الخميس، 15 أغسطس 2019

203-السلوكيات اللفظية (الصوتية) ودورها في عملية التواصل


السلوكيات اللفظية (الصوتية) ودورها في عملية التواصل
د/ منى زيتون
أحد مقالات كتابي "مهارات التواصل"
منشور الخميس 15 أغسطس 2019

تعتبر السلوكيات اللفظية (الصوتية) Verbal (Vocal) behavior من أهم قنوات التواصل غير اللفظي، وتأتي دائمًا مقترنة مع الاتصال اللفظي، حيث يستحيل عزلها عنه، وتؤثر في الطريقة التي ندرك بها الكلمات. يمكن القول إنها الطريقة التي نستخدم بها صوتنا لينقل شعورنا المصاحب لما نقوله من كلمات، وهي مصدر هام للمعلومات في عملية التواصل الإنساني.

أنماط السلوك اللفظي (الصوتي)  Verbal (Vocal) Behavior Types
غالبًا ما يُشار إلى أنماط السلوك اللفظي (الصوتي) بمصطلح الملامح اللغوية أو الصوتية أو حواشي اللغة أو ملحقات اللغة Paralanguage، ويشير هذا المصطلح عامة إلى ما يتبقى من أثر بعد إسقاط المحتوى اللفظي من الحديث. إنها ليست ما تقول بل الطريقة التي تتحدث بها.
قد تتضامن هذه الطريقة مع محتوى كلماتك لتعضيد الرسالة التي تريد توصيلها، وقد يحدث العكس فتؤثر سلبًا عندما تتعاكس مع المحتوى اللفظي.
وتتضمن السلوكيات اللفظية (الصوتية):
1-المؤثرات الصوتية المصاحبة للحديث Prosody (طبقة الصوت Pitch- الضغط Stress- التوقيت  Timing- التوقف المؤقت والتأني Pauses).
2-النغمة الانفعالية للصوت (نبرة الصوت)  Emotional Tone of Voice.
 3-اللهجة Accent.
4-عيوب الكلام Speech Errors  مثل التمتمة والفأفأة.
5- السرعة في الكلام Race.
وتلعب الفروق الثقافية دورًا في تحديد الدرجة الملائمة لكل من تلك الملحقات الصوتية، كما ولا يخفى تأثر طبقة الصوت ونبرة الصوت بالنوع إن كان ذكرًا أو أنثى، بل يعتبر الصوت وما يتعلق به أهم العوامل التي تؤدي إلى إساءة الحكم على النساء مهما تنوعت الثقافات؛ لأن أصوات النساء عادة أكثر حدة من أصوات الرجال، فإن كانت في موضع قيادة ربما رأى مرءوسوها صوتها مزعجًا وأساءوا الظن بأنها تتعمد أن تتكلم بهذه الطبقة.
وترى الكاتبة من خلال خبراتها في مجال الاستشارات الاجتماعية أن العامل الأول الذي قد يسيء الرجال في مجتمعاتنا الشرقية تفسير رسائل النساء اللفظية أثناء التواصل الاجتماعي لأجله هو نبرة الصوت، ثم بالدرجة الثانية التواصل البصري واستدامة خط النظر التي تحرص عليها النساء. أغلب الرجال ببساطة لا يميزون أن المرأة تتحدث بنبرة صوت ناعمة لأن هذه نبرة صوتها، وليس لأنها تخصه بها. بعضهم قد يسيء الظن إلى درجة الاعتقاد أن امرأة ما امرأة لعوب بسبب نبرة صوتها!
وإساءة الظن بسبب الصوت لا تكون في حوارات النساء مع الرجال فقط، كثير من الشخصيات العامة تحدث لهم مشاكل عندما لا يتحكمون بأصواتهم التحكم الكافي. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون واجه موقفًا سيئًا في أحد معارض الزراعيين بعد أشهر من انتخابه لأنه تحدث بصوت مرتفع لم يتقبله المواطن الذي كان يحدثه. ما لم يعرفه هذا المزارع أن ماكرون صوته عالٍ وليس أنه رفعه عليه! وأن عليه أن يُدرب صوته أكثر ليكون أقل شدة.
لكن، بالرغم من وجود تأثيرات ثقافية كبيرة تؤدي إلى اختلاف العديد من عناصر ملحقات اللغة الصوتية تلك بين الأفراد، وفروق جنسية أيضًا فيما يتقبله أي مجتمع من الذكور والإناث، فإن الفروق الفردية تكون حاضرة بشكل أقوى في تحديد الأثر الذي تتركه طريقة كلام المرسل على المستقبل.
