الثلاثاء، 5 مارس 2019

174-دراسة حالة


دراسة حالة
د/ منى زيتون
الثلاثاء 5 مارس 2019

من الحالات التي بحثتها مؤخرًا، حالة رجل كان أبوه في صغره منشغلًا كثير الأسفار، فلم ينل حظًا كافيًا من حنان ومحبة ورعاية الأب، تجعله يتعلم بشكل عملي كيف يمكن للرجال أن يعبروا عن انفعالاتهم تجاه أحبتهم. إضافة إلى ذلك علّمه أبوه أن التعبير عن الانفعالات لا يليق بالرجال، فكان من البديهي أن يكتسب درجة عالية للغاية من الضبط الانفعالي.
هذا الرجل يحاول منذ فترة، التقرب إلى فتاة، هي تدرك أنه حقيقةً يقدرها تمامًا، ولها مكانة في قلبه، لأنه وبالرغم من اتساع دائرة معارفه، إلا أنه لا يُقرِّب إلا قلة من الناس، وهي منهم. ولكنه يسلك على نحو عجيب؛ يجعله –غالبًا- يبدو لها كرجل لعوب لا يأخذ علاقته بها بجدية، وهو لا يُدرك أنها تراه على هذا النحو، وقليلًا ما تنفلت منه مشاعره لتظهر قوية صادقة! والأعجب أنه يبدو خجولًا تارات أخرى! وهي لا تفهم كيف يكون شخص واحد خجولًا ولعوبًا؟!
كما أنه، وبالرغم من تقديره البادي لها، وكونه يراها شيئًا ثمينًا وفرصة حقيقية لا تتكرر، يبدو أنه غير واعٍ بأن عقله الباطن ربما كان يرفض هذه العلاقة، فهناك دلائل على وجود تأرجح داخله حول قبول العلاقة أو رفضها. يبدو ظاهريًا أن هذا لأسباب تتعلق بأسرته، كما أنني –ومن دلائل متجمعة لدي- أتشكك في أنه قد يكون مر بخبرة سيئة مع فتاة أخرى غير تلك الفتاة، لعبت دورًا في تخوفه غير الواعي وغير المبرر.
وأحيانًا تشعر الفتاة أن الأمر ليس تأرجحًا، وإنما هو يريد أن يعلقها –مخافة أن يفقدها- إلى حين ينتهي من بعض المشاكل التي لا تستطيع حتى اللحظة تحديد ماهيتها بدقة، لأنه شديد الغموض والتكتم، ولا يدرك أن غموضه وتكتمه هذين يسهمان في زيادة تشككها في أنه لعوب، لأن الرجل الجاد لا يسلك على هذا النحو، ولا يؤخر إعلان ارتباطه بإمرأة إلا من يريد أن يتلاعب أمام باقي النساء، وربما يخون!
من ثَم، تُوجد لدى هذا الرجل مشكلات، انفعالية وسلوكية، ولكل منها سبب يختلف عن الآخر، المشكلة الأولى هي الطريقة التي تظهر بها مشاعره، ما بين قوية صادقة، وهذا نادرًا، وباردة متحكمة، وهذا غالبًا، وسبب هذه المشكلة هي الدرجة المتطرفة في الضبط الانفعالي التي اكتسبها نتيجة للتنشئة الاجتماعية. بالرغم من ذلك فإن هذه المشاعر التي نادرًا ما تظهر –ولأنها تكون صادقة- فهي العلامة الوحيدة التي تنسف فرضية أنه متلاعب، أو تضعفها.
والمشكلة الثانية تكمن في المفاهيم الكامنة في عقله الباطن غير الواعي التي تسبب تأرجحه بشأن استمرار العلاقة، والذي يؤثر قطعًا على سلوكه تجاه الفتاة، ولذا فهو لا يخطو خطوات حقيقية في اتجاه تدعيم علاقته بها وتطويرها، رغم إدعائه عكس ذلك.
من ثَم، فإن المشكلة الكلية والأهم هي أنه حتى اللحظة، يرفض الاعتراف بوجود مشاكل؛ والنتيجة أنه يبقى ملتصقًا مكانه! أما هي فلأنها تحبه وتقدره، كما أنها تدرك مشاكله أكثر مما يدركها هو، فلا زال لديها بصيص أمل أن يزيد وعيه بتلك المشاكل، لأنها الخطوة الأولى ليتغلب عليها، ويبادر، ويخطو معها نحو السعادة.