السبت، 10 نوفمبر 2018

163-العلمانيون وزي المرأة


العلمانيون وزي المرأة
د/منى زيتون


في مصر، تابعنا لفترة حوارًا مجتمعيًا حول النقاب، أثاره مشروع قانون تقدمت به نائبة في البرلمان المصري لحظر النقاب في الأماكن العامة.
وبالرغم من عدم اقتناعي بوجوب تغطية المرأة وجهها، والمعروف بالنقاب، ويقيني أنه عادة بدوية لا أكثر، ويقيني الأشد أن 99% ممن ترتدينه في مصر لم تقرأن وجهتي النظر الفقهيتين حوله، وجهلهن تام بأصول الفقه والعقائد، وإنما لبسنه من باب التحوط لدينهن أو مجاراة لأفكار السلفية، إلا أنني تضايقت للغاية من كلام العلمانيين حول النقاب، ثم حول الحجاب، فمن المعتاد منهم أن تزيد حقارتهم لتطاله هو الآخر، كلما سنحت لهم الفرصة، وما هم أكثر من سفلة لا يعرفون معنى الحريات التي يتشدقون بها، والثقافة عند كثير منهم تساوي العُري كالحيوانات.
صحيح أن هناك منقبات تبدر منهن تصرفات في محال أعمالهن تجعله عائقًا عن أداء العمل، كمن يغلقن على أنفسهن المكتب نصف ساعة يوميًا ليُفطرن، بينما أصحاب المصالح ينتظرون انتهاء الهوانم من فطورهن لتُقضى مصالحهم! وصحيح أن هناك أعمالًا كالتدريس لا يصح أن تقوم بها منقبة، والدراسات العلمية تؤكد أن 55% على الأقل من رسائلنا للآخرين تحملها تعبيرات الوجه، وصحيح أيضًا أن هناك جرائم في المجتمع يُستخدم النقاب كأداة لتخفي المجرمين القائمين بها، لكن، كل هذا لا يصح منطقيًا استخدامه كعلل لمنع النقاب بوجه عام، ثم للتطاول على الحجاب والمحجبات، وكأن للمتطاول الحق في أن يحدد للنساء ما يلزمهن أن يلبسن!
المنظور الإسلامي والمنظور المسيحي للحجاب
من المعروف أن غطاء الوجه معروف في الإسلام، كونه كان عادة عند العرب من الجاهلية، كما أن نساء طائفة اليهود الشرقيين الحريدم يلبسن النقاب أيضًا، بينما هو غير معروف مطلقًا في المسيحية. على العكس من ذلك نجد أن الحجاب، الذي يلزم المرأة بتغطية شعرها وسائر بدنها عدا الوجه والكفين، معروف في الديانات الإبراهيمية الثلاث.
وفقًا للمنظور المسيحي المعاصر للحجاب، فهو مجرد عادة شعبية قديمة أو زي خاص (يونيفورم) للراهبات، ولا يوجد إلزام به لغير الراهبات والمُكرسات، والإلزام به للنساء العاديات خارج سلك الرهبنة يكون فقط عند أداء العبادات؛ أي أثناء الصلاة أو في التناول أو في الحج. بالرغم من أن هذا هو الزي الذي كانت ترتديه السيدة العذراء وجميع المسيحيات في العصور الأولى للمسيحية، وأعرف مسيحيات متدينات حريصات على تغطية شعورهن، وفي قرى الصعيد تكاد لا توجد امرأة مسيحية حاسرة الرأس.
المشكلة الخلافية هنا هي أن للكنيسة في المسيحية سلطة تشريعية، والمسيحيون يعتبرون أن الشرع ما أقره آباء الكنيسة، ولأنهم لا يطالبون النساء بتغطية شعورهن في الشارع فهو ليس من الشرع! والكنيسة تؤكد لهم أن السيدة مريم والراهبات عبر العصور كن يغطين شعورهن كعادة لا أكثر؛ أي أنهم اعتبروا استخدام الحجاب خارج نظام الرهبنة قديمًا مرتبطًا بعادات زمنية ومكانية انتهت، وليس مرتبطًا بالدين، فهو ليس من تعاليم المسيحية.
أما من المنظور الإسلامي فنعتبر أن القول بعدم التزام عامة النساء بالحجاب في المسيحية هو رأي، ولا نتعامل معه على أنه حقيقة، والمسيحيون أحرار فيما يعتقدون، لكننا لا نوافقهم عليه؛ فكون أن العلمانية قد أثرت في أغلب مسيحيي الشرق والغرب فخلعت النساء عامة الحجاب لا يعني أنه ليس زي المتدينات المسيحيات، أو أن هذا بالأحرى ما كان ينبغي أن يكون.
ونحن عندما نقول إن الحجاب -من منظور إسلامي- هو زي المتدينات في الديانات الإبراهيمية لا نقصد بتاتًا الإساءة إلى عقيدة المسيحيين، ولا إلزامهم به. نحن فقط نوضح مفهوم الحجاب من منظورنا؛ لأن مكمن الإشكالية أن هناك من العلمانيين من يحاول نقل المنظور المسيحي للحجاب إلينا، وإقناعنا زورًا بأنه المنظور الإسلامي، وأن الحجاب ليس أكثر من رداء نرتديه في الإسلام أثناء الصلاة والحج، وأننا لسن ملزمات به في الشارع وأمام الغرباء!
