الاثنين، 29 يناير 2018

134-لماذا لم أتعاطف مع الإخوان؟

لماذا لم أتعاطف مع الإخوان؟
د/منى زيتون
الأربعاء 7 فبراير 2018


بعض الأصدقاء تساءل حول مقالي "خواطر سياسية" الذي عبّرت فيه عن ندمي لمساندتي تحرك 30 يونيو، والذي هدف إلى إزاحة جماعة الإخوان عن الحكم، والمتمثلة في الرئيس المنتمي إليها د/محمد مرسي.
قالوا: طالما قلتي أنهم ضلع رئيسي في إفساد حياتنا السياسية. قفزوا على ثورة يناير ثم زوّروا الانتخابات الرئاسية 2012 لإيصال مرشحهم. فكيف تشعرين أنكِ ظلمتهم؟!
ربما أساء البعض قراءة خواطري، وفهم مقصدي منها؛ فلا زال اعتقادي لم يتبدل حول دور الإخوان في إفساد حياتنا السياسية، ولا زالت المرارة تملأ حلقي من تفويتهم الفرصة علينا لنعرف معنى الديمقراطية وتداول السلطة، ولا زالت أصداء مؤامراتهم لمنع وصول أحمد شفيق إلى الحكم تطن في أذنيّ. لكنهم وصلوا إلى الحكم في النهاية، وأعطاهم شفيق الشرعية يوم تقبل النتيجة.
وما قصدته في المقال أنني مع كل هذا أعترف أنه كان ينقصنا أن نكون متحضرين بما يكفي لتقبل فكرة استمرار مرسي في فترة ولايته حتى نهايتها، مع كراهيتنا له ولجماعته، لا أن نعجل بإقصائه، لنكتشف بعدها أن شخصًا حقيرًا عميلًا قد ضحك علينا، وصوّر لنا أن مصر ستتفكك والإرهاب سيتمدد ما لم نُطح بحكم الإخوان، ونسينا من فرط انخداعنا أن من يخاطبنا هو وزير دفاعهم الذي دخل الإرهابيون مصر واستشرى شرهم منذ تولى منصبه!
لم يكن ما كتبت اعتذارًا للإخوان كما ظن البعض، بل اعتذارًا لبلدي عن خطأ شاركت فيه بالدعم المعنوي والتقبل له والدفاع عنه، ثبت لي بعد ذلك كم كنت مخطئة فيه.
وليت الإخوان ومناصريهم من الحالمين بالمشروع الإسلامي تكون لديهم الشجاعة الكافية للإقرار مثلي أنهم أخطأوا كثيرًا، وأن ما هم فيه الآن نتيجة حتمية وجزاءً وفاقًا على ما جنته أيديهم.
لكن الإخوان لا يعترفون بأخطائهم، فجزء أساسي من السلوك الجمعي لمن ينتمون لتلك الجماعة يتمثل في تبرير كل ما يتعلق بتصرفاتهم؛ فهم يرون دائمًا أنه كان من البواعث ما يكفي في أي مشهد سياسي ليسلكوا وفقًا لِما سلكوا، فتصرفهم صحيح وفقًا للمعايير الموضوعية كما يرون!
وهم فوق ذلك شديدو التطرف، فمن ليس معهم هو ضدهم؛ وليس منصفًا من يراهم على صواب في موقف، وعلى ضلال في آخر، فدائمًا وأبدًا هم على صواب كما يرون أنفسهم!
ولعل من أهم ما يُقيّم به الإخوان مصداقية البشر في السنوات الأخيرة هو الموقف من اعتصام رابعة العدوية، وما إذا كانوا يرونه مثلهم اعتصامًا سلميًا تم فضه بالقوة، أم يرونه كما يراه خصومهم اعتصامًا ‏مدججًا بالسلاح تم فضه سلميًا، ومن سقطوا من ضحايا كانوا بسبب إصرار الإخوان على ‏استخدام الأسلحة، حسب الرواية الرسمية.‏
عن نفسي، لم تتوفر لدي مصادر كافية من المعلومات المدققة للقطع بأي من الرأيين، ولكن توفرت لدي في المقابل معلومات أخرى جعلتني لا أستشعر مظلوميتهم كجماعة بسبب ما حدث لهم في رابعة، مع بالغ أسفي على أي دماء بريئة تكون قد أُريقت يومها!
على سبيل المثال لا الحصر. عصر يوم فض رابعة تم إطلاق النار من قبل مسلحين على حارسي فيلا الفريق حجازي بالإسماعيلية، وهي مجاورة لسكني، ولقي الحارسان حتفهما على الفور. ويومها أيضًا أشعل المنتمون لجماعة الإخوان بالإسماعيلية مجمع محاكم الإسماعيلية، وحدثت اشتباكات بالسلاح بينهم وبين قوات الجيش والشرطة، وقُتِل فيمن قُتل شاب صغير أعرف أمه، ولا زالت تضع على أحد جدران عمارتها صورًا كبيرة له في برواز ضخم، ومكتوب عليها "شهيد الخسة والنذالة.. الإخوان المسلمون سابقًا". قالت لي يوم قدمت واجب العزاء لها: أنها تحرت الأمر بنفسها كأي أم ثكلى لم يهدأ لها بال حتى كلمت كل من ظهر في الفيديو الذي صوّر مقتل ابنها، وأنها تأكدت أن الرصاصة التي اخترقت جسد وحيدها جاءته بعد أن ابتعد عن قوات الجيش بعد أن ناولهم الماء، وأنه كان في مرمى أسلحة الإخوان فقط. إضافة إلى ذلك فإنه ونظرًا لموقع منزلي بجوار مباني حيوية بالإسماعيلية فقد استمرت المناوشات وإطلاق النار المتبادل بين قوات الجيش المتمركزة في المنطقة وأفراد الجماعة لشهور بعد فض رابعة، ويشهد بهذا كل سكان المنطقة. وهذا غيضٌ من فيض.
لكن الإخوان عادة إن ذُكرت أمامهم مثل هذه الحوادث يعمدون إلى تكذيب الروايات وإنكارها ودفس رءوسهم في الرمال كالنعام. وأنا هنا لا أتحدث عن توحش الإرهاب في سيناء بعد فض رابعة، فبعد سنوات من حكم السيسي صار مؤكدًا أن جماعات أخرى يُشك بدرجة كبيرة في انتمائها إلى الإخوان هي من تنفذها. لكن مع ذلك لا أستطيع أن أنسى تهديدات زعمائكم بالتفجيرات والدمار في مصر كلها إن تم فض الاعتصام. فهل كان السيسي أذكى منكم وتحالف مع تلك الجماعات الإرهابية -التي يدعي الآن أنه يحاربها- قبلكم؟!
إن الإنكار والتكذيب لن يفيد، فإن أردتم فهم لماذا لم يراكم بعض الأحرار الحقوقيين مظلومين عليكم أن تكونوا شجعانًا لتعترفوا بأخطائكم جميعها منذ سطوتم على ثورة يناير وغيرتم وجهتها، وليس فقط ما فعله البعض منكم بعد فض رابعة.

اعتدت دومًا أن أعبر عما في نفسي بصدق، وألا أعبأ بتقييم هؤلاء أو أولئك، ولأنني لا أضع سوى الحق أمام ناظري وأحاول أن أدور معه حيثما دار، يغضب هؤلاء مرة ويغضب خصومهم مرة، ولا يعنيني أيًا من الطرفين. الأهم أن أكون مع الحق يوم أقابل الحق؛ فأنا بنت من قال: لم يبق لي الحق صاحبًا. رحم الله جدي الإمام علي.