الاثنين، 7 يناير 2019

168-فضيحة حوار السيسي مع قناة CBS


فضيحة حوار السيسي مع قناة CBS
د/منى زيتون
الاثنين 7يناير2019


مساء يوم الخميس، الثالث من يناير 2019، انتشر خبر مفاده أن قناة سي بي إس CBS الأمريكية ستعرض مساء الأحد السادس من يناير 2019، حلقة من برنامج 60 دقيقة، كانت قد سجلتها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رغم أن السفير المصري بواشنطن طالب طاقم البرنامج بعدم بث الحوار!
وعلى موقعها الالكتروني، أكدت القناة التليفزيونية الخبر بمقال عنوانه "المقابلة التي لا تريدها الحكومة المصرية أن تُبث".

ولعل الأعجب من مطالبة السفارة المصرية بواشنطن بعدم بث الحوار بعد أن سمحوا بإجراء المقابلة، هو أن هذا الحوار لم يتم تسجيله حديثًا، بل سُجِّل أواخر سبتمبر 2018، على هامش مشاركة السيسي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك؛ فاللقاء أُجري بالفعل قبل ما يزيد على ثلاثة شهور، ونشرت صحيفة الفجر المصرية خبرًا عنه فجر الأربعاء 26/سبتمبر/2018 - 04:26 ص، بعنوان "الرئيس السيسي يجري حوارًا مع قناة "CBS" الأمريكية".
جاء في الخبر الذي نشرته الفجر: "أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، حوارًا مع قناة CBS الأمريكية، بمقر إقامته في نيويورك، وذلك على هامش مشاركته في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتناول خلاله مختلف الملفات الداخلية والإقليمية والدولية. واستعرض الرئيس السيسي، خلال الحوار، الرؤية المصرية تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، فضلًا عن جهود مكافحة الإرهاب. كما تناول الأوضاع الداخلية، وإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الدولة المصرية".

لماذا وافق السيسي على إجراء الحوار؟
وفقًا لمقطع فيديو صور كواليس عمل فريق برنامج 60 Minutes في إعداد الحلقة التي استضافت السيسي، فبالنسبة لفريق عمل البرنامج كانت هذه فرصة عظيمة لأن يسألوه أسئلة لا يجرؤ أحد في مصر أن يسأله إياها، كما ذكر سكوت بيلي مقدم البرنامج في مقدمة الحلقة ذاتها –بعد بثها في الموعد المعلن عنه- أنهم فوجئوا بموافقة السيسي على إجراء الحوار معهم! ويبدو أنه بالفعل ليس على دراية بأسلوب البرنامج.

يبدو بدهيًا أنه، ولأن السيسي محب للظهور الإعلامي؛ فقد رحب باللقاء غير مدرك للفرق بين الإعلام الحقيقي في الدول التي يتمتع مواطنوها بحرية الرأي، والإعلام الموجه الذي يتعامل معه في مصر، والذي أصبح سمة لعصره؟! إعلامه الذي يتعامل هو معه باحتقار، ويُسيره، بل ويسمح لنفسه باستبدال الدور مع المذيع واستجوابه، وقد كان من المضحك أن السيسي في حلقة 60 دقيقة، نسي لحظة أنه يخاطب سكوت بيلي، وبدلًا من أن يجيب على سؤاله، تصور أن بإمكانه أداء دور المذيع وطرح الأسئلة كما يفعل في مصر؛ إذ قال لسكوت: "أنا عايز أسألك، هل أنتم متابعين الموضوع ده كويس؟!".
طلب السيسي أسئلة المقابلة قبل إجرائها، وحدثت مداولات لمدة شهر كامل، رفض فيه فريق العمل تمامًا هذا الإجراء؛ لأن هذه ليست الطريقة التي يُدار بها البرنامج. بالرغم من ذلك وافق السيسي على إجراء المقابلة، وأكمل الحوار رغم توقعات طاقم البرنامج المسبقة أنه ربما يرفض الإجابة على بعض الأسئلة إلى درجة إلقاء الأوراق ومغادرة المكان!
ويبدو أن السيسي تحلى بأقصى درجات ضبط النفس أثناءء إجراء الحوار، لكنه انفعل بعد انتهائه على مدير المخابرات العامة عباس كامل، والسفير المصري في واشنطن، مطالبًا إياهما بمنع بث المقابلة المسجلة.

لماذا يتم بث الحوار الآن؟!
محاولات منع بث الحوار أعلنت عنها القناة بعد شهور من الاستجابة لذلك الطلب على ما يبدو! وتبدو أسباب طلب السفير المصري منع بث البرنامج واضحة، فالسيسي من جهة بدا مرتبكًا، ولغة جسده فاضحة، ومن جهة أخرى فقد صرّح بالتعاون المصري الإسرائيلي في مجال القضاء على الإرهاب في سيناء، على عكس النفي المصري السابق لذلك، وواجهه المذيع ببيان وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم عن أعداد الأسلحة البسيطة التي تم ضبطها في اعتصام رابعة العدوية، في أغسطس 2013، والتي تؤكد أن الاعتصام لم يكن مسلحًا بالدرجة التي تحتم حدوث مواجهات تودي بحياة 800 شخص، كما واجهه بأعداد المساجين السياسيين في مصر التي تصل وفقًا لتقدير هيومن رايتس ووتش إلى 60 ألف سجين سياسي.

لكن الأهم، وهو ما يثير تساؤلًا أقوى، هو الأسباب التي تقف وراء تغير نهج القناة وقناعاتها حول قيمة بث تلك المقابلة المهلهلة، بعدما استجابت في البداية بعدم بثها، وهل كان هذا فقط لأجل مزيد من الدعاية المجانية للبرنامج الشهير، وإظهار أن رئيسًا لا يثق في إمكانياته، ولديه العديد مما يمكن أن يؤاخذ عليه، قد غامر بالموافقة على إجراء حوار معهم؛ لأجل الانضمام لقائمة كبار القادة الذين يحاورهم البرنامج؟!
كان من اللافت في المقابلة أن التقرير الصوتي المصاحب للحوار القصير للغاية الذي تم الإبقاء عليه ليُبث من مجمل اللقاء مع السيسي، قد جاء على سيرة الحادث الإرهابي الذي وقع لأتوبيس سياحي في منطقة الأهرامات أواخر ديسمبر 2018، وهو يؤكد حداثة هذا التقرير الذي تم إلحاقه بالمقابلة، ومن ضمن ما أُشيع أن المخابرات الأمريكية حصلت على معلومات مؤكدة حول الأربعين سجينًا سياسيًا، الذين قام النظام بتصفيتهم في اليوم التالي للحادث، بادعاء أنهم الإرهابيون الذين قاموا بالعملية الإرهابية.
ومعلوم أن شبكة سي بي إس CBS تتبع الديمقراطيين، الذين صارت لهم أغلبية في الكونجرس الأمريكي مؤخرًا، ويهدفون إلى إظهار أخطاء سياسة الجمهوريين الخارجية، ومن المنطقي أن يكون السيسي من أهم النماذج التي تُظهر مراهنة ترامب على حصان خاسر، لا قيمة له، ولا فائدة من وراء دعمه، خاصة وأن هذا الخاسر يتلقى معونات أمريكية مادية كبيرة.

