الأحد، 2 فبراير 2020

221-مهارات التواصل الاجتماعي


مهارات التواصل الاجتماعي
د/ منى أبو بكر زيتون
الأحد 2 فبراير 2020

صدرت الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة من كتابي "مهارات التواصل الاجتماعي.. تأملات في تأثير التواصل على العلاقات الاجتماعية". وقد أحببت أن أطلع قرائي الأعزاء على مقدمة الكتاب التي تعطي تصورًا إجماليًا عن محتواه.


مقدمة الكتاب
التفاعل الاجتماعي في مضمونه ليس سوى تبادل منظم للرسائل اللفظية وغير اللفظية بين الناس، أي إنه يحدث عن طريق وسيلتين من وسائل الاتصال هما اللغة المتحدثة (الاتصال اللفظي) Verbal Communication والاتصال غير اللفظي Non-verbal Communication، فإذا كان الاتصال اللفظي هو الكلمات الحقيقية المتحدث بها، فإن الاتصال غير اللفظي يشتمل كل السلوكيات بين الأشخاص عدا الكلمات.
ومن هنا جاء اهتمام علم النفس الاجتماعي بدراسة المهارات الاجتماعية التي تُعتبر المطية التي يمتطيها الأفراد للتواصل. تلك المهارات قد عُرّفت وصُنِّفت من قِبل علماء النفس الاجتماعي تعريفات وتصنيفات كثيرة لن أفيض فيها، ويعد أشهر تصنيف للمهارات الاجتماعية هو تصنيف رونالد ريجيو، والذي يرى فيه أن المهارات الاجتماعية هي مهارات اتصال اجتماعي وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1-   مهارات في الإرسال Skills in Sending أو ما يعرف بالتعبيرية Expressivity
وهي المهارة التي يعبر بها الأفراد عن أنفسهم، وتظهر في الجانبين اللفظي وغير اللفظي (الانفعالي)، فهناك نوعان من مهارتيّ التعبير هما:
أ-التعبير اللفظي (إجادة لغة الكلام) Verbal Expressivity
ب-التعبير غير اللفظي (الانفعالي) Nonverbal (Emotional) Expressivity
والفرد الذي يمتلك مهارة التعبير اللفظي هو الذي يجيد التعبير بالكلام عما يريد. يعرف كيف يبدأ محادثة ويستمر فيها وصولًا إلى إنهائها بعد تحقيق الغرض منها، أما الفرد الذي يمتلك مهارة التعبير الانفعالي فهو الذي يكون قادرًا على إرسال الرسائل غير اللفظية كتعبيرات الوجه ولغة الجسد وغيرها للتعبير عن نفسه من خلالها.
2- مهارات في الاستقبال Skills in Receiving أو ما يعرف بالحساسية Sensitivity
وهي المهارة التي يفسر بها الفرد الرسائل التي يبعثها الآخرون، وتظهر أيضًا في الجانبين اللفظي وغير اللفظي (الانفعالي)، فيكون هناك نوعان من مهارتيّ الحساسية هما:
أ-الحساسية اللفظيةVerbal Sensitivity ، وتعني فهم مغزى ما يقول الآخرون، وكذلك فهم ما وراء سلوكهم اللفظي.
ب-الحساسية غير اللفظية (الانفعالية) Nonverbal (Emotional) Sensitivity، وتعني القدرة على فهم وتفسير الانفعالات والمشاعر المُضمّنة في الرسائل غير اللفظية التي تُرسل للفرد من الآخرين.
3-  مهارات في التحكم والضبط والتنظيم Skills in Regulating or Controlling أو ما يعرف بالضبط Control
وهو المهارة التي بها يصبح الأفراد قادرين على تنظيم عملية التواصل في المواقف الاجتماعية، وتظهر كذلك في الجانبين اللفظي وغير اللفظي (الانفعالي)، فيكون هناك نوعان من مهارتيّ الضبط هما:
أ-الضبط اللفظيVerbal Control ، ويعني لعب الدور الاجتماعي المناسب، وضبط الاتجاه والمحتوى خلال الحديث.
ب-الضبط غير اللفظي (الانفعالي) Nonverbal (Emotional) Control، وهو الكفاءة في ضبط الانفعالات.
