الأربعاء، 14 أغسطس 2019

202-التواصل غير اللفظي بين البشر


التواصل غير اللفظي بين البشر
د/ منى زيتون
من مقالات كتابي "مهارات التواصل"
منشور الأربعاء 14 أغسطس 2019
يشمل الاتصال غير اللفظي بين الناس كل السلوكيات بين الأشخاص عدا الكلمات المتحدث بها؛ فنبرة الصوت، أو تعبيرات الوجه بالابتسام أو العبوس وغيرها، أو الاتصال البصري، أو الإيماءة، أو وضعية الجلوس، أو تحديد الوقت أو المكان، أو حتى الملابس أو الشارات، كل هذه الأشياء وغيرها الكثير توصل رسائلك إلى الآخرين! وأدوات لغة المشاعر هذه تكون أحيانًا أكثر تعبيرًا من الكلام، وتتيح لنا نقل التدرج الطفيف في المعنى.
قد تُستخدم هذه الإشارات بشكل مستقل لتوصيل الرسالة الاجتماعية المطلوبة؛ وبذا هي تلغي الفكرة الشائعة عن كون الصمت علامة على عدم الفاعلية الاجتماعية، لكن هذا في حال استخدام وسائط غير لفظية لتوصيل الرسالة، وليس التقاعس عن توصيل أية رسالة في وقت ينبغي فيه أن تُرسل! فكثيرًا ما ينزعج المرسل ويكاد يفقد أعصابه إزاء المستقبل نتيجة عدم إبداء رد فعل قولًا أو فعلًا تجاه الرسالة التواصلية، وكأنه يختبئ!
وقد تتفاعل تلك الوسائط مع الكلمات، وهو النمط الأكثر شيوعًا، وسبق أن تناولنا في مقال قريب أنماط التفاعل اللفظي وغير اللفظي، وكيف يوصلان معًا رسالة الفرد التواصلية.
ينبغي الانتباه إلى أن التواصل غير اللفظي لا يتعلق بأمور سطحية، وأن ما يعتبره كثيرون أمورًا سطحية قيمتها ضئيلة يمكن في الحقيقة أن تؤثر في علاقاتنا بالأشخاص وقد تدمرها. في العالم الافتراضي الالكتروني للتواصل الاجتماعي –على سبيل المثال- تمت إضافة رسوم تعبيرات الوجه –وهي شكل من أشكال التعبير غير اللفظي الانفعالي- وكذلك الصور، ما أضاف حيوية كبيرة عليه، وربما دونها ما استمر، وربما تلعب هذه الرسوم والصور دورًا أكبر من الكلمات. صحيح أن الكثير من عناصر التواصل غير اللفظي تُفتقد في هذا العالم كتعبيرات الوجه الحقيقية وإشارات الأيدي ووضعية الجسم أثناء الحديث وطبقات الصوت وغيرها، لكن ألا ترسل رسوم تعبيرات الوجه التي يضعها أحد أصدقائك على منشوراتك رسالة؟ ألا يرسل عدم الرد على المكالمات رسالة؟ ألا نحزن من أصدقائنا الذين يؤخرون فتح رسائلنا الالكترونية أو يتأخرون في الرد عليها؟ ألا يشعرنا هذا بعدم الاهتمام؟ ألا تقلل تلك السلوكيات من حسن النية والثقة في طرف التفاعل؟ بل إن المداومة عليها قد تلغي الصداقة نهائيًا.
الحقيقة أن تأثيرنا في الآخرين، وكذلك تصوراتنا ورؤيتنا لهم، وما نكونه من تصور حول شخصياتهم، وطبيعة مشاعرهم نحونا، تقوم أساسًا على قنوات التواصل غير اللفظي، وأننا نتخذ قرارات كثيرة في حياتنا اعتمادًا على ما تحمله لنا الرسائل غير اللفظية.
والأهم من ذلك أن الوظيفة المفترضة للتواصل غير اللفظي في تطوير وتقوية العلاقة الشخصية لفردين لن تتم إلا إذا كان هناك تناغم بين الرسائل غير اللفظية لكل منهما، وهنا يظهر أثر التنشئة الاجتماعية والفروق الثقافية كمؤثرين هامين في تلك الوظيفة.