محتوى المقابلة
جاءت المقابلة مختصرة للغاية، في أقل من أربع عشرة دقيقة، وتعتمد بالأساس على التقرير الصوتي الذي أعده وتلاه سكوت بيلي، وبعض الحوارات القصيرة مع الضيوف، وفقط بضع أسئلة قصيرة وُجهت للسيسي!
بدايةً، فقد سُئل السيسي عن المعتقلين السياسيين، فأنكر وجود أي سجناء سياسيين أو سجناء رأي في مصر! وادعى أن جميع من يحتجزهم إرهابيين متطرفين، يحاولون فرض أفكارهم على الناس، وأنهم يتلقون محاكمات عادلة، وسط إجراءات قانونية، لكنها تحتاج إلى وقت طويل، قد يستغرق أعوامًا.
واجهه المذيع بالأعداد التقديرية التي حددتها منظمة هيومن رايتس ووتش بستين ألف سجين سياسي في مصر، فأنكر، وتعجب أن من أين أتوا بهذا الرقم؟!
يأتي هذا الإنكار من قِبل السيسي، رغم أن نظامه أفرج عن مصريين أمريكيين كانوا محتجزين في مصر، أحدهم كان ممن أُجري معهم لقاء في الحلقة ذاتها! لكن يبدو أن السيسي لا يعتبر أسباب احتجازهم سياسية!
منظمة العفو الدولية بدورها، وبعد الإعلان عن موعد بث الحلقة، أعادت نشر تقريرها الصادر عن مصر منذ أشهر، والذي وصفت فيه مصر بأنها سجن كبير، وأن القمع وصل لأعلى مستوياته فيها في عهد السيسي.
وكم كنت أتمنى أن يتطرق الحوار إلى الإجراءات التعسفية التي استخدمها السيسي لمنع خصومه السياسيين من الترشح أمامه في مهزلة انتخابات الرئاسة المصرية 2018، ولكن كلام المذيع عن السجناء السياسيين كان عامًا لم يميز بين الآلاف من الشباب المحتجزين في سجون السيسي وبين كبار السياسيين المسجونين أو المقيدة حركتهم، باستثناء الفريق عنان الذي جاء ذكره في التقرير بشكل عابر، باعتباره أكبر منافسيه السياسيين –وفقًا للتقرير-، الذين تم حبسهم لمنعه من الترشح، رغم أن الإجراءات التي حدثت مع الفريق شفيق لمنعه من الترشح لا تقل تعسفًا، وشعبية شفيق تفوق شعبية عنان في الشارع المصري بمراحل، والذي كان بحق يُعتبر أكبر وأهم منافسي السيسي.

