الاثنين، 29 يناير 2018

150-أسلوبا التواصل الذكري والأنثوي


أسلوبا التواصل الذكري والأنثوي
د/منى زيتون
الجمعة 11 مايو 2018
السبت 9 فبراير 2019





يتفاوت الاهتمام بين الرجال والنساء بشأن نجاح العلاقات الإنسانية؛ فالرجال لا يعطون الأمر القدر من الأهمية نفسه الذي تعطيه النساء، خاصة على الصعيد الشخصي والعلاقات العاطفية، ولكن من المؤكد أن المهارات الاجتماعية الجيدة تسهم في نجاح الجميع.
بوجه عام يوجد أسلوبان للتواصل الاجتماعي لدى البشر. أسلوب يشيع بين الذكور بوجه عام ويُعرف بالأسلوب الذكري، وأسلوب تستخدمه أغلب النساء ويمكن تسميته بالأسلوب الأنثوي في التواصل. وحقيقة أن هناك رجالًا يستخدمون الأسلوب الأنثوي، وأن ثمة نساءً أقرب إلى الأسلوب الذكري، لا تمنع من استخدام التعميم.
وهذان الأسلوبان المختلفان في التواصل بين البشر أثناء التفاعلات الاجتماعية قد ينتج عنهما إساءة فهم مقصد أحد طرفي العلاقة أو كليهما، سواء كانت مهنية أو شخصية. يقول جبران خليل جبران: إساءة الفهم هي أسوأ مسافة بين شخصين!
تزيد حدة هذه الخلافات عادة بين النساء والرجال، ولعلنا نكون قد فهمنا من خلال عرض الفروق في مهارات التواصل الاجتماعي بين الجنسين جانبًا كبيرًا من أسباب تلك الخلافات، لكن يبدو الأمر أعقد من هذا، وينبغي علينا لندركه أن نغوص في العمق ونحدد الفروق العامة في أساليب التواصل التي يستخدمها كلا الجنسين بشكل أكثر دقة.
وهنا ينبغي الحذر من بعض الأفكار النمطية الخاطئة التي تتكون لدى العامة عند ذكر تصنيف أساليب التواصل إلى أسلوب تواصل ذكري وآخر أنثوي، وأهمها:
·        تستخدم جميع النساء أسلوب التواصل الأنثوي، بينما يستخدم جميع الرجال أسلوب التواصل الذكري (×)
·        يستخدم كل فرد منا أسلوبًا تواصليًا واحدًا بكل مفرداته (×)
·        مفردات أسلوب التواصل لكل فرد ثابتة، لا تتغير بتغير مواقف الحياة (×)
·        مفردات أسلوب التواصل للفرد ثابتة غير قابلة للتغير باختلاف درجة قرب من يتواصل معهم (×)
والصحيح أنه توجد الكثير من الآراء والأحكام النمطية العامة الحقيقية عن الجنسين، تنشأ عن تعميمات سلوكية لسلوك الذكور كمجموعة والنساء كمجموعة مقابلة، لكن توجد أيضًا الكثير من الفروق الفردية بين البشر، وليس كل النساء يستخدمن الأسلوب الأنثوي، فمن النساء من هن أقرب للأسلوب الذكري، كما أن هناك رجالًا يستخدمون أسلوبًا أنثويًا، وليس لهذا أدنى علاقة بالشذوذ الجنسي، فالنساء اللاتي يستخدمن أسلوبًا ذكريًا في التواصل والتعامل مع الناس لسن مسترجلات، كما أن الرجال الذين يستخدمون أسلوبًا أنثويًا مفرطًا ليسوا بالضرورة من الجنس الثالث كما قد يُظن بهم.
كما أنه ليس صحيحًا أن كل فرد منا يستخدم أسلوبًا واحدًا ذكريًا كان أو أنثويًا بكل ما ينطوي تحته، فقد تستخدم بعض مفردات الأسلوب الذكري رغم أنك أميل بوجه عام إلى أن يكون أسلوبك أنثويًا، والعكس، كما أن أسلوب تواصل الفرد يتغير تبعًا لمواقف الحياة ما بين مواقف شخصية ومواقف العمل، بل ويتغير تبعًا لنوعية العمل، وكما قد يختلف باختلاف من يتواصل معه ومدى قربه من نفسه.
ونظرًا لتعارض مفردات الأسلوبين الذكري والأنثوي لدى طرفي التواصل تحدث الكثير من المشكلات الاجتماعية؛ إذ يمكن القول إننا لا ندرك لماذا يتصرف الآخرون معنا على النحو الذي تصرفوا به، ولا نعي أيضًا كيف يروننا ويفسرون سلوكنا!
فما هي الملامح المميزة لكلا الأسلوبين الذكري والأنثوي في التواصل الاجتماعي؟ وما هي أشهر حالات سوء الفهم الاجتماعي الناجمة عن الاختلاف فيهما؟