ودائمًا وأبدًا فإن كل الناس يشتكون من كل الناس! فمن تراهم السيئين ومن الجيدين بيننا؟! علمتني الحياة أن مشاكل البشر أغلبها اجتماعية وليست نفسية؛ فنحن في كثير من الأحيان لا نفهم الآخر ولا يفهمنا الآخر، وهذا سبب أغلب مشاكلنا. ولا بد أن نعترف بوجود المشكلة أولًا كي نواجهها ونكون قادرين على حلها. وليتذكر كل منا أن ما في داخله سيبقى في داخله؛ فالناس تتعامل مع سلوكياته الظاهرة سواء كانت أفعالًا أو أقوالًا.
والتأثير الاجتماعي للشخص يعتمد على قدرته على التآزر بين جميع المهارات اللفظية وغير اللفظية. والدراسات النفسية والاجتماعية تؤكد على الدور الكبير والفعَّال لمهارات الاتصال الجيدة في اكتساب السلوك الاجتماعي المناسب، وتقبل الآخرين والتفاعل معهم، وتكوين الصداقات، والحفاظ على العلاقات، وتحقيق التكيف الاجتماعي، وترتبط كذلك بتكوين مفهوم إيجابي عن الذات وتقدير ذات مرتفع، وهي تؤثر في بيئة التعلم، وتؤدي إلى الكفاءة في العمل، ومن ثم تحقيق النجاح الاجتماعي للصغار والكبار على السواء، وإجادتها تساعد الفرد على تحسين علاقاته المهنية والشخصية إلى حد بعيد.
وعلى العكس من ذلك، فإن نقص مهارات التواصل يرتبط بأشكال عديدة من الأنماط السلوكية غير التوافقية، بدءًا من جُناح الأطفال وتسربهم من المدرسة، وتعرضهم لصعوبات أكاديمية في كافة المراحل الدراسية، وصولًا إلى الفوبيا الاجتماعية والاكتئاب والشعور بالوحدة النفسية وبعض مشاكل الصحة العقلية لدى البالغين. وغالبًا ما يفتقدها ضحايا إساءة المعاملة والانتحار وأطفال الشوارع الهاربين من منازلهم.
إن النجاح في العلاقات الاجتماعية يستلزم زيادة الوعي وقوة الملاحظة لسلوكيات الأفراد الذين نتعامل معهم. ولا شك أن كل منا يشكل تجربته الذاتية في الحياة من خلال خبراته، لكن الإفادة من خبرات الآخرين يثرينا، وتعلم ما يلزمنا عن مهارات التواصل ربما يجنبنا الوقوع في كثير من المشاكل.
وقد أثبتت الدراسات وجود فروق دالة بين الثقافات في مهارات التواصل الاجتماعية، لكن تبقى أقوى الفروق بين البشر فيها تُعزى إلى اختلاف الجنسين؛ فمهما كان حجم الفروق الفردية أو الثقافية بين البشر تبقى للفروق بين الجنسين كلمتها الأعلى فيما يخص إشكاليات التواصل بينهم، وتسبب تلك الاختلافات مشاكل التواصل الشائعة بين النساء والرجال.
ولأن تجاهل الفروق بين الجنسين وإرجاع مصدر مشاكل التواصل إلى الفروق الفردية أو الثقافية فقط يسهم في تعميق المشاكل وزيادة النزاعات بين النساء والرجال في العلاقات المهنية والشخصية، وزيادة الضغوط على الأفراد، وليقيني أن علينا زيادة الوعي بتلك الفروق وفهم الأساليب الذكرية والأنثوية في التواصل، وليقيني أيضًا بأن كثيرين بحاجة لتعلم التعبير عن أنفسهم وفهم الآخرين بنجاح، كي ينجحوا في التعامل مع الآخرين، وأن كثيرين بحاجة لتصحيح كثير من المفاهيم المتعلقة والمتسببة في مشاكل بالتواصل، لأجل ذلك كله كان هذا الكتاب.
وقد حرصت على عدم صياغة محتوى الكتاب صياغة أكاديمية، فخلا من التنظير غير اللازم؛ فهو تأليف إبداعي، كتبته مستحضرة المعلومات مما تعلمته من دراساتي السابقة وخبراتي دون الرجوع للمراجع والتوثيق إلا في مواضع يسيرة أوردت فيها اسم أصحابها، واستخدمت الأسلوب العلمي المتأدب، لأن هدفي منه رفع درجة الثقافة النفسية لدى القارئ غير المتخصص، وأتمنى أن أكون بالفعل قد أسهمت في هذا.
د/ منى زيتون