الاثنين، 10 يونيو 2019

179-عوامل الخطر الاجتماعية المؤدية للإرهاب


عوامل الخطر الاجتماعية المؤدية للإرهاب
د/ منى زيتون
الاثنين 10 يونيو 2019

مع تنامي ظاهرة التطرف الديني، كانت هناك محاولات من علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي في الغرب لتحديد الظروف الاجتماعية التي تحيط بالمتطرف، وتدعم وصوله إلى حد الإرهاب، ولكن كانت النتائج إلى حد بعيد محبطة. ووفقًا لموسوعة الويكيبديا، فإنه قد وُجد غالبًا أن الإرهابي سينظر ويلبس ويتصرف مثل أي ‏شخص آخر حتى ينفذ المهمة المحددة له؛ لذا فإن الاستناد على الملامح الشخصية أو ‏الجسمانية أو الاجتماعية لا يبدو مفيدًا جدًا لأن الوصف الجسماني والسلوك الاجتماعي للإرهابي يمكن أن يصف ‏تقريبًا أي شخص طبيعي.
ويشير جون هورجان (2008) إلى ما يؤكد على الرأي السابق عندما يذكر أنه بعد مرور أقل من سنة على وقوع ‏أربعة تفجيرات انتحارية منسقة استهدفت مترو‎ ‎الأنفاق في لندن في 7 تموز/يوليو 2005، خلص تقرير ‏لمجلس العموم البريطاني حول حوادث ذلك اليوم إلى القول: "ما نعرفه عن المتطرفين السابقين في المملكة‎ ‎المتحدة يظهر عدم وجود سمات مشتركة نمطية ثابتة للمساعدة في تحديد من يمكن أن يكون‎ ‎معرّضًا لأن ‏يصبح متطرفًا. والأشخاص الأربعة المعنيون هم ثلاثة من المواطنين‎ ‎البريطانيين من الجيل الثاني، الذين ‏ينحدر آباؤهم من أصول باكستانية، وواحد ينحدر‎ ‎أبواه من جامايكا. كامل بورغاس الذي أُدين في مؤامرة ‏ريسين، فشل في الحصول على حق‎ ‎اللجوء السياسي في الجزائر، وريتشارد ريد الذي أخفق في تفجير ‏الحذاء/القنبلة أمه‎ ‎إنجليزية وأبوه من جامايكا. وقد حصل البعض على مستوى جيد من التعليم، في حين‎ ‎حصل البعض الآخر على قدر أقل من التعليم. والبعض فقراء حقًا، في حين أن البعض الآخر أقل‎ ‎فقرًا. ‏والبعض اندمج جيدًا على ما يبدو في المملكة المتحدة، ولكن البعض الآخر لم يفعل‎ ‎ذلك. ومعظمهم عزّاب، ‏ولكن البعض متزوجون ولهم أولاد. والبعض من المتقيدين في الماضي‎ ‎بالقوانين، ولكن للآخرين تاريخًا في ‏ارتكاب الجرائم البسيطة"‏. وقد انطوت جميع أجزاء هذا التقرير الجدير بالملاحظة على إحساس بالإحباط، ‏بسبب‎ ‎الفشل في التوصل إلى تحديد سمات مشتركة ثابتة بين شخصية الأفراد الذين تم تجنيدهم‎ ‎في حملة "‏القاعدة" العالمية للإرهاب والتخريب في بدايات الألفية الجديدة.
كذلك يشير بست ‏(Best, 2008)‏ ‏إلى أن ما كان أكثر إدهاشًا للناس عن حوادث 7 يوليو 2005 بلندن، هو أن الأشخاص الأربعة المسئولين عن ‏التفجيرات كان لديهم إلى ذلك اليوم حياة هادئة جدًا، ولم يكن لديهم أي اتهامات سابقة!
ويصدمنا ‏فيكتوروف ‏(Victoroff, 2005)‏ حين يذكر أن مما يميز دراسات الإرهاب هو قيامها على التخمين النظري ‏المستند على تفسير شخصي لبعض الملاحظات، مع الفشل في الأخذ في الحسبان عدم التجانس العظيم ‏للإرهابيين!