الأسلوب الذكري في التواصل الاجتماعي
لعل الملمح الأول المميز للأسلوب الذكري أن الذكريين لا ينشغلون بالعلاقات الاجتماعية، ولا يلحظون المشكلات التي تنجم عن اختلاف مهارات التواصل بين البشر، أو ربما لا يهتمون لها، ولا يرغبون في مناقشتها. وهو ما ينطبق جليًا على أغلب الرجال.
والذكريون –حيث أغلبهم من الذكور- يفضلون معالجة مشكلاتهم داخليًا؛ فهم بدرجة ملحوظة أقل رغبة في المشاركة، وليسوا فقط غير منشغلين بالعلاقات والمشكلات الاجتماعية، بل وغير منتبهين إلى ضرورة إعطاء تفاصيل يراها أصحاب الأسلوب الأنثوي ضرورية عند التفاعل الاجتماعي، ويظنون بهم الظنون لأجل إخفائها.
والانطباع العام عن الأسلوب الذكري في التواصل هو المباشرة والحسم، وهو ما يشيع لدى الرجال، ولكن توجد نساء كثيرات يستخدمنه في نطاق العمل لتحقيق النجاح المنشود.
وقلما يستخدم الذكريون قنوات التعبير الانفعالي غير اللفظية، وهم مُقلون أيضًا في استخدام التعبير اللفظي لكن فقط في علاقاتهم الشخصية للتعبير عن مشاعرهم، بينما قد يوجد بينهم من يعبرون بطلاقة إذا ما كان الهدف إظهار المكانة والسيطرة في مجال العمل.

الأسلوب الأنثوي في التواصل الاجتماعي
يشيع هذا الأسلوب لدى الإناث ويقل تمامًا لدى الرجال. وأول ما يلفت النظر في أصحاب الأسلوب الأنثوي هو تميز أصحابه بالانشغال ربما بشكل مفرط بالعلاقات الاجتماعية، ويلاحظ أصحابه أي مشكلات تنشأ عن اختلاف مهارات وأساليب التواصل، ولديهم الرغبة الدائمة في مناقشتها؛ كونها تقلقهم، خاصة عندما يكون طرف التواصل هو شريك الحياة، الذي في المقابل قد لا يعبأ كثيرًا بهذا الذي يشغلهم! ولا يفهم لماذا يشغلهم؟!
لا شك أن النساء بوجه عام عاطفيات أكثر من الرجال، يشعرن أكثر، يعبرن عن مشاعرهن أكثر، وحساسيتهن وتعاطفهن تجاه شركائهن أكثر. هذا يرجع في جانب كبير منه إلى اختلاف حجم التراكيب المخية تحت قشرة المخ بين النساء والرجال، فهي أكبر حجمًا لدى النساء، كما أن تحدث النساء عن مشاعرهن يجعلهن يفهمنها بشكل أفضل.

