الثلاثاء، 16 يوليو 2019

188- الخاسرون!


الخاسرون!
د. منى زيتون
مارس 2019 
الأربعاء 17 يوليو 2019

في بعض الأحيان لا تكمن المشكلة الاجتماعية للشخص في أنه لا يعرف كيف يسلك بالشكل الاجتماعي الملائم، ولكن مشكلته أنه يسلك على نحو غير لائق وغير توافقي من وجهة نظر المجتمع، يراه هو لائقًا!
وبعيدًا عن الدخول في متاهات المسايرة والمغايرة الاجتماعية، وأن الصواب قد يكون في أحايين ما يراه المجتمع خطأ، فأنا هنا لست معنية بالحديث عن أمثال هذه الحالات، بل أعني الأنماط السلوكية غير التوافقية المتعددة، التي ترتبط بنقص مهارات التواصل، والتي يقضي المنطق –وليس العُرف فقط- بأنها خاطئة.
وإذا ما خصصنا المهارات الانفعالية بالحديث، فإنه يمكن تقرير أن النضج الانفعالي لا علاقة بينه وبين العمر؛ بمعنى أدق هو يزيد بزيادة عمر الإنسان، لكن الدرجة التي يصل إليها كل إنسان تختلف بوضوح عن الآخر. وقد درست حالات كثيرة لأشخاص متقدمين في العمر، لا يسلكون بما يتناسب مع أعمارهم، مما يعكس درجة منخفضة من النضج الانفعالي، ودومًا تتضرر علاقاتهم بالأشخاص المهمين في حياتهم بسبب بعض المفاهيم الخاطئة، التي تنطبع في عقلهم الباطن، وتتحكم في سلوكياتهم.
وقد نرى شخصًا ناجحًا على الصعيد المهني، لكنه غير ناضج انفعاليًا بالقدر الكاف، يتعامل مع المقربين منه كملك يتمنن عليهم، ولا يقوم بالأدوار الاجتماعية نحوهم على النحو اللائق، فإما أنه لا يرى لزامًا عليه أن يسلك أو يتأخر قبل أن يصدر عنه السلوك، وهي رسالة كلاسيكية قديمة بدنو القيمة يرسلها نحو الآخرين!
بعض هؤلاء من غير الناضجين انفعاليًا قد يرون المواقف الاجتماعية مع المقربين كمواقف تنافس مع الطرف الآخر، وهدفهم من التواصل الاجتماعي تحقيق النصر فيها! وفي العلاقات الشخصية مع الأشخاص المفترض أن يكونوا شركاء الحياة في المستقبل لا يسلكون بحيث يكون الموقف تنافسيًا وحسب، بل كثيرًا ما يتحول على أيديهم إلى ما يشبه اللعبة ذات الأشواط! من ثم، فالتعامل معهم عن قرب ليس خيارًا سلميًا على الإطلاق؛ إنه أشبه بإعلان حالة الحرب، الذي تتخلله هدنات قصيرة، يتم خرقها سريعًا من جانبهم! سواء كان ذلك بسلوك مباشر منهم، أو بسلوك غير مباشر، يشعل الموقف؛ حيث يجبر الطرف الآخر على رد فعل لا بديل له، وهو قرار قطع العلاقة معهم. وكما قال من قبلنا: من لم يحسب العواقب، فالدهر له مُعاقب، وكلٌ يجني صنع يديه. ولم يفقد أحد نعمة إلا بسوء عمله.
ولأن هؤلاء لا يفهمون أن الهدف من التواصل الاجتماعي هو تحقيق التأثير الاجتماعي وبناء العلاقات الاجتماعية الناجحة مع الآخرين، والذي لا تسهم سلوكياتهم في تحقيقه مع كثيرين من المقربين ذوي الأهمية، فمن ثم هم لا يدركون أنهم خاسرون وليسوا فائزين، كما يتوهمون! ودومًا أقول: الخاسرون فقط من لا يقدرون حالة الموقف المُربح للجانبين، بدلًا من ذلك يخسرون بينما يظنون أنهم الفائزون!
ومن ملاحظاتي حول العلاقات الشخصية تحديدًا، وجدت أن حالات المشاجرات أو الانفصال بين خطيبين أو زوجين أو مرتبطين، الناشئة عن أسباب تافهة، لا تتزايد إلا عندما يكون بينهما توافق غير عادي في الشخصية كأنهما توأمان! وعندما يكون أحدهما أو كليهما غير ناضج انفعاليًا بالدرجة الكافية تتفاقم المشاكل وتنفصم العلاقة؛ فغالبًا نكون أمام درجة منخفضة من التعبير الانفعالي عن المشاعر الإيجابية، مع درجة منخفضة أيضًا من الحساسية الانفعالية، أما الضبط الانفعالي للغضب والضيق وغيرهما من الانفعالات السلبية فتتفاوت درجته، ولكن حتى وإن كان الضبط مرتفعًا، ولا يتم التعبير عن تلك الانفعالات؛ فالنار كامنة تحت الرماد.
ربما أسهمت زيادة التوقعات في المشكلة. نحن لا نهتم ولا نتوقع شيئًا ممن لا يعنون لنا، والعكس تمامًا مع من يعنون لنا الكثير؛ فعدم فتح رسالة أو عدم الرد على اتصال يمكن أن يقيم القيامة في علاقة التوائم الروحيين، وعلى العكس تكون اللامبالاة سائدة في علاقات غيرهم، ممن لا توجد لديهم مثل تلك العلاقة الروحية مع شركاء حياتهم. والعلاقة بين التوائم الروحيين بقدر ما تحقق السعادة بقدر ما تكون أكثر صعوبة من غيرها؛ لأن كلا الطرفين يتأثر بشكل يفوق الحد بأي فعل أو رد فعل من جهة الآخر. والنتيجة أن هؤلاء يخسرون علاقاتهم الشخصية التي يسيطر عليها الحب الحقيقي أكثر من غيرهم.