدق إنباءً عما إن كان الإنسان يشعر بالثقة أو التهديد أو الخجل، بالسعادة أو بالانزعاج، وربما الرغبة في مغادرة المكان.
وقد يعتبر تباعد أقدام الواقفين أثناء الحوارات دليلًا على الرغبة في إنهاء الحوار، خاصة عندما يقف الشخص بزاوية توضح في العادة الاتجاه الذي ينوي الذهاب إليه، لكنها ليست دائمًا علامة على الرغبة في المغادرة، فعادة يباعد الرجال بين سيقانهم أثناء الوقوف، وأحيانًا أثناء الجلوس لزيادة المساحة التي يحصلون عليها. وسنتكلم لاحقًا على المسافات وأثرها. هذا يعطي انطباعًا بالثقة بالنفس والسلطة، وتُعتبر الشُرطة أشهر المهن التي يشتهر أصحابها بهذه الوقفة. بينما في الحقيقة قد تُستخدم هذه الوضعيات عند نقص الثقة بالنفس! ويُنصح بتضييق التباعد بين الساقين كإجراء لتخفيف التوتر. ومن المعروف أن تحديد مساحة النفوذ هو إجراء تتبعه ذكور الحيوانات، وكلما اتسعت المساحة التي يترك فيها الحيوان رائحته دل على قوته وهيمنته، واحذر أن تقترب من عرين الأسد.
ووقوف شخصين وجهًا لوجه واشتراكهما في حوار يعني أنهما يتحدثان في موضوع لا يرغبان انضمام أحد إليهما فيه، وينبغي تأجيل أي محاولة للاقتراب منهما في هذا الوقت، أما في حال تحريك أقدامهما بحيث لا يتواجهان تمامًا فهذا يعني إمكانية الاقتراب منهما.
وكما أن عقد الذراعين مع إخفاء الأصابع قد يكون علامة على الاسترخاء فكذلك الوقوف مع عقد الساقين، فهو من أقوى علامات الاسترخاء الشديد، ويستخدمها الأقران عند وقوفهم سويًا لفترات طويلة؛ فهذه وضعية لا تُسهل المغادرة ولا تُوحي بها بأي حال.
ويُعتبر التربيت على الساقين كما لو كان الشخص يمسح الغبار عنهما سلوكًا يُستخدم للتهدئة، سواء فعله الشخص أثناء وقوفه أو جلوسه.
وكالعادة تلعب الثقافة دورًا في تحديد التوجه الجسدي المقبول، فالثقافة الآسيوية على سبيل المثال تؤكد على الانحناء كعلامة على الاحترام.
كما توجد فروق بين الجنسين، على سبيل المثال فإن بسط الذراعين لأسفل مع ملامسة كف أحد الذراعين لأعلى الفخذ من طرق النساء التعبيرية عند الشعور بالانزعاج، أما بسط الذراعين لأسفل مع عقد الكفين سويًا في المنتصف فهو من طرق الرجال التعبيرية عند الشعور بعدم الارتياح.

ج-الجِلسة (وضع الجسم) Posture
يلعب شكل الجِلسة دورًا في تحديد الرسالة التي يحملها التفاعل الاجتماعي؛ فانشغال الموظف بالعبث في الأوراق التي أمامه على مكتبه لا يمكن تفسيره كعلامة على انتباهه وتقديره للشخص الذي يقف أمامه مهما حاول توصيل رسالة لفظية تؤكد إصغائه.
يذكر جون مول  (John Mole,2001)أن معرفة كيفية قراءة لغة أوضاع الجسم أثناء الجلوس هي مهارة اتصال مفيدة، وهناك مجموعتان رئيسيتان لأوضاع جلسة الجسم: الانفتاح أو الانغلاقOpen/Closed  والاتجاه نحو الأمام أو التراجع للخلفForward/Back .
·        الانفتاح أو الانغلاق Open/Closed
هذه المجموعة هي الأكثر وضوحًا، فعندما تكون أذرع المستقبلين منثنية في وضع متشابك، ويضعون ساقًا على ساق (عقد الذراعين والساقين)، ويرجعون بأجسامهم للخلف، يُعتبر هذا وضعًا مغلقًا دفاعيًا للجسم، وتلك إشارة إلى أنهم يرفضون الرسائل الاجتماعية، ومنغلقون على التفاعل الاجتماعي، بينما عندما تكون أيديهم مفتوحة وينظرون للشخص نظرة كاملة وكلا القدمين على الأرض، فهم يتقبلون من يتعاملون معه.
