الجمعة، 29 سبتمبر 2017

105-بعد مطابقة المحكات، ما هي الذكاءات؟

بعد مطابقة المحكات، ما هي الذكاءات؟
د/منى زيتون

الذكاءات المتعددة Multiple Intelligences  التي أقرها جاردنر:
       اعتمادًا على المحكات الثمانية السابق شرحها.. توصل جاردنر (Gardner, 1983) إلى وجود سبعة ذكاءات إنسانية ضمّنها بالشرح والتوضيح في كتابه الأول الذي عرض فيه نظريته "أشكال من العقل.. نظرية الذكاءات المتعددة" "Frames of Mind.. The Theory of Multiple Intelligences" ، ثم عاد جاردنر وأضاف بعد ذلك ذكاءً ثامنًا إلى قائمة الذكاءات بعد أن تأكد من انطباق المحكات الثمانية عليه، وكان ذلك الذكاء هو الذكاء الطبيعي وهو أحدث إضافة إلى قائمة الذكاءات، وإن كانت هناك ذكاءات أخرى ما زالت قيد البحث لمطابقتها مع المحكات الثمانية لعل أبرزها الذكاء الوجودي، وسأتناول كل من الذكاءات الثمانية بالشرح.


 


الذكاءات الثمانية التي أقرها جاردنر

1-الذكاء اللفظي/اللغوي Verbal/Linguistic Intelligence:
       يُطلق عليه أيضًا البراعة في الكلمة Word Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999,p.143)- على أنه القدرة على استخدام اللغة المنطوقة والمكتوبة –لغتك الأصلية وربما لغات أخرى- للتعبير عما يدور في الذهن –نثرًا أو شعرًا- ولفهم الآخرين ولتذكر الأشياء والمعلومات.
       ويتفق كل من كتبوا عن الذكاءات أن هذا الذكاء يبرز في الشعراء والمحامين والصحفيين وأي من صنوف الكتاب والخطباء والمتحدثين بلسان الهيئات  (Gardner, 1997  in Checkley,1997; Torff and Gardner, 1999, p.143).
       يعطينا الباحثون بعض المؤشرات لاكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين، فتذكر كريستيسون وكينيدي (Christison and Kennedy, 1999) أن هؤلاء المتعلمين اللغويين يحبون قراءة الكتب والمجلات والصحف، ويحبون التحدث عن الأشياء التي يقرأونها، وغالبًا ما يكتبون مذكرات وخطابات لأصدقائهم وأسرهم، كما يحبون التحدث إلى الناس أثناء الحفلات والتجمعات وعبر الهاتف. ويضيف أحمد أوزي (د. ت) أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ والأشياء القليلة الأهمية إضافة لقدرتهم على الحفظ بسرعة وإظهار رصيد لغوي متنام.
       يذكر ماكينزي  (McKenzie, 1999b) أن الأطفال الذين يظهرون قوة في الفنون اللغوية: الحديث- الكتابة- القراءة- الاستماع يكونون دائمًا ناجحين في الفصول الدراسية التقليدية لأن ذكاءهم يكون ملائمًا للتدريس التقليدي، لكن بالرغم من الأهمية التي توليها النظرة التقليدية لذلك الذكاء في التعلم المدرسي يذكر سمدلر و توريستاد (Smedler and Törestad, 1996, p.354) كنتيجة لبحثهما أنه بالرغم من الأهمية الظاهرة للقدرة اللغوية فإنها ليست مساوية للذكاء العام.
       توضح كامبل (Campbell, L., 1997) أن استخدام القص للشرح، وإدارة مناقشات ومقابلات، إضافة لإتاحة الفرصة لكتابة قصيدة شعر أو مسرحية أو مقال تكون طرقًا تدريسية نافعة لتنمية الذكاء اللغوي.

2- الذكاء المنطقي/الرياضي Logical/Mathematical Intelligence :
       يطلق عليه أيضًا البراعة في الأعداد/الاستدلال Number/Reasoning Smart (Armstrong, 2000a) أو البراعة في الرياضيات Math Smart (Carlson-Pickering, 2002).
       تعرف الباحثة هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, p.143)  -على أنه القدرة على التعامل مع الأرقام والكميات والعمليات، والإقناع بالحجة والمنطق، والتفكير بطريقة استنتاجية منطقية، واستخدام وتقدير العلاقات العددية والسببية والمجردة والمنطقية.