كما أنه حين يتناقض ما يلفظه الفرد مع ما يعبر عنه باستخدام القنوات غير اللفظية كتعبيرات الوجه ونظرات العين وحركات اليدين فإننا نصدق ما يصل إلينا من خلال الوسائط غير اللفظية لا ما تنقله لنا الكلمات. ولا يسهم الاتصال غير اللفظي في تشكيل انطباعات الناس بعضها عن بعض؛ من حيث الصدقية credibility فقط، بل ويشكل انطباعاتنا أيضًا من حيث قابلية الحب أو الكراهية Likability، والجاذبية Attractiveness، والسيطرة Dominance.
كما وتُسهم السلوكيات غير اللفظية الدالة على الإصغاء أو الرغبة في الاستمرار في الحديث أو الرغبة في أخذ الدور للحديث لأجل تنظيم التفاعل الاجتماعي بأكثر مما تُسهم الكلمات؛ حيث تُستخدم الإشارات لتنظيم الدور أثناء الحوار، كما يحتفظ المرسل بدوره في الحديث ويمنع الآخر من مقاطعته باستخدام التواصل غير اللفظي كتغيير نبرة الصوت أو سرعته والإشارة باليد للآخر لمنعه من المقاطعة، وغيرها من السلوكيات.
ومن المهم للغاية كذلك ملاحظة أن التواصل غير اللفظي أكثر غموضًا، وتفسير قنواته أكثر صعوبة من الاتصال اللفظي، وقد يختلف من فرد لآخر، وتتدخل فيه عوامل التنشئة الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى الفروق بين الجنسين، بل وأحيانًا تتدخل حالة الإنسان الجسمانية في تفسير تلك السلوكيات، فقد تأخذ اليدان وضعًا متصالبًا للتعبير عن الضيق، وقد يقوم الفرد بهذا السلوك فقط لشعوره بالبرد!
ولا يقتصر تفسير السلوك -سواء كان لفظيًا أو غير لفظي- بشكل دقيق على العوامل التي يمكن أن تكون قد أثرت على المرسل فقط، بل وتتداخل معها العوامل المؤثرة على المستقبل، فالمستقبل مثلًا قد يتأثر بالآراء النمطية الجامدة حول ثقافة الجماعة التي ينتمي لها المرسل لتفسير سلوكه. وقد يتعامل مع سلوك ما على أنه سلوك وقتي غير ثابت ناشئ عن عوامل طارئة كالانفعال نتيجة الإرهاق الزائد أو الإصابة بالصداع، أو على العكس يتعامل مع السلوك على أنه إشارة لسمة في شخصية المرسل، فقد انفعل سريعًا لأن هذا جانب من جوانب شخصيته! وقد يرى المستقبل ذلك السلوك الصادر عن المرسل عامًا يمكن أن يصدر عنه في تعامله مع كل الأفراد أو يخصصه. وهذا شكل من أشكال إصدار الأحكام عليه دون إدراك كامل لشخصيته ودون التعرف الكافي على منظوره للأمور؛ لذا ينبغي الانتباه إلى عدم الركون إلى الثقة المطلقة في تفسيراتنا للاتصال مهما كان حجم خبراتنا العلمية والعملية.
ولأن من أهم ما يميز التواصل غير اللفظي أنه معقد؛ حيث قنواته لا تتفاعل وحسب مع الكلمات الملفوظة، وإنما تتفاعل أيضًا مع بعضها، فلا بد أن يتم تفسيرها مجتمعة للوصول إلى رسالة غير لفظية واحدة، وهذا ما يجعل تفسيرها أصعب كثيرًا من تفسير الكلمات، خاصة وأن هناك من يتعمدون توصيل رسائل معينة من خلال قنوات التواصل غير اللفظي، لكن الخبرة والتدقيق يجعلان الشخص قادرًا على التمييز بين المتعمد وغير المتعمد منها. والأهم أننا أحيانًا نحاول تفسير إشارات غير مقصودة، فعلها صاحبها دون قصد ولا تعني شيئًا!
هذا ويختلف الأفراد بدرجات شاسعة في المدى الذي يمكن أن يُعبِّروا فيه عن انفعالاتهم؛ فمنهم من يعبرون تلقائيًا عما يجيش في صدورهم من انفعالات، ومنهم من تقل تعبيريته تمامًا وتكون درجة ضبطه لانفعالاته عالية إلى درجة يصعب قراءتها وتفسيرها. منهم الحساسون للغاية فيستشعرون أي انفعال لدى الآخرين، ومنهم من لا يكاد يحس بأي تغير يطرأ على انفعالات الآخرين.