·        الاتجاه نحو الأمام أو التراجع للخلف Forward/Back
تلك المجموعة من الأوضاع الجسمية تشير إلى ما إذا كان التفاعل إيجابيًا أم سلبيًا؛ فعندما يتكئ الشخص بذراعه للأمام وهو يتجه نحوك فإنه يكون متقبلًا أو رافضًا الرسالة بإيجابية، بينما عندما يتكئ للخلف ناظرًا للسقف أو عابثًا بأي شيء أو يقوم بتنظيف زجاج نظارته فإنه يكون مستقبلًا للرسالة الاتصالية بسلبية التعالي أو متجاهلًا لها ونافرًا ممن يتفاعل معه.
ويمكن ألا يكون الشخص متجهًا نحو الأمام ولكن فقط مائلًا  نحو محاوره لإشعاره بالانتباه له، لكن مع تجنب الميل الزائد كي لا يبدو الوضع غريبًا، وربما ينتهك مسافته الشخصية.

وتتجمع تلك المجموعتان لتخلق أربعة أنماط رئيسية من أوضاع الجسم
-النمط المستجيبResponsive mode  (Open/ Forward)
حيث يكون المستقبل متقبلًا بإيجابية، وهذا هو الوقت لإنهاء المناقشة وطلب الموافقة على أي طلب والحصول على امتياز.
-النمط المتأملReflective mode  (Open/Back)
حيث يكون المستقبل مهتمًا ولكنه غير موافق بإيجابية؛ لذا فالمحاولة لإنهاء المناقشة وطلب الموافقة في هذا الوقت ربما تقوده إلى التحول للنمط الثالث المتملص Fugitive، وفي هذا الوقت يلزم تقديم المزيد من الحقائق والبواعث والمثيرات، وربما يكون أيضًا وقتًا جيدًا للإنصات وإتاحة الوقت للمستقبل ليفكر.
-النمط المتملصFugitive mode  (Closed/Back)
ويظهر هذا النمط عندما يحاول المستقبل الهرب جسمانيًا من خلال باب، أو فكريًا بإظهار الضجر والسأم، وفي هذه الحالة يجب أن يحاول المرسل جذب اهتمامه بأي طريقة يستطيع عدا المتعلقة بالرسالة التي سببت محاولة التملص.
-النمط المستعد للمقاومةCombative mode  (Closed/Forward)
تظهر في هذا النمط مقاومة نشطة؛ لذا فإن المرسل المتفاعل مع المستقبل الذي يكون على هذه الحال يلزمه تهدئة الغضب وتجنب التكذيب والجدل برمته، حتى يستطيع دفع المستقبل نحو النمط المتأمل Reflective mode  كي يعاود التفكير في الأمر.
هذا ويظهر أثر الثقافة في كيفية التعبير بهذه الأنماط في الجلسات والتي تختلف من ثقافة لأخرى. ولكن أهم ما فيها أنها تعتبر منبئًا جيدًا لمزاج المستقبل يفيد منه من يتفاعل معه لتحسين التفاعل.
ومن أشهر الأمثلة على الانفتاح أو الانغلاق والميل للأمام أو التراجع للخلف، جلسة الطلاب في الفصل الدراسي، فالطالب المجتهد الراغب في المشاركة والمرحب بأسئلة المعلم يجلس في وضع مفتوح، ناظرًا إليه، على عكس الطالب البليد الذي يحني ظهره ناظرًا نحو الأرض، ويتجنب النظر إلى المعلم. ونجد الطلاب في الحصة الأخيرة من اليوم الدراسي قد اتجهوا بأجسامهم نحو باب الفصل استعدادًا للخروج. ونحن نقف دائمًا مواجهين لمن نحبهم أو يعنونا كثيرًا، بينما نأخذ زاوية ولا نلتفت بالكلية عند الحديث مع الأشخاص الأقل أهمية، وندوِّر كراسينا عند الجلوس في اتجاه من نحب ونتجنب تدويرها لمواجهة من نكره. ولإظهار الاهتمام لا نستدير فقط برءوسنا، بل بكامل الجذع. وكذلك نميل في جلستنا نحو من نحب مقتربين منه، بينما نرجع بظهورنا إلى الخلف مبتعدين عمن لا نحبهم أو عندما نستمع إلى ما لا يعجبنا حتى من أحبائنا.