       يتفق كل من كتبوا عن الذكاءات أن هذا الذكاء يبرز في العلماء ورجال المنطق والمتخصصين بالرياضيات والعلماء والمهندسين والمفهرسين ومبرمجيّ الكمبيوتر والمنجمين  (Gardner, 1997 in Checkley,1997; Holmes, 2002; Torff and Gardner, 1999, p.143).
       ويعطينا الباحثون بعض المؤشرات لاكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين فتذكر كريستيسون وكينيدي (Christison and Kennedy, 1999) أن هؤلاء المتعلمين المتميزين في الذكاء المنطقي/الرياضي يستطيعون أن يقوموا بالحسابات بسهولة في رؤوسهم، وهم جيدون في عمل الميزانيات وفي حل المشكلات وفي الألعاب الرقمية والشطرنج، ويحبون تحليل الأشياء وتنظيمها، كما يحبون لعبة الكلمات المتقاطعة، كذلك تشير هولمز (Holmes, 2002) إلى أن هؤلاء الأفراد يتميزون بأن لديهم تفكيرًا منطقيًا. ويضيف أحمد أوزي (د. ت) أنهم دائمًا يبدون الرغبة في معرفة العلاقات بين الأسباب والمسببات، والقيام بالاستدلال والتجريب، والرغبة في اكتشاف الأخطاء فيما يحيط بهم من أشياء، وتتميز مطالعتهم بالإقبال على كتب العلوم أكثر من غيرها.
       يشير ماكينزي (McKenzie, 1999b) إلى أن الأطفال الذين يظهرون قابلية للأرقام والاستنتاج من الوقائع وحل المشكلات هم النصف الآخر من الأطفال الذين يؤدون جيدًا في فصول الدراسة التقليدية.
       أما عن الأنشطة التدريسية التي يمكن استخدامها لتنمية هذا الذكاء فيمكن استخدام أنشطة حل المشكلات والتي تنمي الذكاء المنطقي، كما يمكن مساعدة التلاميذ على تنظيم المفاهيم من خلال الرسوم البيانية والجداول، إضافة لعقد المقارنات (Holmes, 2002). تضيف كامبل (Campbell, L., 1997) أنه يمكن تحويل المادة العلمية لتركيبة رياضية، أو تصميم وتنفيذ تجربة، أو استخدام قياس منطقي للتوضيح.
        هذا وأرى أن جاردنر قد جانبه الصواب في تسمية هذا الذكاء بالرياضي لربطه في هذه التسمية بين تلك القدرة والرياضيات التي أظهرت الدراسات ومنها دراسة إمام مصطفى (1979) أن كل من القدرات العددية والاستدلالية (المنطقية) والمكانية تسهم فيها، ويعد البحث الذي قام به براون (Brown, 1910) (في سيد خير الله وآخرين، 1966، ص 68) من أوائل الأبحاث التي دلت على تمايز القدرات الرياضية وانقسامها إلى قدرتين وهما القدرة الحسابية الجبرية والقدرة الهندسية، وهو نفس ما أقرته دراسة محمد خليفة بركات (1950) في تحليله العاملي للقدرات الرياضية. بينما أن وصف جاردنر ومن تلاه من الباحثين للذكاء المنطقي/الرياضي يقتصر على القدرة على التعامل مع الأرقام والتفكير المنطقي الاستدلالي بنوعيه الاستقرائي والاستنباطي، أي أنه يربط بين القدرة الحسابية الجبرية والقدرة الاستدلالية ويعتبرهما قدرة واحدة مع اعتبار القدرة المكانية قدرة منفصلة وتصنيفها كذكاء منفصل، ومن ثم أرى أن يُسمى هذا الذكاء بالمنطقي/العددي أو المنطقي/الرقمي Logical/Numerical Intelligence.

3-الذكاء البصري/المكاني Visual/Spatial Intelligence :
       يطلق عليه أيضًا البراعة في الصورة Picture Smart  (Armstrong, 2000a). أو البراعة في الفن Art Smart (Carlson-Pickering, 2002) .