والتعبير الانفعالي هو تلك التغيرات السلوكية التي تظهر على الفرد وتصاحب الانفعال، ويعتبر أهم مهارات التواصل التي يسبب ارتفاعها لدى الفرد انجذاب الآخرين ومحبتهم له. وإضافة إلى الاستجابات السلوكية التي نعبر بها عن انفعالاتنا توجد استجابات فسيولوجية، كسرعة دقات القلب وسرعة التنفس واضطرابات إفراز الغدد وزيادة التعرق، ولكنها ما لم تظهر في شكل سلوك ظاهري فإنها لا تكون أكثر من تغيرات عضوية لا قيمة لها في تقييم درجة التعبير الانفعالي.
كذلك ينجذب الناس إلى مرتفعي الحساسية الانفعالية، البارعين في تفسير انفعالات الآخرين؛ كونهم أكثر قابلية للتأثر وإظهار التعاطف نحو مشاعر الآخرين. والبشر بوجه عام يقتربون من بعضهم عند الفرح وعند الحزن، ويبتعدون جسديًا ونفسيًا عند الغضب. عندما ينعزل إنسان فهذا يعني أنه ليس حزينًا فحسب بل مكتئب؛ فالحزين يحتاج الآخرين حوله ليخففوا عنه. ومن المعروف أن الإنسان في أوقات الصدمات الكارثية يصعب عليه اتخاذ القرارات، ويحتاج المساعدة، كما يحتاج التعاطف إلى أقصى درجة. والناس تنجذب إلى من يتعاطف معهم ويقدر مصابهم لا إلى من يتجاهلهم أو يهون من مشاعرهم السلبية، فذلك أسوأ ما قد يفعله إنسان لتخريب علاقته بآخر.
وينبغي أن ننتبه إلى أمرين في غاية الأهمية بخصوص الحساسية الانفعالية؛ أولهما هو عمومية أو خصوصية الحساسية؛ فهناك أشخاص حساسيتهم الانفعالية مرتفعة بوجه عام، وأشخاص يكونون حساسين تجاه انفعالات أفراد معينين، ومهما بدا الشخص ضعيف الحساسية الانفعالية فهو يستشعر تغيرات مشاعر الأفراد القريبين من نفسه بدرجة ما، ويهتم بما يظهرونه نحوه لأن الحساسية لا يمكن عزلها عزلًا تامًا عن الانتباه، ونحن ننتبه أكثر للمتغيرات المتعلقة بالأشخاص الذين يعنوننا. على سبيل المثال فإن المصافحة باليد تعتبر سلامًا فاترًا يزعج الأصدقاء ويشعرهم بتغير أصدقائهم نحوهم، بينما هو كافٍ بين الغرباء. وما يُقال عن الحساسية الانفعالية يُقال نفسه عن الحساسية اللفظية فقد لا نكون حساسين لكلمات الناس بوجه عام، ولكن تعنينا كلمات وأحكام الأشخاص الذين يقعون في دائرة اهتمامنا.
الأمر الثاني هو صدق أو زيف الحساسية الانفعالية. بعض الناس يظهرون مشاركة وجدانية وتعاطفًا زائفًا مع الآخرين، وبعضهم الآخر يشعرون تمامًا بما تمر به لكنهم لا يملكون القدرة على نقل مشاعرهم إليك، فينعكس ضعف تعبيريتهم على إظهار حساسيتهم بمظهر الضعف. والمعرفة الكافية بوسائط الاتصال غير اللفظي تجعل الفرد قادرًا على كشف التعاطف الحقيقي من المزيف. كما أنه في كثير من الأحيان قد يشعر الفرد بانفعال من أمامه لكنه يسيء تفسيره!
ورغم أنه يصعب كثيرًا قراءة وتفسير الإشارات غير اللفظية لأنها لا تكون واضحة بما يكفي، بل وقد يكون من الصواب وصفها بالغامضة، لكن ينبغي مع ذلك إدراك أنه وإن كان أحيانًا يصعب تحديد الانفعال الذي يعبر عنه الفرد باستخدام قنواته غير اللفظية، ولكن يجب على الأقل أن نميز بين ما إذا كان هذا الانفعال إيجابيًا أم سلبيًا. فإن كان الشخص لا يعبر عما يدور في عقله حول موضوع ما بأي وسيلة من وسائل التواصل اللفظي أو غير اللفظي فلا سبيل لتوقع سلوكياته اللاحقة. ومن لديه خبرة جيدة في مهارات التواصل يستطيع التنبؤ بسلوك الأفراد من خلال معرفته بكفاءتهم الانفعالية في النطاقات الثلاثة (التعبير- الحساسية- الضبط).
