الجمعة، 20 سبتمبر 2019

213-محمد علي.. اللص الشريف!


محمد علي.. اللص الشريف!
د. منى زيتون
الجمعة 20 سبتمبر 2019
يُقال إن لكل عصر فسدة، ولكل فسدة علي! وفي تراث كثير من الشعوب على اختلافها تظهر شخصية اللص الشريف؛ كروبن هود في إنجلترا، وزورو في أمريكا اللاتينية، وعلي الزيبق في مصر. ولا يظهر هذا النوع من اللصوص إلا عندما يستشري الفساد ويعم من أكابر البلد، لتصبح مقولة "حاميها حراميها" أفضل وصف لواقع الحال. كما أن هذا اللص دائمًا يكون من ميسوري الحال، فهو لا يسرق لأجل جمع المال لنفسه فقط، بل يأخذ من الأقوياء المتسلطين الفاسدين ليعطي الفقراء المنهوبين.
في فترة احتلال الإمبراطورية الإسبانية لقارة أمريكا الجنوبية، وتحديدًا في القرن الثامن عشر، وعندما بلغت مظالم الإسبان درجة فادحة وبلغ غضب الناس مداه، ظهر زورو، والذي لم يكن إلا شابًا من أهل البلد، ممن نالوا أعلى درجات التعليم في إسبانيا ذاتها، وعاد بعدها إلى بلده، وقرر أن يساعد أهل بلده المظلومين، متخفيًا متقنعًا في شخصية أخرى، دون أن يكشفه أحد.
وفي إنجلترا، في العصور الوسطى، أثناء غياب الملك ريتشارد قلب الأسد، لقيادته الحملة الصليبية الثالثة، زادت المظالم التي تعرض لها الفقراء من طائفة النبلاء، بسبب إساءة استخدام النبلاء للسلطة، وعلى رأسهم شريف نوتينغهام، ففرضوا الضرائب الباهظة واستولوا على الأراضي. ورغم كون روبن هود أحد هؤلاء النبلاء إلا أنه كان صاحب ضمير حي لم يسمح له بأن يقف موقف المتفرج، واستطاع أن يضم إليه مجموعة من الرجال الأشداء من الطبقة المتوسطة، كوَّن بهم عصابة شريفة لسرقة الأغنياء وإعطاء أموالهم للفقراء، واستقر ومن معه في غابات شيروود، بالقرب من نوتينغهام.
إحدى روايات القصة تقول إن حرمان روبن هود من أراضيه وأملاكه كان شرارة ثورته ضد الظلم، بينما في نسخة أخرى منها يُحكى أنه بعد مشاركته في الحملة الصليبية الثالثة عاد سالمًا ولكنه وجد شريف نوتينغهام قد استولى على أراضيه، ورفض إعادتها! فكأن بداية ثورته كانت لأجل نفسه، ولكنها سرعان ما أصبحت ثورة لأجل عامة الناس.
وفي تراثنا الشعبي، لدينا أيضًا لص شريف، فعلي الزيبق من الشخصيات الشهيرة في التراث الشعبي المصري في فترة حكم المماليك. تحكي القصة عن شاب لم تكن تعجبه أوضاع النهب والسرقة والفساد المستشرية من الوالي وأعوانه، لكنه كان يعيش مثل باقي الناس، إلى أن حدث ما دفعه لتحدي الوالي مرة انتقامًا.
فوجئ الشاب بتهليل المظلومين وفرحتهم في الوالي، ثم عرف عن طريق الصدفة أن الوالي هو من تآمر على أبيه قبل سنوات وقتله وتسبب في حرمانه منه ويتمه، ما دفعه إلى تكرار أفاعيله البهلوانية التي كان يسخر فيها من الوالي والحاشية التي تأكل مال النبي، ولأنه كان يعرف كيف يفلت منهم بحيله كل مرة أسماه الناس "علي الزيبق".
منذ بدأ شهر سبتمبر 2019، والمصريون لا سيرة لهم سوى المقاول محمد علي، الذي ظهر في مقطع فيديو يحكي فيه عن مشاكله في العمل مع الجيش المصري في المقاولات، ويتهم قيادات فيه بأنهم لم يعطوه مستحقاته المالية المتأخرة عندهم، ويتحدث في الفيديو عن الإسراف والتبذير في قطاع الإنشاءات والمقاولات، وتوجيه موارد الدولة لبناء قصور وفنادق وغيرها من السفاهات التي لا تدر دخلًا على المواطنين.