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Prescott, 2001, p. 3 as cited in Holmes, 2002; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, p.143)- على أنه القدرة على تعرف التكوين والمسافة واللون والخط والشكل، وعلى توضيح الأفكار البصرية والمكانية بيانيًا، كذلك القدرة على تصور العالم المكاني داخل العقل –هذا العالم المكاني قد يكون واسعًا يعكس وضعنا المادي في الفراغ وقدرتنا على الإبحار والاستكشاف أو يكون أكثر محدودية-، والقدرة على معالجة العلاقات المكانية (الفراغية) واستخدام الخيال.
       يمكن أن نشاهد الذكاء المكاني في الطريقة التي يقود بها البحار أو قائد الطائرة في العالم المكاني الواسع، أو الطريقة التي يتصور بها لاعب الشطرنج أو المثّال (النحَّات) عالم مكاني أكثر محدودية. كما يمكن استخدام الذكاء المكاني في العلوم والفنون؛ فإذا كنت من ذوي الذكاء المكاني المرتفع ومتوجهًا نحو الفنون فهناك احتمال أكبر لأن تصبح رسامًا أو نحاتًا أو معماريًا، أما بالنسبة للعلوم فيمكن القول أن هناك علومًا خاصة مثل التشريح أو الطوبولوجي تركز على الذكاء المكاني (Gardner, 1997 in Chekley, 1997, p. 12). وتضيف هولمز (Holmes, 2002) لاعبيّ الشطرنج وراسميّ الخرائط والمستكشفين ورواد الفضاء وباحثيّ شبكة الانترنت كفئات متميزة في الذكاء المكاني.
       وبينما يذكر تورف وجاردنر(Torff and Gardner, 1999,p.143) أن الذكاء المكاني يُستخدم في الفنون البصرية ووضع التخطيطات والتصميمات والإبحار، ترى بروالدي (Brualdi, 1996) أن هذا الذكاء ليس محدودًا على الأبعاد البصرية، فقد لاحظ جاردنر أن الذكاء المكاني يتكون أيضًا في الأطفال العميان. وأتفق مع جاردنر في هذا التصور حيث أن حاسة اللمس لدى المكفوفين تقوم مقام حاسة البصر في التعرف على الأماكن والمسافات والأشكال، وإن كانت تعجز بالطبع عن التعرف على الألوان.
       يعطينا الباحثون بعض المؤشرات لاكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين فتذكر هولمز (Holmes, 2002) أن هؤلاء الأفراد المتميزين في الذكاء البصري/المكاني يُلاحَظ عليهم الاعتناء بالألوان والخطوط والتنظيمات، وهم بحاجة للصور لتعزيز تعلم المفاهيم، كما يفضلونها لتوصيل المفاهيم المعقدة، كما أنهم بحاجة للموارد والوسائط المتعددة، ويحبون استخدام أشكال فِن. ويضيف أحمد أوزي (د. ت) أنهم يصفون الأشياء بطرق تنم عن خيال، ويتميزون بأحلام حية، والقدرة على تصور الأشياء والتأليف بينها وإنشاء بنايات، وقد يقال أنهم يبنون قصورًا من الرمال.
       أما عن الأنشطة التدريسية التي يمكن استخدامها لتنمية هذا الذكاء فيذكر ماكنزي (McKenzie, 1999b) أن الأطفال الذين يتعلمون بصريًا أفضل وينظمون الأشياء مكانيًا يفضلون أن يروا ما تتحدث عنه من أجل أن يفهموا، فهم يستمتعون بالرسوم البيانية والخرائط والجداول والصور التوضيحية والفنون والأحاجي وأي شيء تراه العين. ويضيف باحثون آخرون (Campbell, L., 1997; Carlson-Pickering, 2001; Carlson-Pickering, 1999) أنه يمكن عرض شرائح أو شرائط فيديو أو ألبوم صور أو إعداد لوحات أو كروت للتوضيح أو إجراء تجارب بسيطة أو أن يُطلب من التلاميذ عمل نماذج مختلفة في الحجم والطول للأشياء أو رسم وتلوين ونحت بعض الأعمال.
       ويعزو علماء الأعصاب القدرات البصرية/المكانية للفرد لحقائق أن المخ يمتلك أساس انتباهي للتغاير، وأن 90% من الناتج الحسي للمخ يأتي من مصادر بصرية، كما أن للمخ رد فوري وفطري للرموز والأيقونات والصور القوية البسيطة. (Carlson-Pickering, 1999).

