الأحد، 18 أغسطس 2019

205-تعبيرات الوجه ودورها في عملية التواصل


تعبيرات الوجه ودورها في عملية التواصل
د/ منى زيتون
أحد مقالات كتابي "مهارات التواصل"
منشور الأحد 18 أغسطس 2019
يُعتبر الوجه أكثر أعضاء الجسم قدرة على التعبير غير اللفظي، وتعبيرات الوجهFacial expressions هي ثاني أكبر مصدر للمعلومات بعد الكلام. ومن أكثر ما يميز تعبيرات الوجه قدرتها على إظهار الانفعالات بأنواعها المختلفة بدرجة واضحة وبشكل مستقل تمامًا في بعض الأحيان عن الكلمات.
تقوم عضلات الوجه المتشابكة مع أعصابه بإصدار تعبيرات مختلفة يعتاد عليها الإنسان حتى يمكن القول إنه توجد ذاكرة للعضلات. بعض هذه التعبيرات شائعة للدرجة التي تبدو غريزية عالمية كالابتسام، وبعضها نكتسبه من والدينا والمحيطين بنا عن طريق التنشئة، وبعضها خاص بكل فرد، وأحيانًا يكتسبها بالتدريب عليها لأداء مهام بعض المهن كالتمثيل والعمل السياسي والمخابراتي. كما نتعلم مبكرًا ضبط التعبير عن هذه الانفعالات.
وتتفاوت درجة تعبيرية الوجه بين البشر، حيث توجد بينهم فروق فردية وجنسية وثقافية كبيرة في التعبير الوجهي، وبوجه عام هناك بشر وجوههم معبِّرة، وبشر وجوههم كألواح الثلج يكاد لا يُقرأ عليها تعبير، ويُطلق على وجوه كل منهم الوجه اللا معبر "البوكر فيس". وبقدر شدة التعبيرات وكثرة استخدامها تظهر تجعيدات الوجه في الكبر؛ فعمق هذه التجعيدات، وخاصة تجعيدات الجبين، تظهر إلى أي حد كنت تستخدم عضلات وجهك للتعبير.
وتشكل حوارات الوجه للوجه نسبة كبيرة من اتصالنا بالآخرين. وفي تلك الحوارات -خاصة الثنائية منها- تعتبر تعبيرات الوجه من أكثر ما يُظهر الانتباه والاهتمام بالشريك أو الانشغال عنه في المقابل، فهي دليل أساسي على الإصغاء من عدمه، إضافة إلى نقل الانفعالات الخاصة بالطرفين تزامنًا مع الكلمات.
ويصعب تمامًا فصل تعبيرات الوجه عن تعبيرات العين لأن تعبيرات منطقة الحاجب تؤثر في تعبيرية العين؛ ولا يوجد خلاف في أن شخصًا يرفع حاجبيه على هيئة قوسين، فتتسع عيناه، وتتجعد جبهته أفقيًا، وقد يفتح فمه وترتخي شفتاه، هو شخص متفاجئ! فهذه إشارة عالمية فطرية إلى المفاجأة والدهشة، بل إن القردة أيضًا -وليس البشر وحسب- تفعل ذلك! بينما الحاجبان المشدودان لأسفل حتى وإن تم رفعهما هما إشارة على القلق، وعقد الحاجبين عند المنتصف يظهر ما يسمى بعضلة الحزن. وإنزال الحاجبين بشدة هو تعبير شائع عن الاستنكار، فإذا صُوحب بتكشير الوجه فهو تعبير قوي عن الغضب. أما رفع أحد الحاجبين مع خفض الآخر فهو إشارة واضحة لاستقبال رسالة جديدة مع عدم تقبلها! أما رفع الحاجبين مع عقدهما فدلالة على أنك تنتظر رأي الآخر في الرسالة التي أرسلتها.
وعند الابتسام على سبيل المثال نعرف أن الابتسامة عامة ولا تدل على سعادة حقيقية عندما تقتصر على أن يتسع الفم وغالبًا يبقى مغلقًا، وأن الابتسامة تكون للترحيب بمن نعرفهم معرفة بسيطة عندما نظهر أسناننا قليلًا وتأخذ الشفتين وضعية الطبق المفتوح لأعلى قليلًا، بينما عند الابتسامة الحقيقية الدالة على السعادة تستدير الشفتان لأعلى وتنسحب الشفة العليا لأعلى كاشفة عن الأسنان وضاغطة لإبراز الوجنتين، وتضيق العينين قليلًا مع تجعد الخطوط على جانبيهما، وتتسع الحدقتان، وقد يرتفع الحاجبان.
إن حركة الشفاه Mouth highlights  وما تعكسه من تأثير على تعبيرات الوجه هي واحدة من السلوكيات غير اللفظية التي تسهم في نقل محتوى الرسالة الاتصالية بين الناس. بعض تلك السلوكيات يكون فطريًا مثل الابتسام عند السعادة وتقطيب الشفاه عند الحزن، وبعضها تكون سلوكيات مكتسبة متعلمة مثل زم الشفاه Pursed lips، وهو سلوك يوجد في بعض الثقافات.
وهناك الكثير من الأوضاع التي تستخدم فيها الشفاه لإرسال رسائل معبرة عن انفعالات مختلفة. ومن التعبيرات المركبة العالمية المعبرة عن الاستياء والاستنكار حركة الحواجب إلى أسفل مصحوبة بسحب زاوية الفم أيضًا إلى أسفل مع تجعد الأنف. فإذا ما ارتفعت الوجنتان لتصنعا ابتسامة إضافة لهذا الوضع فالرسالة هي السخرية.
وكما أن فمنا ينفتح تلقائيًا عند الشعور بالسعادة فنبتسم ونتحدث كثيرًا، فإنه ينغلق تلقائيًا أيضًا وتكاد تجمد الشفاه عندما نشعر بالحزن. وكلما زاد التوتر كلما انضغطت الشفاه للداخل، حتى إنها قد تُشكل حرف U مقلوبًا عند درجة الحزن القصوى.
قد يكون تقطيب الجبين مظهرًا للحزن أو الغضب، وفي فرنسا يشيرون إلى عضلات الجبين باسم عضلات الحزن. كما قد يكون التقطيب دليلًا على التركيز أو التحير في أمر، وربما في مشكلة، خاصة إذا صاحبه لمس الرأس أو الاستناد باليد على الجبهة.
ومن حركات اليدين اللا إرادية التي نحاول بها تغيير تعبير وجوهنا، فرك منطقة عقد الحاجبين، لأن تخفيف شد العضلات في تلك المنطقة يقلل التوتر.
هناك من يحاول تهدئة مشاعره السلبية بطرق أخرى كلعق الشفاه أو الضغط عليها بالأسنان، أو مضغ العلكة، أو قضم الأظافر وسدادات الأقلام. وكل هذه السلوكيات تعطي انطباعات سيئة عمن يقوم بها، وينبغي التدريب على ضبطها.
ومن خلال سلسلة من التجارب الشهيرة توصل ألبرت ميرابيان (Albert Mihrabian, 1971)  إلى أن الشعور الكلي بحديث شخص ما = 7 % شعور لفظي + 38 % شعور صوتي + 55 % شعور وجهي. وبالرغم من صعوبة تصديق مثل هذه النسب التجريبية، إلا أنها بلا شك تؤكد لنا على أهمية أنماط الاتصال غير اللفظي في الإدراك الشعوري للأفراد، وخاصة تعبيرات الوجه. فماذا نعرف عن الكيفية التي ندرك بها تعبيرات الوجه؟
مثلما قد يختلف الناس في تفسير الكلمات الصادرة عن شخص ما، كثيرًا ما يكون تفسير تعبيرات الوجه مربكًا ومحيرًا. وتظهر الدراسات أن إدراك الناس لانفعالات السعادة والحزن والمفاجأة أيسر من غيرها من الانفعالات. بينما تقل الدقة في إدراك انفعالات أخرى كالخوف والغضب.