لكن بالرغم من عدم التجانس الاجتماعي العظيم بين الإرهابيين والمتطرفين عامة، والذي يكاد يجمع عليه جميع الباحثين الاجتماعيين، فإنه لا يمكن إنكار وجود أسباب اجتماعية تمثل عوامل خطر اجتماعية، وقد تؤدي بأفراد أي مجتمع إلى التطرف دينيًا، بغض النظر عن الدين أو المذهب الذي ينتمون إليه، أو المجتمع الذي يوجدون فيه، ولكن بالرغم من ذلك تبقى عوامل خطر، ولا يمكن القطع أن من يتعرض لها سيصبح إرهابيًا، ومن أهمها:
1-المشاكل والضغوط الاجتماعية
لأن السرعة والتغير هما سمتا عصرنا المادي، فقد أصبح الإنسان المعاصر يعاني من كثرة المواقف الضاغطة المستمرة عبر مراحل حياته، التي يمر بها في الدراسة، ثم الزواج والعمل، والتي يفرضها عليه المجتمع.
في المجتمعات النامية تحديدًا –كسائر الدول العربية- تزيد حدة هذه الضغوط عنها في المجتمعات المتقدمة، مع تدهور أوضاع التعليم والأوضاع الاقتصادية فيها. كما تسهم الظروف التي قد تقتضي من الإنسان الانتقال إلى مجتمع آخر، تختلف قيمه وعاداته وأعرافه، مع تلك المناظرة في مجتمعه، ويكون عليه التكيف والتأقلم معها، في زيادة حجم الضغوط الاجتماعية عند البعض.
واستمرار تعرض الإنسان لضغوط المجتمع يسبب له الإجهاد العصبي، كما يؤدي إلى بعض الأمراض النفسية كالقلق والعدوانية أو الانطوائية، وغيرها، وقد تصيبه كذلك بعض الأمراض العضوية مثل ارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة والقولون العصبي من تأثير ضغوط الحياة ومشاكلها المتزايدة. ولكن الأدهى أن تلك الضغوط قد تصل به لحد التطرف الفكري!
يستخدم المتطرف هنا ميكانيزم دفاعي شهير هو التحويل، فهو يحول مشاكله الاجتماعية لقضايا عامة كي يخفف الضغط على نفسه.
والفرق بين المتطرف والمواطن الإيجابي هو أن المواطن الإيجابي يحب وطنه ويعترف بمشكلات مجتمعه، لكنه لا يرى جانبه الأسود فقط، وفوق ذلك يسعى لتجاوز تلك المشكلات والمساعدة على حلها، لكن المتطرف يكره مجتمعه ويرفضه كليةً، متصورًا أن حل مشاكله تكون بإحلاله بمجتمع بديل ينتمي لعصور مضت!
2-الانتماء لجماعة متطرفة
يعد الشعور بالهوية المشكلة الرئيسية في المراهقة؛ ودخول الإنسان مرحلة المراهقة هو بداية رحلته لفهم نفسه، وما يريد وما يمكن أن يقوم به من أدوار في المجتمع عندما يكبر.
وتلاحظ الكاتبة من متابعتها وقراءاتها للحوادث؛ أن الجماعات المتطرفة تسعى لضم الأعضاء ‏من صغار السن وخاصة المراهقين. ويفسر فؤاد أبو حطب وآمال صادق ‏(1995، ص 393)‏ ذلك حين يذكران أن ‏المراهقين قد يلجأون إلى بعض الحيل الدفاعية ضد اضطراب الهوية، ومنها الانضمام إلى الجماعات، وهي ‏من الحيل التي تفقد المراهق فرديته، وقد ينضم المراهق إلى الجماعات المتطرفة التي تصوغ المراهق في ‏قالبها من حيث السلوك والملبس والمعتقد.‏
يعد الانضمام لجماعة لها قيم وأفكار تختلف جذريًا عن قيم وأفكار المجتمع الأم، خطوة أولى على طريق التطرف الديني، ستليها خطوة أخرى بالتأكيد هي التعصب لأفكارها، وقد يليها الإرهاب! وتلعب المعرفة المضادة للمجتمع Antisocial Cognition -كاتجاه معاكس لأسلوب الحياة الاجتماعية- دورًا في تكوين وتعزيز السلوك المتطرف.