4-الذكاء الجسمي/الحركي Bodily/Kinesthetic Intelligence :
       يطلق عليه أيضًا البراعة الجسمية Body Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a). أو ذكاء الجسم ككل واليدين The intelligence of the whole body and the hands (Armstrong, 1994).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, p.143)- على أنه القدرة على استخدام القدرات العقلية للفرد لتنسيق حركات الجسم الذاتية واستخدام الجسم –بالكامل أو أجزاء منه- للتعبير عن الأفكار والمشاعر ولحل المشكلات ولصناعة بعض المنتجات والقيام ببعض الأعمال. بينما يعرف روكوود (Rockwood, 2003) الذكاء الجسمي/الحركي إجرائيًا كتطبيق عصبي وهو القدرة على التخطيط والأداء في حالة متزامنة، ويشير للمهارات البدنية خلال أنشطة حركية هادفة.
     ترى بروالدي (Brualdi, 1996) أن هذا الذكاء يتحدى الاعتقاد الشائع بأن الأنشطة العقلية والجسمية ليست ذات علاقة.
       ويبرز هذا الذكاء في الرياضيين والجراحين والحرفيين، كما يبدو واضحًا في مجال الفنون الاستعراضية(Gardner, 1997 in Checkley,1997; Lynn Gilman, 2001; Torff and Gardner, 1999, p.143).
     يعطينا الباحثون بعض المؤشرات لاكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين فيذكر هولمز (Holmes, 2002) وكامبل (Campbell, L., 1997) وأحمد أوزي (د. ت) أن هؤلاء المتعلمين المتميزين في الذكاء الجسمي/الحركي لديهم القدرة على التحكم في كل أجسامهم أو أجزاء منها، ويتفوقون في الأنشطة البدنية وفي التنسيق بين المرئي والحركي، وعندهم ميول للحركة ولمس الأشياء، كما أنهم تلاميذ متململون فهم لا يجلسون وقتًا طويلًا وهم دائمًا في نشاط مستمر، حيث نستطيع التعرف على هذا الذكاء في هؤلاء التلاميذ الذين يندفعون من مقاعدهم مثل انفجار الجرح عندما يرن الجرس الختامي للمدرسة. هؤلاء التلاميذ يكون من الأفضل تعليمهم من خلال أنشطة بالجسم كله وخلق حركة أو تتابع من الحركات أو تخطيط وحضور رحلة تجوالية أو بناء وتركيب أشياء أو إحضار مواد للتوضيح أو تمثيل ونمذجة المفاهيم أو لعب الأدوار والمحاكاة.
     أما عن وضع هؤلاء الأطفال ذوي الذكاء الجسمي/الحركي المرتفع في الفصول الدراسية التقليدية فيذكر ماكينزي (McKenzie, 1999b) أن هؤلاء التلاميذ الذين يتعلمون أفضل من خلال النشاط (ألعاب، حركة، مهام يدوية، بناء) كانوا يصنفون غالبًا على أنهم ذوو نشاط زائد في الفصول الدراسية التقليدية حيث كانوا يُجبرون على أن يجلسوا وأن يظلوا كذلك.

5- الذكاء الموسيقي/الإيقاعي  Musical/Rhythmic Intelligence:
       يطلق عليه أيضًا البراعة في الموسيقى Music Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a). أو ذكاء اللحن والإيقاع والجرْس The intelligence of tone, rhythm, and timbre (Armstrong, 1994).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين (أحمد أوزي، د.ت) (Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, p.143) - على أنه القدرة على التفكير في الموسيقى، وعلى سماع أساليب مختلفة الشكل من التأليف الموسيقي وتعرفها وتذكر الإيقاع وطبقة الصوت واللحن، وربما أداءهم، والانفعال بالآثار العاطفية لهذه العناصر الموسيقية، وكذلك القدرة على التكوين والخلق الموسيقي.
       وتشير بروالدي (Brualdi, 1996) أن العوامل السمعية تكون متطلبة للشخص ليطور هذا الذكاء في علاقته بدرجة النغم ونبرة الصوت لكنها ليست مطلوبة لمعرفة وإدراك الإيقاع.
       يذكر تورف وجاردنر(Torff and Gardner, 1999, p.143) أن هذا الذكاء يُرى في الموسيقيين والنقاد الموسيقيين، لكنه يكون واضحًا أيضًا خارج النطاق الموسيقي فعلى سبيل المثال، يُصدر أطباء القلب تشخيصهم على أساس الاستماع الدقيق لأنماط من الأصوات. كما يرى جاردنر  (Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12) أن هناك أشخاصًا عاديين يمتلكون ذكاءً موسيقيًا مرتفعًا فهم لا يتذكرون الموسيقى بسهولة فقط، إنهم لا يستطيعون إخراجها من عقولهم، إنها كل الوجود.
       ويعطينا الباحثون بعض المؤشرات لاكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين فتذكر هولمز (Holmes, 2002) أن هؤلاء المتعلمين المتميزين في الذكاء الموسيقي يصفّرون أثناء العمل ولديهم حساسية عالية للضوضاء ويسمعون الموسيقى في رؤوسهم. ويضيف أحمد أوزي (د. ت) أنهم يغنون بشكل جيد، ويحفظون الأغاني بسرعة، ويحبون سماع الموسيقى والعزف على آلاتها، كما أن لهم حس بالإيقاع وقد يحدثونه بأصابعهم وهم يعملون، ولهم القدرة على تقليد أصوات الحيوانات أو غيرها.
       يُنمي التلاميذ الذكاء الموسيقي من خلال خلق وأداء والاستماع للموسيقى. ويمكن أن تساعدهم نصوص الأغاني التي تصف محتوى حقيقيًا أن يتعلموا ويحتفظوا بالمعلومات، كما أن التعبير بدقات أو الإشارة إلى أنماط إيقاعية يكون مفيدًا مع هؤلاء التلاميذ (Harvard Project Zero, n . d.; Campbell, 1990; Campbell, L., 1997).
       يذكر بعض الباحثين أن الموسيقى هي نشاط يرتبط بالمخ بأكمله، وبما أن المدارس تقليديًا قد درسّت للمخ الأيسر والذي يكون أفقر في تخزين الذاكرة مقارنة بالجانب الأيمن من المخ والذي له اقتراب أفضل للذاكرة طويلة المدى، فإن الموسيقى –ولأنها تستخدم كلا جانبيّ المخ- تسمح لنا أن نضع المعلومات في ذاكرتنا طويلة المدى بشكل أكثر سهولة، وبالتالي يمكن أن تساعد في خلق بيئة مريحة تدعو المخ لينفتح على التعلم. ولأن الموسيقى تستحضر الاستجابات الانفعالية فإنها أحيانًا وبشكل لا شعوري تكون طريقة فعالة لتربط الجانب الأيمن من المخ وبالتالي الذاكرة طويلة المدى (Multiple Intelligences for Adult Literacy and Education page, 2003). ويشير يون (Yoon, 2000) إلى ما ذكرته الأبحاث من أن الموسيقى تلعب دورًا هامًا في تطور المخ لدى الطفل، وأن الباحثين يعتقدون أن الأطفال الذين يتعرضون أكثر للموسيقى والتدريب الموسيقي يستفيدون من نشاط المخ المُثرَى والذي رؤي أنه يزيد قدرات التلاميذ في أداء مهام تحصيلية خاصة. أما فيما يختص بالموسيقى التصويرية فإنها يمكن أن تكون عاملًا مشتتًا جدًا للذين ينجذبون للموسيقى عندما ينبغي أن يركزوا في شيء آخر(Harvard Project Zero, n . d.). الموسيقى أيضًا قد تنقل العاطفة التي قد تحسن أو تقلل من نشاط التعلم (Osciak and Milheim, 2001, p.357). وينتقد جاردنر (ترجمة محمد العقدة، 1997، ص 393) استخدام الموسيقى كخلفية تعليمية، حيث يذكر أنه ما لم يتم التركيز على الأداء الموسيقي –في هذه الحالة فإن الموسيقى لن تكون في الخلفية- فإن وظيفة الموسيقى لن تكون مختلفة عن وظيفة صنبور تتساقط منه المياه أو صوت مروحة كهربائية. كذلك تشير كارلسون بيكرينج (Carlson- Pickering,2001) إلى أن ما يبدو أن العلماء يتفقون عليه هو حقيقة أن عزف الموسيقى –حالة ايجابية للمخ- وليس فقط الاستماع إليها –حالة سالبة/تأملية- يبدو أنه يكون له صداه مع عقولنا.