ثم عرض التقرير المصاحب للحوار، لاعتصام الإخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية، بعد إطاحة السيسي بالرئيس المنتمي إلى جماعتهم، محمد مرسي، وهو الاعتصام الذي تم فضه بالقوة الجبرية، وقُتل فيه وفقًا لتقديرات المنظمات الدولية حوالي 800 شخص.
أشار التقرير إلى التناقض بين اعتبار نظام السيسي جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وبين رفض الأنظمة الأمريكية المتعاقبة إدراج الجماعة على لائحة الجماعات الإرهابية! وأعطى التقرير لمحة عن تكوين الجماعة، وعن تمادي السيسي في قمعها في سنوات حكمه، قبل أن يتوسع ليقمع المعارضة العلمانية هي الأخرى!
شرح التقرير أيضًا باختصار كيفية وصول السيسي إلى حكم مصر، وكيف استغل السيسي محاولة الإخوان في عام حكمهم الاستئثار بالحكم، والسخط الشعبي عليهم، في إزاحتهم.
شملت الحلقة أيضًا حوارًا قصيرًا عن الإخوان وقمع السيسي للمعارضة المصرية بكافة أشكالها، مع أندرو ميلر، مسئول ملف مصر السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، الذي رأى أنه ليس كل أعضاء الجماعة قد لجأت للعنف.
كان هناك حوار قصير آخر بين سكوت بيلي وعبد المجيد درديري نائب البرلمان المصري أثناء حكم الإخوان المسلمين، والذي اتهم السيسي بأنه قوّض حلم المصريين في الحرية.
في الجزء القصير من المقابلة التي حاور فيها سكوت السيسي حول الإخوان، قال السيسي إن الشعب المصري رفض التشدد الديني المتمثل في الإخوان. سأله سكوت بيلي إن كان قد قام بتجريم جماعة الإخوان لأنهم أكبر جماعة معارضة لحكمه فحسب، فأنكر السيسي، وادعى أنه يتعامل فقط مع المتطرفين ممن يحملون السلاح، ويدمرون الاقتصاد المصري. أخبره سكوت بأن هناك مصريين يرفضون تسميته بالرئيس، ويقولون إنه ديكتاتور! فضحك السيسي، وقال إنه فقط استجاب لرغبة 30 مليون مصري تظاهروا رفضًا لحكم الإخوان، وإنه اضطر لاتخاذ إجراءات لاستعادة الأمن.
تطرق التقرير المصاحب إلى فض اعتصام رابعة العدوية، ثم كان حوار بين سكوت ومحمد سلطان، المصري الأمريكي، الذي أصيب في فض اعتصام رابعة العدوية، واعتقل في سجون السيسي بعد ذلك، قبل أن يُفرج عنه، وينتقل للإقامة في أمريكا.
عاد بعدها سكوت بيلي لمحاورة السيسي، سائلًا إياه إن كان قد أعطى الأوامر بفض اعتصام رابعة العدوية باستخدام السلاح، فاتهمه السيسي اتهامًا ضمنيًا بأنه غير متابع للأوضاع في مصر، وشكك في مصادر معلوماتهم في إعداد البرنامج، وأخبره بأن الاعتصام لم يكن سلميًا بل كان مسلحًا، وأنه فشل في فضه بالطرق السلمية. ثم كذّب السيسي ما جاء في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن استخدام الأسلحة لقنص المعتصمين أثناء الفض.
عرض سكوت بيلي بعدها جزءًا من بيان وزير الداخلية المصري، وقت فض اعتصام رابعة، محمد إبراهيم، والذي أعلن فيه العثور على 12 قطعة سلاح فقط في الاعتصام، ثم عرض جزءًا من تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية يصف القتل والتعذيب في السجون المصرية.
عاد الحوار مرة ثانية بين سكوت ومحمد سلطان، الذي حكى خبرته عن الحبس الانفرادي في السجون المصرية، الذي يُعد أحد أساليب التعذيب في حد ذاته، إضافة إلى أساليب مصاحبة له، كالإضاءة المركزة للمنع من النوم، وحكى عن شفرات الحلاقة التي كان الحراس يمررونها له، ويشرحون له كيف يستخدمها لقطع شرايين يده وإنهاء حياته.
وصف التقرير ما يفعله قمع السيسي في مصر –وفقًا لأندرو ميلر- بأنه يجعل مصر أكثر عرضة للانفجار، بسبب المحاكمات والإعدامات الجماعية، على عكس ما يصور السيسي. كما أنه وعلى عكس ما يرى السيسي فإن مصر لم تحظ بالاستقرار في عهده، فالدولة تنهار ومستوى المعيشة ينخفض. أشار ميلر أيضًا لتنامي تنظيم داعش في سيناء في عهد السيسي، وعدم تمييز النظام المصري في السجون؛ فالنشطاء السلميون يُحبسون إلى جانب المتشددين، وهو ما يعمل على تحويل عدد أكبر من المصريين إلى متطرفين.

ثم أشار التقرير بصوت سكوت بيلي إلى الحادث الإرهابي الذي استهدف أوتوبيسًا سياحيًا في منطقة الأهرامات، أواخر ديسمبر الماضي، وفي اليوم التالي قتلت قوات الأمن المصرية 40 شخصًا مدعية أنهم منفذو الحادث الإرهابي! هذا الجزء من التقرير تحديدًا يؤكد أن التقرير المصاحب للحوار القصير للغاية الذي تم استبقاؤه وعرضه من مقابلة البرنامج للسيسي، تم إعداده منذ أيام لا أكثر، لاستكمال المعلومات التي تم حذف الحوار مع السيسي عنها.
ذكر التقرير أيضًا حادثة مقتل أكثر من ثلاثمائة مسلم في مسجد الروضة بشمال سيناء في يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر 2017، على يد الجماعات المتطرفة، وحادثة إرهابية أخرى حدثت في إحدى الكنائس المصرية.
ولأول مرة –وهو ما يُسجل لسكوت بيلي- يعترف السيسي رسميًا أثناء المقابلة، بوجود تعاون عسكري بين الجيشين المصري والإسرائيلي في سيناء. وبعد اعترافه بالتعاون العسكري مع إسرائيل، سأله سكوت بيلي عن فشله في القضاء فقط على ألف إرهابي من تنظيم داعش في سيناء، فرد السيسي عليه بسؤال –وهو يبتسم!- عن سبب فشل الولايات المتحدة في اقتلاع الإرهاب من أفغانستان رغم السنوات الطوال وحجم الإنفاق الهائل!