فمن النادر أن نجد شخصًا يحمل فكرًا متطرفًا يستمر في حالة الانعزال عن المجتمع الأم لفترة طويلة، لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، كما أن أعضاء الجماعات المتطرفة يسعون لاستقطاب كل من يجدون لديه استعدادًا فكريًا للانضمام إليهم، من ثم سينتهي به الأمر إلى الانضمام لجماعة تحمل الفكر ذاته الذي يحمله أو فكر مقارب له.
وتستخدم الجماعات المتطرفة مغريات متنوعة لجذب الأفراد للانخراط في الجماعة. ويشكل هؤلاء الرفاق المضادون للمجتمع Antisocial associates  دعمًا اجتماعيًا للتطرف؛ بسبب ارتباط الفرد بهم، وانفصاله اجتماعيًا عن مجتمعه الأصلي.
وقد حدد جون هورجان (2008) مجموعة من العوامل المسبقة التي تجعل المرء مهيئًا‎ ‎للانخراط في ‏الإرهاب. ومن هذه العوامل: وجود توقعات تتعلق بالانخراط في الجماعة، كالإحساس بأن لحياة‎ ‎المرء هدفًا، والمشاركة في النشاطات، والتأهل للانضمام إلى المجموعة عن طريق الأصدقاء أو‎ ‎الأسرة، أو النشوء في بيئة ‏معينة.
ويرى هورجان أنه وطالما ظل‎ ‎الالتزام والتفاني في تهيئة وضم الفرد أكثر فأكثر في ‏الحركة إيجابيًا بالنسبة للفرد، فإن ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل هوية جديدة، أو هوية معززة ‏بشكل‎ ‎فعال له. وإن شئنا أن نفهم ماهية "العقلية الإرهابية"، إن كان هناك مثل ذلك الأمر، فلعل‎ ‎الأفضل هو أن يُنظر إليها كنتاج لانتماء اجتماعي متزايد إلى أعضاء حركة إرهابية، وما يرتبط بذلك من انخراط في‎ ‎نشاط غير قانوني.
والسؤال الجوهري: ما السبب المنطقي لتمسك هؤلاء البشر بالجماعة إلى حد الكذب لأجل تصويب مواقفها أمام الجماهير؟ وهل هم ‏بالفعل مقتنعون بما يدّعون الاقتناع به من أفكار أم يبررون بدافع الانتماء للجماعة؟
الإجابة على هذا السؤال تتضمن بنودًا عدة؛ فيلزمنا فهم كيفية تكوين هذه الجماعات فكريًا، والكيفية التي ‏يُضمن بها استمرار الأعضاء في الانتماء إليها، حيث تُستثمر المعتقدات والمواقف الأخلاقية ‏المشتركة، وتعمل كقوة للتوحيد داخل مجتمع تلك الجماعات، ويمكنني القول إن هؤلاء الأفراد تنشأ لديهم حالة من التمركز حول الذات الجمعية للجماعة. وكثيرًا ما يتلازم اندماجهم مع أفراد الجماعة الجديدة التي انتموا إليها، بابتعادهم عن أسرهم وأصدقائهم، وكل ما ليس له صلة بحياتهم الجديدة.
ووفقًا لــجيرولد بوست (2007) فإنه ‏بالرغم من وجود العديد من العوامل والدوافع الفردية لممارسة الإرهاب، فقد وُجد أنه بدلًا من علم النفس الفردي، ‏فإن ما يبرز كأقوى عدسة مكبّرة يُنظر من خلالها لفهم‎ ‎السلوك الإرهابي هو علم نفس المجموعة والمنظمة ‏وعلم النفس الاجتماعي، مع تأكيد خاص‎ ‎على "الهوية الجماعية"، والتي يتم ترسيخها بالنسبة لبعض الجماعات ‏‏-خاصة الجماعات‎ ‎القومية/الإرهابية- في وقت مبكر جدًا.
3-تغير قيم المجتمع
ربما لا يوجد شخص يعيش على ظهر الأرض لم يلحظ التغيرات السريعة التي لحقت قيم وأعراف مجتمعاتنا الصغيرة نتيجة انفتاح العالم.
كما أنه من الملاحظ أنه بعد انتهاء الحروب، يحدث خلل قيمي في المجتمعات، قد يصل عمقه إلى أن يحتاج إلى نصف قرن لإصلاحه!