       ولكن ماذا عن موقف التربية التقليدية من مرتفعي الذكاء الموسيقي.. يذكر ماكينزي (McKenzie, 1999b) أن هؤلاء الأطفال الذين يتعلمون أفضل من خلال الأغاني- أشكال موسيقية- إيقاعات- آلات- تعبير موسيقي من السهل أن يُهمَلوا في التربية التقليدية.
       في كتابه أشكال من العقل .. يذكر هوارد جاردنر (Gardner, 1983 as cited in Carlson- Pickering, 2001) أننا جميعًا نمتلك الذكاء الموسيقي، وأن هذا الذكاء يؤثر في تطورنا العاطفي والروحي والثقافي أكثر من أي من الذكاءات الأخرى. الموسيقى تساعد في تكوين قدراتنا كي نفكر عن طريق مساعدتنا عندما نتعلم لغة ورياضيات ومهارات مكانية.

6- الذكاء الطبيعي Naturalist Intelligence:
       يطلق عليه أيضًا البراعة في الطبيعة Nature Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين (Armstrong, 2003; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, p.144) - على أنه القدرة على التعرف والتمييز بين الأشياء الحية (النباتات- الحيوانات)، بالإضافة إلى الحساسية للملامح الأخرى من العالم الطبيعي (السحب- أشكال الصخور-...الخ)، كذلك القدرة على تصنيف النباتات والحيوانات والمعادن، ويمكن أن نضيف إلى ذلك في مجتمعاتنا الحديثة القدرة على التعرف والتمييز بين الأشياء التي يصنعها الإنسان مثل السيارات والأحذية المطاطية وأمثالها، وأخيرًا.. القدرة على الفهم والعمل في العالم الطبيعي.
       أضاف جاردنر هذا الذكاء إلى قائمته عام 1996م، حيث كان الإضافة الأولى إلى الذكاءات السبعة الأصلية. هذا هو الذكاء الذي ساعد أجدادنا على النجاة (Osciak and Milheim, 2001, p.358)، ولتقرير ماذا يأكلون ومما يهربون.
       يكون مستوى هذا الذكاء مرتفعًا لدى علماء الحيوان وعلماء النبات وعلماء الأنثروبولوجيا والمتخصصين بالبيولوجيا الجزيئية والمعالجين بالأعشاب والصيادين وجامعيّ الثمار والفلاحين والطهاة والمفهرسين وأمناء المكتبات والأطفال الذين يحبون الديناصورات (Campbell, B., 1997; Gardner, 1997 in Checkley,1997; Holmes, 2002; Torff and Gardner, 1999, p.144).
       أما عن مؤشرات اكتشاف هذا الذكاء لدى المتعلمين فتذكر كريستيسون وكينيدي (Christison and Kennedy, 1999) أن هؤلاء المتعلمين المتميزين في الذكاء الطبيعي يحبون النباتات المنزلية، ويمتلكون أو يحبون أن يمتلكوا حيوانات منزلية، ويعرفون أسماء العديد من الأزهار والحيوانات المتوحشة، ويحبون القيام بنزهة طويلة سيرًا على القدمين وأن يكونوا خارج المنزل، كما يلاحظون الأشجار والنباتات في الجوار. ويضيف أحمد أوزي (د. ت) أنه مما يميزهم أن مطالعتهم تتجه صوب كتب الطبيعة. ويلخص كامبل (Campbell, B., 1997) مؤشرات هذا الذكاء في أنه يعمل مع ملاحظة وفهم وتنظيم أشكال في البيئة الطبيعية، وتمييز وتصنيف النباتات والحيوانات.
       وبالنسبة للأنشطة التدريسية التي يمكن استخدامها من أجل تنمية هذا الذكاء تذكر كامبل (Campbell, L., 1997) أنه يمكن وصف التغييرات في البيئة المحلية والعالمية، ورسم أو تصوير الأشياء الطبيعية صورًا فوتوغرافية، واستخدام مناظير ثنائية العين وتليسكوبات وميكروسكوبات أو مكبرات بالعدسات. ويضيف كامبل (Campbell, B., 1997) إمكانية جمع عينات من العالم الطبيعي وتصنيفها وترتيبها، وملاحظة الطبيعة، وعمل تجارب في الطبيعة، وتعلم أسماء ظواهر طبيعية، وتعلم خصائص العالم الطبيعي، والتجول في الطبيعة أو عمل رحلات، وزراعة الحدائق، ورعاية الحيوانات الأليفة، والقيام بمشروعات للحفاظ على الحياة البرية، ومقارنة الملاحظات عن الطبيعة مع آخرين، وزيارة حدائق الحيوان والحدائق النباتية، وزيارة متاحف التاريخ الطبيعي، وتجفيف الأزهار.
