الجمعة، 24 يونيو 2022

287-إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ

 

إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ

د. منى زيتون

مُستل من كتابي "تأملات في كتاب الله"

وعلى المثقف ضمن مقال مطول، الجمعة 17 سبتمبر 2021

https://www.almothaqaf.com/a/b6/958267

 

يقول تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾ [الشعراء: 52: 60].

ووقفتنا مع وصف فرعون لبني إسرائيل الذين فروا منه مع نبيهم موسى عليه السلام بـ ﴿إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾، والشرذمة هي البقية القليلة من كل شيء، وهو وصف صحيح يتناسب مع ما نعرف من حالهم، فإذا كان بنو إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه السلام الاثنا عشر، والذين جاءوا جميعًا من البدو إلى مصر مع أهلهم أجمعين، وعددهم وفقًا للتوراة سبعين، وذلك بعد أن صار أحدهم وهو يوسف عليه السلام عزيز مصر، ثم ذهب عزهم بعد أن باد ملوك الهكسوس الذين كانوا في خدمتهم، وتبدلت الدول، حتى جاءهم بعد قرنين أو ثلاثة قرون على الأكثر من دخولهم مصر ملك متجبر نالهم من ربهم بلاء عظيم على يديه بذبحه وجنوده أبناءهم الذكور لسنين، فالمنطق يقضي بأنه ما بقيت منهم وقت خروجهم من مصر إلا شرذمة قليلين.

والأهم أن الله تعالى ذكر هذا الوصف على لسان فرعون في كتابه العزيز، فهو كلام الله، وكلام الله حق، ويصدق على ذلك أن الله تعالى لم يعقبه بتكذيب ما ذكر فرعون.

لكننا نجد مفسرينا ينساقون مع التفسيرات المستقاة من التوراة؛ فذكروا أن عدد بني إسرائيل يوم خرجوا مع موسى كان ستّ مئة ألف وسبعين ألفًا! وأخذوا يسوقون التبريرات للوصف القرآني المخالف تمامًا للرقم الذي يضربونه تخرصًا بأن كل سبط منهم كان قليلًا ولكن جمعهم كان كثيرًا على هذا العدد! فهل ما يزيد عن خمسين ألف رجل لكل سبط يُسمى شرذمة! ثم ما علاقة فرعون بأنسابهم وتصنيفهم إلى أسباط؟! وهي مبالغات وتخرصات بالغيب غير مبررة تتعلق بالأرقام اعتدناها من مفسرينا في مواضع كثيرة، كذلك الذي ذكرناه عند عرض قصة البقرة في مقال ‏"القصص القرآني بين العرض المنطقي والعرض السيكولوجي" ‏عندما ذكر بعض المفسرين أنهم أخذوا يبحثون عن البقرة أربعين سنة! رغم اختيار الحق سبحانه وتعالى للفاء للعطف في الآية ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ [البقرة: 72]؛ ما دل على أن هذا الحوار والجدل عن البقرة بين موسى وبني إسرائيل لم يستغرق أكثر من ساعات، وغالبًا لم يكن القتيل قد دُفن.

كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

يقول تعالى: ﴿فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ، فَلَمّا تَراءى الجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 60-62].

ولنتأمل قليلًا في قول الكليم يوم ظن من معه أن فرعون لاحق بهم ﴿قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ وقال هذا وقد تراءى الجمعان مع شروق الشمس وأوشكا أن يتلاقيا، فجند فرعون من خلفهم والبحر أمامهم، وموسى مُصر أن الله تعالى الذي أمره بالسير بهم سيهديه السبيل، فهو معهم. لم يشك لحظة في ربه أو أنه تاركه، ولا شك أنه منجيه.

إن ﴿كَلَّا هذه التي قالها الكليم لردع قومه عن الجزع والخوف لو وُضعت في كفة وإيمان أهل الأرض اليوم في كفة لرجحتهم.

إنه اطمئنان المؤمن الواثق في وعد الله له. ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ﴾ [طه: 77].

 

ليست هناك تعليقات: