الاثنين، 29 يناير 2018

143-حين يؤدي الفساد السياسي إلى فساد الفطرة!

حين يؤدي الفساد السياسي إلى فساد الفطرة!
د/منى زيتون
الخميس 15 مارس 2018
معاد نشره الخميس 21 يونيو 2018


أثار خبر رفع اسم لاعب كرة القدم السابق في النادي الأهلي ومنتخب مصر، محمد أبو تريكة، من قوائم الإرهاب في مصر، جدلًا واسعًا بين المصريين، ولا أعني هنا أنصار السيسي، ولا المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بل عموم الشعب المصري، غير المنتمين لكلا الطرفين.
كان وصم اللاعب بأنه أحد المنتمين إلى الجماعة والداعمين لها السبب الرئيسي لضمه لتلك القائمة. ويمكن القول أن شعبية اللاعب الجارفة كانت سببًا في ذلك الانقسام؛ لأن كثيرين من غير جماعة الإخوان –بل ورغم كراهيتهم لها- لم يستطيعوا كرهًا لأبي تريكة، أي أن دفاعهم عنه كان بدوافع عاطفية وليس منطقية، كعادة الشعب المصري. ولا يعني كلامي أنه لا توجد دفوع منطقية في صالح مواقف اللاعب، بل العجيب أنها توجد!
بالنسبة لمن غلبتهم كراهية الإخوان فقد كان هناك اتهامان يلقونهما خلال هذا الجدل لتبرير موقفهم من اللاعب، ورفضهم رفعه من قائمة الإرهاب، أولهما أنه كان مساندًا لمرسي في انتخابات الرئاسة 2012، والثاني أنه دعم اعتصام رابعة العدوية بإرسال أطعمة للمعتصمين مكنتهم من الصمود.
أما أننا كمصريين لا نحترم حق المواطنة لمن نخالفهم في الرأي فلا جديد فيها، وبديهي أن تجد مصريًا -أو عربيًا إن أردنا التعميم- يتجادل مع من يرى رأيًا يخالفه سياسيًا كان أو دينيًا؛ مدعيًا أنه يعبر عن رأيه، في حين أنه يحاول فرض رأيه على الآخر لا أكثر. من ذلك أن يرى بعض كارهي الإخوان أن تأييد أبي تريكة لمرسي تهمة!
عن نفسي لم أؤيد مرسي لا في الجولة الأولى ولا الثانية من انتخابات الرئاسة 2012، لكن أتعجب ممن يرى تأييده عن قناعة تهمة، طالما لم يكن ممن باع صوته الانتخابي. فكأن هؤلاء يرون حق المواطنة لهم فقط ولمن رأى رأيهم. وعلى كلٍ، فالإخوان لا يختلفون عنهم كثيرًا، مع اختلاف زاوية النظر.
 لكن الجديد والأنكى هو ذلك الاتهام الثاني الذي وُجه لأبي تريكة، بأنه أرسل أطعمة ومؤنًا لمعتصمي رابعة، ويا له من اتهام لم يكن ليخطر في ذهن هولاكو أو هتلر! فحتى في حال تنزلنا بقبول الرواية الرسمية بأن اعتصام رابعة كان مسلحًا وأنه شكل من أشكال الإرهاب ضد الدولة، وهو ما لم يثبت يقينًا، فهذا لا يجعل إمداد المعتصمين بالمؤن إرهابًا.
اجتهدت لقراءة بعض النقاشات الدائرة وتحليلها لأتأكد أن من يُطلقون هذا الاتهام الأخير لا يُلقونه جزافًا لأجل تسديد فراغ عدم وجود تهمة حقيقية للرجل، وتأكدت من الحقيقة المُرة بأن هناك من يرى أن تلك الفعلة إرهاب!
فالشعب المتدين الذي يتحفظ أحاديث عن المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها فلم تطعمها، ونقيضها عن البغي التي غُفر لها لأنها سقت كلبًا بلغ به الجهد من العطش، صار يرى إطعام البشر إرهابًا!
نسي هؤلاء أنه حتى الجيوش المتحاربة قد تُمرر الإمدادات الغذائية لبعضها البعض، بل وتطلبها أحيانًا، ومن يمتنع يكون قد ارتكب جريمة حرب. وفي حرب 1973 كانت الإمدادات تدخل لقوات الجيش الثالث المحاصرة في الثغرة بموافقة قوات إسرائيل وإشراف الأمم المتحدة.
لا أعلم تحديدًا مكمن إشكاليتنا، فهل مشكلتنا أننا أصبحنا نعيش في عصر لوث فطرتنا لدرجة جعلت مبادئ الإنسانية تتوه عنا، ونتخبط في تحديد صحة أو خطأ مواقف ما كان ينبغي أن تستوقفنا من الأساس؟ أم أن الإشكالية خاصة بنا وليست عامة في عصرنا؛ فنحن لم نعتد على المعاملة الآدمية، ولم نعرف معنى أن تكون لنا حقوق، فضلًا عن أن تكون تلك الحقوق متساوية بيننا كمواطنين، للدرجة التي أصبحنا فيها نرى تعبير البعض عن رأي يخالفنا ليس من حقهم، بل ونرى من يساند صمودهم على موقفهم المخالف لنا برزق يسوقه الله لهم على يديه متهم بالإرهاب؟!
أقول هذا علمًا بأنني لا أحب أبا تريكة ولا كرة القدم، وموقفي مناهض للإخوان، فلست من أنصارهم، ولكن موضوع أبي تريكة أولًا وأخيرًا يتلخص في أنه لم يشخلل جيبه، كما نقول بالعامية المصرية.
ويبدو أنه ليس وحده؛ فالمطربة شيرين قبل صدور الحكم عليها في القضية المعروفة بـ "قضية البلهارسيا" رفعت صورة لها على حسابها على الفيسبوك كتبت بجانبها "بآكل رز"!
واللاعب العالمي محمد صلاح لأنه رفض الانضمام للزفة السياسية الحالية في مصر، ما كان من الإعلام المصري إلا أن حاول تشويهه، رغم سابق تبرعه لصندوق "تحيا مصر".
يدعي البعض أن الجهل هو منبع كل البلايا، ولكنني كنت أرى الفساد السياسي هو المورد الرئيسي لكل مصيبة على ظهر الأرض بما فيها الجهل، وقد زادني ما يحدث الآونة الأخيرة في مصر اقتناعًا بصحة رؤيتي، فقد تسبب في إفساد كل شيء حتى تدنست الفطرة.