"عشان
نبنيها" أم "مبارك مثلي الأعلى" أيهما أغبى؟!
د/منى
زيتون
الأربعاء
أول نوفمبر 2017
الثلاثاء
7 نوفمبر 2017
في أول لقاء صحفي
عقده الرئيس السابق حسني مبارك بعد توليه الرئاسة سأله أحد الصحفيين الأجانب عن الرئيس
الذي سيكون أقرب في النهج السياسي إليه؛ هل هو عبد الناصر أم السادات؟ فرد مبارك من
فوره قائلًا: أنا اسمي حسني مبارك.
كان هذا الرد أذكى
تصرف لمبارك طوال فترة حكمه، لأنه جعل من نفسه في عيون العالم شخصية مستقلة لا ترتبط
في أذهانهم بأحد، ولكن يبدو أن غيره لا يهتم أن يربط نفسه أو يربطه الآخرون في عيون
الناس برئيس سابق كرهته نسبة لا بأس بها من الشعب حتى ثارت عليه!
في مقال سابق عنونته
باسم "هل يكون أحمد شفيق المرشح المقبول للجيش والقوى المدنية؟" ذكرت أن
أهم أسباب اعتراض طائفة كبيرة من المصريين سابقًا على انتخاب الفريق أحمد شفيق في
انتخابات الرئاسة التي خاضها عام 2012، ضد عدة مرشحين للرئاسة، ثم منفردًا في الإعادة
ضد مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، كان ما أُلصق به إعلاميًا أنه جزء من نظام مبارك،
وسيسعى إلى إعادته!
قلت وقتها: إن هذا
الاعتراض إضافة إلى أن نظام مبارك أفضل ألف مرة مما نحن فيه، هو اعتراض تافه وغير
حقيقي، لأن شفيق لم يكن سوى وزير الطيران المدني في عهد مبارك، وهي وزارة غير سيادية،
لا يُعتبر شاغلها من رجال النظام بالمعنى الدقيق، فلا علاقة له بتحديد السياسات الفاسدة
التي عانى منها المواطنون.
في انتخابات الرئاسة
2012 انقسم الناس أطيافًا ما بين مؤيد لشفيق، ومؤيد للإخوان، وقسم كبير من الشعب تخوف
من كلا الخيارين. وأعتقد أن هناك من يسعى الآن لتكرار المشهد ذاته بتخويف المصريين
من انتخاب شفيق، قطعًا مع الفارق الكبير في المقابل بين التخوف من انتخاب الإخوان
والتخوف من إعادة انتخاب السيسي "عشان يخربها".
منذ شهور ظهرت على
الفيسبوك صفحة للحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق، لم نعرف حتى الآن هل هي تمثله
حقًا أم لا، كونه لم يعلن حتى اللحظة ترشحه للرئاسة، ولم يعلن عن أفراد حملته الانتخابية،
لكنهم ينشرون ما يشير إلى صلتهم به.
صفحة تلك الحملة
الانتخابية نشطت كثيرًا في شهر أكتوبر بمناسبة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر 1973. وبدلًا
من تركز المنشورات على مشاركات الفريق شفيق في الحرب، كما ينبغي لأي مدير ناجح لحملة
انتخابية أن يفعل، فإدارة الصفحة طوال الشهر لا سيرة لها سوى بطولات مبارك العسكرية
وثناء شفيق على مبارك وبطولاته! ولو كانت الصفحة مخصصة لإدارة الحملة الانتخابية لجمال
مبارك ما اختلفت كثير اختلاف.
كما أنه لو كان
الأمر لا يتعدى الاعتراف بدور مبارك في إعداد سلاح الطيران لحرب أكتوبر ودوره فيها
ضمن حديث عام عن حرب 1973 لكان أمرًا عاديًا، ولكن بدا لمن تابع الصفحة أن هذا يحدث
عمدًا محاولة للربط بين الرجلين، مع دوام التذكير بموقف شفيق من ثورة 25 يناير، وكأنه
استعداء جديد لكل من وقف ضد فساد مبارك، ودعوة لهم لعدم النزول لدعم شفيق في الانتخابات
الرئاسية مرة أخرى، ليتكرر ما حدث في الانتخابات أمام مرسي.
وإن كان السيسي
قد أعلن عن عنوان حملته الانتخابية القادمة "عشان نبنيها"، فقد بدا لي أن
مديري حملة شفيق الانتخابية يديرون حملته بشكل غير رسمي حتى الآن تحت عنوان
"مبارك مثلي الأعلى"، وكلاهما نموذج للفشل في اختيار مرتكزات الحملات الانتخابية.
فحملة تتعامل مع المصريين على أنهم أطفال يمكنهم تصديق أي وعود تافهة لم يسبق أن تحققت
سابقاتها، فلم تصبح مصر "قد الدنيا"، وأخرى تستفز قطاعًا عريضًا من المواطنين
المطحونين الذين لا تنقصهم مزيد استفزازات، وما فيهم يكفيهم.
ما لا يدركه مديرو
الحملة الانتخابية لشفيق أنه ليس بالضرورة أن كل من انتخب شفيق في المرة الأولى كان
ضد الثورة، فبعض من كانوا مع ثورة يناير انتخبوا شفيق، لأنهم فقط لم يسمعوا لادعاءات
الإخوان ولم يروا فيه إعادة للنظام السابق كما أشاع عنه طنطاوي، كما أن كثيرين الآن
يرونه الأمل الوحيد للتخلص من نظام السيسي، ويأملون أنه سيكتسح الانتخابات القادمة
وينقذهم، وتركيز الحملة على ربطه بمبارك وتحميله أوزار مبارك في عقول الناس هو غباء
لا يقل عن غباء الإخوان عندما كانوا يتحدثون عن الخلافة ويتقربون إلى تركيا مما زاد
الغليان ضدهم في الشارع المصري وجعله سببًا يضاف للأسباب الاقتصادية كافيًا للتأليب
عليهم.
ثم ماذا قدم مبارك
لشفيق حتى يقرن نفسه به؟ ألم يكن مبارك هو من أبعد الفريق شفيق عن وزارة الدفاع وأعطاه
بدلًا منها وزارة الطيران المدني في وقت كانت شركة مصر للطيران تعاني فيه من الخسائر،
وما ولاّه رئاسة الوزراء إلا أثناء حوادث الثورة إذعانًا واستجابة لمطالب الثوار بضرورة
القضاء على الفساد، فكان عليه التخلص من وزارة أحمد نظيف.
ترددت في الكتابة
حول الأمر، ولكن زادت تساؤلاتي حول ما يحدث، وهل هو نتاج قلة دراية بالعلوم النفسية
والاجتماعية من أفراد حملته، فربما لم يسمعوا عن الإشراط الكلاسيكي، أم أنها خيانة
مدسوسة ومتعمدة على الفريق شفيق، وطريقة مُعمّاة لإبعاد الناخبين عنه دون أن يشعر؟