وفي حال الجلسة مع عقد الساقين لأعلى بوضع إحداهما فوق الأخرى، فإن اتجاه عقدهما علامة واضحة على درجة الارتياح في الحوار؛ حيث وضع الساق العليا وتحويل اتجاه جسمك بعيدًا عن رفيقك هو بمثابة خلق حاجز بينكما، وهو دليل عدم ارتياح، والعكس صحيح.
أما عقد كاحلي القدمين أثناء الجلوس وربما سحبهما تحت الكرسي فهي علامة لا تدل فقط على عدم الارتياح بل على القلق الشديد، وربما الهم، خاصة في حالة الاستدامة. كثيرًا ما يحدث هذا السلوك أثناء مقابلات العمل أو الاجتماعات الهامة كرد فعل على توجيه سؤال سبّب القلق.
التباعد بين القدمين أثناء الجلوس يوحي بشدة الارتياح، ويناسب فقط الجلسات العائلية وجلسات الأصدقاء، لكنه غير محبذ في العمل لأنه يزيد من المساحة الشخصية كما أوضحنا، ويعطي انطباعًا ببسط النفوذ لا يناسب المرءوسين، بل وقد يكون مبالغًا فيه بالنسبة للرؤساء، كما أنه يناسب الرجال فقط.
الغريب أننا أحيانًا نأتي بالحركة نفسها للتعبير عن انفعالات متباينة؛ فقد نهز أقدامنا لأننا منزعجون أو لأننا نكاد نطير ونقفز من الفرح! بالنسبة للأشخاص ذوي التعبيرية الانفعالية المرتفعة، الذين يأتون بهذه الحركة في أوقاتهم العادية، فانزعاجهم وحزنهم قد يأتي في صورة تغير في معدل هز القدم بالزيادة القصوى أو النقص إلى حد الجمود، ولكن الحالة الأخيرة قليلة الحدوث.
قد تكون الأذرع المنعقدة مع الارتخاء علامة على أن الشخص يفكر وربما ينتظر، فالوضعية المرتخية لعقد الذراعين خاصة عند إخفاء كفي اليدين إلى داخل الأذرع هي رسالة غير متعمدة يستخدمها الأفراد عند الانتظار أو التفكير. ولكن عقد الذراعين يشير غالبًا إلى الانزعاج وعدم الرغبة في الحديث، وأحيانًا تكون علامة على شعور الفرد بالتهديد، فيُتخذ هذا الوضع عندها لحماية الذات، كما يُستخدم عقد الذراعين حول الصدر في أحيان لخلق حاجز بواسطة الجسد مع الآخر في حال عدم وجود حاجز مادي، وهي طريقة معروفة لدى كلا الجنسين، ويمكن تمييز هذه الإشارة كحاجز عندما يكون عقد الذراعين محكمًا وليس مرتخيًا.
يمكن أيضًا لف أحد الذراعين حول البطن في حال التهديد البسيط، وهي من الطرق التعبيرية للنساء، أما عند محاولة تخفيض التوتر فيمكن أن نضغط بالذراع على منتصف الجذع.
وحتى مع عقد الذراعين تبقى وضعية كفي اليدين هامة في تفسير لغة الجسد، وإن كانت يمكن أن تتداخل في تفسيرات عدة للحالة الانفعالية للشخص، يتم تحديد أيها من خلال إجمالي التعبيرات والإيماءات المستخدمة.
أما تشبيك أصابع الكفين خلف الرأس أثناء الجلوس، مع إمالة الرأس للخلف فإشارة لا تخطؤها عين على الراحة والاسترخاء، ويجب تجنبها في العمل في غير أوقات الراحة لأنها تعطي انطباعًا سلبيًا عن الموظف، بينما وضع راحتي اليدين فوق بعضهما أعلى الرأس هي إشارة لموت شخص في صعيد مصر وكثير من الدول الأفريقية.
وبوجه عام فإن أي جلسة يصاحبها توتر وعدم ارتياح وكثير حركة من الشخص لا تعطي للشخص المتفاعل معه شعورًا بالانتباه والاهتمام.

