الجمعة، 29 سبتمبر 2017

110-"عشان نبنيها" أم "مبارك مثلي الأعلى" أيهما أغبى؟!


"عشان نبنيها" أم "مبارك مثلي الأعلى" أيهما أغبى؟!
د/منى زيتون
الأربعاء أول نوفمبر 2017
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017

في أول لقاء صحفي عقده الرئيس السابق حسني مبارك بعد توليه الرئاسة سأله أحد ‏الصحفيين الأجانب عن الرئيس الذي سيكون أقرب في النهج السياسي إليه؛ هل هو عبد ‏الناصر أم السادات؟ فرد مبارك من فوره قائلًا: أنا اسمي حسني مبارك.‏
كان هذا الرد أذكى تصرف لمبارك طوال فترة حكمه، لأنه جعل من نفسه في عيون ‏العالم شخصية مستقلة لا ترتبط في أذهانهم بأحد، ولكن يبدو أن غيره لا يهتم أن يربط نفسه ‏أو يربطه الآخرون في عيون الناس برئيس سابق كرهته نسبة لا بأس بها من الشعب حتى ‏ثارت عليه!‏
في مقال سابق عنونته باسم "هل يكون أحمد شفيق المرشح المقبول للجيش والقوى ‏المدنية؟" ذكرت أن أهم أسباب اعتراض طائفة كبيرة من المصريين سابقًا على انتخاب الفريق ‏أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة التي خاضها عام 2012، ضد عدة مرشحين للرئاسة، ثم ‏منفردًا في الإعادة ضد مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، كان ما أُلصق به إعلاميًا أنه جزء ‏من نظام مبارك، وسيسعى إلى إعادته!‏
قلت وقتها: إن هذا الاعتراض إضافة إلى أن نظام مبارك أفضل ألف مرة مما نحن ‏فيه، هو اعتراض تافه وغير حقيقي، لأن شفيق لم يكن سوى وزير الطيران المدني في عهد ‏مبارك، وهي وزارة غير سيادية، لا يُعتبر شاغلها من رجال النظام بالمعنى الدقيق، فلا علاقة له ‏بتحديد السياسات الفاسدة التي عانى منها المواطنون.‏
في انتخابات الرئاسة 2012 انقسم الناس أطيافًا ما بين مؤيد لشفيق، ومؤيد للإخوان، ‏وقسم كبير من الشعب تخوف من كلا الخيارين. وأعتقد أن هناك من يسعى الآن لتكرار ‏المشهد ذاته بتخويف المصريين من انتخاب شفيق، قطعًا مع الفارق الكبير في المقابل بين ‏التخوف من انتخاب الإخوان والتخوف من إعادة انتخاب السيسي "عشان يخربها".‏
منذ شهور ظهرت على الفيسبوك صفحة للحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق، لم ‏نعرف حتى الآن هل هي تمثله حقًا أم لا، كونه لم يعلن حتى اللحظة ترشحه للرئاسة، ولم ‏يعلن عن أفراد حملته الانتخابية، لكنهم ينشرون ما يشير إلى صلتهم به.‏
صفحة تلك الحملة الانتخابية نشطت كثيرًا في شهر أكتوبر بمناسبة الاحتفال بذكرى ‏نصر أكتوبر 1973. وبدلًا من تركز المنشورات على مشاركات الفريق شفيق في الحرب، كما ‏ينبغي لأي مدير ناجح لحملة انتخابية أن يفعل، فإدارة الصفحة طوال الشهر لا سيرة لها سوى ‏بطولات مبارك العسكرية وثناء شفيق على مبارك وبطولاته! ولو كانت الصفحة مخصصة ‏لإدارة الحملة الانتخابية لجمال مبارك ما اختلفت كثير اختلاف.‏
كما أنه لو كان الأمر لا يتعدى الاعتراف بدور مبارك في إعداد سلاح الطيران لحرب ‏أكتوبر ودوره فيها ضمن حديث عام عن حرب 1973 لكان أمرًا عاديًا، ولكن بدا لمن تابع ‏الصفحة أن هذا يحدث عمدًا محاولة للربط بين الرجلين، مع دوام التذكير بموقف شفيق من ‏ثورة 25 يناير، وكأنه استعداء جديد لكل من وقف ضد فساد مبارك، ودعوة لهم لعدم النزول ‏لدعم شفيق في الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، ليتكرر ما حدث في الانتخابات أمام مرسي.‏
وإن كان السيسي قد أعلن عن عنوان حملته الانتخابية القادمة "عشان نبنيها"، فقد بدا ‏لي أن مديري حملة شفيق الانتخابية يديرون حملته بشكل غير رسمي حتى الآن تحت عنوان ‏‏"مبارك مثلي الأعلى"، وكلاهما نموذج للفشل في اختيار مرتكزات الحملات الانتخابية. فحملة ‏تتعامل مع المصريين على أنهم أطفال يمكنهم تصديق أي وعود تافهة لم يسبق أن تحققت ‏سابقاتها، فلم تصبح مصر "قد الدنيا"، وأخرى تستفز قطاعًا عريضًا من المواطنين المطحونين ‏الذين لا تنقصهم مزيد استفزازات، وما فيهم يكفيهم.‏
ما لا يدركه مديرو الحملة الانتخابية لشفيق أنه ليس بالضرورة أن كل من انتخب ‏شفيق في المرة الأولى كان ضد الثورة، فبعض من كانوا مع ثورة يناير انتخبوا شفيق، لأنهم ‏فقط لم يسمعوا لادعاءات الإخوان ولم يروا فيه إعادة للنظام السابق كما أشاع عنه طنطاوي، ‏كما أن كثيرين الآن يرونه الأمل الوحيد للتخلص من نظام السيسي، ويأملون أنه سيكتسح ‏الانتخابات القادمة وينقذهم، وتركيز الحملة على ربطه بمبارك وتحميله أوزار مبارك في عقول ‏الناس هو غباء لا يقل عن غباء الإخوان عندما كانوا يتحدثون عن الخلافة ويتقربون إلى تركيا ‏مما زاد الغليان ضدهم في الشارع المصري وجعله سببًا يضاف للأسباب الاقتصادية كافيًا ‏للتأليب عليهم.‏
ثم ماذا قدم مبارك لشفيق حتى يقرن نفسه به؟ ألم يكن مبارك هو من أبعد الفريق ‏شفيق عن وزارة الدفاع وأعطاه بدلًا منها وزارة الطيران المدني في وقت كانت شركة مصر ‏للطيران تعاني فيه من الخسائر، وما ولاّه رئاسة الوزراء إلا أثناء حوادث الثورة إذعانًا واستجابة ‏لمطالب الثوار بضرورة القضاء على الفساد، فكان عليه التخلص من وزارة أحمد نظيف.‏
ترددت في الكتابة حول الأمر، ولكن زادت تساؤلاتي حول ما يحدث، وهل هو نتاج قلة ‏دراية بالعلوم النفسية والاجتماعية من أفراد حملته، فربما لم يسمعوا عن الإشراط الكلاسيكي، أم ‏أنها خيانة مدسوسة ومتعمدة على الفريق شفيق، وطريقة مُعمّاة لإبعاد الناخبين عنه دون أن ‏يشعر؟