الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

161-عاشوراء يوم ثورة على الظلم وتكفير للذنب، ليس يوم فرح ولا يوم لطم!

عاشوراء يوم ثورة على الظلم وتكفير للذنب  

ليس يوم فرح ولا يوم لطم!

د. منى أبو بكر زيتون

كُتب في: الأربعاء 19 سبتمبر 2018

الموافق التاسع من المحرم 1440هـ

الموافق العاشر من تشريه 5779ع

أحد مقالات كتابي "تأملات في كتاب الله"

ومنشور على المثقف الأربعاء 4 سبتمبر 2019

http://www.almothaqaf.com/a/b6/939557

 


روى أئمة الحديث في كتبهم جملة أحاديث تثبت سن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين صوم العاشر من المحرم (عاشوراء)، وتركه لهم على التخيير. ومن الروايات ما لم تذكر السبب، وروايات اختلفت فيه، على سببين:

السبب الأول: الروايات عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها نقلت عنها أن هذا اليوم مُعظَّم من الجاهلية، وكانت قريش تصومه، وزِيد في إحدى الروايات بأن الكعبة كانت تُكسى فيه، وزِيد في روايات أخرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصومه من الجاهلية.

روى الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب الحج، (1592) بإسنادين رجالهما كلهم ثقات، حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرني عبد الله -هو ابن المبارك- قال: أخبرنا محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان، وكان يومًا تُستر فيه الكعبة، فلمَّا فرض الله رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه".

وفي رواية ثانية رواها البخاري في كتاب الصوم (1893) عن السيدة عائشة أيضًا تثبت فيها تعظيم يوم عاشوراء من الجاهلية. حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عراك بن مالك حدثه: أن عروة أخبره، عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرِض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شاء فليصمه، ومن شاء أفطر".

ورواية ثالثة عنها رضي الله عنها في صحيح البخاري كتاب الصوم (2002) حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.

ورواية رابعة عنها أيضًا في صحيح البخاري كتاب "مناقب الأنصار" باب "أيام الجاهلية" (3831) حدثنا مسدد: حدثنا يحيى: قال هشام: حدثني أبي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلمّا نزل رمضان كان من شاء صامه، ومن شاء لا يصومه.

وروى الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الصوم أحاديث (113- 114- 115- 116- 117- 118- 119- 120- 121) بأسانيد مختلفة عن السيدة عائشة وعن عبد الله بن عمر تثبت تعظيم يوم العاشر من المحرم من الجاهلية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصومه ويأمر بصيامه.

ولا ذكر لليهود أو لاحتفالهم بأحد أعيادهم في أي من تلك الروايات بالبخاري أو مسلم أو الروايات التي حملت المتن نفسه بألفاظ أخرى في كتب الحديث الأخرى.

السبب الثاني: تذكره روايتان؛ الأولى عن عبد الله بن عباس، والأخرى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، والروايتان ذكرتا سببًا آخر لما ثبت من صيام الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء؛ إذ ترويان أن هذا اليوم كان عيدًا لليهود، وفصّلت رواية ابن عباس بأن ذكرت حوارًا دار بين النبي وبين يهود المدينة بعد مقدمه إلى المدينة، أخبروه فيه أن هذا يوم نجاتهم من فرعون.

في صحيح البخاري كتاب "الصوم" (2004) حدثنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟". قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: "فأنا أحق بموسى منكم". فصامه وأمر بصيامه.

وفي كتاب "مناقب الأنصار" (3943) حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيمًا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم". ثم أمر بصومه.

وفي كتاب الصوم (2005) حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا أبو أسامة، عن أبي عُميس، عن قيس بن مُسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم".

وفي كتاب "مناقب الأنصار" (3942) حدثني أحمد، -أو محمد- بن عبيد الله الغداني، حدثنا حماد بن أسامة، أخبرنا أبو عُميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بصومه". فأمر بصومه.

