الأحد، 11 يونيو 2017

95-ماذا تعرف عن الشيعة الإمامية؟

ماذا تعرف عن الشيعة الإمامية؟
د/منى زيتون
السبت 12 أغسطس 2017


من أشد العجائب أن تسب أحدًا لاعتناقه عقيدة أنت لا تكاد تعرف عنها شيئًا، فالأمر بهذه الحالة هو سبْ على الهوية! وهو ما يفعله المتنطعون منا من أهل السُنة تجاه أي شخص يخبرهم أنه شيعي، فتدور افتراضات معينة في رؤوسهم بناءً على ما حفّظهم السلفية عن الشيعة، قبل أن يبدأوا السباب (يا شيعي يا مجوسي يا كافر يا ابن المتعة)!
تُعد الشيعة الإمامية أكبر فِرق الشيعة، وإذا أُطلِق مسمى الشيعة دون تخصيص فإنهم المقصودون بالمصطلح، ويُطلق عليهم أيضًا اسم الرافضة، ذكر الشهرستاني أن الإمام زيد أطلقه عليهم لمّا رفضوه لعدم تبرئه من الشيخين، كما يُطلق عليهم الجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر الصادق الذي يأخذون عنه أغلب فروعهم الفقهية.

هل كان في عقيدة الشيعة الإمامية الأوائل تجسيم وتشبيه لله؟
كان الشيعة الإمامية الأوائل قد تبنوا نظرية التجسيم ودعموها فلسفيًا، خاصة هشام بن الحكم، أكبر تلاميذ الإمام جعفر الصادق، والذي زاد في التجسيم عن الحد الذي وصله غُلاة الحنابلة من بعده –المعروفون في عصرنا باسم السلفية-، ينسب النشار في "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" لابن الحكم أنه أبرز ممثل لمدرسة الصادق، بما يعني اتهام النشار الضمني للصادق بقبول فكرة التجسيم والتشبيه، بينما نقل الشهرستاني في "المِلل والنِحل" (ج1، ص167) عن الصادق تبرؤه منه. كما أقر النشار (ج2، ص221) بأن "جعفر الصادق كان أقرب في عقائده الكلامية إلى عقيدة الأشاعرة، وهي العقيدة التي تكونت بعده على هدى من عقائد السلف"أهـ.
ويوضح الشهرستاني في "المِلل والنِحل" (ج1، ص166) التطور العقدي لدى الإمامية، يقول: "كانوا في الأول على مذهب أئمتهم –يعني من آل البيت- في الأصول –يعني كونهم على العقيدة المنزِّهة لله-، ثم لمّا اختلفت الروايات عن أئمتهم، وتمادى الزمان، اختار كل فرقة طريقة، وصارت الإمامية بعضها معتزلة، إما وعيدية، وإما تفضيلية، وبعضها إخبارية إما مشبهة وإما سلفية"أهـ.
والمقصود بالمعتزلة الوعيدية من قالوا بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار، وأما التفضيلية فهم من توقفوا في تفضيل أبي بكر وعمر أو فضّلوا عليًا كالزيود، وأما الإخبارية فهم من أخذوا بالأخبار والنقل، فالمشبّهة منهم من شبّهوا الله بخلقه وجسّموه مثلهم في ذلك مثل الحنابلة، وأما ما يقصده الشهرستاني بالسلفية فهم أهل السُنة من الأشاعرة والماتريدية، والذين لم يكن يُطلق مسمى السلف على غيرهم قبل أن تتم سرقة المصطلح ونسبته إلى غيرهم في عصرنا الحديث.
وقد صنّف الأشعري في "مقالات الإسلاميين" اعتقادات فِرق الشيعة الإمامية في كل مسألة من مسائل التنزيه والصفات، وفيما يخص التجسيم قسمها إلى ستة أقسام، خمسة منها تجسيمية، والفِرقة السادسة فقط عدّهم غير مجسمين. ووفقًا للأشعري (ج1، ص106) فإن "الهشامية هم الفِرقة الأولى من الروافض، وهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي، يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وحدّ، طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يوفي بعضه على بعض، ولم يُعينوا طولًا غير الطويل، وإنما قالوا: "طوله مثل عرضه" على المجاز دون التحقيق، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان،.........."، وحكى عن الفِرق الثانية والثالثة والرابعة والخامسة منهم نحو ذلك من التجسيمات التي لا أساس لها في دين الإسلام، بينما قال الأشعري عن الفِرقة السادسة (ص109) "يزعمون أن ربهم ليس بجسم، ولا بصورة، ولا يُشبه الأشياء، ولا يتحرك، ولا يسكن، ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه"أهـ.
ويؤكد ابن تيمية حالهم الأول من التجسيم والتشبيه المغالى فيه حتى قياسًا بحال غُلاة الحنابلة. يقول في "منهاج السنة" (ج1، ص71-72) "كان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم، وهشام بن الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأمثالهم، يزيدون في إثبات الصفات –يعني التجسيم والجوارح- على مذهب أهل السُنة، فلا يقنعون بما يقوله أهل السُنة والجماعة من أن القرآن غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، وغير ذلك من مقالات أهل السُنة والحديث، حتى يبتدعون في الغُلو في الإثبات والتجسيم والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس. ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة"أهـ.
وأقول: إن أواخر المائة الثالثة شهدت تحولًا في متبنيّ نظرية التجسيم بين المسلمين، حيث انتهى عنها الشيعة، والتقطها بعض السُنة ممن عُرفوا بعد ذلك بالحنابلة نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل رغم ما عُرف عن الإمام من تفويض، ولكن ربما بقي كثير من الشيعة على تجسيمهم القديم، ولم ينتقلوا عنه سريعًا، كون هذا يُفسر عدم نشوء فتن بين الشيعة والحنابلة وقعت بسبب الصفات، على كثرة ما حدثت بينهم من فتن حكاها لنا التاريخ، خاصة ببغداد، في القرن الرابع الهجري.
وكان عهد دولة البويهيين في بلاد فارس في القرن الرابع الهجري، وتسلطهم على الخلفاء ببغداد، هو مرحلة أساسية في اكتساب الشيعة الإمامية لكثير من عقائد المعتزلة، حيث حدثت نقلة نوعية في عقائد الشيعة الإمامية، وتخلوا عن التجسيم، وصارت لهم بعض العقائد الأقرب إلى المعتزلة، مع تفردهم بعقائد أخرى.