على العكس من مهارتي التعبير والحساسية فإن من يتحكم كثيرًا في انفعالاته لا يجذب الناس كثيرًا، وهذا من أشد أسباب ارتياب الناس فيه وإساءة فهمه، وقد يتعدى الأمر إلى تفكك صلاته الاجتماعية بأقرب الناس إليه، وينطبق هذا على نسبة كبيرة من الرجال ويتسبب في شكوى كثير من النساء. لكن ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن من يضبط انفعالاته ضبطًا قاسيًا يمر بخبرات شعورية، وربما يكون في كثير من الأحيان يشعر ويتأثر أكثر ممن يعبرون بتلقائية.
ويختلف انطباع الناس عن من يضبط الانفعالات بشكل ملائم ولائق اجتماعيًا؛ ذلك أن مما يجعل شخصًا ما جذابًا للآخرين وقادرًا على التأثير فيهم ليس فقط القدرة على إظهار الانفعالات حتى يمكن للناس بسهولة أن يقرأوا ما يشعر به، ولكن كذلك القدرة على ضبط وتنظيم التعبير الظاهري عن تلك الانفعالات؛ فافتقاد الضبط الانفعالي يجعل الشخص يُنظر إليه على أنه متهور، ويتصرف بعدم لياقة، فيفقد الكثير من الكاريزما التي أكسبته إياها تعبيريته المرتفعة.
وينبغي أن نعي أن التربية لا تدرب الإنسان فقط منذ صغره على طريقة التحدث اللائقة، بل وتدربه أيضًا على إصدار تعبيرات وإشارات غير لفظية لائقة، لأن البشر تعلموا أنه لا يصح أن يعرف الآخرون كل ما يدور في عقولهم، ومن أجل ذلك فقد تعلموا ضبط التعبيرين اللفظي والانفعالي؛ ونحن نتعلم منذ الصغر التحكم في تعبيراتنا الوجهية ووضعية أجسامنا وغيرها كما نتحكم في ألفاظنا، وبناءً عليه فإن جزءًا كبيرًا من لغتنا غير اللفظية هي نتاج المران والتدريب. كمثال: نحن لا نُولد بحيث نعرف أن الإشارة بالإصبعين السبابة والوسطى لتكوين حرف V هي تعبير عن النصر، ولكنها صارت إشارة للنصر منذ الحرب العالمية الثانية.
ولأن التدريب الذي يتلقاه الإنسان منذ صغره بخصوص ضبط التعبير الانفعالي يتركز أساسًا على تعبيرات الوجه فإن الخبراء يركزون على الرسائل التي تحملها باقي أجزاء الجسم ويعطون لتفسيرها أهمية لا تقل عن أهمية تفسير تعبيرات الوجه التي يسهل التحكم فيها.
ولا يتوقف التدريب على فترة الصغر؛ فيمكن لأي شخص في أي مرحلة عمرية أن يتدرب على إصدار سلوكيات لفظية وغير لفظية ملائمة توحي للآخرين بالثقة. كثيرون من البشر بحاجة لضبط إيقاع الصوت وحركات اليدين ودرجة تواصلهم البصري ليكون تواصلهم أكثر فاعلية.
ومن استراتيجيات التنظيم التي يُنصح بها للتدريب على الضبط الانفعالي -خاصة عند التعرض للمضايقة- الاشتراك في أي نشاط من أنشطة الإلهاء كلعب لعبة، والتحدث مع صديق، وتخيل موقف أو حدث سعيد، أو تمرين تنفس عميق، والأهم من ذلك كله إدراك أن المشكلة  ليست فيمن يتعرض للمضايقة بل في الشخص الذي يحاول إيذاءه. بل ويمكن التدريب على إخفاء المظاهر الفسيولوجية المصاحبة لبعض الانفعالات.
بالنسبة للشخص الذي يصل التعبير الانفعالي لديه لدرجة ظهور مظاهر فسيولوجية واضحة تعبر عن انفعال الخوف يكون للمظهر المتأنق أثره في خلق مزيد من الثقة بالنفس، كما يمكن إرشاده للتعامل مع مظاهر الخوف وتحجيمها وعدم إعارتها أهمية بعدة طرق مثل:
-دقات القلب الزائدة: لا تهتم لها، وتنفس بعمق، وتحدث ببطء، وقلل من استدامة خط النظر مع من تقلق منه، ويمكن أن تنظر إلى صديق أو حبيب أو تخفض نظرك.