       أما عن وضع الأطفال مرتفعيّ الذكاء الطبيعي في الفصل الدراسي فيذكر ماكينزي (McKenzie, 1999b) أن هؤلاء الأطفال الذين يحبون الهواء الطلق والحيوانات والرحلات الميدانية، والذين يحبون أن يلتقطوا اختلافات دقيقة حادة من المعاني يكون الفصل الدراسي التقليدي لطيفًا معهم.

7 - الذكاء التفاعلي Interpersonal Intelligence :
       يُطلق عليه أيضًا براعة التعامل مع الناس People Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a). أو ذكاء التفاعلات الاجتماعية The intelligence of Social Interactions (Armstrong, 1994).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy, 1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Gardner, 1999 as cited in Carlson- Pickering, 2001; Garrigan and Plucker, 2001; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.)- على أنه القدرة على تعرف وفهم مشاعر ودوافع وأهداف واعتقادات ونوايا ورغبات الآخرين، والتمييز بينها، والاستجابة لها، وبالتالي العمل مع الآخرين.
       هذا الذكاء هو القدرة التي نحتاجها جميعًا للتعامل مع الآخرين والاتصال بهم، لكنه يكون مرغوبًا جدًا بالنسبة للمعلمين والأطباء الإكلينيكيين (المعالجين) والسياسيين ورجال الدين الناجحين والمستشارين القانونيين والبائعين؛ لأن أصحاب هذه المهن يقوم عملهم أساسًا على الاتصال بالآخرين، وبالتالي فإن اكتساب هذا الذكاء يمكنهم من القيام بعملهم بكفاءة  (Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Garrigan and Plucker, 2001; Lynn Gilman, 2001; Torff and Gardner, 1999, p.143).
       ولعل من أهم ما يميز المتعلمون مرتفعو الذكاء التفاعلي هو قدرتهم على فهم الآخرين وفهم القوى الاجتماعية المحركة والإنتاجية في التعاون، مثل هؤلاء التلاميذ يتعلمون أفضل مع الآخرين وبالتالي فإن أنسب مكان لتعلمهم لا يكون في قاعات المحاضرة المزدحمة ولا في المحطات المعزولة، وإذا أُعطوا فرصة الاختيار في التعلم أو العمل فقد يتعلمون مع الآخرين أفضل وينتجون أكثر كثيرًا من مجموع إنتاج عملهم بشكل منفصل، كما يفيد استخدام التغذية الراجعة معهم، وكذا إشراكهم في مشروعات، وتركهم يديرون مقابلات، باختصار أن تترك لهم الفرصة لاستخدام مهاراتهم الاجتماعية في التعلم (Campbell,L., 1997; Holmes, 2002). كما يتميز هؤلاء التلاميذ بقدرتهم على لعب دور الزعامة والتنظيم والتواصل والوساطة والمفاوضات وبحساسيتهم لمشاعر الغير وقدرتهم على تكوين الأصدقاء بسرعة وأنهم يسرعون إلى التدخل كلما شعروا بوجود مواقف صراع أو سوء تفاهم، وهم غير ضنينين على غيرهم بما يعرفونه أو يتعلمونه (أحمد أوزي، د. ت).
       أما عن وضع هؤلاء الأطفال في الفصول الدراسية التقليدية.. يخبرنا ماكينزي (McKenzie, 1999b) أنهم قد يكونون معروفين كمثرثرين أو كثيريّ الاهتمام بكونهم اجتماعيين في البيئات التعليمية التقليدية، ذلك أنهم يكونون ملاحظين للناس المتجهين لمكان ما والمنسحبين منه، وغالبًا مع يؤدون عملهم تعاونيًا في مجموعات أو مع شريك إذا ما أتيحت لهم الفرصة.

8- الذكاء الشخصي Intrapersonal intelligence :
       يطلق عليه أيضًا البراعة الذاتية Self Smart (Carlson-Pickering, 2002; Armstrong, 2000a). أو ذكاء معرفة الذات The intelligence of self-Knowledge (Armstrong, 1994).