أي أننا نرد على من يلزمنا بالمفهوم المسيحي للحجاب بذكر مفهومنا الإسلامي الصحيح له، وليس أننا نزج بالمسيحيين المتدينين في الحوار. نعلم جيدًا أن الحوار بيننا وبين العلمانيين، وليس للمسيحيين المتدينيين دخل بهلفطتهم ما لم يحذوا حذوهم.
الحجاب والتطرف الديني!
من أكثر ما يقوله العلمانيون لأجل ربط الحجاب بالتطرف هو أن من يدعون أنهم إسلاميون قد وصلوا إلى الحكم في أفغانستان والسعودية وإيران، ويلزمون النساء بالحجاب، بل والنقاب أحيانًا، ووصل من يدعون العلمانية للحكم في فرنسا والسويد والنرويج وسويسرا، والفارق كبير وبائن بين هاتين المجموعتين من الدول.
وبداية فإن من يقول هذا يفترض أن التطرف خاص بالحكام، وهو افتراض غير صحيح. ثم إنه لا يصح جمع إيران مع السعودية وأفغانستان في آنية واحدة. في إيران، وإن ألزموا النساء بالحجاب وعاقبوا من لا ترتديه، وبالرغم أيضًا من اضطهادهم للسُنة، إلا أنها دولة لا تعادي الحضارة والمدنية في المجمل. هي دولة ديمقراطية، ينتخب الشعب رئيسهم وبرلمانهم في انتخابات نزيهة، لديها اقتصاد قوي متنوع الموارد، ولننظر إلى فنونها وعمارتها ونظافة ونظام شوارعها.
بالنسبة لمن يسمون بالإسلاميين في السعودية وأفغانستان، فهؤلاء وهابية خوارج، تعاليمهم وعقائدهم مارقة عن صحيح الإسلام، وللأسف فقد لعبت أموال البترول دورًا في نشر مذهبهم العفن.
وكما أن الإسلاميين يختلفون من بلد لآخر، فكذلك العلمانيون. العلمانيون عندنا يبدو أنهم يفهمون العلمانية على أنها حرية التعري وحرية الشذوذ وإباحة الخمور ومنع الأذان والتضييق على المُصلين والاستهزاء بالمتدينين عامة، وغيرها مما يظهر في دعواتهم التي يطلقونها كل حين! والتي يبدو أنهم يتصورون فيها الحل لمشاكلنا المتراكمة من كل نوع، وأساس لتقدمنا!
التطرف العلماني لا يقل إضرارًا بالمجتمع من التطرف السلفي
واقع الحال يقول إن التطرف الديني له طرفان كأي من أشكال التطرف، ولكننا في بلادنا نركز غالبًا على الإفراط وليس التفريط عند بحث التطرف الديني.
بينما في البلاد المتقدمة، ربما يظهر بشكل أوضح أثر التطرف العلماني ضد المتدينين، كوجه آخر للتطرف. ويمكن للمتابع ملاحظة وجود عدد ملحوظ ومتزايد من حوادث القتل في أوروبا وأمريكا لمتدينين من أديان مختلفة على يد علمانيين متشددين، يكرهون المتدينين كراهية عمياء!
إذن فالتطرف العلماني هو الآخر دنيء وقادر على القتل. لكن العلمانيين عندنا فقط قلة، ولو تمكنوا لفعلوا ما هو أفظع من أفعال الدواعش، ودعوات التحريض والكراهية التي يطلقونها من آنٍ لآخر توضح حقيقة وجههم الشيطاني، وتطاولهم على حق المرأة في الحجاب والنقاب ليس إلا إحدى سفالاتهم.
الحرية ليست حريتي فقط، بل الحرية حق للجميع. وأنا لا أقف في صف النقاب، وإنما أحترم حرية من قررت أن تلبسه. والمنقبة ليست إرهابية لمجرد أنها اختارت ارتداء النقاب، كما أنه ليس من حقنا أن نسلب من المنقبة حقها في ارتدائه لأن هناك من تُخل بمهام عملها كونها ترتديه أو لأن هناك من يرتدينه للتخفي لارتكاب جرائم، وهو السبب الأهم الذي يُطلقه من يريدون منع النقاب.
عندما تنتشر جرائم في مجتمع يُبحث عن جذور المشكلة لعلاجها، ولكن عندنا ينصب البحث في عوامل مصاحبة ليست السبب الرئيسي لها، ومعها أو دونها ستتم الجريمة. عبر التاريخ كان خطف الأطفال ينتشر في مصر في عصور المجاعات، والشدة المستنصرية هي أوضح مثال على ذلك، فالنقاب ليس سبب انتشار الخطف، ولو لم يكن شائعًا لحدث الخطف أيضًا. ومثل هذا يُقال فيما يخص مشكلة الإرهاب.
عالجوا فقر الناس الذي تفاقم، وأعيدوا لهم الأمن، بدلًا من إلهائهم –كالعادة- بتحويل أنظارهم إلى شأن آخر وقضية أخرى.