كلام السيسي حمل إهانات ضمنية للجيش المصري، فهو عاجز عن القضاء على الإرهاب في سيناء عبر سنوات، رغم كل صفقات الأسلحة التي أتمها السيسي، عجزًا حمله على التعاون مع إسرائيل والسماح لها بشن حملات في سيناء بدعوى مكافحة الإرهاب معه، بفتح سماء مصر أمام إسرائيل، وهو استكمال لأهم ما فعله السيسي عبر سنوات، بتغيير عقيدة الجيش المصري والشعب المصري حول عدوه الأول، والذي يُعد التغيير الغامض، والذي يمكن أن يُوصف أيضًا بالغبي، في ظل ثبات موقف إسرائيل العدائي تجاه العرب بوجه عام، ومجاهرتها بمشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
فهل يُسمح لطيران دولة تضع عينها على أراضينا باقتحام سمائنا؟ وهل نتعاون مع مخابرات دولة تهدف وتسعى إلى احتلالنا؟! ومنذ متى كانت إسرائيل تهدف إلى المساعدة في تأمين مصر والقضاء على أعدائها؟! وهل يوجد حقًا ما يبرر هذا التطبيع العسكري؟!
والتساؤل الذي بات يطرح نفسه بشكل ملح هو هل النظام المصري وإسرائيل يبذلان جهودًا كافية للقضاء على الإرهاب في سيناء أم أنهما مستفيدان منه لإيجاد مبررات لعملياتهما المهيئة لصفقة القرن؟
وهل كان منع التغطية الإعلامية لحملة الحرب على الإرهاب في سيناء محاولة من النظام للتعمية على التعاون العسكري المصري الإسرائيلي فيها، والذي انفضح في الحوار مع CBS؟
ما يفعله السيسي الآن كان لا يمكن أن يُوصف بأقل من الخيانة العظمى منذ سنوات، وهو إضافة لهذا غريب؛ فتسامحه العجيب تجاه إسرائيل يُقابله عداء غير مبرر لدول إسلامية كبرى كإيران وتركيا، فإن كانت تركيا تدعم حركة الإخوان المسلمين، وهو ما يجده السيسي مبررًا كافيًا لعدائها، فلا يوجد مبرر إطلاقًا للعداء الذي تظهره أنظمة مصر والسعودية، تجاه إيران، وتصويرها بصورة شيطان المنطقة، سوى أنه استجابة للتوجه الأمريكي نحوها، والذي يسعى دومًا نحو تحجيمها، فإن كانت أمريكا لا تملك أسبابًا طائفية لذلك العداء، فلدينا من يؤجج الفتن الطائفية ويبالغ فيها تجاوبًا مع ما تريده أمريكا.
جميعنا يعلم أن هناك مدنيين كُثر قُتلوا وتهدمت منازلهم وهُجِّروا كجزء من هذه الحملة المزعومة ضد الإرهاب، والتي لم نلمس لها نتيجة إيجابية تُذكر. والأهم أن الجيش المصري عبر متحدثنا العسكري كان قد نفى سابقًا مرارًا مشاركة إسرائيل فيما يُسمى بالحملة على الإرهاب في سيناء، بما يعني أن نظام السيسي كان يكذب على شعبه!
إهانات السيسي للجيش المصري في الحوار لم تكن الأولى، فقد استطاع تحويل الجيش المصري في عيون المصريين والعرب إلى جيش مختص بتعبيد الطرق وبناء الكباري والإشراف على تنفيذ وبيع منتجات استهلاكية! وهل هناك إهانة يمكن أن تُوجه إلى جيش مصنف عالميًا أكثر من هذه؟! وهل كانت إسرائيل تحلم بما يسمح به السيسي؟!

