الجمعة، 24 يونيو 2022

289-اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ

 

اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ

‏وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ

د. منى زيتون

مُستل من كتابي "تأملات في كتاب الله"

وعلى المثقف ضمن مقال مطول، الجمعة 17 سبتمبر 2021

https://www.almothaqaf.com/a/b6/958267

 

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 50]. وهي الآية التي كان لرسول الله قبلها أن يتزوج أي النساء شاء، فقُصر الحِل له بعدها على الأربعة أصناف المذكورات فيها من النساء، وليس له أن يتعداهن.

والجزء الأول من الآية يتحدث عن أن من يحللن للرسول صلى الله عليه وسلم هن أزواجه اللاتي آتاهن مهورهن، وما ملكت يمينه، وهو ما لم يستغلق على أغلب الناس فهمه، ولكن الإشكالية حدثت في عدم فهم ما تلا ذلك من قوله تعالى: ‏﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ وقوله: ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. ولا أفهم ما العجيب في هاتين الجزئيتين ليستعصيا على الفهم!

ولنبدأ بمفهوم الحِل، وهو على وجهين: ففلانة تحل لك بمعنى أنها ليست من المحرمات عليك تحريمًا أبديًا أو تحريمًا مؤقتًا لأي من الأسباب، ومن ثم يجوز لك أن تتقدم طالبًا إياها للزواج، والوجه الثاني بقولهم إن فلانة حلال لفلان أي أنها زوجته، والمعنى في الآية واضح أنك يا محمد يجوز ويحل لك أن تخطب أي من بنات عمومتك وبنات خالك وخالاتك اللاتي هاجرن معك فقط، وعلى هذا فسخ الرسول صلى الله عليه وسلم نيته التي كانت معقودة بالزواج من ابنة عمه أم هانئ ابنة أبي طالب لأنها أسلمت يوم فتح مكة، فهي من طلقاء يوم الفتح، فلم يحل له الزواج منها، ولا تعني الآية بأي حال من الأحوال أن لرسول الله أن يعامل قريباته تعامل الرجل مع زوجته!

ولو نظرنا إلى الحكمة من تحريم زواجه صلى الله عليه وسلم من قريباته اللاتي لم يهاجرن فإن الله قد حرَّمه ولا شك كي تقر أعين زوجاته؛ فقريباته إن تزوج منهن ستكون لهن مكانة خاصة أعلى من مكانة بقية زوجاته، خاصة ابنة عمه أبي طالب التي تربى معها، فكيف يجوز أن يكون لامرأة من الطلقاء منزلة على السابقات الأوليات إلى الإسلام!

وأما قوله تعالى: ‏﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فالمعنى بوهبها نفسها له أي أنها قبلت أن تتزوجه بغير صِداق، أي راغبة عن المهر، وهذا إن قبل النبي أن يتزوجها على أن تكون خالية من الزوج، فلا يُعقل أن تذهب امرأة متزوجة إلى الرسول لتعرض عليه أن يتزوجها وهي زوجة لرجل آخر وعلى ذمته! والمعنى أيضًا أن رجال أمتك يجب أن يؤتوا النساء صداقهن ولا يحل لهم الوهب، وأن هذا الحكم خالص لك دونهم.

وقد اُختلف في المقصودة في هذا الجزء من الآية، والأرجح أن المرأة المؤمنة المقصودة هي السيدة ميمونة بنت الحارث أخت السيدة لبابة الكبرى أم الفضل زوجة العباس عم الرسول، والتي وهبت نفسها للرسول في عمرة القضاء قبل فتح مكة بعام، وتزوجها الرسول بعد أن تحلل من إحرامه دون مهر، والفرق بينها وبين أم هانئ أن ميمونة من السابقات  الأوليات وإن لم تهاجر معه، فلم تكن من الطلقاء، كما لم تكن من قريباته.

 

ليست هناك تعليقات: