الاثنين، 29 يناير 2018

139-أسدٌ عليّ وفي الاتفاقياتِ نعامةٌ!

أسدٌ عليّ وفي الاتفاقياتِ نعامةٌ!
د/منى زيتون
الأربعاء 21 فبراير 2018
الأربعاء 21 مارس 2018


أسدٌ عليّ وفي الحروبِ نعامةٌ **** ربداء تجفل من صفير الصافرِ
هلّا برزتَ إلى غزالة في الوغى **** بل كان قلبك في جناحيّ طائر
بيتان من الشعر حفظهما التاريخ ونسي صاحبهما الذي قالهما مخلدًا وقعة للحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق في عهد الأمويين، والمعروف بجبروته على الرعية، متندرًا فيها على خوفه من غزالة زعيمة الخوارج الشبيبية حتى إنه لم يخرج للقاء جيشها عندما دعته للحرب!
تذكرت البيتين في هذه الأيام التي تتداعى علينا فيها الخطوب في مصر ولم يعد لها من دون الله كاشفة.
لعله لم يبق متابع للأخبار على مستوى العالم لم يسمع بما يجري في مصر من حوادث داخلية تخص ما يُسمى بانتخابات الرئاسة المصرية 2018، وملفات حقوق الإنسان وسيادة القانون المتدهورة، وحوادث خارجية تتعلق بما يقوم نظام السيسي بالتوقيع عليه من اتفاقيات مجحفة بحقنا!
والمفارقة العجيبة لأي متابع تتمثل في انقلاب موقف نظام السيسي بزاوية مقدارها 180º من النقيض إلى النقيض بين حوادث الداخل والخارج؛ فبينما لا يواجه هذا النظام المصريين سوى بالاستئساد والطغيان عليهم يبدو كقطة مُقلَّمة الأظفار أثناء توقيع الاتفاقيات والعقود مع أي طرف خارجي، وكأن همه الوحيد إرضاء العالم بأسره حتى يصمت صمت القبور عما يقترفه في حق شعبه من جنايات.
قالوا قديمًا إن أشد حالات الابتلاء عندما تتجمع عليك من النوائب ما تعجز عن تحديد أيها أعظم! وفي رأيي إن هذا هو أدق وصف يمكن أن يُوصف به المصريون في هذه الأيام العصيبة من تاريخ مصر؛ فلم نعد نعلم أي مصيبة نالتنا على يدي السيسي ونظامه أعظم، ما بين أرض تُنتقص وعلى إثرها يُنتقص من أمننا لتحول مضيق تيران إلى مضيق دولي، ونيل يجف بعد أن وقّع خائب الرجاء على اتفاقية ليس فيها بند واحد لصالحنا، وذهب إلى إثيوبيا فلم يفلح حتى في مد فترة ملء خزان سد النهضة بحيث تزيد كميات المياه التي تصلنا في مصر في سنوات ملئه، واكتفى بتهليل لا يصدر إلا عن أحمق يدعي فيه أن لا مشكلة!
وقد كثرت المصائب العظام علينا حتى باتت مشكلة إرسال آثار شديدة النُدرة إلى الخارج كآثار توت عنخ آمون دون تأمين كافٍ، وإعطاء حق انتفاع منطقة الأهرامات لشركة إماراتية، مشاكل بسيطة أمامها.
ونظرًا لأن رأس النظام قد توقف نضجه الانفعالي عند مستوى الطفولة المتوسطة، ويفكر بعقلية طفل في التاسعة من عمره، ولأن الرجل حقًا يتصرف في موارد البلاد كأنها عزبة أورثها إياه أبوه! فوفقًا لما كتبه أتباعه وأنصاره –وليس أعدائه- فإنه قد وقّع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية اليونانية مكيدة في تركيا! وهي الاتفاقية التي بسببها خسرت مصر حقوقها في بعض حقول الغاز الطبيعي شرق المتوسط لصالح إسرائيل وقبرص واليونان!
ثم أتتنا ضربة أخرى مؤخرًا بإعلان تل أبيب –وسط تكتم مريب من القاهرة- عن اتفاقية جديدة أُبرمت بين شركة دولفينوس هولدنج المصرية وبين الشركاء الإسرائيليين في حقلي غاز تمر (تمار) ولفياثان، تستورد على إثرها مصر غاز طبيعي من إسرائيل، مستخرج من حقول شرق المتوسط تلك المتنازع عليها، بما قيمته 15 مليار دولار، على أن يتم تنفيذ الاتفاقية عبر عشر سنوات! فلم يكف نظام السيسي أن تنازل عن حق مصر في حقول الغاز، فزاد بأن صار يشتريه! وحُق لنتنياهو أن يعتبره يوم عيد، خاصة وقد رفعت تلك الصفقة من أسهمه بعد فضائح فساده الأخيرة.