إن الكلام السريع قد يُترجم كدليل على الحماس أو يعبر عن سمة شخصية للمتحدث وهي العصبية. على العكس من ذلك فإن الكلام البطئ وخاصة الذي قد يصل إلى حد التلعثم غالبًا يشير إلى القلق أو عدم الثقة أو الخوف.
كما أن لنبرة الصوت وطبقته تأثيرهما القوي على التفاعل الاجتماعي، ويعتبران من أكثر العناصر التي تُستخدم لتقييم الحالة الانفعالية للمتحدث؛ بوجه عام فإن الصوت المرتفع للغاية أو المنخفض للغاية أو الصاخب أو شديد الحدة يقلل من كفاءة رسالتك ويصرف المستقبل عن الاستماع إليها؛ فالصوت العالي والصياح يشيران للعدوانية والغضب، بينما يشير الصوت الخافت للسلبية أو الغموض، وتؤثر نبرة الصوت شديدة الانخفاض غالبًا تأثيرًا سلبيًا على التفاعل الاجتماعي. ونبرة الصوت المتوترة تشير إلى مقاومة الشخص للحديث. بينما يُفسر الهمس بالسرية والتقارب الشديد بين طرفي الحوار. والنبرة الساخرة تترجم بالاستهزاء وربما الكراهية. ولأن لكل إنسان تقريبًا طبقة صوت معينة يتحدث بها، فإن تغيرها يكون من أكثر العوامل إنباءً بأن شيئًا ما قد حدث معه حتى وإن لم يقل أو يبد أي تعبيرات وجهية تدل على ذلك.
ومن العوامل الصوتية التي تؤثر في مضمون الرسائل، ويمكن أن تغيرها جذريًا: التشديد على كلمة أو مقطع أثناء الحوار. كما أن الوقفات عندما تستخدم في مواضع جيدة من الحديث يكون لها أثر طيب في تلقي المستقبل للرسالة وفهمه لمحتواها. كذلك إصدار الأصوات مثل "آه" لإظهار المتابعة للمتحدث وربما النفخ أو مقاطع صوتية للهمهمة، فكلها تؤثر على التفاعل.
وعدم وضوح الصوت أو وجود لهجة مميزة فيه تختلف عن لهجة المحاور ربما تؤثر سلبًا في نقل الرسالة، وكذلك وجود عيب من عيوب الكلام قد يؤثر بالسلب أيضًا على التفاعل.
وكثيرًا ما يكون لتلك الملامح الصوتية المصاحبة للحديث تأثيرات درامية على التفاعل الاجتماعي، وتؤثر كثيرًا على إدراكنا لمضمون التفاعل. سرعة الكلام تحديدًا إذا زادت عن المعدل الطبيعي تتناسب تناسبًا عكسيًا مع الفهم، ويستحيل معها وصول مضمون الرسالة اللفظية.
ويمكن أن تعطي عنا الطريقة التي نتحدث بها انطباعًا باللامبالاة أو التهور أو الوقاحة أو الخيلاء أو الثقة أو الذكاء، وغيرها الكثير. بالرغم من ذلك ينبغي الحذر من تلك التقييمات لشخصية المتحدث التي تنبني على الطريقة التي تحدث بها في أحد المواقف، فليس ضروريًا أن يكون انخفاض صوته دليلًا على أنه يشعر بالنقص وضعف الثقة بالنفس، ولا أن يكون ارتفاع صوته بشدة دليلًا على أنه مغرور وشديد الزهو. كما أنه لا يلزم أن من يتحدث بسرعة أكثر ذكاءً ممن يتحدث ببطء، ربما ما يمكننا أن نكون متأكدين منه فقط أنه أكثر طلاقة لفظية من الثاني.
كما أن نبرة الصوت وطبقته وغيرها تتأثر بعوامل الموقف؛ فمن يزور مريضًا أو يواسي شخصًا في مصاب يلزمه خفض صوته، ومن يتحدث في جماعة كبيرة من الناس، خاصة مع وجود جلبة وضوضاء لن يُسمع صوته إن كان منخفضًا. وتتأثر العوامل الصوتية أيضًا بالعوامل الجسمانية؛ فالمريض أو المتعب حتى وإن تحدث عن موضوع يستثير انفعالاته فهو غير قادر غالبًا على التعبير عن تلك الانفعالات بحدة.