عقائد الإمامية
1-التوحيد
إن عقيدة الإمامية المتأخرين أقرب إلى عقيدة المعتزلة في أصلها الأساسي، التوحيد، مثلهم مثل الشيعة الزيدية، رغم ما ثبت عن الإمام جعفر الصادق من رفض للاعتزال، واختلافه مع عمه زيد بن علي بسبب علاقته بواصل بن عطاء الذي كان متوقفًا في عدالة الإمام علي!
يقول عنهم ابن تيمية في "منهاج السنة" (ج1، ص70): "وأما عمدتهم في النظر والعقليات، فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة، ووافقوهم في مسائل الصفات والقدر"أهـ.
فكشأن المعتزلة يعتقد الشيعة الإمامية بتوحيد الذات والصفات، وأن صفاته تعالى عين ذاته، ووجودها هو وجود الذات، كما يؤولون النصوص الموهمة بالتشبيه كسائر الأمة عدا المعروفين في عصرنا بالسلفية.

2-العدل
يعتقد الإمامية بالعدل كأصلٍ ثان من أصول عقيدتهم، والذي يعني أن الله عدل، لا يفعل الظلم، يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين –وعد بالثواب وتوعد بالعقاب، كقول المعتزلة-، ولا يقولون في القدر بالجبر، فهم يرفضون أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد، كما لا يقولون بالتفويض، والذي هو عكس الجبر، بل الأمر بين الأمرين. وقد ثبت عن الإمام الصادق أنه كان في موقف متوسط بين الجبر والاختيار، كما هو حال أهل السُنة.

3- النُبوة
الأصل الثالث في عقيدة الإمامية هو النبوة، فيعتقد الإمامية أن من لطف الله بعباده إرسال الرسل لهدايتهم، ويؤمنون بضرورة وجود معجزة لكل نبي، ولكل الأنبياء عصمة تنزههم عن الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها قبل النبوة وبعدها، فأثبتوا للأنبياء العصمة من صغائر الذنوب وليس كبائرها فقط كما يعتقد أهل السُنة، ولكنه خلاف بسيط لا تنشب بسببه الفتن.
أما ما يتناقله بعض عامتنا نحن السُنة من أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن الوحي أخطأ بالنزول على سيدنا محمد بدلًا من سيدنا عليّ، فلا أساس له، ولا يوجد في كتبهم القديمة أو الحديثة أثر لذلك.