د إشارات الأيدي Hand gestures
لا شك أنه لا يوجد بشر يحتفظ بيديه جامدتين تمامًا دون تحريكهما أثناء الحديث، لكن مع ذلك توجد اختلافات شاسعة بين البشر في درجة استخدامهما. بعض الناس يقل لديه تمامًا استخدام الإشارات بالأيدي، ويشير ذلك لسلبيته، وبعضهم في المقابل قد يصل به الأمر حد التلويح كإشارة للعصبية والعدوانية، وبينهما يتدرج البشر الذين يستخدمون تلك الإشارات لتدعيم الرسالة اللفظية المطلوب توصيلها في التفاعل الاجتماعي، بإعطاء إشارات تتفق مع الكلمات، لكن هذا يتوقف على التعبيرية الجيدة، كما يتوقف ذلك على مستوى تعقد الرسالة؛ فأحيانًا تكون الرسالة معقدة، والمبالغة في استخدام الإشارات بالأيدي قد لا يدعم الرسالة اللفظية، وإنما قد يصرف الانتباه عن المحتوى اللفظي. في أحيان أخرى يستخدم الناس إشارات الأيدي وحدها بمعزل عن الكلمات لتوصيل الرسالة.
بعض الإشارات كي يكون لها قيمة لا بد أن يكون هناك معنى متفق عليه لها، بمعنى أنها تمثل لغة حقيقية بين من يستخدمونها؛ فهناك العديد من أشكال الإشارات بالأيدي التي توصل رسالة للمتفاعلين مع الشخص؛ وكما نرفع الإبهام للدلالة على الموافقة، وأن الأمر يجري بصورة ممتازة، يمكننا أن نشير به لأسفل للدلالة على الاستياء.
يمكن أن نشير بالإصبع السبابة أثناء الحديث، وهي إشارة تحذيرية، كثيرًا ما تُعتبر غير لائقة، ويُعاب على السياسيين الذين يستخدمونها في خطاباتهم السياسية، والأفضل استبدالها بالإشارة بكامل الكف وفي اتجاه رأسي.
وإن أردنا التأكيد على ثقتنا بأنفسنا وآرائنا وأفكارنا خلال الحديث فالأفضل خلق شكل هرمي باستخدام كفي اليدين معًا عن طريق ملامسة طرف كل إصبع من أصابع اليد اليمنى لطرف لإصبع المناظر له في اليد اليسرى. كذلك فإن تشبيك الأصابع الأربع المتجاورة في كل يد بنعومة وعدم اعتصار مع الأصابع الأخرى، بحيث تشكل اليدان معًا خطًا مستقيمًا رأسيًا، وإبقاء إصبعي الإبهام غير متشابكين ويتجهان لأعلى وبوضوح هي إشارة أخرى توحي بالثقة.
وعلى العكس فإن الشكل الهرمي الناتج من ملامسة أطراف أصابع اليدين إذا ما مال بحيث تصبح أطراف الأصابع متجهة لأسفل وليس لأعلى فتلك علامة أكيدة على افتقاد الثقة، وكذلك عند تشبيك الأصابع الأربع لكن مع خفض الإبهامين فإن تلك إشارة أخرى توحي بضعف الثقة، أما تشبيك كامل أصابع اليدين بقوة والتحام شديدين فيعطي انطباعًا أقوى بالتشكك الشديد وعدم الثقة المفرط. والشيء نفسه يُقال عن فرك راحتي اليدين أو فرك أصابع إحدى اليدين براحة اليد الأخرى، فهو إشارة إلى رغبة الشخص في تخفيف توتره، ويظهر قلة ثقته.
ومثلما تعطي حركات اليدين بقوة مفرطة انطباعًا بنقص الثقة فإن الجمود وعدم إصدار أي إشارة باليدين يعطي الانطباع نفسه بضعف الثقة والتشكك.
يمكن أن نباعد بين أصابع اليد ونحركها ببطء بشكل مروحي كدلالة على التأرجح وعدم التأكد.
كما يمكن أن نمسك بأي شيء أمامنا ونلهو به أو أن ننقر بالأصابع على المنضدة أمامنا أو نطرقع أصابع اليد كدلالة واضحة على عدم الاهتمام بالحديث.
كذلك يمكن أن ندلك منطقة عضلة الحزن في الجبهة بين العينين أو أعلى الأنف أو جانبي العينين أو أن نشبك أيدينا لتحرير الطاقة ولتقليل التوتر.