       أعرِّف هذا الذكاء –استنادًا لما ذكره العديد من الباحثين(Armstrong, 2003; Brualdi, 1996; Christison & Kennedy,1999; Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12; Hoerr, 2000; Lynn Gilman, 2001; Tapping into Multiple Intelligences, n. d.; Torff and Gardner, 1999, pp.143-144)- على أنه القدرة على امتلاك الفهم لنفسك، ومعرفة من أنت، وماذا يمكنك عمله، وماذا تريد أن تفعل، وكيف تتفاعل مع الأشياء، وأي الأشياء تتجنب، وأي الأشياء تنجذب إليها، وتعرُف المتشابهات والاختلافات في نفسك عن الآخرين، وأن تكون متلائمًا مع المشاعر الداخلية والقيم والمعتقدات وعمليات التفكير، وتستخدم تلك المعلومات لضبط حياتك الشخصية واتخاذ قرارات. إنه الذكاء الذي يُمكِّن الأفراد أن يُكوِّنوا نموذجًا عقليًا عن أنفسهم يتفهمون من خلاله مشاعرهم ودوافعهم الذاتية، ويعتمدون عليه في كل ما يخص حياتهم. وفي ذلك يقول جيلفورد (Guilford, 1967) (في فؤاد أبو حطب، 1996، ص 168) إننا لا نعرف فقط ولكننا أيضًا نعرف أننا نعرف، كما نعرف أن لدينا مشاعر وانفعالات ومقاصد وأفعال.
       يشير جاردنر (Gardner, 1997 in Checkley,1997, p. 12) إلى أن هناك كثيرًا من الأشخاص يتمتعون بهذا الذكاء بدرجة عالية، ونحن نلتفت لهم لأن لديهم فهمًا جيدًا لأنفسهم، وبالتالي يكونون متمتعين بالحصافة وجودة الرأي، ويعرفون ماذا يمكنهم عمله وماذا لا يمكنهم عمله، وهم يميلون لأن يعرفوا إلى أين يتجهون إذا احتاجوا للمساعدة.
       ولعل مما يلفت النظر إليهم أنهم متأملون وربما روحانيون ولديهم إدراك ذاتي لأنفسهم؛ فيستطيعون تحديد الطبائع الخلقية (السجايا) التي يمتلكونها والتي تساعدهم على النجاح، وكذلك يعرفون نقاط الضعف في شخصيتهم، ويتمتعون بإحساس قوي بالأنا، ولديهم ثقة كبيرة بالنفس، كما أن لديهم إرادة صلبة، ويحبون الاستقلال، ولهم مشاريع يسعون إلى تحقيقها، كما يمكنهم وصف قيمهم الشخصية وتقييم أعمالهم. يميز هذا الذكاء أنشطة التعلم الذاتي - قد يعملون بشكل أفضل عندما يكونون وحيدين-، كما يفيد تدوين اليوميات في تنميته. ويحتاج كل الناس فرصًا ليتأملوا (يفكروا مليًا) في التعلم وليدمجوا التعلم الجديد مع خبراتهم وقيمهم السابقة ومناظيرهم الشخصية (أحمد أوزي ، د. ت) (Campbell, L., 1997; Holmes, 2002).
       تذكر كارليسون بيكرينج (Carlson-Pickering, 2001) أن هذا الذكاء قد أصبح من أكثر الذكاءات التي نستخدمها اليوم من منظور تربوي.. فالتلاميذ اليوم لا يُطلب منهم فقط أن يُمدوا بإجابة عن المشكلة بل عادة ما يطلب منهم أن يُفسروا كيف وصلوا للحل؟ .. ولا شك أن إجابة كيف؟ تتطلب منهم استخدام قدراتهم في ما وراء المعرفة Metacognition.. ونظرًا لاختلاف مستوى الذكاء الشخصي لدى التلاميذ فإن البعض يعتبر الإجابة مهمة سهلة بينما يجدها آخرون شديدة الصعوبة عن إدراك إجابة المشكلة المطلوب حلها أساسًا، مع ذلك يرى أغلب المعلمين أن هذا يقود لفهم أفضل للمحتوى.

       وحتى بالنسبة للفصل التقليدي.. يكون الأطفال ذوو الذكاء الشخصي المرتفع أكثر انفرادًا، لكنهم يكونون حقيقة مدركين تمامًا ما يتعلموه وكيف يرتبط بأنفسهم (McKenzie, 1999b) .