4- الإمامة
يعتبر الفارق الرئيسي بين عقيدتهم وعقائد سائر المسلمين هو اعتقادهم بالوصية بالإمامة لسيدنا علي وأئمة آل البيت المُعينين وحسب.
يقول الإمام ابن حزم في "الفِصل" (ج4، ص156): "وأما ‏القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا ‏في ولد علي رضي الله عنه فإنهم انقسموا قسمين. فطائفة قالت: ‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على علي ‏بن أبي طالب أنه الخليفة بعده، وأن الصحابة ‏بعده عليه السلام اتفقوا على ظلمه، وعلى كتمان ‏نص النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء ‏المسلمون الروافض –يعني الإمامية-، وطائفة قالت لم ينص النبي صلى ‏الله على عليّ لكنه ‏كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالأمر، وهؤلاء هم الزيدية، نُسبوا ‏‏إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب"أهـ. وهناك الإسماعيلية، وليس هنا موضع الحديث عنهم.
فبالنسبة للإمامية تُعتبر عقيدة الإمامة العقيدة الرئيسة التي ينبني عليها مذهبهم، فهم ‏يعتقدون أن إمامة المسلمين في سيدنا عليّ بن أبي طالب، وأبنائه الاثنا عشر المنصوص ‏عليهم من بعده؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد وصّى على إمامة سيدنا علي، والحسن والحسين، ثم نصّ كل إمام على الذي يليه، فالأئمة منصوص عليهم من الله عز وجل على لسان نبيه أو الإمام الذي قبله، فليست الإمامة عندهم بالاختيار مثل الزيدية. وآخر هؤلاء الأئمة عند الإمامية هو محمد المهدي والذي يعتقدون غيبته ورجعته آخر الزمان.
ويترتب على هذا الاعتقاد أنهم يعتقدون بعصمة ‏الأئمة الاثنا عشرية، ويبجلونهم أيما تبجيل، كما يعتقدون أن كل من يتولى أمر المسلمين من غير أئمة آل البيت هو مغتصب.
والإمامة عند الشيعة واجبة سمعًا وعقلًا –تأثرًا بطريقة المعتزلة في اعتبار العقل-، وليس سمعًا فقط كما هو الحال عند الأشاعرة.
يقول فيصل عون في مقدمة تحقيقه لـ "الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص11): "إن الشيعة قد حرمت الأمة الإسلامية من حق اختيار الحاكم تحت عدة مسوغات منها: أن الاختيار الإلهي أفضل من اختيار البشر؛ لأنه معصوم من الخطأ، ومنها أن السلطة الدينية لا بد أن تكون بالنص والوصية لا بالبيعة أو الاختيار، ومنها عدم أهلية الفرد والجماعة لاختيار الخليفة أو الإمام؛ ومنها الزعم بأن الاختيار الإلهي يُجنب المجتمع الإسلامي مغبة الفتن والتناحر الذي ينشب بين المرشحين لهذا المنصب. وقد ذكرت الشيعة آراءها على ضوء قراءتها الخاصة لبعض الآيات والأحاديث النبوية الشريفة، حيث انتهت إلى القول بوجود عدة آيات وأحاديث تنص على إمامة عليّ وبنيه من بعده بحيث لا تخرج الإمامة عن أهل البيت"أهـ.

لا يعتقدون في عدالة الصحابة
لا يعتقد الإمامية في عدالة الصحابة، متعللين بأن سورة كاملة نزلت في المنافقين، وبتوفر الأخبار الصحيحة التي تؤكد وجودهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن تقرير أن الخلافات التي نشبت بين سيدنا علي وبين غيره من الصحابة تؤثر في أحكام عامة الشيعة الإمامية عليهم، كما قد يؤدي هذا بغُلاة الإمامية إلى سبْ ‏الصحابة، كونهم لم ينصروا آل البيت وسلبوهم حقهم، وكان السب سببًا رئيسيًا في إثارة ‏كثير من الفتن عبر التاريخ بين الإمامية والحنابلة خاصة.
والأهم أن هذا الفعل (سب الصحابة) رغم أنه لا يصدر سوى من غُلاة الإمامية إلا أن غُلاة السُنة يظنونه عامًا فيهم، ويتسبب في عداء دون تروي بينهم وبين أي شيعي، ومبادرة بسبه حتى لو لم تبدر من الشيعي أي كلمة!

موقفهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا يرى الشيعة الإمامية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون باليد مع مخالفتهم في ذلك لفعل وقول الإمام عليّ؛ ذلك أن الإمامية قد أخذوا برأي أبي بكر الأصم المعتزلي الذي خالف فيه المعتزلة بأن حط السلاح أصلًا، وردّ على من قال بالسيف. والشيعة الإمامية يرون فقط جواز استخدام السيف في قتال أهل البغي مع الإمام العدل.
ومن الحكم المأثورة لديهم، التي ينسبونها إلى الإمام جعفر الصادق: إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط وسيف فلا. ومن الحكم المأثورة لديهم عنه أيضًا: إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، من كانت فيه ثلاث خصال، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى. وهي الاشتراطات الرئيسية للإمام الصادق فيمن يقوم بالأمر والنهي وتتمثل في: العلم- العدالة- حُسن الخلق.

عقائد تفرّدوا بها
للإمامية عقائد تفردوا بها عن جموع المسلمين مثل: القول بالبداء؛ إن لم يحدث أمر على ما أخبروه، قالوا: بل بدا لله تعالى في ذلك، والقول بالتقية؛ فإن ظهر بطلان قول قالوه، قالوا: إنما قلناه تقية.
ويؤكد الشهرستاني على تبرؤ الإمام جعفر الصادق من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشبيه، والقدر، وكل ما نسبوه إليه. يقول الشهرستاني (ص167) "وقد تبرأ عما كان ينسب بعض الغُلاة إليه، وتبرأ عنه، ولعنهم، وبريء من خصائص مذاهب الرافضة، من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشبيه، لكن الشيعة بعده افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهبًا، وأراد أن يروِّجه على أصحابه، ونسبه إليه، وربطه به، والسيد بريء من ذلك، ومن الاعتزال، والقدر أيضًا. هذا قوله في الإرادة: إن الله تعالى أراد بنا شيئًا، وأراد منا شيئًا، فما أراد بنا طواه عنا، وما أراد منا أظهره لنا، فما بالنا نشتغل بما أراده بنا، عما أراده منا. وهذا قوله في القدر: هو أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض. وكان يقول في الدعاء: اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك، لا صُنع لي ولا لغيري في إحسان، ولا حُجة لي ولا لغيري في إساءة"أهـ.

ويُنسب للإمامية القول بتحريف القرآن رغم إعلانهم أن اعتقادهم فيه أنه معجزة خالدة لا يقبل التحريف، وأن المذكور بكتبهم القديمة من وقوع التحريف فيه يُقصد به تغيير التأويل وليس تغيير الألفاظ.

ولهم مناسبات خاصة بهم، بدأ الحرص على إحيائها في عهد البويهيين منتصف القرن الرابع الهجري، مثل النياحة والعزاء في ذكرى كربلاء حزنًا على الحسين، والاحتفال بذكرى الغدير، وهو يوم توقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند عودته من حجة الوداع عند غدير خم، وإعلانه أن سيدنا علي مولى كل مسلم ومسلمة، والذي اعتبروه وصية من الرسول بالإمامة لعلي عليه السلام.

أما فقهيًا فتفردهم الأساسي عن باقي المسلمين بما فيهم الشيعة الزيدية هو في إجازتهم زواج المتعة،  وتمسكهم بعدم نسخه، وإن كان غير معروف بينهم في العائلات المحترمة، ولا يأتيه سوى السفلة. ‏