بعد حديث السيسي عن الإرهاب في سيناء مبررًا فشله، عاد سكوت بيلي لتلاوة تقريره، وركز على ما أحسبه الهدف الرئيسي من بث المقابلة، فذكر لقاء ترامب مع السيسي والملك سلمان لفتح مركز سعودي ضد التطرف، عام 2017، ثم يتعجب سكوت من أن ضباطًا سعوديين قد قتلوا صحفيًا وصاحب عمود في الواشنطن بوست هو جمال خاشقجي! ويعجب كذلك من اعتبار وزارة الخارجية الأمريكية السيسي مسئولًا عن الاختفاءات القصرية والتعذيب في مصر!
تساءل سكوت بيلي بعد ذلك عم يمكن أن يجعل الاستثمار في حكومة السيسي أمرًا ذا جدوى؟ رد السيسي بأنه استثمار للأمن والاستقرار لكامل المنطقة، وهو ما يلزم الولايات المتحدة باعتبارها مسئولة عن الأمن في العالم!
واجهه سكوت بأن نقّاده في الكونجرس والأمم المتحدة يقولون إنه احتجز الآلاف وقتل المئات من غير المسلحين، ومن ثم فإن يديه ملطخة بالدماء. أعاد بعدها السيسي الادعاء بأنه يتعامل مع متطرفين قتلة.
فكعادته، حرص السيسي على إلقاء اللوم على الشعب المصري، وهي الصورة التي يصدرها السيسي دومًا عن المصريين للإعلام المصري والأجنبي؛ فهناك الآلاف من المتطرفين والإرهابيين والعنصريين والفاسدين في الشعب المصري، وهناك الكثير من العاطلين بسبب الشعب الكسول وليس الإدارة الفاشلة، فهل الشعب هو من يقترض مليارات ويقرر إنفاقها في مشاريع سفيهة لا عائد لها ولا ربحية؟! وهل الشعب هو المسئول عن قرار إنشاء تفريعة قناة السويس الجديدة أم عن تشييد العاصمة الإدارية في قلب الصحراء؟! وهل الشعب من يصدر قرارات استجابة لشروط صندوق النقد الدولي قضت وستقضي على بقايا الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري؟ أم أن هذه مخلفات عهد مبارك كما يدعي أنصار السيسي؟! لقد تضاعف الدين المصري في عهد السيسي حتى بلغ أرقامًا فلكية!

ختم سكوت تقريره بلوم خفي للإدارة الأمريكية الحالية التي تتغاضى عن قمع السيسي للمصريين الذي يمكن أن يتسبب في ثورة جديدة، لأن ترامب يتفهم أولوية مواجهة الإرهاب الذي يدعي السيسي أنه يحاربه! ثم ذكر سكوت -بشكل عابر- أن هناك مناقشات في البرلمان المصري حول مدة الرئاسة ليُسمح للسيسي بالاستمرار في الحكم.
وفيما يخص تعديل الدستور المصري، فقد أثبت السيسي مرارًا للمصريين أنه لا يعترف سوى بسلطة القوة لأجل تحقيق أهدافه، مهما تعارضت مع القانون والدستور. وحديث أنصاره عن ضرورة فتح مدد الرئاسة، أو تعيينه رئيسًا مدى الحياة، أو إنشاء مجلس رئاسة أعلى برئاسته يرن في آذاننا!