أشهر أمثلة سوء الفهم بين أصحاب الأسلوبين الذكري والأنثوي
التفاصيل
عندما لا يهتم الذكري بإعطاء تفاصيل حول موضوع ما لأن هذا أسلوبه ليس أكثر، يعتقد أصحاب الأسلوب الأنثوي أن هذا الإخفاء متعمد للمعلومات، وأنه إما محاولة لفرض الهيمنة وإشعار الشريك بأنه ليس ملزمًا بتعريفه بما يفعل، أو أن الرجل قاسٍ وبارد المشاعر، أو أن هناك أمورًا مسيئة يتم إخفاؤها، ويعتبر هذا الإيجاز من أكثر ما يثير ريبة النساء في الرجال في العلاقات الشخصية.
ربما على الرجال تفهم أنه يلزمهم إعطاء تفاصيل أكثر في كثير من الأحيان، وعلى النساء في المقابل أن يتعلمن أن يوجزن ما لم تكن هناك ضرورة لتقديم تفاصيل.

اتخاذ القرارات
على العكس من الرجال فإن النساء عندما يُعطين تفصيلات كثيرة ويرغبن في المناقشة قبل اتخاذ القرارات لا يفعلن ذلك كونهن يفتقدن الثقة والكفاءة كما يعتقد الرجال، إنما يفعلن هذا لأنه أسلوبهن في التواصل. بينما الرجال لا يتناقشون كثيرًا ويتخذون قراراتهم بمفردهم لأن أسلوبهم في التواصل الاجتماعي أكثر استقلالية.
ينبغي أن تقلل النساء حساسيتهن تجاه هذا الأمر طالما أن القرار الذي يتخذه الرجل هو قرار شخصي، وعلى الرجال في المقابل إدراك معنى شراكة الحياة وأنه لا يمكن أن يبقي زوجته آخر من يعلم بخصوص قرارات تخص عائلتها، لا يفكر ولا يعبأ بإشراكها في اتخاذها.

ذاكرة المرأة وذاكرة الرجل
سبق أن تعرضنا للفروق في معالجة المعلومات في أدمغة الرجال والنساء في مقال سابق، وكيف أن مخ المرأة تترابط مناطقه بشكل دائم، بينما مخ الرجل يعمل بشكل أكثر انعزالية وتركيزًا. وبسبب هذا الفارق فإن قدرة المرأة على ربط الحوادث المختلفة، وربط تلك الحوادث بمشاعرها هائلة، ومن البدهي أن يؤثر هذا في تقوية ذاكرتها تجاه الحوادث التي لها ارتباط بالمشاعر، ولا يوجد وجه للمقارنة بين ذاكرتها في هذا الباب وذاكرة الرجال.
المرأة تتذكر الحوادث في العلاقة الشخصية ولا تنسى أي تفصيل على عكس الرجال، وهذا يسبب العديد من المشاكل عندما ينسى الزوج تاريخ أول لقاء أو تاريخ الخطبة أو تاريخ الزواج. تستمر تلك المشاكل إلى أن تعتاد المرأة نسيان الرجل أو حتى يجد وسيلة ما لتذكيره!

التعبير والتعاطف
النساء لا تتعمد الإفراط في إظهار عواطفهن، بل هن يفعلن هذا بشكل طبيعي. والرجال أقل مهارة في الحساسية اللفظية والانفعالية؛ لذا فمن الطبيعي أنهم لا يستشعرون حاجة الشريك إلى التعاطف والدعم بالقدر نفسه الذي تلحظه النساء، كما أن قدراتهم التعبيرية اللفظية والانفعالية أقل مما للنساء، فلا يعبرون بالدرجة نفسها من المهارة، ولكن هذا لا يعني أنهم غير مهتمين وغير مراعين لمشاعر الشركاء، وهذا ما يجب أن تفهمه النساء.
هذا لا يمنع أن الرجل الذي يطور مهاراته التعبيرية يحقق نجاحًا وسعادة في الحياة الشخصية له ولشريكة حياته.