وروى الإمام مسلم في كتاب الصوم روايات بألفاظ مقاربة تفيد أنه كان يوم عيد لليهود لنجاتهم من فرعون (127- 128- 129-130-133).

تجاهل لروايات السيدة عائشة وتأويلات متكلفة لرواية ابن عباس!

الروايات الصحيحة عن السيدة عائشة تخالف تمامًا الروايات الصحيحة عن ابن عباس وأبي موسى الأشعري، وكأن الحديث يدور عن يومين مختلفين، وهو ما لم يلفت نظر أي من أئمتنا عبر العصور!!

والعجيب أن أئمتنا أهملوا تمامًا روايات السيدة عائشة التي لا تشوبها شائبة من جهة السند، حتى أن أغلب المسلمين لم يسمعوا بها، واعتمدوا رواية ابن عباس رغم عدم منطقية أن يُدّعى أن الرسول وجد اليهود يصومون عاشوراء المحرم عند مقدمه إلى المدينة! إذ من الثابت وغير المختلف فيه أنه دخل المدينة في ربيع الأول من العام الأول للهجرة! ولكنهم قالوا: كان ذلك الصيام في المحرم من العام الثاني للهجرة، أي بعد عشرة أشهر من هجرته! وتباروا في إيراد تأويلات تسهل للعقل أن يستسيغ ذلك التناقض على عواره!

ومن الثابت يقينًا أن اليهود لم يستخدموا عبر تاريخهم التقويم القمري المعروف عند العرب، بل تقويمهم تكون به السنة شمسية لكن شهورها قمرية؛ حيث ترتبط بدايات الشهور بالأهلة كما هو الحال في الشهور القمرية العربية، لكن كل 19 سنة شمسية في تقويمهم العبري تُوجد فيها سبع سنوات كبيسة، وتكون عدد شهور السنة الكبيسة منها 13 شهرًا؛ أي يظهر فيها 13 هلالًا للقمر، وإضافة ذلك النسيء يكون لربط الشهور بفصول السنة.

وعند اليهود المحدثين فإن يوم نجاتهم من فرعون هو يوم الغفران "عيد كيبور"، وهو اليوم العاشر من شهر تشري، وهو الشهر الأول وفقًا للتقويم العبراني الشمسي. وهو بالمناسبة التاريخ الذي اختير ليكون بداية حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973م، والذي وافق العاشر من رمضان 1393هـ في تلك السنة، وليس العاشر من المحرم.

ثم إنه من غير المختلف فيه أن رحلة الهجرة النبوية بدأت أواخر صفر ودخل النبي وصاحبه المدينة المنورة في الثاني عشر من ربيع الأول، لكن لأن المحرم هو أول شهور السنة القمرية عند العرب فقد اعتُبر أول المحرم في السنة التي هاجر فيها النبي بداية التقويم الهجري. ورواية ابن عباس تقول إنه صلى الله عليه وسلم رأى اليهود يصومون عاشوراء لمّا قدم المدينة، ورغم أن المعنى واضح، وظاهر الخبر أن ذلك الصيام لليهود مرتبط بقدومه المدينة فقد تحيل المفسرون بأن ذلك الحوار إنما حدث في المحرم من السنة الهجرية الثانية! يذكر ابن حجر في "فتح الباري" (ج4، ص291) "إن في الكلام حذفًا تقديره: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صيامًا".

ونجد ابن القيم في "زاد المعاد" (ج2) يتحيل مزيد تحيل بأن الحوار كان في ربيع الأول بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن اليهود كانوا يستخدمون التقويم الشمسي، فوافق صومهم في تلك السنة مقدم الرسول إلى المدينة، لكن نجاة موسى من فرعون في العاشر من المحرم، وأن اليهود كانوا قد أخطأوا تعيين اليوم لدورانه في السنة الشمسية، ومن ثم فنحن نصوم على الصحيح وفقًا للشهور الهلالية.

وتأويلاتهم في هذا الباب كثيرة، تكاد تكون مجموعة في شرح تلك الأحاديث في كتاب الصوم في "فتح الباري" (ج4)، فالرسول –وفقًا لعلمائنا- سأل اليهود ثم صدقهم ثم إنه أراد تألفهم فصامه إلى أن نُسخ بفرض صيام رمضان.

رواية الطبراني

روى الطبراني في "المعجم الكبير" في ترجمة زيد بن ثابت بإسناد حسن رواية تساعد في فك الالتباس بين تعظيم العرب من الجاهلية يوم العاشر من المحرم بداية العام بالتقويم العربي القمري، وكسوة الكعبة فيه، وبين أن اليهود كانوا يحتفلون بعيد نجاتهم من فرعون في اليوم العاشر من بداية تقويمهم العبراني الشمسي.

والحديث من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: "ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تُستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلانًا اليهودي –يعني ليحسب لهم- فلمّا مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه".

ورغم أن ألفاظ الرواية ليست واضحة تمامًا ربما لعدم فهم رواتها المعنى تمام الفهم، لكنها مع ذلك قد أنارت لي العتمة.

النتيجة من جمع الروايات

إذا جمعنا الروايات فلدينا روايات عن السيدة عائشة تقول إن العاشر من المحرم كان معظمًا من الجاهلية، وتُكسى فيه الكعبة، وكانت قريش تصومه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، وروايات أخرى تقول إن المسلمين كانوا يصومون مع اليهود يوم احتفالهم بنجاتهم من فرعون، ورواية تحدد أن صيام اليهود والمسلمين احتفالًا بنجاة موسى من فرعون كان وفقًا للتقويم العبري، وبذا فإن يوم صيامهم هذا كان يدور في السنة، وكانوا يحتاجون من يحسبه لهم من اليهود أو من له علم بحساب التقويم العبري، فما الذي تُراه قد جعل يوم الاحتفال بالنجاة هذا يثبت فجأة في يوم محدد من أيام السنة الهجرية القمرية ليوافق دومًا العاشر من المحرم وكف عن الدوران؟!

بالرجوع إلى تاريخ معركة كربلاء سنجد أنها دارت رحاها في العاشر من المحرم عام 61هـ كما هو معلوم، والذي وافق 12 تشرين الأول/أكتوبر 680م وفقًا للتقويم الميلادي. واليهود من الأمم التي اعتبرت الخريف بداية العام، مثلهم في ذلك مثل قدماء المصريين، ووفقًا للتقويم العبري فإن شهر تشريه Tishrei هو بداية التقويم العبري. واسم "تشريه" مشتق من كلمة "تشريتو" (tašrītu) الأكادية بمعنى "بداية". وعيد الغفران "يوم كيبور" الذي يحتفل فيه اليهود بنجاتهم من فرعون يكون في عاشر أيام شهر تشريه العبري. وتبدأ السنة العبرية وفقًا للتقويم الميلادي مع أول هلال في شهر أيلول/سبتمبر –وتتفق في ذلك مع السنة القبطية- أو تتأخر لتبدأ في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، بحسب ما إذا كانت السنة بسيطة (12 شهرًا) أو كبيسة (13 شهرًا)، ولهم طرق معقدة في حساب السنوات.

ومن هنا نفهم أن عاشوراء المحرم القمرية التي كانت تعظمها قريش منذ الجاهلية وتُكسى فيها الكعبة قد توافقت تقريبًا في ذلك العام 61هـ مع احتفال اليهود بنجاتهم من فرعون وفقًا للتقويم العبري، وهو توافق يحدث كل عدد كبير من السنوات، وكان حدوثه الأخير عام 2018 لأن هلال المحرم كان في سبتمبر، ومن ثم فقد كان هو أيضًا هلال تشريه وبداية السنة العبرية، ولكن اليهود يحسبون الأهلة بالفلك فقط وليس الرؤية،  فوافق الأول من تشريه العاشر من سبتمبر 2018م، بينما كان أول المحرم 11 سبتمبر 2018. ولما كان 11 سبتمبر هو بداية السنة القبطية، فقد تزامنت بدايات السنة الهجرية والسنة العبرية هذا العام، وكانت معهما أيضًا السنة القبطية! وكان يوم الأربعاء التاسع من المحرم 1440هـ الموافق التاسع عشر من سبتمبر 2018م هو يوم كيبور (عيد الغفران) العاشر من تشريه وفقًا للتقويم العبري، وهذه مصادفة لا تتكرر كثيرًا.

ومن يعرف، فربما كانت نجاة سيدنا موسى من فرعون في عام من تلك الأعوام التي يكون فيها ذلك التوافق بين أوائل السنوات الثلاث؛ العربية والعبرية والقبطية! ولكن الثابت أن اليهود كانوا يصومون العاشر من أول السنة وفقًا لتقويمهم، والعرب كانوا يحتفلون ويعظمون اليوم العاشر من السنة وفقًا لتقويمهم.

ومنذ تلك السنة -61هـ- رُبطت الحادثتان معًا –كسوة الكعبة في الجاهلية ونجاة موسى من فرعون-، وصارا كأنهما احتفال بيوم واحد وليس يومين، وكان هذا أفضل غطاء على مذبحة كربلاء؛ فلأن موسى كان الحق وفرعون كان الباطل استغل كلاب السلطة ذكرى اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ليُلهوا عوام المسلمين عن قتل جيش يزيد سيدنا الإمام الحسين ومعه آل بيت النبوة! وجعلوه يومًا للاحتفال والابتهاج بنصرة الحق!!

والمفاجأة الأكبر بالنسبة لي كانت عندما قررت الرجوع إلى تاريخ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجدت أنه قد وصل وصاحبه الصديق أبو بكر إليها في الثاني عشر من ربيع الأول عام 1هـ، والذي كان موافقًا تقريبًا ليوم 27 أيلول/سبتمبر عام 622م، والذي يوافق أيام بدايات رأس السنة العبرية، واحتفالات اليهود بعيد الغفران (يوم كيبور) يوم نجاتهم من فرعون في اليوم العاشر من العام العبري! ومن ثم فالأحاديث التي روت أنه صلى الله عليه وسلم وجد اليهود يصومون (عاشوراء) عند مقدمه إلى المدينة صحيحة، ولكن عاشوراء سنتهم العبرية غير عاشوراء سنتنا الهجرية، كانا يومين يُحتفل بكل منهما على حدة وفقًا للتقويمين الهجري والعبري، حتى كان عام 61هـ حيث رُبطا كأنهما يوم واحد.

وأنا أقول إن الشبهة بأن هذا التثبيت والربط بين احتفال اليهود بنجاتهم من فرعون بالتقويم العبري ويوم كسوة الكعبة في الجاهلية بالحساب القمري، الذي صادف في عام 61هـ مقتل ابن بنت رسول الله على يد جيش يزيد من أبناء الزنا ليس صدفة، كما أنه ليس خطأ غير مقصود، وليس الشيعة فقط من يتشككون في الأمر، فكل من له عقل سليم لا بد أن يشتبه فيه.

ونستخلص مما سبق أن صوم عاشوراء ليس بدعة من بدع الأمويين كما يدعي الشيعة، فهو يوم معظم من الجاهلية، وقرأت في فتح الباري رواية أوردها الإمام ابن حجر العسقلاني تقول إن قريشًا أذنبوا ذنبًا في الجاهلية فأخبرهم أهل العلم أن يصوموا عاشر المحرم فهو كفارة للذنب، وعلى هذا فهو يوم الغفران عند العرب أيضًا! والمحرم بأكمله شهر حرام، وهو افتتاح العام، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصيام بعد رمضان هو صيام المحرم. كما أنه من الثابت أن آل بيت النبي منع عنهم الكلاب الماء في كربلاء في أوائل المحرم، واستشهد سيدنا الحسين صائمًا في عاشوراء.

هو يوم صوم وثورة على الظلم وتكفير للذنب، وليس يوم لطم كما تفعل الشيعة، لكنه أيضًا ليس يوم احتفال كما تفعل السُنة جهلًا بينما هم يحتفلون بمقتلة آل بيت نبيهم على يد الفجرة، ظانين أنه يوم نُصرة الحق، فهذا ابتداع ليس أقل من ابتداع اللطم الذي ابتدعته الشيعة. هدانا الله جميعًا سواء السبيل.

*************

تعليق مهم على المقال

اللافت للنظر إذا تفحصنا مصادر الحديث أن نجد الروايات التي تقول إن الرسول وجد اليهود يصومون عندما قدم المدينة (روايات ابن عباس وأبي موسى الأشعري) هي متأخرة عن الروايات التي تقول إن العاشوراء يوم صامته قريش في الجاهلية (روايات أم المؤمنين عائشة). فأول ظهور لروايات صوم اليهود يوم عاشوراء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (ت 211 ه).

وموطأ مالك -وهو إمام دار الهجرة- يذكر فقط أن يوم عاشوراء صوم قريش في الجاهلية، وكذلك الإمام الشافعي (ت 204 ه) في الأم -تحت "كتاب اختلاف الحديث"- صوم يوم عاشوراء. فلا ذكر في هذين المصدرين ولا إشارة إلى أن الرسول وجد اليهود يصومون هذا اليوم فأمر بصيامه.

ومصنف عبد الرزاق يذكر أن صوم عاشوراء صوم قريش في الجاهلية، ما يعني أن روايات صوم عاشوراء صوم اليهود تظهر إذًا متأخرة، كما يبدو أنه أمر لا يعرفه لا مالك ولا الشافعي.

الرد على التعليق

بالنسبة لظهور روايات لدى من دونوا الحديث في القرن الثالث لم تظهر عند من دونوه في القرن الثاني، فهذا يظهر في نوعيات كثيرة من المرويات، ربما لم تبلغ رواة القرن الثاني، أو بلغتهم ولكن لم يطمئنوا الاطمئنان الكافي لروايتها لما قد يكون لها من تعلقات سياسية، ويكون من المحتمل أن بعض المنتمين لطائفة ما أو أتباع ساسة ما هم من دسوها على الناس.

ومالك مثلًا لا تجد عنده روايات أحاديث كافية في فضائل الإمام علي، بينما المسند وكتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل مكتظان بها، وابن حنبل متأخر عن مالك، علمًا بأن الإمام مالك لم يكن فيه نصب بل أوذي بسبب ما بلغ العباسيون عنه من مبايعة آل البيت! لكن ربما شك أن بعض روايات أحاديث فضائل الإمام علي من وضع الشيعة، وهو ما تأكد لمن جاءوا بعده أنه غير صحيح فصححوها وأثبتوها في كتبهم.

وبالنسبة لعاشوراء فحق لمالك وللشافعي أن يشكا أن لبني أمية يد في دس أحاديث صوم اليهود.

لكن بعد أن اكتمل جمع ما تفرق، وعضدت الروايات المجتمعة من البلاد المختلفة بعضها بأسانيد مختلفة أعتقد أن الأمر انجلى في مواطن عديدة وليس فقط صوم عاشوراء.

وأرى أنه من المنطقي أن نقول: إن تفرق الصحابة في البلدان المفتوحة في القرن الأول جعل المتاح قليلًا وأقل موثوقية أمام من حاولوا جمعه بدءًا من أواخر القرن الأول وطوال القرن الثاني، وربما مات أحدهم وهو لم يسمع بحديث ما أو طائفة أحاديث في شأن من الشئون، حتى اتهم أبو حنيفة مثلًا بأنه ضعيف الحديث، وأنه يقدم الرأي على الأثر، فهل سأل نفسه من يرمي الاتهام إن كان الرجل قد بلغه هذا الأثر عن النبي من الأساس؟!