الاثنين، 29 يناير 2018

127-خواطر سياسية

خواطر سياسية
د/منى زيتون

سألني كثيرون: لماذا استمتي إلى هذه الدرجة لأجل الانتخابات الرئاسية القادمة؟ هل حقًا لديك أمل أن يحدث تغيير بسببها؟
قلت: لا أريد أن أكرر أخطائي، ولكن يبدو أن التاريخ أحيانًا يأبى إلا أن يعيد نفسه!

**************
كان نبأ فوز مرشح الإخوان د/محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية 2012 صدمة حقيقية بالنسبة لي.
عندما بدأ سباق الرئاسة 2012 لم أكن أعرف في البداية من أختار من بين الثلاثة عشر مرشحًا. ذهبت إلى مكة المكرمة لأداء عمرة، وطوال طوافي حول الكعبة وسعيي بين الصفا والمروة كانت دعوتي التي لا أعلم كم رددتها أن أنر بصيرتي يا رب وانزع أي غشاوة عن عيني واجعلني أعرف الأفضل من بينهم.
بعدما عدت من العمرة بيوم وضعت أمامي قائمة بأسماء المرشحين، وأخذت أتناقش مع نفسي بموضوعية وحيادية حول مميزاتهم وعيوبهم، وإذا بي فجأة أكتشف أنه لا وجه للمقارنة بين أي منهم وبين الفريق أحمد شفيق، وأن كل ما يعيب الرجل أن ظنونًا لا أساس لها تحوم حوله بسبب موقفه من ثورة يناير، والتي كنت ولا زلت مقتنعة أنها كانت ضرورة، وأن ما يحدث طوال سبع سنوات -هي عمرها- أن مصر تنفي خبثها، فكم سقطت أقنعة لم تكن لتسقط لولاها.
كغيري ممن بلغتهم نتائج انتخابات 2012 من مصادر موثوقة، كنت أعلم أن شرعية مرسي زائفة. شرعية لم يكتسبها من صناديق الاقتراع كما يحلو لبهاليل الإسلاميين أن يدّعوا زورًا، وإنما اكتسبها يوم تنازل شفيق عن حقه، كما تنازل جده الحسن بن علي يومًا لمعاوية. وكما كان قميص عثمان منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام هجري ذريعة دينية لبلوغ أهداف سياسية، فقد كان الحلم الإسلامي والمشروع الإسلامي ودعاوى "الإسلام هو الحل" ذريعة الإخوان للوصول إلى الحكم، وكانت سنة واحدة كافية لافتضاح ميكيافيليتهم، وأن لا شيء فيه يختلفون عن غيرهم من الحكام، فالإسلام لم يكن بالنسبة لهم أكثر من وسيلة لا غاية.
لأجل ذلك فرحت بإزاحة حكم الإخوان، وأيدت تحرك 30 يونيو 2013، واعتبرته وقتها ثورة لا انقلابًا، لكن منذ فترة غير قصيرة، وتحديدًا منذ أدركت تمامًا أن السيسي فاشل عديم الرؤية ولا يصلح لحكم قرية، وأنه أكبر غلطة في تاريخ مصر، غيرت رأيي، ولدي من الشجاعة ما يجعلني أعترف أنني أخطأت يوم ناصرت ذلك التحرك.
وربما كان أكثر ما أشعرني أنني أخطات هو مقارنة حالنا بحال تونس، وكيف صبروا حتى تم تداول السلطة سلميًا، ثم رفض الأتراك –بما فيهم معارضو أردوغان- للانقلاب العسكري ضده. تمنيت وقتها لو أننا كنا مثلهم، وفهمت أنه كان ينبغي أن أشجع التداول السلمي للسلطة لا أن أناصر انقلابًا عسكريًا على نظام رئاسي مدني، والذي ألغي التوازن بين القوتين في المجتمع المصري وقتها، قوة الإخوان كونهم في السلطة، وقوة الجيش، فصارت قوة وحيدة تهيمن على المجتمع وتستبد علينا.
ولكن كان ما اعتذرت به لنفسي وقتها أنني خشيت إن بقي الإخوان أكثر أن نعجز عن إزاحتهم بالطرق الديمقراطية، وقد لعب عامة الإخوان دورًا في إثارة المخاوف ربما لم يدركه أكابرهم. كانوا يهددون على صفحات التواصل الاجتماعي عيانًا جهارًا بأن مرسي سيلي ثمان سنوات، ومن بعده أبي إسماعيل ثمان أخرى، ثم سيعلنوها خلافة إسلامية!
وربما لإدراكي حجم الخطأ الذي وقعت فيه سابقًا لم أتحمس للمسار الثوري أو الانقلابي مرة أخرى. حتى عندما حدثت مظاهرات بسيطة -تم قمعها بواسطة النظام- اعتراضًا على موافقة مجلس الشعب على قرار ترسيم الحدود البحرية المصري السعودي الذي آلت به تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، يومها كتبت مقالًا بعنوان "ثورة بلا قائد، هل تتكرر؟!" وتوقعت فشلها في إحداث تغيير، وإن كنت سعدت بأن سمع النظام المتمادي في غيه صوت معارضتنا.
كما كنت مقتنعة أنه لا يمكن أن يحدث انقلاب عسكري لتغيير السلطة، وأن قادة الجيش يفضلون انقلابًا ناعمًا عن طريق الانتخابات لإزاحة السيسي، ثم محاولة إصلاح ما أفسده خاصة فيما يخص الاتفاقيات الدولية، فمكانة مصر الدولية لا تتحمل انقلابين عسكريين في أعوام قليلة.
لأجل هذا كله تحمست كثيرًا لإجراء الانتخابات الرئاسية 2018 رغم أن البادي أن مريض البارانويا الذي يحكمنا صار يتعامل مع مصر على أنها ممتلكات خاصة لا يجوز لأحد الاقتراب منها. أصابه ذلك الهوس الذي يصيب الحكام الديكتاتوريين، الذين لا ينخلعون إلا بعد خناجر يغرسونها في قلب الوطن، وبحور من الدماء تُراق.

كان لدي أمل في تداول سلمي متحضر للسلطة، ولكن الأمل تضاءل حتى انتهى، وعدت مرة أخرى إلى ذات الشعور الذي صاحبني أيام تحرك السيسي لإزاحة الإخوان، وأخشى أن أندم عليه كما ندمت على إزاحة الإخوان بتلك الطريقة التي لا تؤسس لديمقراطية ولا تؤصل لحقوق وحريات شعبنا. لكن، ما العمل؟!