الخميس، 27 ديسمبر 2018

167-وقفة مع شهادة مبارك حول حوادث يناير2011


وقفة مع شهادة مبارك حول حوادث يناير 2011
د/منى زيتون
الخميس 27ديسمبر2018


منذ الأمس، السادس والعشرين من ديسمبر2018، تطالعني منشورات كثيرة على موقع الفيسبوك، تحمل رؤى متعارضة، حول شهادة مبارك، في قضية قتل المتظاهرين، في ميدان التحرير، خلال حوادث ثورة يناير 2011.
شهد مبارك بما يعرف، وأعتقد أن معلوماته ناقصة، وقد أقر بنفسه أنه ليس على علم بجميع التفاصيل الخاصة بالحوادث الهامة أثناء الثورة، لكنه مع ذلك أدلى بشهادة واضحة تؤكد توفر معلومات لديه حول تسلل عناصر غير مصرية عبر الأنفاق لدعم تنظيم الإخوان أثناء الثورة، واتهمهم بوضوح بأنهم من كانوا وراء إطلاق النار على المتظاهرين في ميدان التحرير، وإطلاق سراح المساجين من السجون.
ولأننا شعوب مولعة بالاستقطاب، بالاصطفاف إما إلى أقصى اليمين وإما إلى أقصى اليسار، فقد كانت المنشورات التي طالعتها جميعها إما تصديقًا أعمى على شهادة مبارك، أو تكذيبًا أعمى لها، ولا مكان لنقاش منطقي مثلما يُفترض أن يقوم به البشر المتمدنون!

قنص المتظاهرين
فيما يخص موضوع القناصة الذين قتلوا المتظاهرين، من أعلى العمارات والفنادق، في ميدان التحرير، أثناء الثورة، فعن نفسي لا أصدق أن مبارك أمر بقتل المتظاهرين في الميدان عن طريق قنّاصة، بل كانت إحدى السبل التي استُخدمت –مثلها في ذلك مثل الجمل- لتسخين المظاهرات العفوية التي خرج فيها الشباب محاكاة لشباب تونس، ولضمان استمرار رفع الشباب لسقف مطالبهم، حتى المطالبة بعزل مبارك؛ أي أنها كانت طريقة لتوجيه الثورة في الاتجاه الذي أرادوه لها.
في بيان من قفص الاتهام، قال مرسي في إحدى محاكماته، في يناير 2015: "تقرير لجنة تقصي الحقائق اللي أنا شكلتها جاء فيه شهادة من رؤساء الفنادق، ومنها (أن) من دخل إليها واعتلوا الغرف وأطلقوا النار من تلك الغرف، كانوا بيتبعوا جهة سيادية كانت برئاسة قائد الانقلاب".
ومرسي يعني بذلك السيسي، الذي كان رئيسًا للمخابرات الحربية وقتها. ووفقًا لشهادة شباب الثورة، فالفندق المقصود، الذي تم منه الضرب، هو هيلتون رمسيس.

لكن، ألا يُحتمل أن تكون تلك العناصر غير المصرية التي سمعنا كثيرًا عن دخولها مصر عبر الأنفاق هي من قامت بالقنص كما ذكر مبارك، وأن مرسي كاذب في اتهامه للسيسي؟!
المنطق يقول إن إدارة فندق كبير لا يمكن أن تخضع إلا لجهة سيادية في الدولة. لكن السؤال الهام: أي جهة تلك؟ وهل هي المخابرات الحربية كما ذكر مرسي؟ أم أنها وزارة الداخلية؟
معلوم أن ضباط الشرطة انسحبوا بأوامر من العادلي يوم 28 يناير، وتوجد مؤشرات حقيقية تدين بعض قياداتهم في ملف اقتحام السجون، ولكن هل انسحبوا ظاهريًا من ميدان التحرير ليتدخلوا بعد ذلك خفية، ويقوموا بقنص المتظاهرين؟ أم أن اتهام مرسي للسيسي صحيح، والمخابرات الحربية هي الجهة المتهمة؟!

هذه شهادة طبيب شارك مع لجنة تقصي الحقائق حول طبيعة الإصابات التي حدثت للمتظاهرين في التحرير، وأُتيحت له الفرصة للإطلاع على التقرير الذي تم إخفاؤه فيما بعد.
أهم ما جاء في شهادته:
*"التقرير كان بيتكلم عن نوعية رصاص اسمه Hollow point، وده نوع من الرصاص بيصيب الضحية بدقة شديدة من مسافات بعيدة، وبيسبب إصابات بالغة غالبا بتؤدي للوفاة أو البتر لو حصلت في الأطراف، واللي الطب الشرعي أثبت إن معظم الإصابات والوفيات كانت بسببه. الرصاص ده من الصعب جدًا الحصول عليه، وغالبًا بيتم الحصول عليه بطريقة مخابراتية للاستعمال بواسطة قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية، وبإذن خاص من وزير الداخلية، وإن كان فيه قوة خاصة بتتدرب عليه في معسكر خاص داخل سجن طرة.
*لجنة تقصي الحقائق عرفت توصل لمعلومات إن وزارة الداخلية استوردت عدد كبير من الرصاص ده من أمريكا قبل ثورة يناير مباشرة، بطلب من حبيب العادلي شخصيًا، ولما اللجنة فتشت على سركيهات صرف الرصاص ده، لقت حوالي 300 رصاصة مفقودة، اتصرفوا في فترة الثورة للقوة اللي كانت تحت مسئولية حبيب العادلي شخصيًا".