وقد تؤثر عناصر الموقف في إدراك الانفعال الوجهي نفسه، فالوجه المبتسم يُدرك وحده بمعزل عن أي عناصر كمعبر عن السعادة، ولكن عندما توجد عناصر أخرى في الموقف يختلف إدراكنا له. على سبيل المثال: عندما ينظر صاحب الوجه المبتسم إلى وجه مكتئب لا يُدرَك الابتسام كدليل على السعادة بل قد يُعتبر سخرية.
ولتعبيرات الوجه أيضًا تأثيرها الانعكاسي على الآخرين الذين نتفاعل معهم، فنحن عندما نبتسم في وجوه الآخرين يبتسمون لا إراديًا حتى لو كانوا يشعرون بالحزن، وإن كان من المؤكد أن الابتسام وحده غير قادر على إنهاء الشعور بالحزن لدى الآخرين تمامًا.
وتؤثر الثقافة أيضًا اختلافًا كبيرًا في إدراكنا لتعبيرات الوجه. وقد زود التطور الكبير في تقنية التصوير الفوتوغرافي -من خلال الصور شديدة الدقة- علماء النفس والاجتماع بإمكانيات ساعدت كثيرًا في دراسة تعبيرات الوجه، أو بشكل أدق الطرق التي يدرك بها الناس تعبيرات الوجه، وكانت الدراسات في مراحل سابقة قاصرة على صناعة تماثيل مطاطية لمحاكاة تلك التعبيرات الوجهية.
بالرغم من ذلك، وأخذًا لمهارة الضبط الانفعالي في الاعتبار، فإنه ينبغي التأكيد على أن الانفعال كما يُلاحظه ويُدركه الآخرون ليس بالضرورة أن يكون هو الانفعال الحقيقي الذي يشعر به الشخص. لكن أظهرت بعض الدراسات أن إظهار الشخص تعبيرات وجهية مركبة (الحزن والغضب معًا على سبيل المثال) تتيح لمن يتفاعلون معه دقة أكبر في إدراك انفعالاته، ربما لأنه يصعب على الشخص المنفعل ضبط أكثر من تعبير انفعالي واحد.
ولأن الحكم على تعبيرات الوجه له دور هام في تواصلنا الاجتماعي فإن التواصل الاجتماعي الفعّال يستلزم من الإنسان ضبط تعبيرات وجهه في كثير من المواقف باستخدام استراتيجيات التنظيم الذاتي لإظهار الانفعال المناسب اللائق اجتماعيًا، ويتحقق هذا الضبط بأربع طرق:
-التكثيف (أو المبالغة): وهو إظهار درجة شدة أعلى للانفعال الذي يُشعَر به؛ فحتى لو كان شخص لا يعتني كثيرًا بإعداد زوجته حفل عيد ميلاد له، وفوجئ بإعداد هذا الحفل، فليس من اللائق إظهار عدم اعتنائه، وعليه أن يبالغ ويزيد من تعبيراته الدالة على المفاجأة بذلك التصرف.
-تقليل التكثيف (أو كبح الانفعال): وهو إظهار درجة شدة أقل للانفعال الذي يُشعَر به؛ فإظهار الزملاء لسعادة عارمة بالنجاح في وجود زميلهم الذي رسب ليس لائقًا اجتماعيًا، وعليهم كبح انفعالهم وعدم إظهار شدته الحقيقية.
-التظاهر: وهو إظهار انفعال لا يُشعَر به من الأساس، وهو يختلف عن التكثيف، ففي مثال عيد الميلاد السابق، يكون تعبير الفرد عن مزيد من المفاجأة تكثيفًا لأنه متفاجئ بالفعل، ولكن تعبيره عن السعادة هو تظاهر لأنه ليس سعيدًا بعيد الميلاد ولا يعني له شيئًا كأغلب الرجال. كما وقد يكون من اللائق كظم الغيظ في كثير من المواقف والتظاهر بعدم التأثر.
-التقنع (أو التمثيل): وهو إظهار انفعال لا يُشعَر به لإخفاء انفعال آخر لا يريد الفرد لأحد أن يلحظه، كمن يُظهر السعادة لإخفاء حزنه.