الثلاثاء، 16 يوليو 2019

187- من أسباب الفشل!


من أسباب الفشل!
د. منى زيتون
الخميس 25 أبريل 2019
الثلاثاء 16 يوليو 2019

من أهم الأسئلة التي تواجه البشر في حيواتهم هو تساؤلهم عن الأسباب التي تؤدي بهم إلى الفشل. لماذا نفشل؟ سؤال تتنوع المجالات التي يُطلق فيها، كما يتنوع من يتساءلونه؛ فقد يصدر عن طفل صغير كل ما يهمه هو نجاحه في الدراسة وفي اكتساب المهارات التي يحبها، وقد يصدر عن شاب أو شخص ناضج مهتم بتطوير حياته المهنية أو حياته الشخصية. وغالبًا لا نهتم بالبحث في هذا السؤال إلا بعد أن يقع المحظور ويصيبنا الفشل! بينما كان يمكن لنا أن نتقيه إن درسنا أسبابه وتعرفنا إليها قبل أن يقع.
ولنتعرف على بعض أهم مسببات الفشل، ينبغي أولًا أن نميز بين السلوكيات الظاهرة التي ترتبط بالفشل، والانفعالات الداخلية التي تكون مصاحبة لتلك السلوكيات. على سبيل المثال فإن تكرار الأخطاء هو سلوك ظاهر يقترن دومًا بالفشل؛ فالفاشل مهما تكررت مواقف مشابهة للموقف الأول الذي فشل فيه يظل يكرر سلوكياته التي أوصلته لتلك النتيجة، ويرفض أي تغيير، وكأنه يرفض الاعتراف أنه على خطأ! بينما الناجح يدرك أنه عندما يفشل في الوصول إلى هدفه من خلال طريق ما، عليه أن يكون مرنًا، ويسلك طريقًا آخر. على الجانب الآخر فإن التكبر، والذي هو شكل متضخم من الثقة في النفس، هو حالة انفعالية ترتبط بسلوك بعض الأفراد الفاشلين، ولن نتعرف عليه ما لم ينعكس في سلوكيات الواحد منهم.
وأرى أنه من الصحيح أن نقول إن لكل من النجاح والفشل تعلق زمني، ما بين الماضي والحاضر والمستقبل. ولو دققنا سنرى أن الفشل في كثير من الأحيان هو شكل من أشكال التعلق بالماضي، بسلوكياته وانفعالاته! وقد يكون على النقيض شكلًا من أشكال التعلق بأحلام المستقبل مع عدم القدرة على تحقيقها، بينما النجاح يرتهن بتقوية الصلة بالواقع والتركيز على فهم ما بين أيدينا، وما نطمح إليه في ضوئه.
وبينما يعتمد النجاح على التحديد الدقيق للمعطيات وكذا النتائج المستهدفة، وإعادة تقييمهما من وقت لآخر، يمكن أن نقول إن من أسباب الفشل عدم فهم المعطيات الحقيقية، وإساءة تحديد الهدف المستقبلي. ولكن، ماذا لو كانت المعطيات مناسبة في بداية الموقف، ثم تغيرت، أليس هذا دافعًا للشخص الناجح لإعادة التقييم ومن ثم تغيير السلوك؟
سألني أحد الأصدقاء يومًا: متى يكون التوقف عن مطاردة أحلامنا علامة نضج، ومتى تكون دلالة سفاهة؟ ما الحد الفاصل بين الاستسلام الواعي ومطاردة السراب؟
قلت: في الأمور التي تتعلق بالفرد وحده، على الشخص إن أراد النجاح ألا ينتظر مساعدة من أحد، وأن يعتمد على نفسه قدر الإمكان، كما أنه من الحكمة ألا نهدر وقتنا وجهدنا في موقف، لا يبدو أنه سيتحسن. وتوقف الإنسان عن محاولة تحقيق هدف لأنه أعاد تقييم الهدف واكتشف أنه ليس بذي قيمة، أو لأن المعطيات الجديدة عند إعادة تقييم الموقف أرته أن الهدف لم يعد ذا جدوى أو لم يعد بالإمكان تحقيقه، ليس استسلامًا، وهو عين العقل، بل إنه لو استمر في محاولة تحقيق ذلك الهدف والحال كذلك سيكون فاشلًا بحق، كونه يصر على مطاردة السراب!
لكن في بعض الأحيان، لو كان الهدف يستحق الملاحقة، ربما عليه أن يعيد المحاولة لكن مع إجراء تعديلات، أي أن التقييم يشمل أيضًا السلوكيات نحو تحقيقه؛ والعاقل لا يستمر يكرر الأساليب نفسها التي قادته مرارًا إلى الفشل. العاقل لا يرفض التغيير الإيجابي؛ لذلك فإن المرونة وإعادة تقييم المعطيات والأهداف والوسائل كل فترة حتى بعد البدء في التنفيذ من عوامل النجاح.
لا تتوقف عن مساعيك لبلوغ الهدف لمجرد أنك فشلت مرة أو مرات، طالما أن الهدف يستحق السعي إليه، والفاشل هو من يتسرع ويحبط سريعًا؛ فمن أنواع الفشل؛ أن تقرر التخلي عن هدف حقيقي في حياتك، لأنك لا تملك القوة النفسية لأجل السعي لتحقيقه. لا تظن أن الانسحاب ليس خسارة! بالرغم من ذلك فإنه عندما يكون الهدف يستحق إعادة المحاولة ودأب السعي مع كونه صعب المنال، يكون من الحكمة أن نسعى في تحقيق أهداف أخرى موازية في حياتنا، مع عدم توقفنا عن محاولة تحقيق ذاك الهدف الصعب الكبير، كي لا نشعر أننا نهدر وقتنا وجهدنا دون عائد. كمثال على ذلك فإن أغلب طلاب الدراسات العليا يبدأون حياتهم المهنية والشخصية ويسعون لتحقيق أحلامهم فيها، مع استمرار مساعيهم نحو نيل الدرجة العلمية التي يأملونها، مع إدراكهم أن هذه الخطوات الموازية ستعطلهم وتؤخر حلمهم الكبير، ولكن الإنسان بحاجة لنجاحات صغيرة تشعره بأن شيئًا ذا قيمة يدخل إلى حياته.