ولأن السيسي هو من حذر الإخوان من موقعة الجمل، وفقًا لشهادة البلتاجي في أحد البرامج التليفزيونية عام 2012، رغم أنه من الواضح أنه هو أيضًا من رتّب لها، وكان عالمًا بهوية من سيأتون للميدان من قبل أن يأتوا! –وهو ما تعامى عنه البلتاجي وقت شهادته-، فقد عيّنه مرسي وزيرًا للدفاع، ثم تآمر الإخوان لإخفاء تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي ربما يمثل إدانة له في موضوع قنص المتظاهرين، وهو نفس ما حدث بشأن طرمخة مرسي على تقرير يوم الجمل.


وهنا تستوقفنا نقطة هامة، وهي: هل حقًا كان في يد الإخوان تقرير يدين العادلي الذي مرمطهم لسنوات في السجون، وأخفوه؟! أم أنهم كانوا مضطرين لإخفاء التقرير بالكامل رغم إدانة العادلي لأن فيه ما يمسهم وما يمس وزير دفاعهم آنذاك؟!

الإجابة المنطقية أنه لو لم يكن بالتقرير ما يمسهم ما أخفوه، ولو لم يكن ما فيه يمس السيسي لما استمر في إخفائه بعد أن صار رئيسًا، وبإمكانه نقض قرار مرسي الذي أصدره في أول ديسمبر 2012 باعتباره سريًا.

اقتحام السجون
هناك أمور لا زلنا نذكرها بشأن فتح السجون أثناء الثورة، وهي بحمد الله موثقة، أهمها:
*مكالمة مرسي مع قناة الجزيرة، بعد تهريبه ومجموعة من قيادات الإخوان، من سجن وادي النطرون، بواسطة هاتف الثريا؛ حيث كانت الاتصالات مقطوعة في مصر. ونعلم أن السجن في مكان منقطع، وأبوابه تنفتح على الصحراء، وأقرب مدينة إليه هي مدينة السادات، وتُعتبر بعيدة عنه مع ذلك، ولا يوجد أهالي مجاورون له لديهم من المبررات تكبد عناء محاولة فتح بابه طيلة أربع ساعات حتى انفتح، وذلك كما ادّعى مرسي في مكالمته!

*هروب خلية من أفراد حزب الله اللبناني، ضمن من هربوا من سجن المرج، وقام أحد المساجين بتصوير عملية الهروب على الهواء، واذيعت على قناة الحياة، مع ادّعاء السجين الذي قام بالتصوير بأن الضباط كانت لديهم تعليمات بفتح السجون.
ثم ظهور سامي شهاب، أحد رءوس حزب الله الهاربين من سجن المرج، بعد أيام بلبنان، وسط احتفاء التنظيم به.

*شهادة مأمور سجن المنيا برفض تعليمات جاءته من قيادة أعلى منه في وزارة الداخلية لتسهيل هرب المساجين في سجنه.

ومن ثم، فالعادلي وبعض قيادات الداخلية ضالعين في مسألة اقتحام السجون، ولكن من المُحتمل أيضًا أن يكون قد تم تسرب عناصر غير مصرية من الحدود مع غزة بعد الثورة، وساهمت تلك العناصر في فتح السجون لتهريب قيادات الإخوان وخلية حزب الله، لكن الإنصاف يلزمنا بأن نقر أنه: ولأن المعبر والمنطقة المحيطة به وقتها كانت تحت إمرة الشرطة ثم حرس الحدود، فالمسئولية تقع على الشرطة وعلى رئيس المخابرات الحربية.

وهذا رابط ترجمة مجموعة تدوينات قصيرة من موقع تويتر، لباحثة ومديرة ملف مصر في هيومن رايتس ووتش، هبة مُرايف، في 31 يوليو 2013، تصف كيف كان الوضع في عهد مرسي، والذي لا زال يتباكى عليه الإخوان، وكأننا قد متنا، فحلّ لهم الكذب!

وخلاصة القول إن السيسي والعادلي والإخوان جميعهم خونة.