التفاعل أحادي الاتجاه مقابل ثنائي الاتجاه
ما لا يفهمه كثير من الرجال أن المرأة في الغالب لا يرضيها أن تتكلم فقط، بل ترغب في التواصل وخلق حوار مشترك مع الآخر، يُحدِّثها –ولو قليلًا- ويصغي فيه إليها.
على العكس من ذلك نجد الرجال لا يتحدثون كثيرًا، وإن تحدثوا يتحدثون دون توقف لاعتيادهم أخذ دورهم في الحوار عن طريق المقاطعة، وهو ما تراه النساء طريقًا لإظهار السيطرة الذكرية وإلقاء الأوامر، ولا يفهم الرجال لماذا تراه النساء كذلك! لأن النساء على العكس ورغم طلاقتهن اللفظية التي تفوق ما للذكور يتوقفن أثناء الحديث لإعطاء الفرصة لاستمرار الحوار من جانب الطرف الآخر.
على الرجال أن يشاركوا النساء في الحوار أكثر مما يفعلون في العادة، وأن يتجنبوا المقاطعة، وعلى النساء في المقابل أن يتعلمن كيف يمنعن الرجال من مقاطعتهن وكيف يدرن دفة الحديث مرة أخرى إليهن إذا ما حدثت المقاطعة.

التقوقع مقابل الفضفضة
أغلب النساء عندما يتعرضن لمشاكل ضاغطة يتحدثن عنها إلى المقربين والمقربات منهن، بل ويفرطن في الحديث، بينما أغلب الرجال يتقوقعون ولا يتحدثون عن مشاكلهم؛ لأن تحدثهم عن مشاكلهم ومشاعرهم يجعلهم يشعرون بالضعف.
والمرأة عندما تُحدِّث الرجل عن مشاكلها وما يقلقها لا تعتبر أن الرجل هو سبب المشكلة، كما لا يلزم أنها تحدثه عن المشكلة لأجل طلب المساعدة منه. الحديث عن المشاكل والمشاعر بالنسبة للنساء يريحهن ويجعلهن يفهمنها بشكل أفضل، ويدركن ما عليهن فعله.
على كلا الطرفين أن يفهم الطرف الآخر. الرجل عليه أن يدرك أنها لن تصاب بانهيار عصبي عندما تحكي عن مشاكلها! دعها تفضفض عما يقلقها، فهي ترغب في الفضفضة لا أكثر. وعليكِ أن تنزعي من رأسك أنه لا يرغب في تعريفك مشكلاته لأنكِ لست قريبة من قلبه!
لكن بالرغم من ذلك ينبغي أن يفهم الطرفان أنه في العلاقات الناجحة تصبح المشاكل التي يمر بها أحد الزوجين سببًا في تدعيم العلاقة بينهما عندما يترك الفرصة لشريك حياته أن يمد يد العون إليه ويشعره بحبه له، أما في العلاقات الفاشلة فغالبًا يتقوقع الرجل داخل مشكلته، وقد يسيء لزوجته بحجة تعكر المزاج، أو لا ينصت لها عندما تفضفض له عما يؤزمها ويؤرقها، فتصبح المشاكل الخارجية سببًا لإفساد العلاقة لا تقويتها.

الاستماع
تكثر النساء من استخدام تعبيرات الوجه المرحبة والإيماءات بالرأس كعلامة على الانتباه والإصغاء أثناء الحوار. وكثيرًا ما يسيء الرجال فهم هذا ويتصورون أن النساء يوافقونهم في آرائهم تمامًا ليفاجأوا بعد ذلك بالعكس!
النساء لا يجدن الصعوبة نفسها، ولا يحدث معهن إساءة فهم كالتي تحدث للرجال لأن أغلب الرجال لا يفرطون في إظهار علامات الإصغاء أثناء الحوار.