لماذا يذكرهم التاريخ كثاني الفرق المتسببة في الفتن بعد الحنابلة السلفية؟
كان الشيعة القدماء يعتقدون نفس اعتقاد السلفية المعاصرين أنهم الفرقة الناجية، وكانوا يعدون كل مسلم غيرهم ناصبي كافر؛ كونه لا يوالي أئمة آل البيت، حتى لو لم يجاهر بعداوتهم، ولكن تغير حكم المتأخرين من علمائهم في باقي الفرق، فحكموا بإسلامهم إسلامًا ظاهريًا.
لم يكن الشيعة الإمامية حملانًا وادعة عبر تاريخهم، وإن كانوا لا يطاولون السلفية ولا يقاربوهم في مستوى إثارة الفتن، وإضافة إلى الفتن التي افتعلها العوام منهم مع عوام الحنابلة، بسبب الاعتقادات في الصحابة وإمامة آل البيت عليهم السلام وفي القرآن الكريم وغيرها، كانت هناك تعصبات مذهبية تظهر من بعض الحكام الشيعة عبر التاريخ، ومن أهم الدول التي أقاموها في العصر الحديث، الدولة الصفوية في إيران، والتي نجحت في تحويل أغلبية سكان بلاد فارس من المذهب السُني الشافعي أو الحنفي إلى مذهب وعقيدة الشيعة الاثنا عشرية، وذلك بالتهديد والقتل والنفي. ولكن كي نكون منصفين، لا ننسى الصراع الصفوي/العثماني في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، والذي سالت فيه الدماء من الجانبين على أرض العراق، وكان الصفويون يقتلون كل من يستطيعون من أهل السُنة، ومثلهم العثمانيون يقتلون الشيعة.

ما ينبغي أن يكون في علاقة السُني بالشيعي
دائمًا ما تسببت الخلافات العقائدية بين السُنة والشيعة في وقوع الفتن، وقد تطرقت إلى نماذج تاريخية عديدة في هذا الشأن في مقال "الشيعة فوبيا".
ولعل أكثر ما يتسبب في الفتن بين الشيعة والسُنة هو تصور المتشددين من السُنة أن جميع الشيعة يسبون الصحابة، وأن من يترك فعل ذلك منهم إنما يتركونه تقية، وأنهم انتصارًا للصحابة عليهم أن يبادروا بالسب والتحرش بالشيعة، كما يكثر وقوع الفتن بسبب احتفاء الشيعة بمناسباتهم، والتي يراها المتشددون السُنة بدعًا يفسق فاعلها، ويستحق القتل لفعلها.
والعلاج في رأيي يتمثل في تفكيك تلك الأفكار واستبدالها بأفكار صحيحة على هدى الإسلام، وهي:
·        من ثبت إيمانه بيقين لا يُكفَّر بشك.
·        الناس تتعامل مع بعضها البعض بطيب مهما كان اعتقادها مختلفًا.
·        الناس تُحاسب بعضها على سلوكها وليس اعتقادها، فليس لك أن تتخيل أن فلانًا يعتقد كذا وتعامله على أساس ما تتصور.
·        ليس عليك التفتيش في جوهر اعتقاد الناس.
·        حتى الكافر لا يُقتل بكفره، والدماء كلها معصومة.
·        لا عصمة إلا للأنبياء، والحوار المهذب حول الحوادث التاريخية وإبداء الرأي حول فعل فلان أو علان في موقف ما ليس تطاولًا يستحق منك التعصب، ويمكنك بالمثل إبداء رأيك المخالف والاستدلال عليه.
·        سب الله ورسوله فقط هو ما يُخرج من الملة.
·        سب الصحابة ذنب، ولكن لا يُقتل فاعله، ولا يُتهم بالكفر وأنه ابن زنا كرد عليه.
·        أذية الشيعة لأنفسهم وطقوسهم العجيبة في عاشوراء ليست مُخرجة من الملة، وليس لنا دخل بها، طالما لا يؤذوننا.

وينبغي على كل سُني عند التعامل مع الشيعة أن يفهم أنه كما أن لدينا متشددين قد يصل تشددهم إلى الانخراط في الإرهاب وذبح الأبرياء وإراقة الدماء دون حق، فالشيعة أيضًا ليسوا كلهم متشددون، فكما أن منّا غُلاة فمنهم غُلاة.
أخيرًا، ينبغي الإشارة إلى أن للدكتور الشهيد علي شريعتي كتاب هام بعنوان: "التشيع العلوي والتشيع الصفوي". يفرق فيه بين التشيع المنبوذ الذي يقع في الصحابة ويدعي تحريفًا حدث بالقرآن للتقليل من شأن آل محمد صلى الله عليه وسلم والذي سماه "التشيع الصفوي"، وبين التشيع المحمود بمعنى حب آل البيت وتقديرهم وهو ما يسميه "التشيع العلوي"، كما انتقد ما سماه "التسنن الأموي"، ودعا إلي التقارب بين "التشيع العلوي" و"التسنن المحمدي". وليتنا نفعل.