وكان أشد أجزاء المشهد صادمية أنه حدث بعد ثلاثة أسابيع فقط من افتتاح السيسي لحقل ظُهر، وإعلان وزير البترول والثروة المعدنية المصري أن مصر ستكون قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي عام 2018 بعد الانتهاء من عدة مشاريع في حقل ظُهر وغيره من حقول الغاز المكتشفة حديثًا!
وكعادة أذناب النظام الإعلامية وأتباعه الفيسبوكيين فقد سارعوا لخلق تبريرات للاتفاقية، كانت أهمها أنها اتفاقية بين شركة خاصة مصرية لاستيراد الغاز الخام ثم إسالته وتصديره إلى أوروبا، وهو اعتراض كان سيكون وجيهًا لولا عدة أسباب متجمعة، أولها أن البرلمان المصري أصدر تشريعًا خاصًا هو ما أتاح لتلك الشركة الخاصة استيراد الغاز من الخارج وتسويقه، فالأمر مدبر، ثم إن شركة دولفينوس هولدنج صاحبة الاتفاقية من الجانب المصري لا يبلغ رأس مالها القيمة الثمنية المهولة للصفقة، والبالغة 15 مليار دولار! وواضح تمامًا أنها ليست أكثر من واجهة يتستر من خلفها النظام المصري. والأهم أن مصر بعد أن صدَّرت الغاز الخام لإسرائيل حتى عام 2011 بسعر 1.2 دولار للمليون وحدة حرارية، وهو أقل من السعر العالمي وقتها بكثير، تستورده اليوم منها بسعر 8 دولار للمليون وحدة حرارية، وهو أعلى من ضعف السعر العالمي، ونتمنى إن كان سيُسال ويُباع في أوروبا حقًا ألا يُباع ب 6 دولارات للمليون وحدة!
أما التبرير الأعظم فصدر عن مصطفى بكري، فكتب على تويتر: "مصر قررت استيراد الغاز من إسرائيل حتى ينفذ مخزونهم الاحتياطي من الغاز، ثم نبيع لهم إنتاجنا في ظُهر بالسعر الذي نحدده"! ومن غير بكري يُغرد تغريد الغربان بتويتة كهذه؟!
الواضح والجلي أننا خاسرون في الصفقة اقتصاديًا، وأن الهدف استرضاء إسرائيل، ومن ورائها أمريكا، فالدوائر الإعلامية في أمريكا وأوروبا لا تفتأ تضغط على أنظمتها للضغط بدورها على نظام السيسي، وعناوين الصحف العالمية الكبرى تصف الانتخابات الرئاسية المصرية بالهزلية، وبانتخابات المرشح الواحد، وتُفصِّل في شرح ما يفعله السيسي بمنافسيه السياسيين، كما تصف الوضع المآساوي الذي آلت إليه حقوق الإنسان في مصر، وتراجع مصر في مؤشر سيادة القانون.
والحقيقة الأكثر وضوحًا أن السيسي كديكتاتور يختلف كليًا عن غيره من الحكام الديكتاتوريين، فلا سبيل لمقارنته بأي منهم، لأن من أهم سماتهم أن استبدادهم وطيشهم لا يقتصر على خصومهم الداخليين، بل هو يطال بدرجة كبيرة أعداءه في الخارج، لكن يبدو المشهد المصري عبثيًا، فرئيسنا –الذي هو رغمًا عنا رئيسنا- والذي يطغى علينا، في ذات الوقت يبذل الغالي والنفيس لاسترضاء كل من هب ودب على ظهر البسيطة، حتى صار يتضاءل لأقزام، وربما لو سمع عن بشر بالمريخ لاسترضاهم لأجل أن يتركه الجميع وكرسيه، ولم يقصر أحد في الاستفادة من الموقف، لكن يبقى أهم سؤال: هل سيساندونه ليبقى أم سيكونون أول من يتآمر عليه بعد أن أعطاهم أقصى ما يمكن أن يتنازل عنه، تاركينه إلى المصير الذي يستحقه أمثاله من الخونة؟
أتمنى أن ينقلب السحر على الساحر، وكما تصور السيسي أن موسم الانتخابات سيكون فرصة لإظهار شعبية مزيفة له، فانقلب الوضع إلى أسوأ مما يمكن أن يأتيه في كوابيسه، فالأمل أن يلفظه كل من استفاد منه.