المزاح
الرجال يكثرون من استخدام الحركات الخشنة والدعابات الساخرة في حديثهم، سواء مع الأقران من الذكور أو مع زوجاتهم. وهذا جزء من أسلوبهم التواصلي الذكري الذي تراه أغلب النساء يفتقر إلى الحساسية واللياقة، ويرى الذكور في المقابل من لا تتقبله نكدية لا تتمتع بروح الدعابة وخالقة للمشاكل! ومن النكات الشائعة أن رجلًا سأل صديقه: هل زوجتك من النوع النكدي؟ فأجابه: وهل هناك نوع آخر؟!
وينتشر على الشبكة العنكبوتية مقطع يدّعي أن دراسة عبر ثقافية قد أُجريت على عينة كبيرة من النساء من ثقافات مختلفة، لقياس متغير "النكدية"، وأن المرأة المصرية حصلت على المركز الأول فيه عالميًا! وبصفتي من أهل الاختصاص فلم أسمع من قبل بمتغير اسمه "النكدية"، ولو كان المتغير المقيس في تلك التجربة المدّعاة هو "الانبساط مقابل الانطواء"، فالانبساط كمصطلح نفسي يختلف عن مفهومه العامي ولا يساويه تمامًا. ولا أعتقد أن دراسة عبر ثقافية كهذه تمت بالفعل. هذا كلام فارغ من كل معنى للتنكيت عبر الشبكة لا أكثر. ولو تفهم كلا الطرفين الأسلوب التواصلي لبعضهما لاستطاعا مواجهة ضغوطات الحياة معًا، ولما كان للنكد مكانٌ بينهما.

التواصل البصري
تستخدم المرأة التواصل البصري كثيرًا أثناء الحوارات، سواء مع الرجال أو مع النساء، وفي العلاقات الشخصية والمهنية. وهذا أحد أشهر مفردات الأسلوب الأنثوي في التواصل، بينما يتجنب الرجل التواصل البصري أثناء الحوار مع شريكة الحياة، ويصغي إليها في صمت دون مواجهة خط النظر، وهذا يختلف عن دخوله غرفة اللا شيء في مخه لتخفيف الضغوط عن نفسه، ولا يعني أن الرجال لا يستمعون إلى شريكاتهن دائمًا كما تتصور أغلب النساء وتغضبن له.
صحيح أن الرجال لا ينتبهون انتباهًا كاملًا لحديث النساء؛ إذ إنه من الصعب على الرجل أن يركز في كثير من التفاصيل التي تحكيها المرأة والتي يراها غير ذات قيمة ويمكن اختصارها، لكنه لا يتواصل بصريًا باستدامة أثناء الحوار ليس لعدم اهتمامه بل لأن هذا أسلوب الذكور؛ فالرجال يستخدمون التواصل البصري غالبًا لإظهار القوة والتحدي، وهو ما يحدث في علاقات العمل، ونادرًا ما يحدث في العلاقات الشخصية مع زوجته.
ربما كان من أكثر ما يسبب سوء الفهم لدى الإناث أن الرجال في بداية العلاقات الشخصية يطيلون النظر إلى شريكاتهن، كتعبير عن المغازلة، والذي تفسره النساء خطأ على أنه تواصل بصري، وشتان بين إمعان النظر وبين التواصل البصري أثناء الحوار، لذلك فإن إحجام الرجل عن النظر إلى شريكته في مراحل لاحقة من العلاقة –خاصة في السنوات الأولى من الزواج- يكون من أشد ما يقلقها ويشعرها بفتور اهتمامه بها.
من جهة أخرى قد يلجأ الرجال إلى إظهار التحدي والعدائية في نطاق العمل ليس فقط عن طريق إدامة التواصل البصري بل أيضًا عن طريق تجاهل النظر! عندما يريدون إشعار من أمامهم بالدونية.
العجيب أن الرجال الذين لا يعبرون عن اهتمامهم بالزوجة من خلال التواصل البصري أثناء الحوار، يعتبرون التواصل البصري نحوهم من النساء اهتمامًا!