يتغير الحال في بعض المواقف التي لا تتوقف على الفرد وحده، وإنما يستلزم تحقيق الهدف فيها تآزر جهد آخر أو آخرين، عندها يكون الاستسلام ضرورة عندما يكون التعاون مفقودًا. إن منتهى الإيجابية أن تستمر في البناء من جهتك، بينما الطرف الآخر من الجهة الأخرى يواصل الهدم أو لا يفعل شيئًا! لكن لا يمكن الاستمرار على هذا الحال! فعندما تكون متأكدًا أنك فعلت ما عليك، والطرف الآخر أو الأطراف الأخرى تصر على عدم القيام بما يلزمها من أدوار لإنجاح الموقف، فإما أن تتولى الأمر برُمته -وبعض المواقف لا يصلح فيها هذا الخيار حتى لو أردته-، أو أن تخرج نفسك منه برُمته، لأن الأحمق وحده من يظن أن العجلة يمكن أن تدور من نفسها.
وعلى كلٍ، فليس أحد مطالب بالقيام بأدوار غيره، وعلى كل إنسان أن ينضج انفعاليًا ويتفهم أن الآخرين ليسوا مكلفين بتعويض تقصيره إما لأنه يخشى على كرامته أو لأنه كسول أو لأنه عنيد أو.... أيًا كانت المسببات التي تقف وراء ثباته كالصنم. والبقاء في هذه الأحوال للطرف النشط يعني تعليق الموقف واستمراره أسيرًا له، وهو عائق كبير أمامنا يمنعنا من التفكير في أهداف أخرى ذات قيمة في حياتنا تستحق أن نضع جهدنا ووقتنا فيها.
الفاشل أيضًا يهمل نقاط قوته، وأحيانًا لا يكون على وعي بها! ويستشعر ضعفه، ويخشى الاقتراب من الأهداف الكبيرة. وهناك حكمة إنجليزية تقول: Sometimes, Avoiding Taking the RISK is the biggest Risk out of all. وترجمتها: في بعض الأحيان، يكون تجنب المخاطرة هو أكبر مخاطرة على الإطلاق.
والتأخر في أخذ الخطوة اللازمة في الوقت المناسب لأجل إصلاح خطأ أيضًا قد يكون سببًا من أسباب الفشل وتفاقمه.
الكبر أيضًا من مسببات الفشل، لأنه يجعل الإنسان يسرف في الثقة في قدراته، ولا يبذل الجهد اللازم في التخطيط والتنفيذ اللازمين لتحقيق الأهداف. كذلك فإن التشاؤم وضعف الثقة في النفس قد يجعله يوقف مساعيه نحو أهداف ربما كان تحقيقها في متناول يديه.
ومن السمات الانفعالية التي ترتبط كثيرًا بالفشل في الحياة الشخصية: التخوف من التغيير، والتحسف على النفس، وتضخيم أوجاعنا.
وقد يكون الخوف من كلام الناس وردود أفعالهم هو سبب الفشل، أو أن الشخص يستمع كثيرًا لهم، وربما يستمع لفلان فيقرر شيئًا، ثم يستشير علانًا فيغير رأيه، رغم أن رأيه هو الشخصي بخلاف رأيهما! افعل ما تراه صحيحًا، بغض النظر عن أفعال الآخرين، كذلك افعل ما تراه صحيحًا، بغض النظر عن ردود أفعالهم تجاه ما تفعل! يقول شكسبير: حياة يقودها عقلك، خير من حياة يقودها كلام الناس! كُن دائمًا فاعلًا وليس مفعولًا به! وتذكر عندما تقابل شيئًا أو شخصًا ذا قيمة في حياتك، أن تتخلص من مخاوفك، ولا تكثر القلق، وثق فيما تعتقد أنه صحيح.
وفيما يخص علاقاتك الشخصية تذكر أن الحب هو الأمان الحقيقي، ولا بد أن تحب نفسك أولًا لتكون قادرًا على حب الآخرين، وكي لا تسمح لنفسك بأن تصبح ضحية علاقات اجتماعية فاشلة.
أخيرًا، عندما تواجه مشكلة حددها بدقة، وابعد نفسك عن التفكير في الفرعيات؛ لأنك عندما تركز على شيء ليس هو في الحقيقة صلب الأمر، فهذا لا يساعدك في حل مشاكلك وتجاوز عقبات الحياة، كما أنك عندما تركز على مخاوفك لن تنجح. أغلب المخاوف لا تتحقق لكنها توقف حياتنا، لأنها تجعلنا لا نسعى نحو تحقيق أهدافنا، ومن ثم يصبح الفشل محققًا.
جميعنا في صراع مع ظروف الحياة، ولن تحصل على السعادة إلا إذا اقتنصتها، وإن لم تحارب لن تنتصر، فلا يصل لخط الفوز إلا من يستحق. كن قويًا، واعتمد على نفسك، فالبشر تتقاطع طرقهم معنا ونتلاقي ثم نفترق، وحياتك تحددها وحدك.