الجمعة، 29 سبتمبر 2017

107-موقف نظرية الذكاءات المتعددة من معامل الذكاء ‏IQ‏

107- موقف نظرية الذكاءات المتعددة من معامل الذكاء ‏IQ
د/منى زيتون


       تتحدى نظرية الذكاءات المتعددة مفهوم معامل الذكاء. يذكر جاردنر (Gardner, 1997 in Chekley, 1997)  أن اختبار معامل الذكاء قد تطور من قرن مضى كطريقة لتعرف التلاميذ الذين تكون لديهم مشاكل في المدرسة. هذا الاختبار يقيس القدرة اللغوية والقدرة المنطقية/الرياضية وأحياناً القدرة المكانية بينما لا يخبرنا عن ذكاءاتنا الأخرى، كما لا يخبرنا عن الإبداعية مثلاً. الحقيقة أن جاردنر لا يعتقد أنه توجد مثل تلك الأشياء العامة مثل الاستعداد (القابلية) للمدرسة، كما أنه يقترح نظرة أكثر اتساعاً للوظائف المعرفية العقلية مما تقترحه نظريات الذكاء العام. يذكر جاردنر (Gardner, 1999, p. 203 as cited in Lynn Gilman, 2001) أن نظرية الذكاءات المتعددة قد ساعدت في كسر قرن السيكومتريين الذين تحكموا طويلاً في موضوع الذكاء، وأن احتكار هؤلاء الذين يعتقدون بذكاء عام واحد قد وصل إلى نهايته.
       يضيف هُوار (Hoerr, 2000) أن أكبر مشكلة في اختبارات الذكاء المعيارية هي أنها تقيس الذكاء بشكل ضيق على أساس الدرجة التي يستطيع أن يقرأ ويحسب بها التلميذ وهي بذلك تقيس القليل فقط من قدرات التلاميذ، تلك القدرات التي يمكن تسميتها بالذكاءات المدرسية "Scholastic Intelligences". وطبقاً لجاردنر (Gardner, 1999 as cited in Lynn Gilman, 2001) فإن الذكاء هو أكبر بكثير من معامل الذكاء IQ، لأن معامل الذكاء العالي مع غياب الإنتاجية لا يساوي الذكاء. ويعطينا سيسي وجوولد (Ceci, 1996; Gould, 1996  as cited in Torff and Gardner, 1999, p. 152) مزيداً من التوضيح إذ يذكران أن العامل العام هو تركيب شجعته اختبارات الذكاء، أما في البيئات غير الاختبارية فلن يكون هذا العامل موجوداً كلية أو سوف يتكون من قدرات مختلفة ترتبط بنتائج مختلفة. وأنه إذا أمكن تكوين تقييمات ثابتة للذكاءات المختلفة لا تعتمد على الإجابات القصيرة لكن بدلاً من ذلك تستخدم مواد البعد الذي يتم قياسه فإن الارتباطات التي تنتج العامل العام سوف تنقص بشكل كبير. كما يذكر جاردنر (Gardner, 1993, p. 176 as cited in Lynn Gilman, 2001) أن المصداقية التنبؤية لاختبارات الذكاء التقليدية قد تكون صحيحة سيكومترياً –من حيث القياس النفسي- لكن فائدتها إلى ما وراء التنبؤ بالأداء المدرسي تكون موضع شك، حيث لا تستطيع أن تقول الشيء الكثير عن النجاح في الحياة بعد التخرج من المدرسة. لذلك فالتنبؤ يمكن أن يتحسن إذا اقتربت التقييمات أكثر من ظروف العمل الحقيقية، كما يجب أيضاً أن تكون أدوات قياس الذكاءات عادلة وحساسة للفروق الفردية والمستويات النمائية. ومن هنا نتبين أن تركيز جاردنر الحقيقي ليس في التشكيك في وجود العامل العام، بل التشكيك في مصداقيته التنبؤية وقدرته التفسيرية.
       وتشير هولمز (Holmes, 2002) إلى أنه بما أن اختبارات العامل العام تُقيِّم القدرات اللغوية والمنطقية/الرياضية مع استبعاد نطاقات أخرى، فإن هذه الاختبارات لا يمكن أن تقيس الذكاءات المتعددة. ويضيف موريس (Morris, 2003) أنه إذا كنا بشكل واضح نمتلك أنواعاً مختلفة من العقول فإنه يكون من غير المناسب أن يتم قياسنا كما لو كانت عقولنا منحرفة عن المنحنى الجرسي الاعتدالي، وأنه علينا الانتباه لما يكون خاصاً داخل عقولنا وداخل عقول الآخرين والذي يتيح لنا درجة من الاعتبارية والتقدير.
       ويعترض فؤاد أبو حطب (1996، ص ص 161- 163) على استبعاد نظرية جاردنر للعامل العام تماماً، حيث أن الدليل السيكومتري الذي قدمته نتائج التحليل العاملي يؤكد وجود علاقات موجبة بين بعض الذكاءات التي تتضمنها نظرية جاردنر، وعلى وجه الخصوص بين الذكاء المكاني والذكاء المنطقي/الرياضي والذكاء اللغوي، كما يذكر توفر أدلة من أبحاث آمال صادق (1974؛ 1968) على ارتباط الذكاء الموسيقي بغيره من الذكاءات وخاصة الذكاء المكاني. كما يشير إلى عدم اقتصار الأدلة على الارتباط بين القدرات ووجود العامل العام على البحوث السيكومترية وحدها، فالمحكات النيرولوجية تؤكد وجود وظائف عقلية تتجاوز حدود المواضع المكانية في المخ، وقد اعترف جاردنر نفسه بهذه الحقيقة (Gardner, 1983) حين أشار إلى أن الذكاء المنطقي/الرياضي لا يتأثر بخلل موضعي في المخ وإنما من اضطرابات عامة مثل الخوف حيث تختل مساحات كبيرة من الجهاز العصبي بسرعة واضحة. وبالطبع فإن القدرات الأقل اعتماداً على التموضع المكاني في المخ هي الأقرب إلى العامل العام.
كما يختلف جاردنر مع نظريات العامل العام اختلافاً جوهرياً آخر إذ تفترض نظريات العامل العام أن إمكانياتنا العقلية هي ميزة ثابتة محددة وراثياً يمكن قياسها مبكراً في الحياة وتحدد إمكانية الفرد (Morris, 2003)، بينما يرى جاردنر إمكانية تنمية قدراتنا العقلية وأنها ليست محددة وراثياً فقط بل تتأثر بالخبرات المكتسبة؛ حيث يرفض جاردنر (ترجمة محمد العقدة، 1997، ص 399) التقسيم الذي يضع ما هو موروث مقابل ما هو مكتسب، ويركز بدلاً من ذلك على التفاعل بين العوامل البيئية والعوامل الجينية أو الوراثية منذ بداية الحمل.