المباشرة والحسم
في العمل كثيرًا ما تكون النساء منزعجات، لكن دون التعبير عن هذا الانزعاج، خوفًا من الاتهام بالتسلط، وهو ما لا يستطيع زملاء العمل من الرجال إدراكه. وعلى العكس فإن أسلوب التواصل الذكري المباشر يكون أفضل في التعبير عن مواطن الخلاف في العمل.
الفرق في الأسلوبين ليس مشكلة الرجال على أي حال، فقدراتهم الحدسية لا تؤهلهم لإدراك ما يدور في عقول النساء، وعلى النساء أن يتعلمن أن يحدثن توازنًا ليكنّ أكثر مباشرة وحزمًا في نطاق العمل مع المحافظة على العلاقات وإظهار التعاطف نحو المحيط، والذي لا تستغني عنه المرأة.
ولأن أسلوب الذكور يتميز بالمباشرة والحسم، لذلك نراهم يكثرون من استخدام صيغة فعل الأمر، وإن كان الغرض هو الطلب وليس التسلط كما تفهم النساء اللاتي يفتقر أغلبهن إلى هذا الحسم في الحوار، ولا يكثرن في المقابل من استخدام صيغة الأمر المباشر، بل يعرضن ما يرغبن أن يفعله الآخر عليه في صورة مقترح وربما تساؤل! ربما كان هذا مقبولًا من النساء في العلاقات الشخصية، ويسهم في إضفاء نعومة على التفاعل مع شريك الحياة، لكنه يكون سببًا مباشرًا في شعور المرءوسين الرجال بضعف مديراتهن النساء.
ينبغي أن يفهم الرجل أن المديرة المرأة عندما تخاطبه بهذه الصيغة فهذا نابع من اختلاف أسلوب التواصل وليس بسبب ضعفها أو افتقادها الثقة في نفسها كما يظن، كما ينبغي أن يقلل الرجال من صيغة الأمر خاصة في العلاقات الشخصية مع شريكات حياتهم.
وجدير بالذكر أن أغلب الرجال والنساء يرون الحسم والمباشرة لا يليق بالنساء، بل يرون أن المرأة ينبغي أن تركز على بناء العلاقات والحفاظ عليها أكثر من تركيزها على الصدق والمباشرة في الحوار الذي قد يبدو في حق المرأة وقاحة! بينما المرأة الحاسمة الصارمة ليست مسترجلة ولا تفتقد الأنوثة كما ينظر إليها أغلب الرجال والنساء! هي فقط تجيد التمييز بين المواقف التي تستلزم إظهار نعومتها ورقتها وبين المواقف التي تتطلب الجدية، كما أن الحسم والصرامة والجدية لا يعني افتقاد التعاطف تجاه الآخرين.

الاعتذار
الرجل ليس مهيأ نفسيًا للاعتذار اللفظي عند الخطأ مثلما تفعل المرأة. يميل كثير من الرجال لإصدار أقوال أو أفعال استرضائية عوضًا عن الاعتذار المباشر. والمرأة التي تنتظر الاعتراف بالخطأ والاعتذار اللفظي عنه وتصر عليه من شريكها ربما تصعب الأمور وتضع العلاقة في موضع حرج.
على العكس تمامًا فالنساء يكثرن من استخدام عبارات الأسف فهي كلمات دارجة لديهن يطلقنها بإفراط كما يطلقن عبارات الشكر! وهذا أحيانًا يُطمع الرجل –دون وعي منه- في أن ينال اعتذارًا من شريكته على مواقف خالفته فيها في الرأي -وليس عليها أبدًا أن تأسف على هذا- لأنه اعتاد منها أن تأسف بسهولة! وعندما ترفض الاعتذار وترى في هذا إهانة لها قد تثور المشاكل.

الاتجاهات والأماكن والألوان
من لا يفهم شرح الاتجاهات لموقع ما بغير استخدام الخرائط والعلامات ليس غبيًا كما يرى الرجال، ولكنه الأسلوب الأنثوي الذي تغطي أغلب النساء ضعف قدراتهن البصرية المكانية ثلاثية الأبعاد عن طريقه.
في المقابل فإن كان الرجل أسرع في تحديد الاتجاهات الصحيحة والوصول للأماكن، فقدرة المرأة على إيجاد الأشياء المفقودة في أي مكان أضعاف ما للرجل.
نقطة إضافية وهي أن المرأة أكثر دقة في تحديد درجات الألوان، فعين المرأة ترى الحياة ملونة بأكثر مما يراها الرجل.
إنها فقط الفروق بين الجنسين في القدرات البصرية المكانية التي لا نحترمها، وربما نسخر من بعضنا لأجلها!