أخيرًا، فقد كانت المقابلة بوجه عام منصبة على انتهاكات السيسي في حق الإخوان المسلمين، واجترار ذكريات فض اعتصام رابعة العدوية، وفقط اعتصام رابعة، فلا حديث عن مسئولية السيسي أو غيره من المجلس العسكري عن انتهاكات أخرى في حق أي فئة أخرى من المصريين، وكان كلا الضيفين المصريين الذين حاورهما المذيع ينتميان إلى الجماعة، كما أعطى الضيف الأمريكي صورة إيجابية عنها.
وكان غياب الحديث عن انتخابات الرئاسة المصرية الماضية، والحديث عن تعديل الدستور، من أكثر ما لفتني في الحوار؛ فالمفترض أن الانتهاكات التي منعت أحدًا ذا شأن من الترشح أمام السيسي لدورة رئاسية جديدة، ثم الحديث عن تعديل الدستور أو إيجاد أي سبيل قانوني ليبقى السيسي جاثمًا على كرسي الحكم في مصر، أهم من اجترار ذكريات الماضي، فالحاضر والمستقبل أجدر بالنقاش، أو لنقل إنه ليس من المنطقي إغفالهما! لكن يبدو أن فريق الإعداد كان له رأي آخر!


لغة الجسد أثناءإجراء الحوار
موقف السيسي خلال الحوار جاء مختلفًا تمامًا عما اعتاده منه المصريون في التعامل مع الإعلاميين المصريين الذين حاوروه عبر سنوات، فقد جلس جلسة التلميذ المهذب أمام أستاذه، وكانت تعبيرًا عن الصَغار الذي يشعر به أمام الغربيين على النقيض التام من استعلائه علينا!
بالرغم من اقتطاع أجزاء كبيرة من الحوار، والتي سبق أن شاهدناها في مقاطع وصور تم تسريبها قبل أيام من عرض المقابلة شديدة القصر، فكلنا قد شاهدنا لغة الجسد في الحوار، خاصة تعبيرات الوجه، والتي كانت أكثر من فاضحة، حتى أننا شاهدنا في صور الأجزاء المقتطعة منه احمرار الوجه أحيانًا إلى درجة الاحتقان وتصبب العرق.

محاولات تخفيف تأثيرات الحوار
تم قص الحوار كما كان متوقعًا، وبلغ طول الفترة المخصصة للسيسي في الحلقة أقل من ربع الساعة! وجاء أغلبها كتقرير إخباري مصاحب لمقتطفات قصيرة للغاية مما تكلم به السيسي خلال الحوار الكامل الذي لم يُبث، ولا نعلم هل سنتمكن من مشاهدته كاملًا يومًا ما.
وكان قد سبق يوم بث الحوار نشر إشارات تفيد بأن ما صرح به السيسي عن التعاون العسكري المصري الإسرائيلي في سيناء قد سبب حرجًا لإسرائيل، وربما يُعرِّضها إلى اتهامات ادعاء المشاركة في شن جرائم حرب. لأجل ذلك توقعنا أن تضغط إسرائيل كي تتم قصقصة الحوار، وبث جزء بسيط منه، منعًا للحرج الذي يمكن أن يحدث للقناة في حال عدم بثه مطلقًا، بعد الإعلان عنه.
كما تسربت أنباء أيضًا، عن التنبيه على قنوات الإعلام المصري، بعدم الإشارة إلى الحوار مطلقًا، وكأنه لم يكن.
من جهة أخرى، وربما لأن نظام السيسي لا أمل فيه بكل معنى الكلمة، فقد حدثت أيضًا محاولة تفجير كنيسة بالقاهرة بمدينة نصر، كان يُعد لها أن تكون ليلة 6-7 يناير التي تم بث حلقة البرنامج فيها، ولكن لعبت الصدفة دورها في كشف القنبلة وقت زراعتها قبلها بليلة، في المسجد المجاور للكنيسة، واستشهد ضابط شرطة المفرقعات أثناء محاولة تفكيك القنبلة! والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل لهذه القنبلة علاقة ببث المقابلة؟!