الاثنين، 29 يناير 2018

140-عندما يتحرش الأقزام بالصغار!

عندما يتحرش الأقزام بالصغار!
د/منى زيتون
الجمعة 23 فبراير 2018

لعل من أوائل الدروس الاجتماعية التي تلقيتها في صغري أن الصغار يجب ألا يحشروا أنفسهم في نقاشات ومشاكل الكبار، لكن وكما قال القدماء: إذا عشت أراك الدهر عجبًا! وقد عشت بالفعل حتى رأيت من يُفترض أنهم كبار القدر والمقام يزجون بأبناء خصومهم في مشاكلهم معهم! ربما لأن ما هم حقيقة إلا أقزام! وأمثالهم ليسوا رجالًا ليواجهوا الرجال.
على الموقع الالكتروني لصحيفة الدستور التي يرأس تحريرها محمد الباز، وتحولت معه إلى علم من أعلام النفاق الإعلامي في مصر بعد أن كانت حاملة لواء المعارضة يومًا ما، قرأتُ مقالين صحفيين اختلفا في العنوان واتفقا في المضمون التافه الذي ساقاه، والذي يتعرض لأبناء السياسيين الكبار الذين كانت لآبائهم محاولة لعب دور في سباق الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، وإن كان المقال الثاني هو الأهم.
نُشر أول المقالين يوم السبت 17 فبراير 2018 وكان بعنوان "«ابن الوز» مش «عوام».. القصة الكاملة لظهور أبناء عنان وأبو الفتوح وجنينة وشفيق"، وتلاه المقال الثاني يوم الأحد 18 فبراير 2018، وعنوانه "التركة المشينة.. كيف تأثرت حياة أبناء «جنينة وشفيق وعنان وأبو الفتوح» بسبب آبائهم؟"
بدأ المقال الثاني بوصف الآباء بأفظع الأوصاف وكيل أشد الاتهامات كأنهم عملاء لمخابرات أجنبية، وليسوا سياسيين كبار حاولوا ممارسة حقوقهم الدستورية، حيث ذكرت كاتبة المقال في حقهم: "عبد المنعم أبو الفتوح، سامي عنان، هشام جنينة، أحمد شفيق، جميعهم أسماء اُتهمت بالتحريض ضد الوطن وارتكاب تهم من شأنها أن تضرّ الأمن القومي، وعلى الفور أُلقي القبض عليهم في منطقة استطاعت أن تجمع المتهمين بالخيانة، وهي منطقة «التجمع الخامس» بالقاهرة الجديدة، ليتم إيداعهم على الفور في السجون، تاركين وراءهم «تركة مشينة»، وإن شئت قُل «مخزية»، لم يستطع أحد من أبنائهم مواجهتها أمام وسائل الإعلام المختلفة"! ثم تعدى الأمر إلى سيرة أبنائهم ووضع صورهم!
والحقيقة أن مقالي الدستور لم يكونا أكثر من حلقة جديدة من حلقات مسلسل التشنيع على أبناء هؤلاء الساسة الكبار، فقد تم التلويح بالعديد من الاتهامات نحوهم تباعًا منذ بدأ آباؤهم لعب أدوار في سباق الانتخابات الرئاسية؛ فمن بنت شفيق الفاسدة رغم كونها ربة منزل وتعيش خارج مصر منذ أعوام! إلى ابن عنان الفاسد الذي تعيّن بالواسطة في أكاديمية النقل البحري، إلى بنت جنينة البلطجية التي ضربت شرنوخ ومزقت ملابسه! وكذا زوجته التي اتضح أنها عضو في حركة حماس التي لا نعرف هل يعتبرها النظام منظمة إرهابية أم فصيل من الفصائل الفلسطينية، علمًا بأن حماس لا تضم نساء إلى صفوفها! ثم أخيرًا محاولات للزج بأسماء زوجة وأبناء أبي الفتوح الستة في قضية اتهامه بالإرهاب!
وكأن تلويح النظام بأسماء الأبناء كوسيلة للضغط على آبائهم ليس كافيًا، فزادت أبواق إعلام النظام إلى التشهير بهم رغم عدم وجود أي اتهامات حقيقية لأي منهم فضلًا عن اتهامات حقيقية لآبائهم! وهو ما بدا من طريقة العرض الفضفاضة في المقالين.
كما أن محاولة الزج بأسماء النساء تحديدًا في صراع السلطة مع الأزواج والآباء صار علامة من علامات عصر السيسي، لم يسبق أن سمعنا بها؛ فعبد الناصر ترك أميرات الأسرة العلوية وشأنهن، حتى إن الإمبراطورة السابقة فوزية لم تغادر مصر حتى ماتت، وسوزان مبارك لم تُمس رغم المحاكمات التي طالت زوجها وابنيها، ولولا أن ابنيها كان لهما باع في السلطة ما فكر أحد مهما كان في محاكمتهما.
والحقيقة إن الهدف الحقيقي من المقالين المتتاليين غير واضح تمامًا، فلا أعرف إن كان الغرض منهما يقتصر على التشهير أم أنه يتعداه إلى التهديد لهؤلاء ولغيرهم من المعارضين ممن لا زالوا يرفعون ألسنتهم في وجه النظام، فإن لم تخف على نفسك فعليك أن تخاف على أبنائك فسيصيبهم من الاتهامات جانب، ويتحملون تركة ثقيلة!

قبل موسم الانتخابات المصرية كانت لدينا أسباب نطلب التغيير لأجلها، كتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والتفريط في موارد مصر، لكن بعد ما رأيناه من تصرفات مشينة تجاه المعارضين السياسيين الذين لم يزيدوا على أن طلبوا تداول السلطة، نشأ لدينا سبب آخر لنرغب في إزاحة هذا النظام، فلم يحدث في تاريخ مصر القديم ولا الحديث أن رأينا مثل هذه التصرفات الخسيسة تجاه المعارضين، ومما زاد الطين بلّة أنها تخطت المعارضين إلى أبنائهم وبناتهم!