شاهدت الفيديو الأول الذي بثه المقاول، ثم شاهدت بضع مقاطع فيديو أخرى بثها. وما فهمته أنا وغيري من المصريين أن الرجل -وكما يُقال بالعامية المصرية- "حلنجي ويلعب بالبيضة والحجر"، مكنته هذه الشخصية من أن يثرى ثراءً فاحشًا من العمل مع الجيش لمدة 15 سنة، لكنه مع ذلك ذو لسان ربما يكون أطول من اللازم لمدني يتعامل مع عسكريين من النوعية شديدة التسلط، وبعد أن ساءت العلاقات بينه وبين القادة الذين كان يعمل معهم، حتى وصل الأمر حد تحويله إلى محاكمة عسكرية، تحايل حتى استطاع الخروج خارج مصر، ثم استطاع تسفير أبنائه ليلحقوا به. وللحق فأنا أكاد أكون مقتنعة بأن الدافع الحقيقي الأولي الذي يقف وراء سلوكه هو دافع شخصي في البداية، وإنما نشأ الدافع الوطني والحديث عن الفساد وحقوق العباد بعد أن ساءت الأمور بينه وبينهم، وآلت إلى ما هي عليه من سوء.
ومحمد علي في ذلك لا يختلف عن أي من اللصوص الشرفاء عبر التاريخ، فكل من هؤلاء كان خارجًا على القانون وخارجًا على السلطة، لكنه كان شريفًا؛ خاض معركته مع السلطة لتحقيق العدالة الضائعة وإعادة توزيع الثروة بين العباد! وكلهم قد ثار لنفسه أول الأمر، منطلقًا من دوافع شخصية. الفرق الوحيد بينه وبينهم هو أنه لم يعد بحاجة لقناع يخفيه مثل زورو، ولا لغابة تُداريه مثل روبن هود، فباستطاعته أن يتكلم في إسبانيا وأن نسمعه في مصر!
في قصة علي الزيبق تحديدًا ظهرت شخصية أمه التي تتدخل مرارًا لإنقاذه، ورغم كونها شخصية حقيقية فقد كانت رمزيتها واضحة للوطن الذي لا يتخلى عن أبنائه المخلصين، ويسعى لتخليصهم من أيدي الحكام الظلمة الأوباش. وفي قصة محمد علي الدائرة حوادثها نصب أعيننا يبدو أن هناك أطرافًا متعددة تحاول –أو حاولت بالفعل- التدخل والاستفادة منها، وصار الرجل في مأمن حتى لم يعد يتحدث عن أن السيسي سيقتله، بل صار يطالبه بالتنحي!
على ما يبدو فإن أهم هذه الأطراف التي تواصلت مع محمد علي هي المخابرات العامة المصرية، وربما وزير الدفاع الحالي، والهدف هو الضغط على السيسي لأجل التنحي، ووصل الأمر حد التهديد بفضائح جنسية، وصدق من قال إن الجزاء من جنس العمل؛ فالسيسي الذي كان يُهدِد خصومه السياسيين بفبركة تسجيلات غير لائقة لهم صار يُهدَد بكشف فضائحه الجنسية الحقيقية، والتي تناثرت بعضها إلى مسامعنا بالفعل!
وفي مفاجأة غير متوقعة ظهر أحد أشهر عرائس الماريونيت التي استخدمت في ثورة يناير 2011، وأفسدتها، ظهر وائل غنيم ليثبت على نفسه أنه ليس أكثر من عميل يظهر لتضليل الشعب وتحويل توجهاتهم بضغطة زر ثم يختفي عندما ينتهي دوره على مسرح الحوادث، طعن وائل في محمد علي دون مناسبة، وهدفه تثبيط أي تحرك ضد السيسي، ولا نعلم حتى الآن هل هو عميل لمخابرات السيسي الحربية، أم للمخابرات الأمريكية التي تحاول الاحتفاظ برجلها في مصر، ومحاولة ركوب الموجة كالعادة لحين ترتيب الأوضاع لعدم وجود سيناريو جاهز لديهم للتعامل مع الحدث الذي من الواضح تمامًا أنه أربكهم مثلما أربكتهم ثورة يناير 2011 من قبل.
في الوقت ذاته انتشر بيان منسوب إلى الفريق سامي عنان، قيل إنه قد سربه من محبسه، وعن نفسي لا أصدق نسبة هذا البيان إلى الفريق عنان، بل الأقرب أن يكون جناحه داخل الجيش هو من ادعاه لأجل وضع عنان في الصورة في حال خلو منصب الرئيس، وهذا بطبيعة الحال لأن وزير الدفاع محمد زكي في حال أعاد تنفيذ سيناريو 30 يونيو بشكل مصغر لتبرير الإطاحة بالسيسي، ولم تكن هناك أيادٍ أخرى فاعلة معه لها من الوزن ما يسمح لها بالقرار، فإنه ولا شك سيستأثر بالحكم لنفسه.
في قصة علي الزيبق قام السلطان بعزل الوالي الأول وإحلاله بوالٍ آخر تلقفته عصابة الحاشية نفسها فلم يتغير شيء على الرعية، ما دفع علي الزيبق في الاستمرار، ونأمل ألا يكون هذا حالنا، فيحل محمد زكي محل السيسي، ويستمر الفساد والإفساد والقتل والترويع وإرهاب المواطنين، وإن كان الخلاص من السيسي في حد ذاته أملًا غاليًا!