وبعد خوض مصر –تحديدًا- لأربعة حروب في ربع قرن، كان من الطبيعي أن تختل قيم المجتمع، ويصبح أفراده أكثر أنانية، خاصة وقد مر المجتمع المصري بالكثير من التحولات الاجتماعية في فترة زمنية قصيرة، جعلت من الصعب الاحتكام إلى نموذج مثالي للسلوك في المجتمع المصري، ومن ثم يسهل وقوع كثيرين في براثن التطرف، بينما يعتبرون سلوكهم ويعتبره غيرهم عاديًا!
كما أدت زيادة استهلاك الشعب المصري لسلع غير أساسية، ولم يعتد عليها في سابق عهوده، قبل تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في نهاية السبعينات، إلى تغير قيم البساطة في المجتمع، وحلّت محلها قيمة الترف؛ مما عزّز الإحساس بالتفاوت الطبقي، وزاد الفساد في المجتمع؛ لرغبة كثيرين في الثراء السريع.
وتفككت العائلات الكبيرة وضاع التماسك الاجتماعي، فلم يعد متقبلًا تحمل نفقات إقامة أحد من الأقارب أو الأيتام والتكفل به كما كان يحدث قديمًا، مع زيادة تكاليف المعيشة بسبب التطلعات.
وتغير المقبول في العلاقات بين الشباب والبنات، مع عدم القدرة على الزواج.
وزاد إحساس الشباب بالظلم نتيجة عدم توافر فرص العمل المناسبة خاصة للمتفوقين، فأصبح الحصول على المال بأي وسيلة، حتى وإن خالفت القيم، هدفًا أكيدًا لدى كثيرين.
وكما وردتنا قيم مخالفة لمجتمعنا من بلاد الغرب، أتتنا غيرها من دول عربية أخرى، نتيجة الضائقة الاقتصادية التي دفعت كثيرين للهجرة بحثًا عن فرص العمل.
ولأن بعض هذه التغيرات في قيم المجتمع تبعد به عن حقيقة الإسلام والمجتمع المسلم، فقد أدت إلى تصاعد التطرف الديني، عندما ولدت رد الفعل المعاكس؛ حيث لجأ أفراد المجتمع إلى الدين ليقدم لهم القيم التي تحميهم من الإغراءات التي زادت في مجتمعهم، ولكنها كانت في حقيقتها قيمًا تتماشى مع مجتمعات أخرى لا تأخذ من الإسلام سوى المظاهر الشكلية.
4-البحث عن التقبل الاجتماعي
ليس من الضروري أن يكون السلوك المتطرف شاذًا في المجتمع، بل قد يكون منتشرًا في المجتمع ككل؛ مثلما يسود الغش والرشوة في المجتمعات التي تفسد كليًا، أو في بعض المجتمعات الفرعية أو الجماعات المحدودة في المجتمع الكبير.
فالسلوك المتطرف يُعرف من خلال آثاره السلبية على الفرد والمجتمع، وليس من خلال درجة شيوعه أو شذوذه، لأنه قد يشيع في بعض المجتمعات الفاسدة حتى يصير السائد، مما يجعل أفراد المجتمع يتحيرون بين ما تعلموا أنه الشكل المثالي من القيم، وما هو كائن أمام أعينهم في المجتمع.
ويعتبر البحث عن التقبل الاجتماعي في المجتمع الكبير أو الصغير من الأسباب التي تدفع الفرد نحو الفكر والسلوك المتطرف، ومن ثم يشكل فهم طبيعة العلاقة بين المتطرف وأفراد عائلته وأقرانه ورموز السلطة في مدرسته أو مسجد الحي أساسًا لتفسير وصوله للسلوك المتطرف، لأنه من المؤكد أن لأحدهم أو لبعضهم علاقة باكتسابه ذلك الفكر والسلوك.
****
ولا شك أن الأسباب التي يمكن أن تنشأ عنها ظاهرة معقدة كالتطرف الديني كثيرة ومتنوعة، ولنا عودة للحديث عن أسباب تربوية تتعلق بالتطرف، نراجع فيها واقع التعليم العام والتعليم الفني والتعليم الديني، وكيف أصبح نظام التعليم ككل بما هو عليه رافدًا للجماعات المتطرفة، وأثر سيطرة الجماعات المتطرفة على الجامعات والمدارس ونقابات المعلمين، وما يمكن أن تلعبه التنشئة المتسلطة في الأسرة والمدرسة من دور كبير في بذر بذور التطرف.