-زيادة العرق: لا تهتم به، وغالبًا لن يلاحظه أحد ما لم تظهر أنت انتباهًا له.
-رجفة اليدين: لا تقبضهما معًا، بل حاول أن تمسك شيئًا في يدك.
-برودة اليدين: لا يشعر بها الناس، ويمكنك فرك يديك لاكتساب طاقة وثقة، كما أن الاندماج في موضوع الحوار سيجعل الخوف يذهب ومعه البرودة فلا تهتم.
-رجفة الصوت: تزول سريعًا خاصة عندما تبدأ الكلام ببطء، وتحافظ على وتيرة هادئة، وتضغط على الكلمات الهامة.
-جفاف الفم: يزول مع بطء الحديث وأخذ وقفات بين الجمل، ويمكن الاستعانة برشفات من الماء.
وكثيرًا ما يكون توقع المواقف، والتدريب على مواجهتها قبل حدوثها لإظهار إشارات غير لفظية مضبوطة من أفضل ما يقوم به الفرد؛ فالضبط الانفعالي والتدريب عليه هامان للغاية في مواجهة الحياة ومصاعبها وضغوطها.
يمكنني أيضًا القول إن مستوى الوعي بالذات يؤثر في قدرة الإنسان على ضبط انفعالاته، فزيادة الوعي إلى حد ما يجعل الإنسان أكثر قدرة على التحكم في انفعالاته وإخفائها، ولكن دائمًا يحدث العكس عندما يتعاظم وعي الإنسان بذاته، فهو عندها يعبر عن نفسه ببساطة وتلقائية، ودون تخطيط!
ومثلما تختلف طرق تنشئتنا فهناك أيضًا عوامل كثيرة قد تؤثر في طريقة تعبيرنا غير اللفظية ينشأ عنها فروق فردية بين البشر؛ فنحن نختلف عن بعض فسيولوجيًا، كما تختلف ثقافة مجتمعاتنا؛ لذا فحركات أجسامنا ومستوى طاقتنا الجسمانية والتي نستكشف انفعالاتنا من خلالها قد تضللنا ما لم نراعي قراءة كل فرد كحالة خاصة.
والنصيحة الأثيرة في تفسير التواصل غير اللفظي لشخص ما في موقف ما هي تحليل سلوكياته غير اللفظية الاعتيادية في المواقف الطبيعية، وأي تغيير فيها بعد ذلك هو الجدير بالفحص والتحليل، على أن يكون التركيز على فهم أسباب السلوكيات لا وصفها، وتجنب الإسقاط ما أمكن فأحيانًا نفترض أن سلوكًا غير لفظي يرسل رسالة لمجرد أنني كمستقبل أفعل ذلك أو أنه شائع في ثقافتي لإيصال تلك الرسالة، وهو ما يمثل حاجزًا أمام فهم الرسالة الحقيقية التي عناها المرسل بذلك السلوك.
وكما أن الرسالة التي يحملها الاتصال اللفظي قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، فإن رسائل الاتصال غير اللفظي أيضًا قد تكون مباشرة أو غير مباشرة؛ فنظر المدير إلى ساعته عند دخول أحد الموظفين متأخرًا عن موعد الاجتماع هو رسالة غير لفظية غير مباشرة توضح استيائه من ذلك التأخير.
ويمكن القول كذلك إن أغلب الفنيات المستخدمة في التواصل اللفظي لها ما يُقابلها في التواصل غير اللفظي. على سبيل المثال فإن تكنيك "إعادة صياغة المحتوى اللفظي" الذي يستخدمه المحاور لإشعار من يحاوره أنه كان يصغي لكلماته، يوجد تكنيك مشابه له يُستخدم في التواصل غير اللفظي يُعرف بـ "عكس المشاعر" فليس عليك فقط أن تُعلي من حساسيتك الانفعالية إلى القدر الذي تلتقط به انفعالات الآخر بل يلزمك أن تُعلي من تعبيرك الانفعالي بحيث تجعله يفهم أن مشاعره تنعكس عليك؛ فأنت تشعر بما يشعر به، وتتقبل مشاعره، وربما تساعده على التعامل معها.
أمر آخر لا يقل أهمية، وهو أن الطريقة التي نتصرف ونتكلم بها، والثقة التي نبديها في أنفسنا إجمالًا، وفهمنا للآخر وما يرضيه، ومحاولة التوافق معه، سواء كان هذا الآخر شريك الحياة أو زميل أو رئيس العمل، كل هذا هو جزء لا يتجزأ من اتصالنا غير اللفظي.