المساعدة مقابل إلقاء اللوم
عندما تكون المرأة في موقع المسئولية وتحدث بعض المعوقات يسارع الرجال بإلقاء اللوم عليها، وهذا ليس راجعًا فقط لأن المسئول امرأة، بل هم غالبًا سيفعلون الشيء نفسه ويلقون اللوم لو كان المسئول رجلًا، لأن هذه طريقة الرجال في النظر إلى الشخص المسئول، وهي نظرة تختلف عن نظرة النساء إلى المسئولية؛ حيث المسئولية بالنسبة إليهن أعباء يُكلف بها المسئول، وعندما تسوء الأحوال يكن أكثر ميلًا من الرجال للمساعدة لأجل تحسينها بدلًا من إلقاء اللوم.

الحب مقابل الاحترام
الرجال يهمهم أن يكونوا محل احترام من زوجاتهم أو من زملاء العمل قبل اهتمامهم بأن يتلقوا منهم الحب.
الاستقلالية والتنافسية التي يتربى عليها أغلب الرجال لا تجعلهم يرون الحب أعلى أفضلية من مرتبة الاحترام، هذا على عكس أغلب النساء اللاتي يأسين كثيرًا إذا ما شعرن أنهن غير محبوبات بشكل كافٍ في مجال عملهن أو من أزواجهن.
هذا الفرق يجعل الرجال يقدمون على تصرفات كثيرة سعيًا نحو الاحترام والمنزلة العالية والمكانة على حساب الحب، ويتقبل المجتمع منهم ذلك. لكن على النقيض، ولأن الفتاة المتفاخرة على قريناتها دومًا ما تكون منبوذة، والنساء يتربين على المساواة فيما بينهن، فإنه في العمل غالبًا تحدث المشاكل بين النساء المديرات والمرءوسات إذا ما أصرت المديرات على إشعار مرءوساتهن بعدم التكافؤ، لأن هناك رغبة مضادة لدى المرءوسات في الإحساس بالمساواة ورفض لتميز إحداهن من بينهن.
غالبًا تكون المديرة الناجحة هي من تُشعر مرءوسيها ذكورًا وإناثًا بما يمكن أن أسميه (حسم الأم)، وهو شكل من الحسم يجعل لها سلطة متقبلة غير منفور منها كونها مصحوبة بالرعاية أكثر من التسلط الذي لا يُقبل من النساء خاصة. وقد يساعد المديرة الأنثى أن تتعلم توزيع المهام بحيث لا تحتفظ بكل الخيوط في يدها، وهو الخطأ الإداري الشائع لدى النساء.
وفي الحياة العائلية لتحذر المرأة من أي تصرف قد يرى فيه الرجل تقليلًا من احترامه ومنزلته لأن كرامته ستكون في المرتبة الأعلى من حبه لها، وليتذكر الرجل أيضًا أن هناك نساءً ربما يكن أكثر منه تفضيلًا للاحترام عن الحب، فإذا ما كانت زوجتك من هذا النوع الذي يستخدم هذه المفردة الذكرية في التواصل، عليك الانتباه جيدًا وعدم خدش كرامتها حفاظًا على استمرار العلاقة.

وكما ذكرت في البداية فإن تصنيف أسلوب الفرد التواصلي إلى ذكري أو أنثوي لا يعني أن هناك أسلوبًا صحيحًا وآخر خاطئًا، كما لا يعني أن الفرد يتفق على طول الخط مع ملامح ذلك الأسلوب أو الآخر، ولكنه تعميم نسبي.
أعرف كثيرًا من النساء الناجحات مهنيًا أسلوبهن التواصلي في العلاقات المهنية مزيج بين كلا الأسلوبين، وفي كثير من الأحيان تعمل عقولهن بطريقة تقترب من عقول الرجال، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمعالجة المشكلات؛ حيث يعالجنها داخليًا ولا يتشكين ويفضفضن حتى لأقرب الناس كمعظم النساء.
كما أن المرونة تجعل أسلوب الفرد يتغير وفقًا لطبيعة الموقف، لكن من المهم للجميع ذكورًا وإناثًا تفهم تلك الفروق بين الأسلوبين ليرى كل منا نفسه جيدًا ويتفهم كيف يراه الآخر.