بل إنه حتى في مصافحة الآخرين –وسبق أن تحدثنا عنها في اللمس-، فإن لوجود اليد اليسرى -التي لا نصافح بها- في جيب البنطلون أو المعطف أو وضعها على حقيبة اليد بالنسبة للإناث بحيث تختفي اليد كلها عدا الإبهام الذي يتم إبرازه، دلالة قوية على أن من يقوم بهذا الفعل يرى نفسه في منزلة أعلى ممن يصافحه.
في كثير من الثقافات العربية وبعض ثقافات البحر المتوسط فإن رفع الإصبعين السبابة إلى أعلى جانبي الرأس (رمز القرنين) هي مسبَّة معروفة واتهام بالدياثة.
باختصار، هناك الكثير مما يمكن أن نفعله بأيدينا ويسهم في إيصال رسائلنا غير اللفظية.
لكن ينبغي أيضًا الحذر لأن تلك الإشارات رغم شيوعها فهي ليست عالمية، وتوجد اختلافات ثقافية فيها. كما توجد فروق بين الجنسين فيها خاصة عند الشعور بالتهديد وعدم الأمان والرغبة في مزيد من الراحة، فإضافة إلى حركات الذراعين فإن النساء لديهن خصل شعر يقمن بلفها بأيديهن، كما يمكن أن تربت المرأة على رقبتها، بينما الرجال يحركون أيديهم على رقابهم دعكًا بقوة.
ينبغي أيضًا العناية بنظافة اليدين جيدًا للنساء والرجال على حد سواء، لأن عدم نظافتهما تعطي انطباعًا سيئًا. والشيء نفسه يُقال عن الأظافر، فأظافر الرجال الطويلة وغير النظيفة تعطي انطباعًا سيئًا للغاية عنهم، وكذلك أظافر النساء شديدة الطول التي تبدو أشبه بالمخالب.
هـ-إيماءات الرأس Head nods
يمكن أن يُستخدم الإيماء بالرأس كعلامة على التحية أو الموافقة أو عدم الموافقة أو لإظهار التحير.
وتوجد إيماءات سلبية نقوم بها بالرأس فقط، وإيماءات توصل رسائل سلبية تتداخل فيها إشارات الأيدي مع الرأس مثل العبث بالشعر أو هرش الرأس أو فرك الأذن أو عقد اليدين خلف الرأس أو وضع الرأس على راحة اليد أو تغطية الفم باليد أو إمساك الأذن وغيرها الكثير، والتي يسبب الإكثار منها إلى إرسال رسائل سلبية للطرف الآخر بعدم الاهتمام، وتسبب الإلهاء له أثناء حديثه، ولا شك أنها تترك انطباعات سيئة لديه.
إن إمالة الرأس وإظهار الرقبة له دلالاته حول شعور الشخص بارتياح تجاه من يتواصل معه. وتعتبر ملامسة الرقبة والمنطقة أعلى القفص الصدري على العكس علامة انزعاج واضحة، ومحاولة من الإنسان للتهدئة واستجلاب الراحة. الإشارة الأخيرة تنتشر أكثر بين النساء، وقد تداري بعضهن تلك الحركة بالإسراع بالإمساك بسلسلة في رقبتها. رفع الذقن أيضًا يُسهم في إظهار الرقبة ويوحي بالثقة، على العكس من خفضه لأسفل.
غالبًا ما نميل الرأس إلى الخلف مع رفع العينين لأعلى عند محاولة تذكر بعض التفاصيل. أما إمالة الرأس إلى الأسفل وإلى جهة اليمين فغالبًا هي إشارة على شدة انفعال الشخص. وأحيانًا تكون إمالة الرأس إلى الخلف مع التجهم إشارة إلى شدة الضيق والإحباط ومحاولة الابتعاد عن مصدره.
وهناك معلومة يعرفها المحققون الجنائيون، وهي أن الشخص الذي يدلي باعترافه ورأسه مرفوع يعطي اعترافًا كاذبًا لأن رفع الرأس دليل الثقة ولا يتناسب مع خزي الاعتراف بجريمة.

وإلى اللقاء في حلقة قادمة، نواصل فيها الحديث عن سلوكيات البشر غير اللفظية في التواصل.